2- النسخة الثانية، وتتواجد هي كذلك في المكتبة الغربية في الجامع الكبير، أشرت إليها بالرمز (ب)، حملت الرقم (2504) وتقع في (202) ورقة، ضمت كل صفحة فيها (31) سطراً؛ كُتبت بخط نسخي معتاد ضعيف خالٍ من النقط في معظمه؛ فرغ ناسخها الهادي بن الحسن القرشي المروني من نسخها في شهر محرم من السنة (1093هـ/1682م).
3- نسخة مكتبة الأحقاف بتريم، وأشرت إليها بالرمز (ح)، حملت رقم (316)، تقع في (300) ورقة، ضمت كل صفحة فيها (26) سطراً بمقياس (19×29) سم؛ لم يُثبت اسم ناسخها فيها.
4- نسخة مكتبة الفاتيكان، وأشرت إليها بالرمز (ف)، تحمل رقم (971)، تقع في (221) ورقة، ضمت كل صفحة فيها (27) سطراً، كُتبت بخط نسخي واضح، لم يرد اسمٌ لناسخها.
5- وأخيراً نسخة الوالد القاضي محمد القاسم الوجيه، ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الموضع هو أن هذه النسخة مصورة هي كذلك، حيث كان الوالد (محمد قاسم الوجيه)، قد صورها-حسبما رواه لي- من شخص يدعى (الحضرمي)- وقد أطلعني على عنوانه، ورغبة مني في تقصي النسخ من مصادرها الأصلية، سعيت جاداً في البحث عن هذا الشخص-للإهتداء إلى موضع المخطوطة- ولكن للأسف، باءت محاولتي الجادة هذه بالفشل، حيث تعثر عليَّ الإهتداء إليه، وتقع النسخة في (562) صفحة، تضم كل صفحة فيها (27) سطراً؛ كتبت بخط نسخي معتاد، وقد اكتفيت بالإستئناس بها.
ولما كُنت أمام هذا العدد من النسخ لنفس المخطوط، توجّب عليَّ إجراء مقارنة دقيقة بينها، وهو ما أفضى إلى ترجيحي للنسخة الأولى (أ)، وهي النسخة التي نُقِلتْ عن نسخة المؤرخ الأصلية، واعتبرتها النسخة الأم للمخطوطة، ذلك لأني لم أعثر على نسخة المؤرخ الأصلية.
ويعود ما ذهبت إليه في ترجيحي لها، إلى جملة من الأسباب الجوهرية، أوجزها فيما يلي:
1- إن النسخة (أ) لا يعتريها نقص، كماتلتزم أحداثها التسلسل الزمني حسبما أرادها المؤلف، إضافة إلى أنها تنتهي عند السنة (1074هـ/1663م) وتحديداً في الورقة الأخيرة من أوراقها، بالعبارة: (ثم ارتحل إلى أقر من بطنة حجور وأقام فيه، ثم صعد شهارة المحروسة بالله في منتصف جمادى الآخرة من سنة أربع وسبعين وألف) ، في الوقت الذي تنتهي فيه النسخة (ب) بالعبارة: (ولا تزال بعوثه إلى الأطراف لتنفيذ الأحكام، وبلاغ شريعة النبي عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم) . وتكون بذلك مقارنة بالنسخة (أ) لم تستوف الأحداث، وهو ما يعني نقصاً بمقدار ثمانية أوراق، استناداً للنسخة (أ).
2- من الملاحظ أن الناسخ في النسخة (ب)، قد قدَّم وأخّر في ترتيب تسلسل الأحداث؛ وهو ما يتضح جلياً في الورقة (124/أ)، وتحديداً في السطر (السابع عشر) منها، فنجد أن الناسخ في النسخة (ب) وبعد أن تم تدوين زيارة الإمام المتوكل على الله إسماعيل لمدينة إب، يواصل أحداث نسخته بالعبارة: (وتشدد بالأمر بالمعروف...). وهو مغاير لما هو مثبوت لسياق الأحداث في النسخة (أ)، حيث أن العبارة وما بعدها، وقد كُتبت في الورقة (67/أ) من النسخة (أ).
وكمثال آخر لما جرى من تقديم وتأخير للأحداث في النسخة (ب)، نجد أنه في الوقت الذي ابتدأت فيه الورقة (46/ب) من النسخة (أ) بنص هذه العبارة: (ووجه غيره أيضاً إلى جهات للتذكير...) يرد ذكر أحداث هذه الفقرة في الورقة (176/ب) من النسخة (ب).
