على حالة متحدة وسلموا مثل هذه الثوابت واستقاموا على الحمية لمذهبهم، وسابقوا إلى طاعة إمامهم، وحفظ منصبهم وشحذوا هممهم لنصرة الدين واجتمعت أيديهم إلى القيام بأمور المسلمين لقد وسعوا النطاق، وتملكوا الآفاق وأرضوا الخلاق، فالله المستعان إلى متى تبقون على هذه وتهملوا أمة جدهم هذا الإهمال؟
اللهم إنا نشكوا غيبة [136/ب] نبينا وكثرة عدونا وتفرق أهوائنا فنسألك الله نصراً تعجله، وسلطان حق تظهره، تعز به أوليائك، وتدمر به أعداءك، بحق محمد وآله ً.
وثانيهما: ما يؤخذ من المعاون من الرعية ونحوها...الخ فهذا الاعتراض صدر من غير معرفة بالأحوال، ولا اطلاع على الأعمال، وما يحتاج إليه القايم بالأمانة، والناظر في المصالح العامة، من تقوية الأجناد، والاستعداد للجهاد، وإنه لا بد من سد الثغور ودفع التظالم واستخلاص الواجبات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الشرع المطهر، فإن هذه الأمور ما تقوم إلا بالأجناد، والأجناد لا تقوم بهم إلا المال والمنال ولا سيما مع فساد الزمان وأهله، والتكليف باق والأعداء -أقماهم الله- محدقون بالآفاق فالقايم بهذا الأمر مثاعراً، وعلى القبائل مثابراً ناهياً آمراً، لو لا ذلك لقد أرى منهم العجب العجاب ولفتحوا من الفتن أبواب فقد شاهد المعترض ما لديه من أعمال القبائل وتقطيعهم الوصايل وتظالمهم وعدم نفوذ الواجبات فيهم وهذه القبائل في هذه الجهات اليمنية التي الوطأة متمكنة منهم واليد عليهم منبسطة لو يحصل لكثير منهم أدنى إهمال او يشمون رائحة ضعف عزيمة أو وهي قوة لكان لهم صولات صائلة وأمور هائلة إذ هو أقوى شوكة وأسد شكيمة وأعظم عدوان إن استفزهم الشيطان ولولا أن الهيبة قامعة لأكثرهم وخشية الصولة من أجناد الحق قاصمة لأظهرم، لما توقفوا على حد محدود، ولا تركوا في التظالم غاية مجهود فإن قبايل عتمة ووصاب، وهم بالنظر إلى غيرهم ما يعدون في حساب لما حصلت لهم الفرصة في بعضهم البعض جرى بينهم من القتل والقتال وإراقة الدماء التي أفضت إلى النساء والأطفال، وذلك في خلال الفتنة الواقعة بينهم بعد موت سيدي شرف الدين الحسين بن أمير المؤمنين، المنصور بالله
رضوان الله عليهما، واشتغال الأجناد بما جرى من يافع، وتلك الحوادث منهم، ونحوها، وجرى منهم العجب العجاب، وهان عليهم كل الصعاب، ومثل قضية بن راجح وهذا من باب ضرب المثل، ونحو ما جرى في مابين بني صريم، وبين مرهبة في المدة القريبة، انجلت الحرب فيما بينهم في ساعة واحدة، عن نحو عشرة مقاتيل، وامرأة وكانوا متأهبين لما هو أعظم، قد أجاب كل منهم صفة من حاشد وبكيل لولا مبادرة الإمام عليه بعسكر وافر لدفع تلك المفاسد والمناكر وتأديبهم بالآداب الزاجرة وإلزامهم رد الضلامات وتسليم الديات وكم لها من أخوات ومشبهات [137/أ] فإن قطر اليمن لا يزال فيهم الفتن، وإنما قلت في هذا الزمان لقوة هيبة الإمام حفظه الله فيجب على الإمام والرؤساء الذين علقت بهم الآمال الجسام الاعتداد بالعدة الوافرة