وهذا زمان أهله في فعالهم .... سباع جياع أفرطت في التكالب
[161/ب]قصاراهم هذا الحطام ونيله .... وإن عرفوا أتعابه في العواقب
فإن نالهم شيء يقولون إننا .... لأنصار دين الله من كل غالب
وتحميه من كيد العدا سيوفنا .... ونحميه من أعدائه بالرواعب
وإن لم ينالوا أقبلوا لمحاسن .... يعدونها بغياً عيون المعايب
وأعداء دين الله جم عديدهم .... رمتهم من الأيام أيدي المصايب
وإن لم يكن فينا إمام يقودنا .... حسبنا على الأديان سلب السوالب
ولو لم يكن عند الإمام جحافل .... تطوف على شرق الدنا والمغارب
وينصف مظلوماً ويأخذ ظالماً .... ويحفظ أمصاراً بقتل المحارب
لكنا وحاشا الله سوما لسارح .... وأموالنا نهباً لأول ناهب
ودين نبي الله ثوباً مخرقاً .... وحيناً نراه لعبة للواعب
فيا رب فاحفظنا بشرع محمد .... صفيك من أزكى جميع المناصب
وحُطْ شرعه يا رب بالعترة التي .... حمت صفوه بالجد من كل شائب
وحطهم جميعاً بالإمام إمامنا .... شبيه أبيهم في جميع المناقب
وأيده بالنصر المبين وحطه بالـ .... ملائكة الأبرار من كل جانب
هذا كلام واضح لا يحتاج إلى الشرح الذي أنا فيه (كمهدي التمر إلى هجر) وكنت قد وقفت على هذا القدر من النظم لأني أول وقوفي على الرسالة أدخلتها إلى المولى، أيده الله، فاستحسن مطالعتها، ورأيت الجواب مع عيبة السؤال عني وذكرت مسألة ضرب الخندق، وكلام زاد المعاد من الأدلة، فلما وقفت على الرسالة بعد أن وجدتكم مصرحين بأن مبنى الأخذ على المصالح، ولكن حملتم فاعله إن شاء الله على نهج السلامة، وإن كان اللايق هو الكف عن الأخذ، كما مر عليه السلف الذين ذكرتم، فرأيت إلحاق هذا، ولا بأس بتقدم ما قد تقدم، وأرى تقديم كلام هنا قبل النظم، وهو أني قد ذكرت حقاً هذه المسألة مع ظهورها لذلك الوجه الذي ذكرته، ولأن أكثر ما أخذت من القرآن، وهو مفتقر إلى أسباب النزول الذي تصير به المظنونات في مقام القطع، وأخذت أيضاً من أقوال للنبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لم تظهر لأن أصحابه رضوان الله عليهم كما قال الغزالي: كانوا يتبادرون إلى ذلك تبادر الضمآن إلى الماء الزلال، وأخذت أيضاً من أفعال له (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) والأفعال قد تشذ على الإنسان الاستدلال بها لأنه لا ظاهر لها، فالاستدلال مستفاد بالنظر إلى ما يقع معها، فإذا تأملت فيما سبق[162/أ] في قضية هوازن وجدتها مع التأمل في هذا المعنى واضحة أو إذا خلى الفهم وبديهته كانت جامحة. ثم انظر ما أخفى ما أفاده ابن القيم في إعطاء الشيء ثم انظر إلى دقيقته، وهي استقرار النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) والمهاجرين معه في بيوت الأنصار، على أطعمتهم، فإنك لا تجد ذلك من باب الضيافة وكم يكون كذلك
ولا العارية لأن بعضها يستهلك. وإنما هو من هذا النوع مجاهدة منهم رضوان الله عليهم ويشهد لذلك أنه قال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): ((إن ناقته مأمورة بأمر الله فتركت حتى نزلت بباب أبي أيوب)) وإنه مرتبع له (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) كما حكاه القسطلاني مستبعد عادة أن بناء الطين يبقى هذا القدر، وإن ملكاً يفعل ذلك القدر مع العمارة ما هو عليه من الخطر وإنه لو كان كذلك لظهر. على أنه قد قال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) في بيوته التي ورثها من أهله: ((وهل ترك عقيل لنا من رباع )) وهذه البداية مما كتبته بعد الإطلاع على أبياتكم والرسالة:
