وروي في صحيح مسلم عن حذيفة في حديث طويل ذكر فيه الفتنة: قلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال نعم! وساق الحديث بطوله حتى قال: ((فما ترى إن أدركني ذلك، قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)) وصدق ً ((لن يزال أئمة الحق والعدل يبتلوا من أولي الجهل الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاء، وبأهل البغي الذين لا يعرفون الحق، ولا يقولون الصدق)) فنحمد الله الذي ابتلانا بمثل ما أبتلي به الخيرة من خلقه، ليجعل لنا الحظ الأوفر عنده إن شاء الله بما زاده الله لنا من عظيم فضله ليغفر لنا به السيئات، كما وعد في محكم كتابه، ويمحوا به عنا الخطيئات كما وعدنا على لسان رسله، وليجيرنا من العذاب الأليم، كما وعد من تاجره، وجاهد في سبيله بماله ونفسه، والله ذو الفضل العظيم، الحمد لله الذي جعل الأسوة بالأنبياء وأئمة الهدى، فإنهم -صلوات الله عليهم- لم يخلو من مضل لهم، وهم على الهدى، ولم ينفكوا عن معترض عليهم وهم أئمة التقوى فكذبوهم تارة وسخروا بهم أخرى، وسبوهم فينة وضللوهم أخرى، فلو لم يكن إعتراض هذا إلا علينا، لكان من أعظم الذنوب وأقبحها وأشدها عند الله جرماً، وأفحشها لما تتضمنه من أنواع المعاصي وذلك الكذب فيما[106/أ] رمانا به من المخازي ثم نكث البيعة التي يد الله فوقها مرة بعد مرة، ثم نقض الأيمان بعد توكيدها كرة بعد كرة، ثم البغي بغير الحق، ثم الإغاثة للظالمين، وإجابة أصوات الفاسقين، ثم النهي عن المعروف والأمر بالمنكر، كما بين ذلك إن شاء الله في أبناء هذا المستطر، ثم الغضب للدنيا والميل

إلى جانب أهل الهوى، الذي يسخطون بما يزوى، ويرضون بما يعطي، ثم الإعتماد على الجهل عن الدليل فيما بيناه من واضح السبيل، كيف ظنك بقبح مقالة لم تقتصر على السب لنا وثبت لما يتوقف فيه على ثَلب جانبنا بل جميع ما فيه ثلب على السلف الصالحين، والأئمة الماضين، حيث حكم بأنه من اتبعهم على ضلالة، وأنهم لم يزالوا يتخبطون في الجهالة، وليس لذلك سبب يدعوه إليه غير الغفلة عن الحق والعماية فحكم في مقالته بأنهم ظالمون، إذ أخذوا على زعمه ما لا يستحقون، وهل يلزم من ذلك إلا التفسيق لهم والعياذ بالله، والتضليل لهم والحكم عليهم بالخروج عن الدين والتجهيل، فحين رأينا ذلك وخشينا أن يقف عليه من ضعف عزيمته في الدين أو في قلبه مرض فلا يعرف الموقنين، ممن غفل عن وجوب الرد إلى الله وإلى الرسول، وإلى أولي الأمر الذين يستنبطون الأحكام، ويعرفون ما يجب لله ولرسوله وللإمام، فيضله ذلك والعياذ بالله، أو يوقع في نفسه شبهة والهدى بيد الله، فاجبنا عما قال، وبيّنا طريق الحق وطريق الضلال، وإن كانت الأولى لولا ذلك الإلغاء والإهمال، وعرفناه أنه المتصف بتلك الصفات التي وصف الله بها المؤمنين والمتسم بذلك دونهم، وحاشاهم أن يكونوا من القوم الفاسقين، والظالم من رمى أئمة الهدى بالظلم وهم عنه أبرياء، والجاهل من رمى أولي العلم بالجهل وهم أولوا الحسنة والأولياء، والفاسق من ألزمهم الفسق وهم الأتقياء، وبيّنا له ولمن غفل من المسلمين أنَّا وإياه لعلى هدى أو في ضلال مبين، وظهر لنا بما فعله عند نجوم هذا الحادث من بعض رعايا خولان، إنه من الذين لا يرقبون العهود ولا

الأيمان من الذين يتربصون الدواير عليهم دائرة السوء، وينقضون العهد بعد ميثاقه مرة بعد أخرى، كصفة الذين قال الله فيهم لنبيه ً: {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ} فبعثوا بأعاذير لنكثهم، وأكاذيب لتلفيق خطاياهم، وكتبوا زخاريف هي الأمن أو الخوف الذي يرده المؤمنون[106/ب] إلى أولي الأمر، كما أمر الله في كتابه، ومن الفتنة التي يزيد الظالمين ضلالاً وخساراً، كما وصفهم الله في قوله:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ الله عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} ، ومن يرد الله فتنه فلن نملك له من الله شيئاً وكفى بالله شهيداً وبه نعتصم، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم، قال:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا } وقال:{وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } وقال:{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ } .

واستمع إلى ما أمر الله به، وإلى ما نهى عنه في محكم كتابه حيث يقول: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ الله إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ، وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ الله بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ، وَلَوْ شَاءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ، وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ الله وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، وَلاَ تَشْتَرُوا بِعَهْدِ الله ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ الله هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} .

ونعوذ بالله لنا ولك ولجميع المؤمنين أن نكون من الذين قال الله فيهم{وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ، يَسْمَعُ آيَاتِ الله تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِين} .
فالحمد لله الذي جعلنا من الذين إذا ذُكرَّا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً، {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} والحمد لله الذي جعل لنا في الوفاء بالعهد نصيباً علمه سبحانه وأظهر بفضله لعباده المؤمنين، ولم يجعلنا من أهل الإضرار الذين يقولون ما لا يفعلون، ويدعون ما لا يستحقون، وإذا ذكروا بآيات ربهم لا يذكرون، وحملتهم محبة الرئاسة، وشنآن الخمول على البغي، ونكث العهد، ونصر الباطل والقيام بدعوى الجاهلية، وتضليل سير الأئمة: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً، وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً} ، ثم قال هذا المعترض في أول كلامه حاكياً لكلام الله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [107/أ] وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ولعله أنه لم يشعر أنه يحصل بما قال وفعل ضد الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، عن الأمر بالمعروف

والنهي عن المنكر الذي هو فرض على كل مكلف، وأن رسلنا في أمر الحرب الواقع بين بني بحر وشِعْب حي إنما كانوا مرسلين كذلك، وقائمين فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فامتنع بعضهم عن الطاعة، وحاربوا بغير الحق على الجاهلية والعصبية، ثم راموا منه أن ينصرهم على بغيهم وعلى ضلالهم، وأن يتصف والعياذ بالله بصفة المنافقين، الذين قال الله فيهم{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا الله فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} وعنده من العلم ما لا يخفى عليه معه إن شاء الله قبح مرادهم وضلال رأيهم؛ لأنهم من الأعراب الذين حكم الله عليهم بأنهم أجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله، وقال فيما كتبه حاكياً لكلام الله تعالى{وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فيقول الله أكبر من المفرق للجماعة، ومن الساعي في الخلاف والفرقة، ألست أنت طلبت الفرقة؟ وحركت أنت نائم الفتنة، وقد قال النبي ً: ((من أتاكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه )) . رواه مسلم في صحيحه، ورواه أيضاً مسلم وأبوا داود والنسائي عن رسول الله ً أنه قال: ((ستكون بعدي هنات هنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جمع فأضربوه بالسيف كائناً من كان)).

ولم يكن العذر الذي أعتذر به هارون من موسى -عليه السلام- إلا خشية الفرقة، وعذره موسى -عليه السلام- لذلك، كما حكى الله عنه في قوله: {قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاَّ تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي، قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} وأراد بقوله: ولم ترقب قولي، ماحكاه الله عنه في قوله: {وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} وهذا هو بعينه عذر علي -عليه السلام- بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى )) فلو أن علياً -عليه السلام- شق عصا الإسلام، بعد المصيبة العظمى بموت رسول اللهً لكانت وهناً فيه، ولكنه هاب الفرقة واستعظم ما بها ويتم به أمرها، وقالً: ((الفتنة نايمة لعن الله من أيقضها)) .
وقال فيما كتبه مع معرفة من وقع على هذه بسبق دعوتنا وغفل عن شروط السبق وقواعد[107/ب] الشرع، الذي دل عليها العقل والسمع من أنه يشترط في السابق أن لا يكون في عصره أقوم منه لأمر الأمة.