كما امر الله عز وجل لإرهاب أعدائه ولحفظ المعالم الدينية ودفع التظالم، واليمن حقير وواجباته بالنظر إلى ما يصير للعسكر يسير فمخروج اليمن يقصر عن قدر ماللعسكر وحدهم فقد جمل محصول اليمن وماللعسكر فقصر كبيراً كيف ما يحتاج إليه لغيرهم من أهل الحقوق اللازمة، واهل التأليف والفقراء والمساكين، ومع كل من هؤلاء قصده وواصل إليه مده وشاهد الحال بذلك ظاهرة ولمن خبر الأمور جلي متواتر ولولا فضل الله وجميل تيسيره ومعونته على حسن التصرف وتقديره كيف بالوافدين والقاصدين، واتساع النفقات للواردين، فإنه لو تحصر هذا وذا لعله إنه لم يكن الموفي على جميع ذلك إلا ما أخذ بالديون العظيمة وما هيأه الله ببركات الانفاق وسبب أسبابه من أياديه العميمة، التي لم تكن في حساب وما يتفتح
من البركات والأبواب وتقديم وتأخير على مقتضى الحال، وتهيء الأسباب وهي نفقات في سبيل الله، وقد حض على الانفاق في سبيله بواضح الآيات وصريح البينات وواجب الجهاد بالمال والنفس ولم يعذر ذلك أحداً من عباده ولا حض احداً دون أحد من أهل بلاده، إلا من لا يستطيع لعجزه وفقره، ومن قدر على النفقة وضعف او عذر تعينت عليه، وعلى ذلك حكم سيد المرسلين (صلى الله عليه وعلى آله الأكرمين) بالاستعانة بالأموال والأنفس، وفرض ذلك على المسلمين وذلك لمن عرف وعلم وصرايح القرآن شاهدة له، ودالة عليه لا ينكر ذلك إلا من جهل، وتبعه على ذلك الأئمة الهادون من عترته، وأعلام الهدى السابقون من أهل بيته إلى يومنا هذه لاينكر ذلك إلا منكر الضرورات، ولا يتعامى عليه إلا من ارتطم في الشبهات ومن زعم إنه ينفذ أحكام الله ويقوم بأمر الله في هذه الأقطار، وتقتصر على الزكاة والواجبات من غير زيادة ويقيم الثغور ويقمع أعداء الدين، وأضداده بغير رجال ومال وعدة واعتداد، وهو من الأعيان ذلك يرى أن أموال الله لا تحول عن مصارفها وإنه لا فسحة في تحويلها عن أهلها، فالواجبات في أغلب الجهات لا تفي لأهلها ولا تقوم بحملها إن أثر به الأجناد حرمهم، وإن قدم المصارف ثم نقض عليهم وقسط سبيل الله لاتقوم بهم فقد كذب نفسه وظهر أفول رأيهن واشتداده في باطل علوايه، فأحوال هذه الأقطار لمن خبرها معلوم ظاهر غير مكتوم، لمن نظر بعين الانصاف ولم يركب [137/ب] متن الإعساف وإنما القايم بأمور المسلمين والناظر في المصالح العامة والأخرى في الدين عليه التحري للأصلح فيدفع الأعظم بالأهون والدون
ويسوس الأمور على قياسها والقانون، ولم تستقم هذه الحالة التي الناس عليها ويجب عليهم شكرها والتحدث بها إلا بعد شدائد وأهوال وأمور عظيمة وخطوب جسيمة، ومصابرة في الجهاد ليالي وأيام، وشهور وأعوام إلى أن شارف الاتساق والانتظام وقامت على قدم الاستقامة أول قيام فأراد الشيطان لعنه الله من هذا المعترض أن يقوم والعياذ بالله على ذلك الأساس بالهدم وان ينقض منه للحكم المبرم وهيأت أن ينخدع بزخارفه ذو عقل أريب او يجنح إلى ذلك من له في الدين نصيب ونظر مصيب اللهم غفراً وستراً ستراً.
وثالثهما: ذكر فيه فقال الثالث إقطاع الأقارب والأنساب اموال الله وتمكينهم من الخزاين حتى صاروا يتباهون بها ويتنافسون بالحلي والحلل والعمارات وحتى أن بلغت حاشا المقام سبعة عشر قرشاً والقميص خمسمائة حرف، والبريم صنع من ألف ذهب عين، وباب بيت بمائة قرش من أموال الله وذلك قطرة من مطرة والفقراء والأيتام ومن له القسط الوافر من أموال الله لا يتلفت إليه، ولا يعرج عليه ...إلخ.
فهذا الاعتراض إن كان عن مشاهدة ويقين فاليقين ما يخفى ونور الحق لا يطفى فأرنا ذلك اليقين أو العدل النافل ليكون على بصيرة في الدين، إن ذلك قد وقع وأخذ من أموال الله التي لا تحل للمتصرفين عليها ولا تسوغ وعلى سبيل الحماية وغش الأمانة فإن الناقل إن الفعل قد كان وإن الآراء لا تمكن، قيل هات البرهان فمع غيرك من الرأين والمشاهدين، وإلا فهذا من الغيبة وثلم الأعراض التي لا تستباح بالظن والتخمين فإن قال البرهان يشق على مثل النعل والقميص والبريم قيل هذا بتهان عظيم إن لم يكن لك عليه شاهد ولا انت له واحد فالباب الذي بمائة قرش لا يمكن أن يخفى؛ لأنه يستر به ولا يستر عليه، فأرشدنا إليه أو هات البينة عليه؛ لأنه من الممكنات والأمور التي يطلع عليها ولا تخفى على من ينظر إليها إذ المشاهد يشترك في رؤيته كل ذي بصر ولو كان واقعاً لقد ظهر واشتهر ونحن من أكثر الناس لهم خلطة واطلاع على كثير من الأحوال وترفع إلينا كثير من الأعمال فلم يسمع ذلك فمما لا ينبغي أن يصغى إليها ولا يعرج عليها {لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ[138/أ] مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله كَذِباً } فإنما حمل على ذلك الحسد والمنافسة في الدنيا {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيماً} ولا شك أن الله سبحانه قد خول آل القاسم عليهم السلام اتباعهم من فضله وأوسع من
طوله ما يقصر عنه الوصف وما أرغم الأعداء وأبلج به صدور الأودا وملكهم من الأموال الخاصة بهم مالم يكن لكثير من الناس بسيوف حداد وسواعد شداد وعزز أيام في الجهاد ووقعات في الأعداء شرحت الصدور وغرمات هاشمية بيضت وجه الدين، وأعزبها الإسلام والمسلمين وجلت الكرب عن المؤمنين فتمولوا ومولوا واقتنوا من الأموال التي تخصهم ما قتنوا فإن فرضنا وحاشاهم فإنهم سلام الله عليهم أهل شهامة ظاهرة وعقول راجحة وافرة وأنظار لأنفسهم وللمسلمين صالحة ما يفعلون ما تقم عليه في المروة، ولا يرضون لأنفسهم ان يخرجوا من حد الفتوة فإن لهم أنفساً شريفة وأخلاقاً عفيفة وهمما غالية منزهون عن ذلك وعن غيره فمن ذا الذي حصر عليهم ذلك إن أرادوه، وأو تحجره إن فعلوه من أملاكهم مع اتساعها وترادف البركات عليهم من الله والنعم وإسباغها: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} وقال سبحانه وتعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فلم يحصر الله رزقه وما تفضل به وإنما أمرنا بالشكر والتحدث بالنعم وإظهارها، {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } وقال ً ما لفظه أو معناه:((إن الله عز وجل إذا أنعم على عبده بنعمة أحب
أن يظهر أثرها عليه )) والناس نعدهم بحمد الله وله الفضل والمن وببركاتهم في نعم وافرة وأياد غامرة، وفضائل لا ينكر ذلك منكر ولا يجحده إلا من أخل بفريضة الشكر.
