فصل: وأما ما قال من إقطاع الأقارب والأنساب إلى آخر ما ذكره مما حمله عليه الحسد والبغي بغير الحق، فالله حسبنا وحسبه، ما قال وكفى بالكذب إثماً[120/أ] وبالبغي ظلماً على أنه لو وقع من أحد منهم شيء ونعيذهم بالله مما وقع من غير أمرنا، قلنا فيه كما قال النبي ً في ما رواه أبو داود: ((من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول )) وكما قال الله تعالى{وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون، أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ الله كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ الله وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ، هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ الله وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} وليس من تكليفنا علم الغيب، ولله در العلماء الذين هم العلماء حقاً، لم يتركوا بياناً مثل ذلك، ولا اهملوا لمن عرف كلامهم واهتدى بهديهم كما قال المنصور بالله في رواية محمد بن الوليد عنه في كتاب (هداية المسترشدين) ما لفظه: ومن شك في الإمامة لأجل تخليط ينسب إلى العمال فهو من الجهال لأن عمال النبيً وعمال الوصي -عليه السلام- حدثت منهم الحوادث الكبار ولم يقدح في النبوة، والإمامة دونها، وأحداث أصحاب علي -عليه السلام- لا تنحصر وقد ذكرها في خُطبه، وكما قال في (شرح الفتح): وليس على الإمام ما فعله الولاة مما لا يأمر به ولا أطلع عليه كيف بمن يأمر بالعدل والرفق، والسيرة الحسنة المعتبرة، وتنصب الولاة لذلك بحمله من أطلع على خلل من فعل الولاة على أنه أمر به أو رضى به فذلك لا يجوز؛
لأنه يجب حمل آحاد الناس على أحسن الوجوه، كيف بإمام المسلمين، وقد ربما ولَّى الإمام من ظهرت عدالته، ثم قد يخالف من يخالف ما أمرهم به، واستدعاهم الطمع ونهم ما ولوا من أمور الدنيا حتى نسوا ما ذكروا به وخرجوا من الطاعة إلىالمعصية، وقد جرى نوع من ذلك مع أمير المؤمنين، وذريته الطاهرين، فإنه صدر من كثير من أصحابه من الخذلان وعدم النصيحة والإمتثال لما امر به ما شرحه يطول وهول، حتى إنه نسب إلى أن لا رأي ولا تدبير إلى آخر ما قال.
فصل: وأما ما أعدوه من الخيل وآلات الحرب مما هو شفاء لصدور المؤمنين وغيظ لقلوب المنافقين، فمن أوكد مروضهم وأعظم واجباتهم، وقد قال الله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ} على أن الإمام لا حجر عليه في شيء من ذلك إذا رآه صحيحاً، وأداه إليه اجتهاده ونظره، كما نص على ذلك علماء المذهب الشريف فقال في (الأثمار والفتح) واللفظ للفتح وشرحه: ولا يمنع من مباح، ويقطع بيوت الأموال وما هو للمسلمين عموماً إلا الإمام لمصلحة رآها إذ هو خليفة رسول الله ً والرسول خليفة الله في أرضه، فهو رأس المسلمين ومالك أمرهم، وأمين الله على خلقه ينظر فيهم بالأصلح والأرجح فيما يرجع إلى مصالحهم، وتسكين الدهماء، وحفظ بيضة الإسلام [120/ب] فنظره مقدم على كل نظر لا تعارض ينظر. ولا اجتهاد إلى آخر ما قال.
وكانت فدك مما أفاء الله على رسوله، وقال الله فيها على أرجح القول: {مَا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} فعد في مصارفها ما عده في مصارف الخمس وأعطاه النبي ً فاطمة -عليها السلام-.
قال في (المصابيح) لأبي العباس الحسني: أخبرنا علي بن سليمان البجلي بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن فدك تسع قريات متصلات، حد منها مما يلي وادي القرى غلتها في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار، لم يضرب بخيل ولا ركاب، اعطاها النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة-عليها السلام- قبل أن يقبض بأربع سنين، وكانت في يدها تحمل غلاتها عبد يسمى خيبراً وكيلاً عليها، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفذ أبو بكر رجلاً من قريش بعد خمسة عشر يوماً، أخرج وكيل فاطمة منها. انتهى.