وقد عمد الناسخ في النسخة (ب)، علاوة على ذلك لإضافة بعض العبارات في حواشي النسخة، ليس لها علاقة بما جاء في المتن، ولا تحمل أي دلالة تثبت أنها من نفس سياقه، فعلى سبيل المثال يرد في حاشية الورقة (50/أ) عبارة: (هذه مفخرة للإمام المهدي، عادت بركاته...) ونجد أيضاً في حاشية الورقة (53/ب) عبارة: (وبعضهم في جهة آنس قطع صفا، فوجد في قلب الصفا حنش...وعنده تراب يأكل منه...).
ويمكن أن نستشف من هذا كله، أن الناسخ في (ب) بما قام به من إضافات من ذات نفسه، إنما أراد ضرباً للأمثلة، أو تزويداً للقارئ بمعلومات إيضاحية أكثر.
كما يلاحظ أن الناسخ في النسخة (ب) عمل على تصغير الخط، الأمر الذي أدى إلى رص الأسطر بعضها فوق بعض، في مسافات متقاربة جداً يصعب معها قراءة المخطوطة، يضاف إلى ذلك أن الناسخ لم يشر إلى ما سقط من كلمات أو عبارات أثناء عملية النسخ-كما كان متبعاً حينذاك- وهو ما نوهنا إليه في هوامش النص.
وأمَّا بالنسبة لنسخة مكتبة الأحقاف بتريم (ح) والتي قام بتصويرها لي -في إلتفاتة كريمة منه يشكر عليها- الأستاذ أحمد باوزير (عضو مجلس النواب سابقاً)، وأحد المهتمين في مجال المخطوطات، تُعَدُّ في وضوح خطها الأفضل بين النسخ الأخرى، حيث كُتبت بخط نسخي جميل، ويتضح ذلك جلياً بما أولاه الناسخ من عناية بالعناوين الرئيسية والبارزة في المخطوطة- والتي كتبت باللون الأخضر والأحمر- بوضعها في مستطيلات، إضافة إلى ضبط الكلمات بالشكل (الفتح، والضم...إلخ)، ووضعه كذلك الأبيات الشعرية في مستطيلات عمودية، وقد أشارت فهرست مكتبة الأحقاف عند تناولها للمخطوطة إلى أنها نسخة خزائنية للمولى (الحسين بن الحسن) -رحمه الله-، كتبت في القرن الحادي عشر تقريباً، نتيجة -وكما أشرنا آنفاً- لعدم ثبوت اسم الناسخ فيها، أو ذكر السنة التي نُسخت فيها، ومما يجدر التنويه إليه هو أن النسخ يشوبها بعض العيوب وهي:
1- أن عدد الأوراق من (1-34/ب) قد كتبت بخط مغاير لخط الناسخ، يعود إلى فترة زمنية معاصرة -وقتنا الحالي-، وأخبرني الأستاذ أحمد باوزير فعلاً عن علي سالم بكير(مسؤل مكتبة الأحقاف) أن هذه الأوراق حديثة، كتبها المؤرخ (محمد عبدالقادر بامطرف) بخط يده، حيث كانت الأوراق الأصلية-الآنفة الذكر- قد نُزِعَت من المخطوطة، وقد حاولت تقصي الحقائق لمعرفة الأسباب التي أدت إلى هذا العمل الهمجي بحق التراث، فلم أهتدِ إلى نتيجة.
2- يلاحظ على النسخة (ح) ظهور بعض الإضافات بين الأسطر، ومثال ذلك ما جاء في الورقة (97/ب) في السطر (الثاني والعشرين) منها، حيث ترد العبارة: (وأناله السلطان) وقد كُتبت أعلاها عبارة (سلطان الهند) وتحديداً فوق كلمة السلطان كتعريف به. وقد تمت الإشارة إلى هذه الكلمات أو العبارة الخارجية عن متن النسخة (ح) في العديد من هوامش النص.
3- عمد الناسخ إلى إغفال الإشارة إلى ما سقط من كلمات أو عبارات أثناء نسخه للمخطوطة، كما جرت عليه عادة النُسَّاخ حينذاك، ويظهر ذلك على سبيل المثال في الورقة (145/ب) حيث يتضح وجود نقص فيها بمقدار سبعة أسطر عما هو مثبوت في النسخة (أ)، وبالتحديد في الورقة (262/ب) منها، وقد تمت الإشارة لمثل ذلك في هوامش النص.