قال أبو طالب : وذلك باجتماع الصحابة، وقال الناصر: ومن خالف ذلك فسق، وقال الإمام المهدي: دليل ذلك معروف في العقول، وقال الإمام عزالدين بن الحسن -عليه السلام- في كتابه (المعراج) : إن هذا القول للزيدية عموماً من غير تبعيض ولا تخصيص بوقت، وقال هذه رواية كثير من أصحابنا، وممن نصَّ على ذلك القاسم والناصر والمؤيد بالله -عليهم السلام-.
قال فيه: قال الناصر: ويفسق هذا المفضول إذا سبق بالدعاء إلى الإمامة. انتهى.
وقال -عليه السلام- في كتابه (الإمامة) الذي عليه الزيدية وبعض المعتزلة: إن إمامة المفضول لا تصح.
قال: وممن نص على ذلك الهادي والناصر، وبفسق المفضول إذا سبق الأفضل بالدعاء إلى الإمامة.
وقال في موضع آخر من كتابه هذا: فإن كان منهم من هو أفضل فهو أحق بالإمامة لاختصاصه بالأفضلية، قال فيه مستشهداً بكلام بعض العلماء: وعلى الجملة فالغرض بالإمام صلاح المسلمين، وحسن الرعاية لهم، ومن كان ظن هذا فيه أغلب فلا تجوز لمن يعلم أن غيره أتم منه سياسةً وصلاحاً للمسلمين أن يقوم بأمر الأمة.
وقال في (المحيط): أجمعت الزيدية والإمامية على أن إمامة المفضول لا تجوز لإجماع الصحابة، فإن من عرف ما وقع في بيعة أبي بكر وعمر وعثمان علم ذلك، فلو كان سبق الدعوة كافياً بمجرده فقد سبق إليها من لاينكر سبقه.

فصل: وقوله إن الحق للسابق والأفضل إنما هو على زعمه من المصالح المرسلة التي لا دليل عليها عنده لازم له في نفسه، فقد سبقه غيره، وأراد أن يكون أحق منه بالوجه الذي أبطله، وليس لذلك سبب سوى أنه ركب الإعتقاد، ثم أراد أن يرد الأدلة إليه، ولم يتبع الدليل ويرد الإعتقاد إليه.
وقال أيضاً فيما كتبه: إنا إنما صالحنا لمّا عدمنا الناصر كصلح أبينا علي بن أبي طالب فأبوا في هذه اللفظة كمين سره، وأخبر عن حقيقة طويته، فأقر واعترف بأنه باق على دعوته الماضية، وإنما أعطاه من الأيمان والعهود دجل ومخادعة {يُخَادِعُونَ الله وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ، فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ الله مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ} . وحسبنا الله ونعم وكفى.

هذه أوراق عهوده، وأوراق تسليمه بخطه، بعد شهادة الله وكفى به، وهؤلاء الأخيار من المؤمنين الذين يبتغوا في صلاحه، وادوا ما يجب عليهم[108/أ] من النصيحة له يشهدون عليه بالحق، ويعلنون بالصدق فأنَّى شهيد بعد الله، وأي عهد أقوى من الحلف بالله، وأي عدل بمن فهه بما أعطاه من البيعة، وأي بيعة أكبر من بيعة يد الله فوقها، ومتى نقض علي بن أبي طالب -عليه السلام- عهداً أو خلف موعداً، سبحانك اللهم، هذا بهتان عظيم، علي بن أبي طالب لم يصالح ولم يسلّم وإنما سكن واستمر سكونه، ولم يفرق جماعة ولا خالف عهداً، ولا نكث يميناً وهو الإمام بلا شك فأغضى صابراً، ولقى الله باراً وافياً، وكم من المرادين، وما أعظم الفرق بين المرادين، بل قال في (نهج البلاغة): وإن عقدت بينك وبين عدو لك عقداً أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء، وأرع ذمتك بالأمانة، وأجعل نفسك جنة دون ما أعطيت فإنه ليس من فرايض الله شيء الناس أشد عليه اجتماعاً مع تفريق أهوائهم وتشتيت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود، وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين، لما استوبلوا من عواقب الغدر، ولا تغَّدرن بذمتك ولا تحنث بعهدك، ولا [تختلنَّ] عدوك، فإنه لا يجتري على الله إلا جاهل شقي، وقد جعل الله عهده وذمته آمناً أفضاه بين العباد برحمته، وصريماً يسكنون إلى منعته، ويستفيضون إلى جواره، فلا إدغال ولا مدالسة ولا خداع فيه، ولا تعقد عقداً تجوز فيه العلل، ولا تعولن على لحن قول بعد التأكيد والتوثقة، ولا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفاقه بغير الحقِّ، فإن صبرك على ضيق أمر ترجو

46 / 116
ع
En
A+
A-