وكذلك أعطى العباس عمه من الذهب ما استطاع أن يحمله بجهده، وأقطع الناس شيئاً كثيراً حتى إن عمر بن الخطاب استكثر على بلال من أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم وجرى بينهما ما جرى من المقاولة في ذلك، كما ذكره في (السنن الكبرى) وغيرها.
وأقطع الزبير من مال بني النضير، حضر فرسه فأجرى فرسه حتى قام، وفي رواية حتى مات، ثم رمى بسوطه يزداد من حيث وقع السوط، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أعطوه من حيث وقع السوط )) أخرجه أبو داود ونحو ذلك كثير، كأقطاعه صلى الله عليه وسلم عبدالله بن مسعود، وكذا وايل بن حجر، رواه البخاري وغير ذلك.
فصل: وأما ما زعمت للمسلمين فإن كنت تريد الذي أنت بينهم فليسوا ما ذكرت، وإن كنت تريد ساير المؤمنين فهم الشهداء، وإن كنت تريد الذين اتصفوا بصفة الذين يبتغون الدنيا، وهم من حكى الله عنهم في قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا} الآية. وفي قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ الله عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} والذين وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الهادي -عليه السلام- ورواه أيضاً البخاري ومسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)) حتى قال في الثالث: ((ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه منها وفى، وإن لم يعطه منها لم يف، فلن يضروا الله شيئاً وهم أحقر على الله من أن[121/أ] يظفرهم بمكيدة، أو ينيلهم في بغيهم أمنية )) بل ليس لهم إلا ما قاله سبحانه في الناكثين من زلل الأقدام، وإذاقة السوء ولن يخلف الله وعده وهو الشهيد بيننا، وهو حسبنا وكفى.
فصل: وأما ما قلت أنك اخذت لآل يحيى بن يحيى من القيام لهم التام إلى آخر ما قلت، فهذه أوراقك ورسايلك شاهدة عليك بخط يدك، حيث قلت وبعد فصدرت معرفة له -أيده الله- بأني ما زلت أستخير الله وهو نعم المستخار في كل عشي وإبكار، أن يقضي هو المختار في ديني ودنياي وآخرتي التي هي دار القرار فقضى سبحانه وهو الناصح الذي لا يغشني بالقاء هذا العبء الثقيل، وتحميله وليه وابن وليه على محكم كتاب الله وسنة نبيه من غير أن يشاب ذلك شايبة من الأمور الدنيوية، بل يكون عملاً من خالص الطوية، وقد مضى النظر في باديه بموضوع كنا أرسلنا به إلى الصنو، صفي الدين أحمد بن الحسين -حماه الله- وكنا أستخرنا الله سبحانه وتعالى مراراً عقيب الإرسال بالموضوعات الأول، حتى أن الله أختار لنا من فضله وطوله، عدم اشتراط أمر من الأمور إلاَّ ما قد وضعتموه من الأمان، وعرفنا أن مراد الله ذلك منا. انتهى. وكيف تشترط ذلك وأنت تزعم أن ما عدا الزكاة مأخوذ للكذب وقبول له فليست بخُمس هذا العدد ولا سدسه، ولا سُبعه، يعلم ذلك كل من أحب علمه ولا تجتمع في أيدينا في الحول جميعه من ذلك ما يقوم بنفقة بعض من ذكرت، وقد شهد لنا من ذوي الأسنان من آل يحيى الذين يعرفون أحوالهم الماضية، وغيرهم بأنه لم يتصل بهذا البطن في ما مضى من الزمان من بيوت الأموال من الكسوة والمصاريف والكيلات، ونحوها مثل ما اتصل بهم في زمننا هذا وعلى أيدينا وهم إخواننا ونحن راعون لهم بحسب طاقتنا،ولم يمنعهم حقاً بائناً لهم إن لم يكن قد زدناهم على ما هو لهم بالنظر إلى ما في أيدينا، ولو نظرت في علي بن أبي طالب
-عليه السلام- وما فعله مع عقيل في شأن صاع من البر، وبيده -عليه السلام- مملكة الإسلام، إلا ما كان منها تحت معاوية وبنو هاشم في ذلك الوقت عدد محصور، لعلمت أنا لم نفرط في شأنهم ولم نهمل حقهم، بل قد علمت أنا قد أعطيناهم ما لا يحل لهم في ظاهر الأمر أخذه، ويحرم عليهم تناوله لوجوه تنوعت لنا ذلك في ما بيننا وبين الله.