4- يلاحظ كذلك أن الناسخ لم يتقيد بما ذهب إليه النُسَّاخ عند نسخهم، نقلاً عن المخطوطات الأصلية، بترك مساحات بيضاء في بعض الأوراق، وهو تقليد اتبعه أيضاً مؤلفوا هذه المخطوطات أنفسهم، للدلالة على أن هناك حدث معين-لم يَدوّن- مثل الرسائل أو قصائد الشعر، بل عمد إلى مواصلة الأحداث إذا ما صادفه مثل ذلك، مكتفياً بالإشارة في حاشية الورقة لمثل هذه العبارات (بياض رسالة) أو (بياض شعر)، ويبدو ذلك واضحاً على سبيل المثال في الأوراق (50/أ)، (53/أ)، (128/أ).
5- وجود نقص في نهاية المخطوطة نحو ثمانية أوراق، عند مقارنتها بما هو مثبوت في النسخة (أ).
وبالنسبة لنسخة الفاتيكان (ف)، فلم تخل هي الأخرى من عيوب ظاهرة، على الرغم من وضوح خطها، حيث نجد نقص في بدايتها قرابة ست وخمسون ورقة مما هو مثبوت في النسخة (أ)، الأمر الذي يعني نقصاً ليس بالهين، أضف إلى ذلك ما أسقط في نهايتها من أوراق قاربت الثمان.
كما يتضح أيضاً مخالفتها لاتباع التسلسل الزمني في الأحداث -كما جاء في النسخة (أ)- وتكون بذلك قد نهجت نفس المنوال المتبع في الن×خة (ب)، الأمر الذي يمكن أن يتخذ كدليل على أن كلتا النسختين (ب) و(ف) قد نسختا من نسخة واحدة، لم نوفق في الإهتداء إليها، على أننا لم نجزم في ما ذهبنا إليه بهذا الخصوص، وإنما هي مجرد فرضيات لا أكثر.
وصف النسخة الأم
وهكذا تتضح-كما ذكرنا آنفاً- دواعي وأسباب ترجيحي للنسخة (أ)، باعتبارها النسخة الأم، ومن ثم الإعتماد عليها عند نسخ المخطوطة-لتحقيق المخطوطة- وتكون النسخة (أ) بذلك قد ألمت - دون سواها من النسخ التي أشرنا إليها- بأحداث سيرة الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن الإمام القاسم بن محمد، حتى السنة (1074هـ/1663م)، وهي السنة التي توقف عندها مؤلف السيرة (المطهر بن محمد الجرموزي)، كما أسلفنا الإشارة إلى ذلك عند حديثنا عن حياة المؤلف.
وبالنسبة للوصف العام للمخطوطة، فسنجد أنها كُتبت في أوراق قديمة، بحالة جيدة، احتوت كل صفحة منها على (27) سطراً، جُلّدت تجليداً سميكاً، يمتد من غلافها لسان مثلث سميك يلتف حول المخطوطة إمعاناً في الحفاظ عليها، كما جرت عليه عادة التغليف حينها، وقد نُقشت علي جهتي الغلاف وكذا اللسان، نقوش عربية إسلامية.
ويلاحظ على ورقة عنوان المخطوطة تعليقات تدلل على مطالعة العديد من الأشخاص لها، كان آخرهم العلامة عبد الله بن أحمد بن محمد الوزير، والذي صارت في حيازته في شهر (جمادى الأولى سنة1332هـ/1913م). توجد الآن -كما ذكرنا- في المكتبة الغربية بالجامع الكبير بصنعاء
أما نسخها فقد كان بخط نسخي معتاد، مهمل النقط، وتحمل الرقم (2505). وقد استهل الناسخ عند كتابته لسيرة الإمام المتوكل على الله إسماعيل بالبسملة.
كما حرص عند كتابة عنوان أو فصل أو سنة، على أن يكون بارزاً وبخط كبير، مستخدماً لذلك اللون الأسود، ويمزجه في بعض المواضيع باللون الأحمر. كما ميز لفظ الجلالة- عند كتابته له- باللون الأحمر وكذا اسم الإمام، وأفعال الرواية مثل (قال، أخبرني، ونذكر).