وأما ما زعمه السيد من عدم الالتفات على أهل الحق من الناس وتنزيلهم منازلهم وإبلاغ المستحقين حقوقهم فهذا من الرجم بالغيب من مكان بعيد فلو حضر وشاهد واطلع على أحوال الناس وأعمالهم لعلم خلاف قوله وعلم أن هذا المقام لا يقوم به إلا من ارتضاه الله لأهل الإسلام فلا تقوى التكاليف الشاقة إلا من جعل لنفسه من التقوى أوثق زمام، وباع نفسه من الله ذي الجلال والإكرام لما يرجوه من الأجر عند الله في دار السلام وأما رضى [138/ب] الناس وبلاغ ما يؤملونه من الآمال فمن أعظم المحال، فإن كثيراً منهم لم يرض عن الله عز وجل في كثير من الأحوال فكيف يقدر المخلوق أن يرضي المخلوقين من رام ذلك فقد أبعد المرام بل يخرج من حد أهل العقول إلى عالم الأنعام وإن للتكاليف حكمها والنظر في الإعطاء والمنع والتفرق والجمع لذي الإمامة والرياسة العامة بحسب اجتهاده ونظره في المصالح على ما يوفقه الله إليه ويعينه عليه من الأعيان حسن القصد وخلوص النية فيما بينه وبين الله عز وجل فذاك من تكليفه اللازم وفرضه المهم الذي هو به قايم وعليه التحري جهده لا يكلف الله نفساً إلاما آتاها، ويجب على المؤمن حسن الظن بالمسلمين كيف بإمامهم وأمرائهم الذين امر الله بالرجوع والرد إلى علمهم.
ورابعها: ذكر ما لفظه الرابع : إن خراج اليمن الجزي سبعون ألفاً لخاصته نفر ونصف خراج عدن وهو فوق اللك لآخر.
فنقول هذا جهل عظيم وفرية لا شك فيها ولا مرية فاليمن حقير من حيث هو، وكم أهله فضلاً عن قدر من فيه من أهل الذمة حتى تبلغ جزيتهم هذا المبلغ ثم دعوى قصرها على خاصةرجل واحد فهذا من المحال عادة، ومن الجهالة بالبلاد وأهلها والبلادة، وأما عدن فمعروف لم يعلم في هذه المدة إنه قد زاد على اثنى عشر ألفاً نضير أكثر محصوله للرتبة والأعوان الذين فيه ويصرف ما بقى منه في مصارفه التي وجهت إليه وسبل البر والإحسان ولم يسمع بقصر ذلك على خاصته نفر واحد او على جماعة مخصوصين بل ذلك من سبل غيره من الأموال على مقتضيات الأحوال، وذكر في هذا الاعتراض الرابع إن أكثر بني هاشم الذين وصى الله فيهم لا يجد ما يسد جوعه ويستر عورة هذه هجر آل يحيى بن يحيى صاروا إلا القليل منهم في غاية الحاجة إلى أخر ما ذكره فآل يحيى بن يحيى عليهم السلام من جملة السادة الكرام من آل محمد الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام لا يجهل لهم حق ولا ينقص لهم قدر وهم بحمد الله قد بلغوا من حقوهم ما فيه إن شاء الله وفاء وبلاغ لمن اكتفى وصار إليهم من الإمام (أيده الله) مالم يصر إلى غيرهم فلو نحصر ما صار إليهم مما شملته البينات وتضمنته الدفاتر من البر والنقد والطعامات من التقدير والمؤاساة والصلات لعلم إن ما صار إليهم فيه زيادة على ما يجب لهم ووفاء بنصيبهم وقسطهم.
وأما القيام بالكل او بكل ما يحتاج إليه الجميع فالبشر عجزه عن ذلك معلوم ولا يدخل إلا تحت قدرة الحي القيوم، وقد قسط الله على عباده وقدره ورزقه الوسيع وبيده خزاين السماوات والأرض والبسط والقبض، لما كان أعلم بالمصالح [139/أ] للعباد واجرى أرزاقهم على حسب إرادته بواسطة وبغير واسطة وعلى بعض من غير واسطة أحد على حسب تيسيره ولطفه وتدبيره {لَوْ بَسَطَ الله الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} .