الأشياء وهو الإسلام وما ترتب عليه من المهمات حسب إمكانه، وكان الفرض على الناس أن يتعلموا[164/ب] فإن الله يقول: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} وقال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): ((اطلبوا العلم ولو بالصين )) ثم انظر إلى حكمة الله بإرسال هذا الرسول الأمين إلى العرب والعجم يعرض نفسه في المواسم، ويظهر الحجج سنين، ثم شرع له الجهاد، ولم يزل يوصيه بنحو: {مَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ } {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ } ونحو {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } وهو واجد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وعلى مثل ذلك نبه الله عز وجل بقوله: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً ، فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} وقوله عز وجل: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} وهذا واضح جلي والله يقول: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ، لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا} فعلى الإمام بذل الوسع، وعلى المسلمين أيضاً بذل وسعهم على اختلافهم، فذو العلم بعلمه، وذو الرأي برأيه، وذو القلم بقلمه، وذو السيف بسيفه، ومن علم من نفسه صلاحاً لأمر لا يعلمه الإمام

فليعلم أنه مأمور بأمر الله، وإن لم يأمره الإمام إلا إن تحصل عنه الكفاية، وهذا قد يخفى على الحذاق كثير، وقد صرح به بعض الأئمة، ونصيحة أئمة الحق هي الدين، كما في الخبر الذي في الصحيح ((ألا وإن الدين النصيحة )) الخبر، وهذا هو جواب الإمام معقود في هذا الآتي:
سلوا هل زنا زانٍ وصح ولم أقم .... له الحد أو حداً تركت لشارب
وأرسلت في أمر الصلاة وغيرها .... رسايل تقرأ في جميع الجوانب
ووليت ناساً قد أخذت عليهم .... يذيعون دين الله بين العصايب
وإن رسول الله أرسل واحداً .... إلى اليمن الميمون رحب المضارب
وقال له علم ولست مسيطراً .... عليهم وأنذرهم وبال العواقب
وليس على أهل الولاية متعب .... إذا ما عصى العاصون من خلف حاجب
فقد كان بعض الناس في عصر أحمد .... يعدون إظهاراً كرام النقايب
وربتما يوماً أتوا بمحرم .... أقروا به إقرار عين المكاذب
ولولاهم أبدوه كان بسترهم .... وما كان هذا للنبي بثالب
على أنه ليس الإمام مخصصاً .... بتنكير منكور وتعريف واجب
ولكنه فرض عظيم معظم .... على كل سارٍ في البلاد وسارب
[165/أ] قال في اللمع والتقرير والبيان للسخامي، واللفظ للمع حسب ما أملاه علينا مولانا أمير المؤمنين، أيده الله: وجملة الأمر أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضربان، فضرب يلزم الكافة بحسب الإمكان، وضرب يلزم الأئمة، ومن يقوم مقامهم.
فأما ما يلزم الكافة فهو المنع من المناكر الظاهرة كالظلم وشرب الخمر والزنا والسعي في الأرض بالفساد، وما جرى مجرى ذلك والحمل على الواجبات، وما لزم الكافة من ذلك كان للإمام ألزم لأنه أحدهم، ولأنه منصوب لمصالح المسلمين.

وأما ما يختص بالإمام ومن يقوم مقامه، فهو سماع الشهادات، وتنفيذ الأحكام، واستيفاء الحقوق ممن لزمته، ووضعها في أهلها وإلزام من عليه حق أن يخرج منه، وتولية الحكام، ونصب القوام للأيتام الذين لا أوصياء لهم، والنظر في الوقوف وإقامة الجماعات، ومراعاة أحوال المساجد وإقامة الحدود، والتعزيرات، وسد الثغور، وحفظ بيضة الإسلام وتجييش الجيوش ومجاهدة الكفار والبغاة، انتهى.. وهذا كلام الأخوين نسبه أهل المذهب إليهما في أكثر الكتب ومعنى قولهم الحمل على الواجبات من الفروض العامة هو إلزام صاحبها أن يخلص نفسه لا كما يفعله الإمام من الأخذ بل مطلق تشديد منهم كما حكى معنى ذلك في التقرير، والإمام بحمد الله قائم بهذه الفروض أحسن قيام وأتمه، فإن الصلاة مأمور بها مبعوث إليها بالأفاضل في النواحي، والمناكير التي هي فرض الجميع لم نعلم بشيء لم ينه عنه، ولم يمنع فاعله أشد المنع وأغلظه، والحكام بحمد الله خيار هذه الأمة في كل صقع من الأصقاع، وجهة من الجهات وتحت ولايتهم نصب القوام وسماع الشهادات وغيرهما، والمساجد وأوقافها معمورة في كل جهة ناظر ينظر فيها بحسب الإمكان وليس على الإمام غير ذلك.