أما ماحدث بالفعل من سقوط لبعض الكلمات أو الجمل أثناء عملية النسخ لهذه المخطوطة فيعد أمراً طبيعياً يحدث في أي عملية للنسخ مشابهة لهذه. وللإشارة إلى مواضع السقوط هذه، عمد الناسخ- أثناء نسخه للسيرة- إلى التقليد المعتاد باستخدام إشارة سهم مقلوب ( ) ثم قام باثبات ما سهى عنه في حواشي الأوراق.
ونلمس أثناء تصفحنا للمخطوطة حرص الناسخ على دقة ووضوح متنها، وهناك أمور عدة تترجم هذا الحرص، مثَّلها إهتمامه بايضاح الجُمل، بما استخدمه من فواصل (،) بين الجمل، مع رسم هذه الفواصل باللون الأحمر؛ وللتدليل على نهاية الجملة أو فقرة ما وضع الناسخ حرف الهاء (هـ)؛ بينما يورد كلمة (انتهى) ليعني بذلك خاتمة الرسالة أو الحدث؛ وإضافة إلى ذلك استخدام الناسخ أيضاً إشارات الفواصل بلونها الأحمر، لتشطير الأبيات الشعرية، ثم رسمه عند نهاية كل بيت لهذه الإشارة (0).
وكما هو معروف، فقد حرص المؤرخون أثناء تأليفهم الكتب، على توخي الدقة في صياغة الأحداث، فعمدوا- كما جرت العادة حينذاك- إلى توثيقها بما يقع بين أيديهم من رسائل، وذلك لإضفاء المصداقية لما يكتبون، وأحياناً يحدث أن يفتقر هذا المؤرخ أو ذاك لمثل هذه الأشعار أو الرسائل، لسبب أو لآخر، فيلجأون في مثل هذه الحالات حرصاً منهم على أمانة مؤلفاتهم، على ترك بياض في الأوراق التي يرغبون في تثبيت ما يأملون بها.
لذا فقد التزم النسّاخ-أثناء نسخهم- بما وقفوا عليه في هذه المؤلفات، ونسخوها كما جاءت، وما يدلل على هذا هو ترك الناسخ للمخطوطة (أ) مواضعاً عدة من أوراقها، خالية من الأحداث [بياض] وكما أسلفنا الذكر، أن أغلب كلمات المخطوطة مهملة النقط، لا سيما وأنها عادة اتبعها النساخ حينذاك، على أن ناسخ المخطوطة (أ) حرص على وضع إشارات معينة للدلالة على الحروف غير المعجمة، فوضع- على سبيل المثال- إشارة ( ّ ) أعلى حَرْفي (الراء والعين)، كما هو مشاهد في هاتين الكلمتين (المرّ، عّلب)، كوسيلة لتنبيه القارئ أنهما غير منقوطتين، وبالتالي تجنبه أي التباس يمكن أن يقع فيه أثناء القراءة.
أمَّا بالنسبة لحرفي (الطاء، الدال) فقد وضعت أسفل كل منهما إشارة (.)، كما هو ملاحظ في هاتين الكلمتين (طالب) و(دله) وهو أسلوب سرى استخدامه- في المخطوطة- بتواتر مطرد من قبل الناسخ.
وتفادياً لأي إرباك قد يتولد لدى قارئ المخطوطة بخصوص تسلسل صفحاتها أثناء سردها للأحداث، عمد الناسخ إلى كتابة الكلمات الأولى من الصفحة الثانية (ب) في نهاية الصفحة الأولى (أ) من كل ورقة.
ومن جانب آخر أغفل الناسخ استخدام الهمزة في كل المواضيع التي تستوجب استخدامها، كما نهج في رسمه للعديد من الكلمات الرسم القرآني مثل (الصلوة، الزكوة، السموات) وهو ما سنتناوله عند الحديث عن منهج التحقيق.
وسنرى أن الناسخ حرص على تمييز أحداث رحلة الحبشة للعلامة الحيمي عن بقية أحداث المخطوطة، كما وردت في الأوراق(87/ب-101ب) ليطابق بذلك ما ذهب إليه مؤرخنا الجرموزي في مخطوطته الأصل، حيث كتب في وسط الورقة(87/ب) وبشكل مثلث العبارة التالية (هذا بحث دخول القاضي العلامة حسن بن أحمد الحيمي- أسعده الله- في صفة دخول الحبشة عند سلطان الحبشة وما قاساه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليماً).