وقل يا بني الهادي أجيبوا إمامكم .... تجيك شيوخ منهم وشبابُ
يفادون بالأرواح دون إمامهم .... ويصدق طعن منهم وضِرابُ
وناد بأبناء المكرم حمزة .... تجبك سيوف منهم وحرابُ
إذا أصبح الأعداء منهم سرية .... أصابوا بها جيشاً وليس يُصابوا
ولا تنس أشراف القواسم إنهم .... أسود لديها صولة ووثابُ
هم السم للأعداء يرون قتالهم .... يسيراً وإن قالوا الحراب صعابُ
وناد بني الجون الكرام بأسرهم .... لتجلب خيل منهم وركابُ
هم القوم كل القوم يا أم مالك .... على الحرب شب الأصغرون وشابوا
ومن كان من آل الحسين فإنهم .... هم الغلب يوماً كان فيه غلابُ
أولئك أبناء الشهيد الذي به .... أصبنا وكم غمّ القلوب مصابُ
ومن بعد هذا ناد من كان يقتدي .... بزيد إماماً حب ذاك صحابُ
[95/ب]فهم نعْم أشياع لآل محمد .... ونعم رجال النايبات حسابُ
إذا أقبلت يوماً طوائف جمعهم .... تضيق بهم عن بسطهن رحابُ
فحسبك بعد الله من قد ذكرته .... ويمطر بالنصر الغزير سحابُ

ولا تسمعن قول العذول فربما .... يشير بقولٍ بالخمول يسابُ
نقول بلاد الكافرين بعيدة .... وقد حال من دون البعيد عبابُ
وكُل مُشير لا يرى غير ظنه .... وليس على ما يقتضيه يغابُ
ورأي الذي قد شاهد الحال راجحٌ .... على رأي من لم يشهدوه وغابوا
ولله علم سابق في أمورنا .... فما كان فيه ليس عنه ذهابُ
فيا رب وفقنا وأيد إمامنا .... فأنت لكل في الأمور مُثابُ
وصل على المختار والآل ما جرى .... على كل حال في الزمان خطابُ
وأصحابه الغر الذين مشوا على .... مناهجه في ما ندين وجابوا

وهذه الثانية:
من لقلب ولطرف ماهج .... ولصب لم يزل حلف الوجع
ولمحزون نأى عن داره .... ومن الأحباب كيف المرتجع
كل يوم وله من همه .... ما أطار النوم عنه ووزع
وأشاب الرأس من أهواله .... وتحلى بالحلى بعد الصلع
أنكرت عيني ما تألفه .... وتجافى الجنب طيب المضطجع
ولقد زاد فؤادي وصبا .... ما رأت عيني من أهل البدع
سرت في أرضٍ قليل خيرها .... وكثير الشر فيها يصطنع
أهلها صنفان أما فرقة .... فنفت خالقها مع ما صنعْ
جعلت رباً نبياً مرسلاً .... جاء بالحق وبالصدع صدع
ثلثوه وهو رب واحدٌ .... جل عن ذلك ربي وارتفعْ
لم يلد ولم يولد ولا .... شاركه أحدٌ فيما ابتدعْ
إن رباً صلبوه عنوة .... بيد الأعداء ما فيه طمعْ
قهروه وهو رب قاهرٌ .... بطل الوصف بهذا واندفعْ
قد زعمتم ذاك فيما بينكم .... كيف رب ظلموه ما منعْ
وجهلتم أن ربي صانه .... وإلى السبع السماوات طلعْ