وأما أنه يعلم أن هذا الوالي لا يعصي ولا يخون، فليس من إمكانه فكيف يكون من تكليفه، وأما المجاهدة والحفظ والجيش، فما يعلم بناجم إلا وصب عليه سوط عذاب بقدرة الله وتأييده، وانظر إلى هذه الطايفة من النصارى سفكوا الدم وظلموا صاحب مصر واليمن والحبشة وفعلوا في سبيل بيت الله ما لم نسمع بمثله، حتى كادت الأفئدة تظن والعياذ بالله، أن يكون ذلك من أشراط الساعة وفزعت من أن يكون البحر قد منع جانبه، فلم يزل الإمام أيده الله، في الطلب لهم[165/ب] فبعث من حضرته المشرفة بجماعة من الجند المنصور، وكتب إلى الجنود في البنادر حتى يسر الله الظفر بهم، وأخذوا وقتلوا تقتيلاً إلا من استجار بكلمة الإسلام فإنه انتظر فيه حكم الله والله الهادي.
فأي نعمة على الإسلام، أظفى من هذا البُرد، وأي مِنَّة أشفى للعلة من هذا البرد، اللهم اجعلنا لنعمائك شاكرين ولآلائك ذاكرين، واجعلنا من الذين عرفوا النعم في وقتها فعرفوا النفس عزيمتها ومقتها، وأدم لنا هذه الدولة النبوية حتى نلقاك أجمعين راضياً عنا غير ضالين ولا مضلين، واحرس حارسها بجنود كلايتك وكن لنه ظهيراً واجعل له من لدنك سلطاناً نصيرا أمين اللهم أمين.
فمن لم يطق كان الإمام ظهيره .... وعونهم الرحمن أغلب غالب
وقد جاء أن الآمرين بواجب .... سيأتيهم نصر سريع الكتايب

اللمح إلى حديث السيلقية وما يشابهه، وينبغي التشريف به قال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): ((أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا ، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم تسعدوا، وأكثروا الصدقة ترزقوا، وأمروا بالمعروف تخصبوا، وانهوا عن المنكر تنصروا)) .
وإنا لنرجو الله نصراً معجلاً .... يطأ فوق هامات العدى والمناكب
ويقطع أهل الرفض في كل وجهة .... ويبتك أعناق العداة النواصب
ونرجع إخواناً كصحب محمد .... على حب أبناء النبي الأطايب
فإنهم والله خير عصابة .... إذا ما أتى في الحشر كل العصايب
هم مثل ما في النص أبواب حطة .... فمن يأتهم يسلم شبا كل شايب
عليهم صلاة الله بعد محمد .... ولا نرجو سكان أعلى المراتب
وقالوا بأن القسم للمال حائف .... فما بين مخط في السهام وصايب
وما علموا قسم النبي لصحبه .... فبعضهم أعطاه خير النجايب
وبعضهم أعطاه شيئاً وبعضهم .... رأى صده والمنع أسنى المواهب
وفي بدر البحرين حين تبادروا .... إليها وجاء الناس من كل جانب
فأفعم للعباس ثوباً وغيره .... حباه قليلاً من كرام شناخب
وقد يجب التفضيل عند وجوهه .... وأوجهه ليست تعد لحاسب

