وخامسها: قال فيه ما لفظه: الخامس عدم الوفاء ما أخذ لمن ذكر من آل يحيى بن يحيى من عهد الله وميثاقه من القيام بهم وبأيتامهم وأراملهم ...إلخ فعهد الله وميثاقه لهم ولغيرهم على الأئمة مأخوذ وهم بحمد الله على أحسن حال محمود وعلى تبين العدل فيهم وفي غيرهم بمبلغ المجهود وقد اشرنا إلى ذلك فيما سبق من القول قبل هذا ولما يطلع لهم على عهد خاص ولا ميثاق غير عهد الله وميثاقه الذي هو أوفى بحق العام والخاص ولا أدعوا ذلك لأنفسهم ولا خاضوا فيه وهم في جميع أحوالهم سالكون أيمن المسالك راعون لحق الإمام ملتزمون لأوامره والأحكام إلا من لا يعتد به ولا يعتبر بأمره وقد صرح السيد في كتبه تلك الأيام بعدم اشتراك شرط له ولقرابته وذلك بخط يده قال من جملة كتاب كتبه إلى الإمام (أيده الله تعالى) ما لفظه: واعتذرنا عن الكتاب إليكم حتى يقع الكتاب بعد المحفل العام الذي يرضى به إن شاء الله الملك العلام ثم رجح عندنا أن يقدم بين يدي ذلك هذا المسطور ويكتب مكتوباً خالصاً في الأمان ليس فيه شايبة من تلك الأمور وهو على النحو الذي وضعه الصنو أحمد بن الحسن إلا أنه خال عن ذكر ما يخصنا وقرابتنا ليكون العمل بما قضت به الاستخارة لا يكون مشوباً بأمر غيره فقد صدر إليكم فلكم الفضل بوضع خطكم عليه وخط من حضره سوحكم الكريم، وإن كانت العنية قد حصلت بما فعله الصنو شمس الدين (حفظه الله) إذ هو يد من أيديكم عظمى لكن ذلك زيادة في الاطمئنان والله المستعان وعليه التكلان والدعاء وصيتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حرر بمحروس قراض صبيحة يوم السبت خامس وعشرين في جمادى الأول سنة ست وخمسين وألف [يوليو 1656م] انتهى.
وإنما وجه السيد صارم الدين هذا الاعتراض بهم لأمر في نفسه وحنيكة في صدره وإلا فإنا نظن إنه لو ملك من الأمر شيئاً لقصر بهم عن كثير من الحقوق ولرأوا منه شيئاً من العقوق كما قد نالهم ذنوب من أمره، ولحقهم طرف من ضره وأما قوله إنه لم يزل يذاكر في شان هذا العهد والوفاء به من عقيب عقد الصلح ويتوسل بالعلماء والحكام وأهل الحل والإبرام والمسألة بالله والأرحام وأرسل رسلاً ورسايل متعددة لتتضح له المعذرة فلم يعلم برسول لذلك ولا رسالة ولا متوسل به إلا ما يجري من الكتب التي تعتاد ومن التعاريف [139/ب] التي تحض وإعانة طالب وشفاعة لسائل وتعريف بحاله، فيقضى من ذلك يقتضيه الحال والمتوسل بهم من العلماء مصادقون والرسل الذين أرسلهم بالرسايل منهم إن كانوا معروفين فليرشدنا إليهم لتصديق المقال وتحقيق الحال وأهل الحق به قائمون وبالعدل ينطقون فالله المستعان وهؤلاء السادة آل يحيى بن يحيى إلى الآن الأحوال شاهدة لهم بالوفاء ولا يعلم منهم إلا المودة والصفاء والرضى بالإمام فيما أنفذ من الأوامر والأحكام، موفون بالعهود وحافظون لها على أفضل حال محمود لم يغرهم في الإمام غار ولا استفز احلامهم الراجحة اعتراض معترض ولا اختدعتهم زخارف الأحوال.
وسادسها: قال فيه ما لفظه: السادس ما صار عليه القرابة من التغلب على ما تحت أيديهم من أموال الله وعدم القيام بحق الإمام كانوا ملتزمين لها على ما يريده الله بل ما وافق هواهم من الأوامر اتبعوه وما خالفه تركوه ...إخ.