جاءكم عيسى بقول بينٍ .... سمع البعض وبعض ما استمعْ
إ'نه عبد نبي مرسلٌ .... دينه التوحيد لكن لم يطعْ
إن ديناً هذه أحكامها .... ضيق ليس به من متسعْ
يفضح الإنسان إن دان به .... ويريه الخزي في يوم الفزعْ
[96/أ]ورأينا فرقةً ظالمة .... تركب الفحش وتأتي بالقذعْ
تدعّي الإسلام لكن ما درت .... شارع الإسلام ما كان شرعْ
ينظر المنكر في ساحاتهم .... وعليه الناس جمعاً وجمعْ
لا ترى لله منهم طاعة .... سيما الاثنين وايام الجمعْ
رب مشغول بأسباب الهوى .... تبع اللهو تراه يتبعْ
عشق الخمرة لا يثنيه عن .... حبها لاحٍ ولا عنها نزعْ
أبداً لا يرتجى توبته .... وإذا ما استرجع فيها ما رجعْ
وإذا بصرته سبل الهدى .... فبعينيه عن الرشد قمعْ
قلبه الأغلف في حيرته .... ختم الله عليه وطبَعْ
آمنوا بالخبث من طاغوتهم .... فهو في فصل الشجار المنتجعْ
ما لقول الله أو قول النبي .... أبداً عندهم من مستمعْ
آه من حزن لدين المصطفى .... قد رأيناه على ضلع ربعْ
فلعل الله يرفعه .... ويُرى الكفر يقيناً قد خضع

ويديل الحق من أعدائه .... وضليع الكفر يضحي قد ضلعْ
بيد القائم نجل المصطفى .... الإمام الندب زين المجتمعْ
صفوة المنصور منصور اللواء .... خير من صام وصلى وركعْ
كم جموع للخنا شتتها .... وشتات في رضى الله جمعْ
يا بني المنصور أنتم عصبة .... أسد حرب ليس تثنيها الجزعْ
فانصروا الداعي منكم واذكروا .... يوم بدر ثم ردوه جذع
فالذي قام به والدكم .... وجبال الكفر فيه قد صرعْ
والفتى أن يتبع والدهُ .... فهو شيء لم يكن بالمبتدعْ
جاهدوا الكفار في الله فقد .... شمت برق النصر عن ذاك لمع
طهروا بيعتهم عن رجسهم .... فعسى تطهر هاتيك البيع
أنتم كالشهب مثلاً قاله .... جدكم والشيعة أمثال الفزع
قل لمن فاخر آل المصطفى .... هل محل يُرقى يا لكعْ
فهم حراس دين المصطفى .... وبهم من عاند الشرع انقمعْ
وصلاة الله مني ما سرى .... في الدجى برق وما الطير سجعْ
تبلغ المختار عني دائماً .... وعلى عترته أهل الورعْ
وعلى أصحابه أهل الهدى .... أبداً ما الجو بالسحب التفعْ
انتهى.

ثم عدنا إلى حديث أيام إقامتنا، وما كنا عليه في خلالها[96/ب] من النجدة والصلابة وما ألقاه الله عز وجل في قلوبهم من الجلالة والمهابة، إظهاراً لهذا الدين على ساير الأديان، وإكراماً لأهله بما أظهره لهم من عظيم السلطان، وكم أعدَّ من الأشياء التي يحاولون أن يدركوها منا فيظهر لهم عجزهم، ويهون على ذلك عزهم، ولا يمكن أن يقال أنهم يتقاصرون إكراماً لنا، فقد عرفنا من حالهم خلاف ذلك، وإنما هممهم قاصرة، فإن أحدهم قد يرى بالآخر منهم ما يقتضي منه طلب النصرة له، والدفع عنه فيحيد عنه جانباً ويولى عنه هارباً ولا يلوى عليه، ولا يلتفت إليه، ولا أن يقال أيضاً: إن ذلك لأجل قوة معنا ندفعهم بها، فذلك مما لايقال، على معدود من صريح المحال فلم يبق إلا أن ذلك من فضل الله علينا، وتشريفه لدينا، فلقد كان في بعض الأيام، واتفق أن امرأة من المسلمين استحوذ عليها الشيطان، وزين لها الكفر على الإيمان، فارتدت وتنصرت، ولها ابنتان لرجل مسلم من أهل مسوع تزوج تلك المرأة هنالك، فاولدها هاتين الابنتين، ولهما أيضاً خالة أخت هذه المرأة المرتدة، فهربت بهما خالتهما، ووضعتهما في بيت رجل من أصحابنا الذي هو نازل فيه، فجاءت أمهما التي ارتدت عن دين الإسلام بجماعة من رجال النصارى، ونحو اثنى عشر رجل من كبارهم وأشرافهم، فلما انتهوا إلى باب ذلك البيت الذي فيه ذلك الرجل من أصحابنا، خرج إليهم وحده منفرداً يريد أن يخاطبهم بما يليق من الكلام، وتحسن محاورتهم في ذلك المقام؛ إلا أنه استصحب سيفه في يده، فما هو إلا أن رأوه خارجاًٍ إليهم فولوا ظهورهم هاربين، يشتدون

عدواً شديداً، وخطواً مديداً، ولما علمنا بذلك أعتقدنا أن مثل هذا لا يسكتون عنه، فأمرنا بإدخال هاتين الابنتين في البيت الذي نحن فيه، وانتظرنا ما يجيء إلينا في شأنهما من الملك أو من بعض وزرائه، فلم يذكر لنا من ذلك شيء، وقد شاع خبر تلك القضية في مجالسهم وتحدثوا بها عند رؤسائهم، وأمرنا بمصير هاتين الابنتين إلى أبيهما إلى بندر مسوع، على يد الأمير عبدالوهاب رسول باشا الأتراك، صاحب سواكن المقدم ذكره، والحمد الله الذي أعزنا بدين الإسلام عن ساير الأديان، وشرفنا بشرفه السديد الأركان، الباذخ البنيان، وهو المسؤل أن يختم لنا رضوانه، ويشملنا بعظيم فضله وإحسانه، بحق محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وبهذا يتم ما أردنا ذكره أيام اقامتنا بحضرة الملك، بعد تمام تسعة شهور ألقى سبحانه وجل في قلبه الإذن لنا على تلك الشريطة[97/أ] التي ذكرناها، وأمر معنا ثلاثة من كبار أهل حضرته يسيرون بنا في بلاده للقيام بما نحتاجه من الضيافة المحتومة، ثم توجهنا من حضرة الملك في آخر شهر القعدة الحرام من عام ثمان وخمسين وألف سنة.

ولما انفصلنا من المدينة قدر عشر مراحل، انقضت مسافة أحد الثلاثة المأمورين بمصاحبتنا، وقام بنا فيها ذلك الرجل أحسن قيام، وفعل ما أمر به الملك مع زيادة عليه في الإكرام، ثم اقتضت النوبة إلى الثاني منهم، فبقى معنا تلك الليلة التي هي أول نوبته، ثم فارقنا من اليوم الثاني، وتقدم يقبض الضيافة من الناس، ويأخذها لنفسه، وتركنا وراء ظهره، ولم نجد من يقوم بتضييفنا، ولا ما نرجع إليه لنفقتنا، ومعنا نفوس كثيرة من الرقيق والخدامين، قد صار عددنا يزيد على مائة نفر فلم نجد طريقاً غير الإعتماد على الله عز وجل، وعلى تناول ما يقوم بنا في النفقة في كل قرية مما نجده فيها، وكنا على ذلك كلما وصلنا قرية طلبنا أهلها، وعرفناه بمقدار ما أمر به الملك من الضيافة، فإن سلموها أخذنا منهم، واكتفينا بها عن غيرها، وإن تمردوا عنها سلطنا عليهم من كان معنا فياخذون كفايتهم، ولا يفوتهم منها شيء، وكنا قد أعددنا معنا من سلاسل الحديد التي يربط بها أهل الجرايم حتى يسلموا ما نحتاجه، وقد كان وقع في بعض الرقيق معنا ألم الجدري فاحتجنا إلى اعداد من يحملهم على سرر رفقاً بهم، وحفظاً لهم عن اضاعتهم في أيدي الكفار، وكنا لا نقوم من القرية التي ندخلها إلا وقد قربوا منهم تسعة أنفار لحمل هؤلاء المرضى من قرية إلى قرية لا نعذرهم عن ذلك،، ثم إنا نربط رئيس القرية بالحديد ونسيره تحت الحفظ معنا، ولا نطلقه من أيدي العسكر إلا وقد وصلنا القرية الأخرى ووصل جميع أثقالنا كاملة سالمة، وهلم جرا، ولو لم نفعل ذلك لهلكنا جوعاً، ولذهبنا بأيدي الكفار:

إذا لم يكن إلا الأسنة مركباً ... فلا أرى للمضطر إلا ركوبها
ولقد حاول أهل القرية الإمتناع منهم بالهرب، فأمرنا نساءهم بالحمل، وأجبرناهن على ذلك، فلما عرفوا صدق العزيمة رجعوا إلينا مغلوبين مقهورين، وليس مثل هذا يخطر على بال أحد من الناس أنه يتم عليهم مثل ذلك لمثلنا، على أنهم لو اجتمعوا على هلاكنا لم يشعر الملك بشيء من علم ذلك لبعده عن الإطلاع وقعود وزرائه[97/ب] عن مسالك الأبصار والأسماع، فلا شك ولا ريب أن تمام هذه الأمور لنا وظهورنا عليهم إلا بشرف الإسلام، وسر هذا الإمام -عليه السلام- وعلى جده وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام، واتصل سيرنا على هذه الصفة قدر خمس وعشرين مرحلة، وبعد تمامها انقضت مسافة ذلك المأمور المتمرد، ثم أفضت النوبة إلى الثالث منهم فتلقانا بأحسن ما يجب وأكرمنا بأفضل ما نحب، وفعل بما أمر به الملك مع زيادة إليه، وصير إلينا من الزاد ما يبلغنا إلى بندر مسوع؛ لأجل المفازة المتوسطة بين (مسوع) و(دباروى) وهي قدر عشر مراحل للقوافل، وأقمنا في بلد (دياروي) قدر اثنى عشر يوماً نصلح ما نحتاج من أمورنا، ونستزيد ما لا بد منهم من الزيادة التي على زادنا، وكانت القاعدة المتعامل بها أن القوافل إنما تسير من دياروي مع صحبة من السحرات المتصلين بهذه المفازة، وكان من الإمتحان أن وقع عزل الأمير صاحب دباوري مع وقوفنا فيها، فضاق بنا الحال، والجأنا تضايق الأمور إلى سرعة الإرتحال، فتوجهنا منه بغير صحبة ولا دليل، إلا الله عز وجل فهو حسبنا ونعم الوكيل، وهون علينا تلك الشدة ما بلغ إلينا أن مولانا أمير المؤمنين المتوكل على

الله -أيده الله تعالى- قد أرسل رسولاً قاصداً باشا الأتراك صاحب (سواكن) يأخذ لنا منه الأمان، وأمره أن يقف في بندر مسوع حتى نصل إليه فأسرعنا بالسير لما بلغ إلينا ذلك وحمدنا الله عز وجل الذي يسر لنا هذه المسالك، ولما توسطنا في هذه المفازة بلغ إلينا أن جماعة من الأشرار من بدو النصارى مجتمعون في جانب الطريق يريدون اعتراضنا وقد طمعوا فينا لما بلغهم انفرادنا، فأرسلنا رسولاً من أهل الخبرة بالطريق إلى نايب الباشا في بندر مسوع وكتبنا إليه نخبره بما بلغ إلينا من خبر هؤلاء البدو، وما يريدونه من التعدي والعزم على الإقدام إلينا، وبسط الأيدي، وبعد أن نفذنا ذلك الرسول لم ننتظر عود الجواب في ذلك المحل؛ لأنا رأينا البقاء فيه مخاطرة، فلم نجد بداً من السفر والتوكل على الله عز وجل، فلما بلغنا ذلك المحل الذي بلغنا أنهم راصدون فيه، رأينا القوم قد اجتمعوا حول مصرام لهم كبير جمعاً كثيراً، وقد كنا أرسلنا إليهم رجلاً من المصاحبين لنا من أهل الحبشة يخادعوهم في القول، ويلين لهم العبارة، ويطمعهم بشيء من المال، ويكلمهم أن يصحبنا منهم جماعة من كبارهم إلى المحل الذي نريد النزول فيه تلك الليلة[98/أ] وهو قريب من هذا المصرام الذي هم فيه يعلمون أنا لا نفوتهم بالتجاوز إليه، ومرادنا بذلك اطماعهم بالقول، ومطاولة الحديث معهم حتى يرجع إلينا الجواب من أمير مسوع، فأثر فيهم ذلك القول ونقض عليهم ما كانوا أبرموه، واطفأ من لهبهم ما كانوا أضرموه، لولا أنه وقع من بعض أصحابنا ما هيجهم، وأثار حفايظهم، فرجعوا على ما كانوا عزموا عليه من العدوان، وعزموا

42 / 116
ع
En
A+
A-