وروى أحمد والبخاري عن عمرو بن تغلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُتي بمال أو شيء فقسمه فأعطى قوماً ومنع آخرين، فكأنهم عتبوا عليه، فقال: ((إني أعطي قوماً وما أخاف[121/ب] ضلعهم وجزعهم وأَكِلُ قوماً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى منهم عمرو بن تغلب))، فقال عمرو بن تغلب: ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم وأنت لم تذكر ذلك حفاوة بهم فنحن إن شاء الله أحفى بهم منك وأرفق وأرحم بهم منك وأشفق، ويجب لهم أن لا يكونوا مع أهل النار وإن أصابهم من الحاجة في الدنيا ما أصاب، وأن يكونوا من المتقين في جميع الأسباب، ولكن جعلت ذلك ذريعة إلى الطعن ووصله إلى الإعتراض، وشاهد ذلك أنهم متبرأون من فعلك وعاتبون عليك من سوء صنعتك، بل سألت من كان حاضراً عندي من خيارهم لما بلغني ما فعلت قبلع أن يبلغ إليه، فبعد ذلك أشد التبعدي استصحاباً لما تظنه فيك من الدين والرأي السديد، فلما صح له ذلك رأيناه ساءه ذلك منك أعظم مما ساء غيره، وتعب منه تعباً عظيماً، ونظن في سايرهم أنهم كذلك، فإنهم أهل العقول الراجحة والآراء الصايبة في دينهم ودنياهم، والله حسبنا ونعم الوكيل.
ولكنك صرت تطلب لهم الزكاة المحصنة من أيدي العمال عليها الذي تعلم أنه ليس بأيديهم إلا هي، ويسوغ لهم ذلك المعلوم تحريمه عليهم، وتعريض غيرك علينا بذلك، وهو نقيض اعتراضك، ولنا في ما نفعله من ذلك وجه صحيح إن شاء الله تعالى من الكتاب والسنة، ونصوص الأئمة، وقد يجوز للمعطي أن يعطي ما لا يحل للمستعطي، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن شئتما أعطيتكما إنه لاحظ فيها لغني، ولا لذي مرة سوي )).
وروى ابن حبان في صحيحه عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل يأتيني فيسألني فأعطيه فينطلق وما يحمل في حضنه إلا النار )). وفي حديث آخر رواه عمر بن الخطاب قال: ((إنه دخل على النبي ً، فقال: يا رسول الله، أرأيت فلاناً يذكر أنك أعطيته دينارين، فقال رسول الله ً، لكن فلاناً أعطيته ما بين العشرة إلى المائة، فما شكر ، إن أحدهم ليخرج من عندي بحاجته يتأبطها وما هي إلاَّ النار، قال: قلت: يا رسول الله لم تعطهم، قال: يأبون إلاَّ أن يسألوني ويأتي الله تعالى لي البخل)) رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه أحمد وأبو يعلى من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- ولا يعلم في أرض اليمن جميعه مكسباً يحل لبني هاشم أطيب ولا أكثر من باب الحديد في صعدة، وقد صار مستغرقاً لهم [ولغيرهم] ولمن شاركهم في استحقاقه من غيرهم وهم اليسير والكف عن المحرمات أولى من التهور فيها، كأنك لم تستغن بما صح أن آل محمد لم يشبعوا من خبز البر ثلاثاً متوالية، وأنهم كانت تمر عليهم الليالي والأيام لا توقد في بيوتهم نار[122/أ] ولا بما فعل علي -عليه السلام- مع
عقيل حين طلبه صاعاً من قمح.
وقال في نهج البلاغة ما قال: وحقوق الله في ذلك الوقت التي تحل لهم وتحرم عليهم أكثر توفراً مما يعد في ساير الأعصار بإجماع نقلة الأخبار، مع مُلك علي (عليه السلام) لليمن ولما هو فوق اليمن من الأمصار، وكان بنوا هاشم [في] ذلك الوقت دونهم الآن في القدر، وفوقهم المقدار، ولكن: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } أعوذ بالله من العمى، ونسال الله الهدى والتقى، وحسبنا وكفى.
ولعلك لم تعلم إخراج النبي ً التمرة التي التقطها الحسن -عليه السلام- من فيه، وقال: ((أخشى أن تكون من تمر الصدقة )) ولا ما قاله الإمام المنصور بالله -عليه السلام- في جواب المعترض عليه بمثل هذا الإعتراض حيث قال: وقد قضى رسول الله ً يهودياً ديناً فأمرنا به أن يزيده شيئاً لكلمة اغلظ له فيها من صدقة بني زريق فأعطى اليهودي من الزكاة وفي أصحابه من المسلمين ومن معه من الحاجة ما علمه الخاص والعام، والقصة مشهورة عند أهل العلم.