وقولك إن الأخذ للمال لم يكن .... ببرهان شرع كالأهلة ثاقب
وإن له باب المصالح سالك .... وليس على أبوابها من حواجب
وعددت أشباهاً فمن شاء أمها .... وما كان فيما أمَّ قط حواجب
ومن شاء محض الشرع قال نصوصه .... موضحة فيها شفا كل راغب
فإن يصلح الناس النصوص فحبذا .... وإلا فغير الجهد ليس بواجب
أقول حماك الله هاتي أدلة .... تنادي بأعلى الصوت عند التخاطب
فقد جاء في الإنفاق آي كثيرةً .... تخفف ثقل الشك عن كل غارب
وفيه أحاديث فكان بناؤه .... بنص جلي لا بحسبان حاسب
فهذا صميم الشرع وهو موضح .... لديك فليس السر عنك بغارب
فإنك قد أومأت إيماء عارف .... إليها فما رشد عليك بغايب
هذا حفظكم الله فيه إيماء إلى ما في المسألة من الأدلة وقد وضع مولانا أمير المؤمنين رسالة جامعة لكل ذي حجة قاطعة فسننقل منها ما تيسر إن شاء الله تعالى.
قال مولانا حفظه الله ما لفظه: والنفقة في سبيل الله أصل الجهاد وأعظم الأوتاد ولم يذكر الجهاد بالنفقة إلا مقدماً على الجهاد بالنفس غالباً، وذكر الحض عليها منفردة في غير موضع مرغباً ومرهباً، والجهاد بالمال والنفس أصل الدين وسنامه، ورأس كل خير وإمامه فلا تقوم الأركان ولا غيرها من خصال الإيمان، إلا بما وزع الله به من أمر السلطان[162/ب] ثم ساق (عليه السلام) في ذلك إلى أن قال: فإذا ثبت ذلك وجبت النفقة على مستطيعها لهؤلاء القائمين بأمر الجهاد والمقدورين له، كما وجب على الذين طلبوا من ذي القرنين (عليه السلام) المعونة له بالقوة وبزبر الحديد، والقطر الذي هو النحاس، ثم ذكر (عليه السلام) قصة الخندق، ووضع أجرة العملة على القاعدين، قال كما في حديث أبي داود عن عبد الله بن عمر: ((قال للغازي أجره، وللجاعل أجره وأجر الغازي )) كما في الحديث المتفق عليه عن زيد بن خالد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): ((من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا)) وروى في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) بعث بعثاً إلى بني لحيان من هذيل فقال: ((لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما )) ويدل ذلك أيضاً قول الله تعالى: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ الله وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} روى أبو داود عن أبي أيوب، قال إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه (عليه السلام) قلنا هل نقيم في أموالنا
ونصلحها فأنزل الله: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ الله وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } الخبر.
وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ } إلى أن قال (عليه السلام) ويؤكد ذلك ما رواه مسلم والترمذي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): ((يابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك ، وإن تمسكه شر لك)) ويدل على وجوب الإتفاق أيضاً قول الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ولما سمعت اليهود طلب الله القرض في الجهاد قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء فنزل قوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} الآية وقال {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُون} وقال: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} .
قال بعض الصحابة: هذا في المتفق وهو قاعد، فأما المتفق عنه وهو مجاهد فله أضعاف ذلك واستدل على ذلك بآية من القرآن وقال تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} الآيات إلى قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ الله وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ [163/أ]وَعَدَ الله الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} إلى قوله: {لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ الله هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} ويسرد حفظه الله آيات كثيرة واضحة في المعنى، إلى أن قال: وفي صحيح مسلم عن أنس: ((إن فتى ممن أسلم قال يا رسول الله إني أريد الغزو وليس معي ما أتجهز به، قال ائت فلاناً فإنه قد كان تجهز فمرض ، فأتاه فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يقرئك السلام، ويقول اعطني الذي تجهزت به، قال يا فلانة اعطيه الذي تجهزت به، ولا تحبسي عنه شيئاً- فوالله لا تحبسي عنه شيئاً فيبارك لك
فيه)) ثم ساق (أيده الله) إلى أن قال عاطفاً على كلام قد سبق: وإنه لم يقم أحد بأمر بمعروف ولا بنهى عن منكر حق القيام إلا بالجند، منذ رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) إلى يومنا هذا، وإن اختلفت الأجناد لاختلاف الزمان وأهله وبعضهم ينفقون على أنفسهم وبعضهم ينفق عليهم غيرهم، بل لم يتم ولا تتم إمارة حق ولا باطل إلا بجند ينفق عليهم، أو على بعضهم، كما في أعظم الخلق وأشرفهم محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وأصحابه الذين أمر الله بالإنفاق فأنفق عليهم بعض أغنياء المهاجرين كل ماله وبعضهم جمهور ماله، وبعضهم شطر ماله، وبعضهم أعطى جهده، وشاطر الأنصار أموالهم، ومدحهم الله بذلك وأثنى عليهم في غير موضع من القرآن، فمن ذلك قوله تعالى:{وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ثم قال ما لفظه: قال علي (عليه السلام) في عهد الأشتر: (فالجنود بإذن الله حصون الرعية، وزين الولاة، وعز الدين، وسبل الأمن، وليس تقوم الرعية إلا بهم، ثم لا قوام إلا للجند، إلا بما يخرج الله لهم من الخراج الذين يقوون به في جهاد عدوهم، ويعتمدون عليه فيما أصلحهم ويكون من وراء حاجاتهم) انتهى.
ونقل (عليه السلام) بعد كلام طويل قول علي (عليه السلام) للأشتر أيضاً: وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فإن صلاحهم صلاحاً لمن سواهم، ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله حتى قال: فربما حدث من الأمور، ما إذا عولت عليهم من بعد احتملوه إلى آخر ما قال: فأثبت (عليه السلام) المعونة على الأرض الخراج[163/ب] زايداً على ما ضرب عليها إذا حدث من الأمور ما يحتمل ذلك كما ترى انتهى لفظ إمامنا أيده الله.
وكل سؤال في الرسالة وارد .... أجبت عليه بالجواب المناسب
أجاب إمام العصر عنه قبيل أن .... تجيب بأيام قلال قرايب
أجاب جواباً بين الفصل مقنعاً .... لغير عنيد للصواب مجانب
رأى أن ثلب الناس بالبهت دينه .... قد دب إلى أعراضهم كالعقارب
وفي ثلب آحاد الرجال توعد .... من الله والإيعاد ليس بكاذب
فكيف بثلب للإمام وعرضه .... لبعض دخيل في الحوايج واصب
ما أحسن كلاماً ذكره ابن أبي شريف في حواشيه على (شرح السعد للعقايد النفيسة) محصله في الدليل الإقناعي: إن الناس ثلاثة منهم من هو خالي الذهن عن الحكم والتردد فيه، فهذا يكفيه أدنى لفت لنفسه، ولا تعوز إلى نصب القضايا القطعيات، ومنهم من قدح بانه إشكال وشبهه، وهو طالب الحق فهذا يكفيه الدليل الإقناعي السالم ظاهراً عن المعارض والقادح: نحو {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا } ومنهم ثالث قد يطلب الشبهة، وعكفت بقلبه، ورانت على لبه، فهو أصم أبكم أغلق القلب إذا سمع الدلالة كأن في أذنيه وقراً قال: فهذا لا تنصب له الدلالة، وإن بلغت في الوضوح ما بلغت والله سبحانه أعلم.
وقالوا بأن الشرع أصبح خالياً .... عن النهي عن منكر وأمر بواجب
فقال إمام العصر والله إنني .... على حفظ دين الله أي مواظب
هذا حماكم الله تعالى من الأسئلة الواردة التي قد أوردها فقلتم في رسائلكم المسجعة عند تعداد الأسئلة الواردة أجبتم عنها ما لفظه ونحو هذا من الأشياء الكثيرة، التي قد صار النقم بها من كثير من الأفراد، فقلت: لعل هذا مما ورد إلى هنالكم، والجواب عنه واضح لا ينخفي أما أولاً: فإنا لا ننكر أن في الناس العاصين المتمردين، كما قال الله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِين َ} وأمثال هذه الآية كثير، وقد ألف في ذلك زيد بن علي (عليه السلام) كتاباً، وهذا الخطاب الموجه في القرآن بإجماع أن أصحاب محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) مقصودون به ما لم يمنع مانع، واختلف به فيما جاء على طريقة الخطاب، هل يدخل فيه من سيوحد، أولا يدخل إلا بدليل جديد، فإذا كانت المعاصي تتفق[164/أ] في زمنه (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وقال الله له: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر ٌ ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ} وأمثالها، ولم يقدح ذلك في حق المعصوم، بل طلب الله منه ومن أمته ترك التجسس، وقال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): ((من أتى شيئاً ن هذه القاذورات فليستتر بستر الله )) فوصى من فعل بالتستر، ولم ير أن من الواجب أن يتطلب البيان على زلات الناس، حتى تتضح معاصيهم، وقد علمت أن هذه الكباير قد اتفقت في عهده (عليه السلام)، وخفيت عليه في وقتها، ولم تظهر إلا بعد حين طويل وأكثر ما ظهرت بإقرار الفاعلين، وقد أقام الحد
للزنا صلوات الله عليه، وحد الإفك وسمل العتاة، وغير ذلك ولا سبيل لنا إلى أنه لم يعص الله من أصحاب النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) غير من ظهر بل قد جزم كثير أنه لم يعلم (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) كل المنافقين، وإنما علم من ظهر نفاقه، وقد نبه الله سبحانه على ذلك فإن كان مقصد السائل أن معاصي الله صارت تقع فلا يمنع هذا، والأسوة واقعة برسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وبأصحابه، وإن كان مقصده معاصي وقعت، وظهرت عند الجميع، ولم تخف على الإمام والمأموم، فهذه والله دعوى باطلة، لا تحل لأنا نعلم كذبها، وكثيراً ما يعلم الواحد معصية تحرَّج صدره بها، والإمام في صحة منها لأنها لم تبلغه، ولا انتهت إليه، فكل الفرض على هذا الحرج الصدر، مع إنا لو فرضنا وقوع معصية وظهرت للإمام والمأموم فالمعاصي تختلف نفسها وبأهلها، فربما كانت هذه المعصية غير معصية عند الإمام لمذهب له وربما كان فاعل المعصية من ذوي الهيئات، وللإمام تأخير الحدود، وإسقاطها فما ظنك بها دونها من التعزير، وإن كان مقصد هذا السائل أنه لم بعث بمعرفين إلى كل ناحية لكل واجب وكل محرم، فنقول أن النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لم يبعث إلى الأقطار المفتيين، قائلاً: لكل واحد من الناس على انفراده أن له كذا وعليه كذا، واستقصى جميع المشروع له وحده، فإن في ذلك من الحرج العظيم ما يوجب أن يكون من غير شرعه (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فإنه يبعث بالشريعة السمحة، وميسراً لا معسراً، وإنما كان يبعث مثل معاذ إلى هذا القطر الداخل تحت الدعوة الميمونة، يعرفهم بأهم