اعلم أن القسم لم يكن محدوداً عن الله تعالى بحد معين لا يجوز مجاوزته[166/أ] وإنما حده بتقوى القاسم وأمانته، ونظره في الصلاح والفساد، وليس لأحد أن يدعي أن قسمة رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ومن بعده كانت بمساواة الأجزاء لأن المعلوم خلافه، قال في أصول الأحكام ما لفظه: لا خلاف أن معنى القسم بالسوية بين الرعية على حسب اجتهاد الإمام، وما يعلم فيه من الصلاح للعامة وكما قال الهادي (عليه السلام) فيما يجب على الإمام أن يحكم في رعيته بأحكام الله، ويعدل في الحكم، ويساوي بينهم في قسم الفي.
قال السيد الإمام أبو طالب: المراد به أن يساوي بين المستحقين فيما استحقوه، فلا يبخس أحداً منهم حقه لأنه يجوز أن يفاضل بينهم على حسب اجتهاده، قال: وهذا مما لا خلاف فيه.

قال المنصور بالله (عليه السلام): ويكون معنى التسوية ما ذكر كما نقول في قسمة المواريث أنها عدل وحكمة وتسوية، وإن اختلف أجزاءها، وكذلك الأرزاق، وانظر إلى سيرة رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فإنه خصص ناساً بالأعطية لمصالح علمها وانظر إلى غنايم هوازن وقسمته لها كيف أعطى ومنع في محضر واحد وتقاول هو والأنصار رضوان الله عليهم بما هو معروف، وهو من ثمار سيوفهم، وسلب رماحهم، وانظر إلى قسم مال البحرين لما قدم به أبو عبيدة وسمعت الأنصار بقدومه، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فلما انصرف تعرضوا له فتبسم ثم قال: ((أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء فقالوا أجل قال: ابشروا وأملوا، فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا، كما انبسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها فتهلكو)) وأعطى العباس ما أعياه أن يحمله ولم يعط غيره كذلك وكان العباس من أغنياء الناس، وانظر إلى أعطائه سعيد بن العاص الحلة المشهورة بالسعيدية، وانظر إلى إعطائه أسامة حلة سيف بن ذي يزن، وكان يعد ثمنها مالاً ولم يعط غيرهما، وانظر إلى إقطاعه الزبير حصر فرسه من أرض بني النضير، فأجرى فرسه حتى قام وفي رواية حتى مات ثم رمى بسوطه، فقال: اعطوه من حيث بلغ السوط، وأقطع بلال بن الحارث معادن القبلية، وأقطاعه الأبيض بن حمال الملح، ثم رجع لما قيل له ما قيل فلولا جوازه ما هم به وإلى إقطاعه حارث بن حسان[166/ب] واجد بكر الدهناء حتى راجعته قيلة بنت مخرمة، وانظر إلى قوله لمن عاتبه ((إني أعطي قوماً أخاف ضلعهم، وجوعهم، وآكل قوماً

إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغناء)) منهم عمروا بن تغلب، فقال: عمرو بن تغلب ما أحب أن لي بكلمة رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) حمر النعم وغير هذا من النظاير:
وقالوا بأن المال صار ولاية .... يعدونه في أكلهم والمشارب
فقلنا إمام العصر ليس بعالم .... الغيب وعند الله علم الغوايب
فمن خان فيما تحته فحسابه .... إلى الله يبليه بحر اللواهب
وإن ظهرت منه الخيانة عجلت .... له قطعة من شر تلك العواقب
فإن كان هذا النقل من متحقق .... فما وجه هذا الطعن في ظهر غايب
يقول فلان خاين لأمانة .... تلذذ فيها آكلاً غير هايب
فينظر مولى المسلمين مقاله .... أقولك صدق أم مقالة كاذب
فليس عليه كلما قال قايل .... يرى قوله في الأمر ضربة لازب
فإن صح هذا النقل حرر فكره .... وقلب عين الفكر في كل جانب
ودان بحكم الشرع حسب اجتهاده .... وتعدوه بعد الجهد عتب العواتب
ولسنا نرى في ذا الزمان جحاجحاً .... كراماً كأصحاب النبي الأطايب
وأنى لنا والقرن ما قد علمتم .... فكيف يساوي شرب بالتغالب
ولكننا نرجو الإله بفضله .... وإحسانه الأهنا حسان العواقب
ونسأله التوفيق في كل حالة .... وعصمتنا من مخزيات المعايب
فليس لنا إلا عليه معول .... وليس لنا في غيره من مطالب