فنقول حاشاهم من ذلك وصانهم الله من أن يتعلق بهم ما يصم الأعراض الطاهرة الزكية او يصدر منهم تغلب او تمنع او عدم قيام بحق الإمامة المتوكلية أعز اله بها الإسلام والمسلمين فلم نعلمهم إلا سامعين مطيعين ولامتثال الأوامر والنواهي مسارعين وفي سبيل المعروف غير مقصرين بل كل منهم مبالغ في كونه الأسبق، وإنه المجلي حلبة السبق، وهم لما تحت أيديهم من الأعمال متفقدون وما نعلم منهم إلا خيراً ولا ننقم عليهم ضيراً شحاك للأعداء شديدة وطأتهم على أهل الظلم والاعتداء باذلون أنفسهم في إحياء معالم الدين آخذون من العلم والحلم بأحسن طرايق العترة الطاهرين يجب حملهم على السلامة والمحمل الحسن والتأول لهم بحسن الظن إن صدر شيء على سبيل الندرة وحاشاهم لما هم عليه من الخلال الحميدة والأحوال السديدة، ولا ندعي لهم العصمة بل هم ممن يخطئ ويصيب إلا ان طريقتهم أمثل طريقة قد أخذوا من الفضايل بأوفر نصيب فأفعالهم جميلة وأقوالهم بحمد الله حميدة.
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها ... كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه
فإذا نظرت في الناس لم تجد لهم نظيراً، وإذا ما ثلت بهم غيرهم لم تر مثلهم فبركات آبائهم الطاهرين لهم شاملة، وسابقهم بفضل الله فيهم محفوطة والحمد لله فهم احق بما قيل:
محسودون على ما كان من شرف ... لا ينزع الله عنهم ما بهم حسدوا
وسابعها: ما لفظه: السابع ما صار عليه المسلمون من عدم الالتفاف عليهم...إلخ، وقد سبق[140/أ] القول في الجواب عن هذا في الاعتراض الثالث بما فيه كفاية لمن أنصف وإرشاد لمن عرف.
وثامنها: ذكر ما لفظه : الثامن إنه صار يتولى على كثير من الرعية من لا يميز بين السيئة والسوية، حتى صدر من عامله الفقيه محمد بن علي بن حميل في جهة صعدة ما هو معروف، وفي الجهة الخولانية من إحراق المسلمين ومن لا ذنب له على غير المألوف ولم تكن من القبائل الخولاينة إلا السابقة في الإسلام والجهاد بين يدي كل إمام، ومع ذلك فإنهم دفعوا عن أنفسهم ما صار يطلب منهم من الأمور الزائدة على القوانين الشرعية فنقول هذا الاعتراض مما ظنه السيد أخذ الله بناصيته إلى الخير مروجاً لما صدر من البغي والنكث وملتبساً على الناس ليغطي سوء ما أحدث وهذا الذي زعمه قادحاً وللدين فادحاً إنما هو من الظنون السيئة وعدم الخبرة ما عليه الأحوال مبينة وفرض الإمام في ذلك يجري الأصلح وفعل الأرجح فإن النظر إليه وإذا ظن صلاحاً في والٍ وجهه إلى جهة، فذلك الفرض الذي عليه وعليه التحري جهده {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وقد أمر النبي ً الوليد بن عقبة، مصدقاً إلى بني المصطلق، وكان بينه وبينهم إحن فرجع إلى النبي ً فأخبره بارتدادهم، فهم النبي ً بغزوهم، والقصة معروفة فأنزل الله عز وجل {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} ولم يرسله رسول الله
إلا أنه ظن فيه الخير فأخلف ظنه، فما يعلم ما في القلوب إلا الله سبحانه، فالإمام أيده الله متحر بمن ولاه جهده، وظاهر من ولاه الصلاح والسداد، والجرى على الطريقة المحمودة إن شاء الله تعالى مع أنه لا يزال يتعهد الولاة ويتفقد أمورهم ومن رابه منه ريب عزله ولا نعلم عن أحد منهم إلا ما هو خير وعلى هذا مضى الأئمة الهادون والسلف الصالحون وخيانة الوالي مما لا يتطرق بها إلى نكث بيعة إمام ولا يحل بها من عقد نظام، لأن خيانته عليه ووبال أمره عايد إليه، وإنما على الإمام إن تيقن منه الخيانة، وعدم الأمانة أن يأخذ بخيانته ويؤدبه على غشه لإمامته ومن الولاة من يسعه الإغضاء لهم في ما له فيه الأمر بقتضيه الحال وصلاح الأعمال ولكن من ذلك الوالي الذي عرف منه ذلك وعلم فسكت عنه ولم يؤاخذ مع أن إمامنا (عليه السلام) في التشديد والتفقد لهم والتحويل والتبديل لمن رابه منه ريب[140/ب] أو أطلع منه على عيب أكثر ممن سبقه من سلفه الطاهرين، وذلك معروف لمن عرف الأحوال وهو منتهى ما يجب عليه.
وأما الفقيه بدر الدين محمد بن علي بن جميل وما زعمه عليه إنه صدر منه في بلاد صعدة فإنه أرسله الإمام أيده الله لإزالة منكرات(ورد ظلامات) وزجر لأهل المعاصي وتوجه لها على مقتضى ما أمر به وقاسا من المشاق ما قاس وصبر حتى قضى فيها ما قضى وعلى سبيل رشد مضى، وكان آخر عمل في الجهات الخولانية أمر شعب حي فوقع ما وقع وكان ما كان ومنهم بدأ الظلم وعوده على ما ظهروا اشتهر لما هم عليه من التمنع عن الأوامر الإمامية والدفع الذي شهدت به عليهم وإنهم إنما دافعون عن أنفسهم، ما صار يطلب منهم من الأمور الزايدة على القوانين الشرعية وقد قرر العلماء العاملون وأهل النظر والإجتهاد، إن الإمام الجامع للشروط الثابت الإمامة يجب إمثتال أمره، والوقوف عند نهيه وزجره ولا سيما في مسائل الاجتهاد وفي ما يقوي به أمره ويقوم به شعاره ويقاتل من خالف أمره وقد لزمتك الحجة بإقرارك بالإمامة والشهادة بأنه لا يصلح لها إلا هو، وشهدت على أهل شعب حي بالامتناع عن أوامر الإمام والدفع له عما اوجبه عليهم وفرضه من التأديب لهم وامتناعهم من الامتثال لأمر الوالي بتسليم المعونات، وقد علمت أن ذلك من اجتهاد الإمام وإنه من جملة الأحكام ودليله على ذلك ما احتج به من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة وفعلهم وبما قرره في ذلك علماء الإسلام من الفرق كلها كما ذلك في جوابه أيده الله إن طلب المعونة من الناس فرض واجب على ما يفرضه، وحق لازم له طلبه، وحمل الناس عليه وقتالهم إن امتنعوا عنه وإلا كان في ذلك صدق ما يتمثل به العامة، أنت إمامنا والكلام كلامنا، فإذاً ما فائدة الإمامة إذا كان
محكوماً عليها بعجز العامة فذلك إنما يكون من العجز العايد على المسلمين بالضرر الكبير والوهن والضعف الكثير نعوذ بالله من ذلك ومن مكايد الشيطان، ومن سوء الظن بأهل الإيمان وما أشار إليه من إحراق المسلمين ومن لا ذنب له، فاهل شعب حي هم الذين أشعلوا نار الحرب وأقاموا سوق الطعن والضرب، وإذا قامت الحرب على ساق لم يتوقف الأمر فيها على اختيار مختار، ومعرة الجيش من الاضطرار وظاهر من قاتل وظاهر عدم البراءة، وقد فعلوا مع العسكر ما لم يخف أمره، واجتروا عليهم جرأة لولا نصر الله وتأييده ونصره ما أبقوا عليهم [141/أ] باقية ولو تمكنوا منهم لفعلوا معهم من القبائح والفضائح أعظم داهية ولكن الله سبحانه وقى شرهم ودفع ضرهم ورد كيدهم عليهم وأرجع مكرهم إليهم وما ذكره من إنه لم يكن من خولان إلا السابقة في الإسلام والجهاد بين يدي كل إمام فالسبق لأهله محفوظ وسعى المجاهدين عند الله غير مضيع فلم ينكر سبقهم ولا ضيع حقهم، وإنما ابطرتهم نعم الله عليهم وفضله الذي خوله وما نالوه من بركات الأئمة عليهم السلام، وكسبوه من السلاح وتملكوه من القوة فلو قابل أهل شعب حي ذلك بالشكر لله عز وجل وامتثلوا امر الإمام عليه السلام وواليه كما هو الواجب عليهم لما غير الله عليهم متغير ولكانوا في فضل كبير: {إِنَّ الله لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ } .
وأما الفقيه محمد بن علي بن جميل ومن معه من المجاهدين فكأنه ممن لا يحق له رعاية ولا حرمة، وكأنهم لم يكن لهم سابقة أو حالة لائقة، إذ حالهم في الجهاد مع الأئمة مجهول أو كأنهم أتوا من خلف الردم المردوم. إن لم يكونوا من أهل السوابق الحميدة، والآثار السديدة، وهم لها حافطون وعلى سنن الحق قائمون، وفي طاعة الله وطاعة الإمام مشمرون، آمرون بالمعروف ناهون عن المنكر ما ينقم الناقم عليهم إلا طاعة الله وطاعة الإمام وقيامهم في الله أشرف مقام، فلو ماثلت بين الفريقين لعلمت أن الفرق بينهما واضح ولو أنصفت لعلمت من الصالح منهم والطالح {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} وما ذكر من أنهم عارضون للواجبات الشرعية فكيف ذلك، وهم منعوا العامل والتسليم إليه، وأمرهم في ذلك ظاهر، لمن عرف حالهم، واطلع على أعمالهم، وهل هذا إلا من المناقضة الظاهرة والعصبية للأهواء؟ والدعاوى الجائرة تارة يقول هم عارضون للواجبات وتارة يقول إنما دفعوا عن أنفسهم ما فرضه الإمام من المفروضات وقد دل الدليل من واضح الآيات البينات، والحجج القاطعة الواضحات، إن ما فرضه الإمام من المعونات والعقوبات من جملة الواجبات، وغير المفروضات ولا معذرة عنها، ولا محيص منها، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ونعم المولى ونعم النصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. انتهى ما احتمله الاختصار من مهمات الجواب على ما أورده السيد إبراهيم[141/ب] من (الاعتراضات) التي اجترحها والأباطيل التي
اخترجها، وقد ظهر ما أودع من حكاية الإمام (عليه السلام) وحكاية من أجاب عن اعتراضاته من العلماء الأعلام بما يكفي ويشفي.
[جواب القاضي عبد العزيز الضمدي على الرسالة]
نعم! وظهرت نسخة عُزيت إلى السيد المذكور وألقاها إلى القاضي العلامة الفاضل وجيه الدين عبد العزيز بن محمد النعمان الضمدي القاضي في بلاد أبي عريش وما والاه، وبندر المخاء المحروس ومن أتاه. فأجاب عنها وتبين الحق فيها وبعث بجوابه الوافي عنها، وبالنسخة المنسوبة إلى السيد إبراهيم أيضاً.
فأمر الإمام (عليه السلام) القاضي المكين، والعلم الشهير في السبعة المعظمين. شمس الإسلام والمسلمين أحمد بن صالح بن محمد بن إبراهيم بن أبي الرجال أطال الله بقاه بأن يتولى جوابها، ويشف نقابها، وحل الشبهة التي اعترضت لموردها وإبانةالحق الصراح بما سرد من نثرها وقصيدها، ولما كان عنوان ما أورده صاحب السؤال شعراً حرره فقال سؤال إلى أعيان أهل المذاهب إلى آخر ما قال. فقال القاضي أيده الله : الجواب المنظوم وشرحه في مقامات امير المؤمنين، ومجالس الفوايد الملتقطة من بعثات خليفة سيد النبيين والمرسلين، وحجة الله الظاهرة في العالمين، وترى في المنظوم من ذلك والمنثور، الكلام الذي يشفي الصدور، ويزحزح الشرور، فقال: المورد لذلك السؤال.
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم:
سؤال إلى أعيان اهل المذاهب .... ومن عنده فهم لقصد المذاهب
ومن غاص في بحر الأصولين فانتهى .... إلى المنتهى منها وأعلى المراتب
ومن كان في علم الحديث مبرزاً .... وحاز من التفسير جم الغرايب
وكان له في سيرة الصحب خبرة .... وفي سيرة الماضين من آل غالب
إذا لم يجد من قام لله ناصراً .... ينفذ حكم الشرع في كل طالب
وأعياه أن يمضي على السيرة التي .... عليها مضى الأخيار كل المذاهب