مالك ودمك دون دينك)). وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب ذكر هذا في كتابه الهداية التي تولى جمعها العلامة عمدة الموحدين، محمد بن الوليد العبثي رضوان الله عليه وقال (عليه السلام) في موضع آخر منها ما معناه: إنا قد وضعنا هذه المعونة وإن كرهها بعض الناس فسرناه عليها لما اشتملت عليه من المصلحة، وقال (عليه السلام) وما يأخذ من الآيتان التي لم تبلغ قيمتها مأتي قفلة يؤخذ على وجه المعونة لخيل الجهاد وقال في موضع من الهداية : إذا لم يتمكن من استئصال المفسدين إلا بهلاك مال اليتيم جاز ولم يلزم ضمان لأنه ليس بأعظم حرمة من النفس عند الترس بالأطفال، فإنه جايز قتلهم لتضعيف حال العصاة انتهى.
ونصوصه في هذا كثيرة، وقوله (عليه السلام) إن ذلك بمشورة العقلاء يظاهرون أقوالهم على أن الحاجة داعية، ولهذا قال في الموضع الذي حكيناه عنه آنفاً أن بعض الناس كره ذلك، ولم يراع الإمام (عليه السلام) رضاه بل أقسره ويقال أن الغز لما غزت في مخاليف الظاهر، وخرجوا عليهم مراراً كثيرة فيما يوصف أنهم خرجوا ليلة عيد الفطر احتاجوا من الناس كثيراً فقال عقلاء همدان لا يحفظنا إلا ذو منعة، مثل الإمام، ونبذل له من المال كذا ويكون منا في بابه كذا وكذا من الرجال لرسم الخدمة فقرر هذا العدد الذي ذكره الإمام (عليه السلام) وهو ستة آلاف دينار، على حاشد وبكيل، قال (عليه السلام) لعله تنجز منها أربعة آلاف لأن منها مقومات، ولولم يثبت أن الغز كانوا يغزون ويقتلون ويأسرون ويسلبون، لكانت الآراء قاضية بأخذ هذا، وقواعد الشرع الجميلة لأن المنصور بالله (عليه السلام) قال شهد لي بعض من حضر هذا الجواب أن خراج الظاهر، كان وقت الظلمة خمسين ألفاً فهل يتردد أحد من العقلاء في ترجيح سلامة أربعة وأربعين ألفاً بستة آلاف كانت مسلمة لا محالة، فإن الستة كما علمت كانت مسلمة للظلمة مع الأربعة والأربعين[156/ب] مع ما في هذه الستة من سلامة الدين والأنفس أيضاً والأموال فإن كيدهم كان لا يؤمن على نفس ولا مال.
وأما الدين فمفسدتهم فيه أجلى من ابن جلي وهؤلاء العقلاء الذين أشاروا على الناس بتسليم ما ذكر الإمام المنصور بالله (عليه السلام) هم كما قال إمامنا المتوكل على الله مد الله مدته، وحرس مهجته من الذين قالوا فيهم: {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ الله وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ الله فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ} قال أدام الله ظله: وقد أدركنا من أهل زمننا من هذه الصفة صفته، ورأينا من صفته صفة الذين أخبر الله عنهم بقوله: {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وأغلب الفريق الأول أنهم الذين حنكتهم التجارب، وخبروا ما مضى من الزمان وعرفوا المصالح والمفاسد وعقلوا من أمر الجهاد، وصفته أنه هو ما عليه الإمام ومن معه من جنده وطايفته، لا يبخلون عنه في وقت، ولا يغفلون عنه في لمحة طرف لما دفع الله بهم من المكروهات ولما أقام بهم من الواجبات وكف بوجودهم من الفساد وقمع بهيبتهم من أرباب الظلم والعناد، والمشاطرة المذكورة في البيت يحتمل أنها ما ذكرناه عن المنصور بالله، فإنها اشتملت على شطر من المال واسع وذكر مولانا، أيده الله أنه صرح عن المنصور بالله رضوان الله عليه بالمشاطرة بنحو الربع أو الثلث في غير هذا، ومن بعده المهدي أوجب مثل ذا، على كل طفل في الرجال وشايب، المراد به أمير المؤمنين، الشهيد
السعيد أحمد بن الحسين (عليه السلام) شبيه سمية خلقاً وخلقاً، وعدلاً في الطريقة واستقامة، فإنه أخذ المعونة وشرى براش وفرق ثمنه في ساير بلاده الإمامية، على كل بالغ مكلف خمسة دراهم وكان ذلك من أنبل مقاصده (عليه السلام).
قال السيد العلامة الهادي بن الوزير ولم يعترضه بفعله خاص ولا عام.
قلت: كنا نسمع أن بعض الأغمار اعترض، وكلام السيد رحمه الله الأثبت، فإن مصلحة ذلك لا تخفى على أحد حتى المخَّدرات في الحجال، ومع ظهور ذلك لا يقع الاعتراض، فإن سببه إما جهل المصالح أو مرض القلب ومصلحة هذا لا تجهل ومريض القلب لا يتكلم بهذا لإنه لا يجد لحديثه مسمعاً واعياً، وكان هذا الحصن في يد بعض أقارب سلطان تعز وكان كثير التخلف والاضطراب في أقواله فكان فئة للسلطان ولغيره من المتمردين، وقد شراه الإمام صلاح بن علي (عليه السلام) [157/أ] بقدر ثلاثين ألف دينار مظفرية، وقوله على كل طفل في الرجال وشائب، كنت سمعت عن بعض الشيوخ جزاهم الله خيراً، أن الإمام المهدي فرق ثمن الحصن على كل ذي مال صغير وكبير، وإن وجه الاعتراض هو هذا، لا فرق القيمة على الناس، ولكن السيد الهادي رحمه الله كما ترى، قال: على كل بالغ عاقل وقد عرفت ما سلف عن الإمام المنصور بالله، أنه إذا لم يتمكن من استئصال المفسدين إلا بهلاك مال اليتيم جاز والله أعلم.
ولما وقع الاعتراض من بعض أهل الأهوية على الإمام المهدي في المعونة أجابه بما لفظه، وصاحب هذه الرسالة إما إلا أن يكون قايلاً بإمامة المنصور بالله، أو غير قايل، فإن كان قايلاً، فنحن أخذون دون ما أخذ، ومتخذون من الولاة فوق ما اتخذ، وإن لم يكن قايلاً بها فهو (عليه السلام) لنا قدوة، ولنا به أسوة كذلك من مضى من أئمة الهدى، فإنا ما سلكنا إلا مناهجهم، ولا قفونا إلا أدراجهم، وهلم إلى إيضاح الدلالة على هذه المقالة هذا إمام الأئمة، وواسطة عقد العترة الطاهرة الهادي إلى الحق (عليه السلام) طلب من أهل صنعاء عند خروج ابن الفضل الملحد ربع أموالهم إفرازاً ومقاسمة ليدفع بها كيد عدوهم، وذكر (عليه السلام) أن الإمام يجب عليه أن يطلب المعونة من المسلمين عند خوفه على الإسلام، ومتى ترك ذلك كان مخلاً بواجب انتهى لفظ الإمام أحمد بن الحسين (عليه السلام):
وقد صرح الطوسي في بعض كتبه .... بما يشتفي من ربه كل راغب
المراد به العلامة التحرير الحجة محمد بن محمد الغزالي الطوسي فإنه تكلم بما يشفي الغليل، وهو من الورع بحيث لا يخفى، شاهد ذلك كتابه (الإحياء وبداية الهداية) وما ذكره عنه من اعتزال الناس، وترك التكلم معهم الحين من الدهر لم يقلب لسانه إلا بمناجاة ربه، وساقته لذلك الألطاف إلى حسن الخاتمة، حتى صار من أعيان هذه العصابة الزيدية شرفها الله تعالى كما في الجواب الواردة بين الجيل والديلم إلى شيخ العدل عمران بن الحسن رحمه الله تعالى، وكما ذكره السيد الهادي بن إبراهيم بن الوزير، والذي تكلم به في هذه المسألة كلام لو اكتفى به لكان به الكفاية فإن قضاياه عند الجميع مسلمة ولسنا بذكر جميع ما ذكره، فإنه أطنب غاية الإطناب، وأتى في ذلك بالعجب العجاب، قال في آخر ما قاله: وتم الكلام الشافي للعليل إن السائل إن أنكر وجه المصلحة فيما ذكرناه أيدناه[157/ب] وأريناه، وقلنا إن لم يفعل الإمام ذلك تبدد الجند وانحل النظام، وبطلت شوكة الإمام وسقطت أبهة الإسلام، وتعرض ديارنا لهجوم الكفار، واستلابهم وأخذهم النفوس والأموال، ولو ترك الأمر كذلك فلا تنقضي إلا قدر يسير وتصير أموال المسلمين طمعاً للكفار وأجسادهم درية للرماح، وهدفاً للنبال ويثور بين الخلق من التغالب والتواثب ما تضيع فيه الأموال، وتتعطل معه النفوس، وتهتك معها الحرم، ونظام كل ذلك شوكة الإمام، بعدته ومأمنه، يحذر إلمامه من الدواهي بالمسلمين، إذا انقطعت عنهم شوكة الجند مستحقر بالإضافة إليها أموالهم، فإذا أردنا بين هذا الضرر العظيم، وبين تكليف الخلق حماية أنفسهم بفضلات أموالهم، فلا
تتمارى في تعيين هذا الجانب، إذ لاشك في حماية النفوس والحرم، وأكثر الأموال بفضلات الأموال وهذا مما تعلم قطعاً من كلٍ مقصود الشارع في حماية الدين والدنيا قبل أن يلتفت إلى الشواهد المعينة من أصول الشرع، وساق كلامه حتى قال: ثم خاصة هذه المصالح القطعية إنها لا تعدم قط بشواهد من الشرع كثيرة، فأبعدها عن الشهادة ظاهراً، وهي أقربها تحقيقاً هو أن الأب في حق طفله مأمور، برعاية الأحسن، وأنه ليصرف ماله إلى وجوه من النفقات، والمؤن في العمارات، وإخراج الماء من القنوات وهو في كل ذلك ينظر له في ماله لا في حاله، فكلما يراه سبباً لزيادة ماله أو لحراسة في المال جاز له بذل المال في تحصيله، ومصلحة حيطة الإسلام، وكافة المسلمين لا تتقاصر عن مصلحة الطفل، ولا نظر الإمام الذي هو خليفة الله في أرضه بتقاعد عن نظر واحد من الآحاد في طفله، وكيف تستخير منصف إنكار ذلك من الاعتراف بظهور هذه المصلحة، وإن أنكر منكر، وجه المصلحة فعلينا تصويرها والحكم بالتحريم عند انتفاء المصلحة.
وأما الشواهد الظاهرة القريبة من هذا الجنس إن الكفار لو وطؤوا أطراف دار الإسلام يجب على كافة الرعايا أن يطيروا إليهم بأجنحة الجد، فإذا دعاهم الإمام إلى ذلك، وجب عليهم الإجابة وفيه أتعاب النفوس، وإنفاق الأموال، وليس المقصود من ذلك إلا لحماية الدين ورعاية مصلحة المسلمين فهذا في هذه الصورة قطعي، وإن نزلنا في التصوير وقدرنا ما إذا لم يهجم الكفار وكنا نحذر هجومهم ونتوقع ابتغايهم واستشعر الإمام من شوكة الإسلام وهناً وضعفاً وتفرقاً، فالواجب على كافة الخلق إمدادهم[158/أ] كيف لو لم نبث جنود الإسلام في بلاد الإسلام لانبثوا في ديارنا على قرب، ولطالما قيل: (الروم إذا لم تغز غزت) ومهما سقطت شوكة الإسلام كان ذلك متوقعاً على قريب من الأيام، كيف والجهاد في كل سنة واجب على كافة الخلق، وإنما سقوطه باستغلال أقوام من المرتزقة به، فكيف يتمارى في وجوب بذل المال في مثل ذلك وإن نزلنا في التصوير وقدرنا ضرباً للتمثيل انبساط ظل الإسلام على أقاص الغرب والشرق، وأطباق الدين أطراف الأرض ذات الطول والعرض، حتى لم يبق من الكفار، نافخ نار، ولا طالب ثأر، ولا يؤمن هيجان الفتن بين المسلمين، وثوران المحن في بزغات المارقين، وهذا الداء العضال، وفيه تهلك النفوس والأموال، ولا كافي لأمثالها إلا سطوة الإمام ولا كاف عن فسادها إلا قهر الوالي المستظهر بجند الإسلام، ولو أنفق شيء من ذلك لافتقر أهل الدنيا إلى نصب حراس، ونقص أكياس على آخرهم، ولا يعنيهم ذلك، فهذه مصلحة ملازمة قطعية لا يتمارى منصف في وجوب اتباعها فإن قيل في الاستقراض عنية عن المصادرة
واستهلاك الأموال، وكان رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) إذا جهز جيشاً وافتقر إلى مال استقرض قلنا: نقل الاستقراض عن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ونقل أيضاً أنه كان يشير إلى مياسير أصحابه بأن يخرجوا شيئاً من فضلات أموالهم إلا أنهم كانوا يبادرون عند إيمائه إلى الامتثال مبادرة العطشان إلى الماء الزلال، ولسنا ننكر جواز الاستقراض، ووجوب الاقتصار عليه إذا دعت المصلحة إليه ولكن إذا كان الإمام لا يرتجي انصباب مال إلى بيت المال يزيد على مؤنة العسكر ونفقات المرتزقة في الاستقبال فعلى ما هذا الاتكال في الاستقراض مع خلو اليد في الحال وانقطاع الأمل في المال.
نعم! لو كان مال غايب أو جهة معلومة تجري مجرى الكاين الموثوق به فالاستقراض أولى، وينزل ذلك منزلة المسلم الواحد المضطر في محمصة إلى الهلاك، فعلى الغني أن يسد رمقه، ويبذل له من ماله ما يتدارك به حشاشته، فإن كان له مال غايب أو حاضر لم يلزمه التبرع، ولزمه الإقراض، وإن كان فقيراً لا يملك نقيراً ولا قطميراً فلا يعرف خلاف سد مجاعته من غير اقتراض، وكذلك إذا أصاب المسلمين قحط وجدب وأشرف على الهلاك جمع، فعلى الأغنياء سد مجاعتهم، ويكون ذلك فرضاً على الكفاية، يحرج بتركه الجميع، ويسقط لقيام البعض به التكليف، وذلك ليس على سبيل[158/ب] الاقتراض، فإن الفقراء عالة الأغنياء، ينزلون منهم منزلة الأولاد من الآباء، ولا يجوز للقريب أن ينفق على قريبه بالإقراض إلا إذا كان له مال غايب، وكذلك القول فيما نحن فيه، فهذه وجه المصلحة، وهي من القطعيات التي لا مرية في اتباعها إذا ظهرت، ولكن النظر في تصوير المصلحة على الوجه الذي قررناه وأصل أخذ المال متفق عليه بين العلماء وإنما الاختلاف في وجوب تعيين الاستقراض، وفيما ذكرناه من التفصيل ما يشفي الغليل: انتهى ما أملاه علينا الإمام مد الله مدته من كلام هذا العالم من كتابه في القياس المسمى شفاء العليل وأملاه مولانا (عليه السلام) مراراً ومن كتابه (عليه السلام) الذي سماه (شفاء الصدور من مرض البهت والزور) قال أيده الله تعالى: وقد سوى في (شرح الزيادات) للعلامة المحقق يوسف بن أحمد بن محمد بن عثمان رحمة الله عليه بين كلام الغزالي هذا الذي أوردناه، وبين كلام أئمتنا، حيث قال في شرح قوله: وإذا كان لرجل