إلهي فاشملنا بفضلك كلنا .... وقض لنا يا رب كل المآرب
وابق لنا المولى الإمام وكن له .... ظهيراً معيناً دافعاً كل نايب
وبلغه ما يرجوه في كل طاعة .... وأنزله في عدن أجل المراتب
وصل على طه صفيك أحمد .... محمد المختار من آل غالب
وصل على أبنائه وصحابه .... وأجزل لهم يا رب أسنى المواهب
هذا السؤال كثير وروده في غالب الأزمنة على الأئمة، وسبب ذلك أولاً: المبادرة إلى الظن المنهي عنه والسبب الثاني: انتفاء العصمة في الولاة وعدم وجود المرضي بكل حال.
[167/أ]ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها ... كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه
وقد أجاب مولانا، أيده الله، بقوله: ليس علينا أن نتحرى إلا من رأيناه في ظننا ورأينا أنه أقوم وأصلح، كما أن النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أمر أسامة مع كراهة كثير من أصحابه لذلك، وكما أمر خالد بن الوليد، وحاله ما عرف، وبعد تلك الأفاعيل التي أمر النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) علياً فوداها وارثيها، ثم لم يمنعه ذلك تأميره مرة أخرى، ولا منع بعده الخلفاء من تأميره، وكما أمر النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل على المسلمين وفيهم أبو بكر وعمر وغيرهما من أكابر الصحابة على أن أحداً من الولاة لو أفتات علينا بشيء من غير أمرنا لم يكن ذلك قادحاً علينا، فقد افتات خالد كما ذكرناه عن النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وبعض عمال علي (عليه السلام) ولم يزل مثل ذلك يجري من العمال والولاة في جميع العصور فإن العصمة لا تشترط إلا في الأنبياء صلوات الله عليهم انتهى.

وقال المنصور بالله (عليه السلام): في كتابه (الهداية) وقد ولى رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) عتاب بن أسيد ثاني إسلامه على مكة من دون خبرة، وكان الرجل يأتيه تايباً فيعلمه الإسلام في مقامه، ويرده على أثره داعياً إلى الله، ووالياً على من أطاعه من قومه كأبي أزهر الدوسي وأمثاله كثير، وإذا بطلت ولاية الوالي بالكبيرة رجعت بالتوبة، وقد كان ولاة رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يعصون ولا يأمرهم بتجديد عقد الولاية كخالد بن الوليد وقبله أهل الغميظا وبني جذيمة وغيره، وقال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): ((اللهم إني أبرأ إليك مما فعله خالد )) ولم يعزله ولا جدد له ولاية، انتهى.
ومن كلام الإمام أحمد بن الحسين (عليه السلام) في بعض رسائله: أن الولاية وكالة يتقلدها الأمين وحالة يحيى بها الظنين وقد فعل ذلك سيد المرسلين واقتفاه في فعله أمام المتقين، فولى (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) الوليد بن عتبة وهو أحد صبية النار بنص النبي المختار ومن نص الحكيم على فسقه في آيتين من كتابه الكريم، وولى (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) عمرو بن العاص في البعث الأكبر وخالد بن الوليد سماه سيف[167/ب] الله المسلول، مع أنه حكم في الدم المطلول، برفض المسموع وتحكيم المعقول، وتبرأ (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) مما فعله، ومع ذلك لم يقض (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) بتحريم ولايته وتأخير إمارته، بل جعله بعد ذلك أمير الجيوش الإسلامية واجتمع المسلمون على إمارته بمؤتة، وساق كلاماً طويلاً (عليه السلام).

68 / 116
ع
En
A+
A-