قلت: قد رواها الهادي -عليه السلام- في كتاب (الأحكام) ورواها غيره من أئمة الحديث الأعلام.
قال -عليه السلام-: وأعطى -يعني النبي ً- المؤلفة قلوبهم الأموال الجليلة في يوم حنين، وفي غيره، وفي المسلمين من هو أنصح وأحوج، فلا وجه لذكر الحاجة هاهنا، وقد كان النبي ً يعطي الخمس قوماً من الكفار وغيرهم، وهو حق لأهل بيته بغير مشاورتهم وحاجتهم إليه شديدة حتى بلغ بهم الجهد كل مبلغ، فأعلم ذلك ولم يعامل ً المؤلفة قلوبهم هذه المعاملة لا من قرب إليه كآل أبي لهب، ولا من بعد كغيرهم، بل حصر الآل في الخمسة البطون، وليس منهم غير التقي، وإن كان من الخمسة البطون أيضاً، وقد شهد بذلك القرآن في أبي لهب (لعنه الله) وإذا منع من الخمس لمفارقته في الدين جاز أن يعطى من الزكاة كساير المؤلفين، وكذلك من اتصف بصفته من ساير البطون، ولذلك جعل النبي ً لآل المطلب ما جعل مع بني هاشم، وكذلك علي -عليه السلام- في صدقته بشركهم معهم.
قال الشافعي: ولأجل ذلك يحرم عليهم الزكاة، وانظر إلى ما أجاب الله به نوحاً -عليه السلام- في ابنه فإنه قال: {يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } وأجمع المفسرون على أنه كان ابنه، ولكن المعنى أن عمله غير صالح، وذلك معنى قوله:{إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} وقد قال بمثل ما قلناه المنصور بالله عبدالله بن حمزة -عليه السلام- والإمام يحيى بن حمزة، والإمام علي بن محمد وغيرهم، قالوا: يجوز تأليف الهاشمي من الزكاة إذا تكاملت فيه شروط التأليف؛ لأنه إنما نُزه تشريفاً[122/ب] ولا يستحق ذلك الفاسق فبينت بحمد الله أن العتب عليك في هذا الذي فهمته.
فصل: وأما ما ذكرت من تولية مثل الفقيه محمد بن علي بن جميل -عافاه الله- فهو الخليق بالإمارة والملي بها لا يعلم بنقص في الدين، ولا خلل في الرأي، والحمدلله الذي جعل الإعتراضات الواردات على رسول الله ً، فإنهم اعترضوا عليه بمثل هذا الإعتراض، في ما رواه الشيخان والترمذي عن ابن أبي عمرو، قال: ((بعث رسول الله ً بعثاً وأمر عليهم أسامة بن زيد، فطعن بعض الناس في إمارته، فقال: إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه ، وأيم الله إنه كان لخليقاً بالإمارة وإنه كان لمن أحب الناس إليَّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليَّ)) وليس علينا أن نتحرى إلا ما رأيناه في ظننا، ورأيناه أقوم وأصلح، كما أن النبي ً أمر أسامة مع كراهة كثير من أصحابه لذلك، وكما أمر خالد بن الوليد وحاله ما عُرف، وفعل تلك الأفاعيل التي أمر النبي ً علياً -عليه السلام- فوداها وأرثها، ثم لم يمنعه ذلك من تأميره مرة أخرى، ولا منع بعده الخلفاء من تأميره، وكما أمر ً عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل على المسلمين، وفيهم أبو بكر وعمرو وغيرهما أكابر الصحابة على أن أحداً من الولاة، ولو أفتات علينا بشي من غير أمرنا لم يكن ذلك قادحاً علينا، فقد أفتأت خالد كما ذكرناه على النبي ً وبعض عمال على -عليه السلام- أفتأت عليه بعمالته جميعاً، وبعضهم فعل أيضاً كذلك، ولم يقدح ذلك في حق علي -عليه السلام- ولم يزل مثل ذلك يجري من العمال والولاة في جميع الأعصار، فإن العصمة لا تشترط إلا في الأنبياء -صلوات الله عليهم- دون غيرهم، ولكن أجبت النكير بالأباطيل وتتبع كاذب الأقوال كما زعمت