والستر دون الفاحشات ولا ... يلقاك دون الخير تسترا
وانظروا إلى ساير المسلمين كيف علومهم منشورة ظاهرة، وغير منشورة لا يستحيون من إظهارها، ولا يغطون شيئاً من أنوارها، فكيف والعياذ بالله يؤثر العاقل قول من لا يدري كيف صحة عقله، فضلاً عن دينه على ما يعمله من حال نفسه، ويدركه فهمه، ويطلع عليه لمعرفته، فاتقوا الله واعلموا أنا قد كتبنا هذا إرشاداً لكم، واعذاراً إليكم، وقد أنصفكم من حكم فيه عقولكم وردكم إلى أفهامكم وألبابكم، ثم اعلموا بعد ذلك والله المستعان، وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، أنا سمعنا أو بلغ إلينا أن قائلاً منكم يذكر هذا المذهب الرديء القبيح مذهب الباطن نعوذ بالله منه، أو يدعي على الله وعلى رسوله ما الله بريء منه، فإنه ليس له عندنا بعد ذلك إن شاء الله بحوله وقوته إلا استباحة دمه وماله وحرمه، كما هو حكم الله عز وجل فيمن كان كذلك لا نخاف في ذلك إن شاء الله لومة لائم، ولا عذل عاذل، وأصلحوا عقائدكم، واخلصوا نياتكم، واعملوا وتبرؤا إليه مما خالف دينه ودين نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فإنكم بذلك تصدق عليكم كلمة الإسلام، وتدركون إن شاء الله الدنيا والآخرة، ويلذ لكم العيش، وتطيب لكم الحياة، وتلقون الله عز وجل مؤمنين، وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

نعم! ولما وصلت إليهم هذه الرسالة النافعة وما تضمنته الأدلة القاطعة، تشعشع منها الأنوار الساطعة، مع الوعيد للعنيد من النكال، واصطفاء الأنفس والأموال، ظهر في الأرض[69/أ] ذكرها، وانتشر في الناس أمرها، فكان لها أثر ظاهر، ولقمع أهل ذلك الباطن الخبيث قاهر، وكان بلغه قبلها في مواضع من محلهم الخبيثة أظهروا المخالفة في العيدين والصيام بالتقديم فيهما والتأخير، كما اشتهر عنهم من الاعتلال بتوليد الأهلة، وكذا يفعلون في كل ما خالف المسملين، كما اشتهر عنهم وظهر في البلاد التي تغلبوا عليها، أن منهم إبراهيم بن (محمد) المكرمي، دخل الهند واتصل بأهل ذلك المذهب الخبيث أعاده بولاية من كاهنهم المعروف، فأظهر أمره كذلك فنكل الإمام -عليه السلام- بأولئك وأنهكهم بالعقوبات، وقبض على هذا المكرمي فحبسه في شهارة المحروسة بالله أكثر من إثني عشر سنة، وقد أظهر مع بقائه البراءة من الباطنية، وكذا مما لا يعرف الإمام -عليه السلام- صدق توبته، وهو الآن في شهارة المحروسة بالله في تاريخ اثنين وسبعين وألف[1661م] وأظهر الكثير من أهل هذا المذهب الرجوع عنه والتوبة منه، بمعنى ظهر عليهم أثرها، وانتشر عنهم ذكرها، وإن كانوا قد أظهروا جميعاً ذلك، فمنهم الأمير جعفر بن علي من بني الآنف وأمراؤهم المشهورون، فإنه رجع وتاب وباينهم.

وأخبرني بعض الفقهاء العدول أنه حج في العام الذي حج فيه هذا الأمير وأنه رآه مخالفاً لهم يعني الباطنية في جميع أمورهم، وأنه رءآهم يعالجونه معهم في موضع وقوفهم المعروف وأن يقدم ذلك فخالفهم، وأنهم عادوا من عنده وهم يبكون، وخصهم الشيخ سعيد بن محمد اليعبري كان من كبارهم وأولي المكانة فيهم وله اشتهار في العمل بالباطن الخبيث مما يطول ذكره.
وأخبرني ولده الشيخ عبدالله بن سعيد عنه بالتوبة النصوح، وأنه أوصاه.
وأما ولده الشيخ عبدالله هذا فباين الدعاة وخالفهم ودل على عوراتهم، وصحح اسلامه في حضرة الإمام -عليه السلام- وكتب له الإمام -عليه السلام- ما هذا نسخته:

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد: حمداً لله الذي جعل دينه دين الإسلام ديناً قيماً لاعوج فيه ولا أمت، وأظهر من آياته عليه ودلالته لمن اهتدى إليه ما لاغمة (فيه) ولا فرقة ولا شت ، وشهادة أن لا لا إله إلا الله وحده لا شريك له دلت عليه[69/ب] صنعته البديعة، ورحمته الوسيعة، وأن محمداً عبده ورسوله أيده بالمعجز الصادق، وأرسله رحمة لجميع الخلايق، وسؤاله أن يصلي ويسلم عليه وعلى أهل بيته الذين أوضح بهم الدليل، وكشف بهم سدفة كل منهج وسبيل، وحكم على ما خالفهم بالهلكة، كما أغرق من لم يركب مع نوح في سفينته، فهم أمناء الله على التحريم والتحليل لما استبان الحق بالبصيرة، واستبان الصدق بالخروج من ظلمات التعمية إلى ربوة الهدي المنيرة، المثمرة العذبة النميرة، بالبراءة من كل اعتقاد أو قول أو عمل تخالف فيه العلانية السريرة، ودان الله عز وجل بما أنزله من بينات الكتاب المبين، وعلمه على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من واضحات الدين، وصادعات اليقين، وحفظه بأهل بيت نبيه الذين قرنهم بالكتاب حفظاً عاصماً لمن شك به عما يلبس على المهتدين، وهو المنهج الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وأهل بيتهما وذريتهما الذين أتموا من بعدهم لمن فتح الله باب الجهاد، وكافح بعزيمته وجوه الغي والبغي والفساد، ونشر ذكره وفخره على قصر المدة في الأغوار والأنجاد، الإمام الشهيد الولي بن الولي بن الولي زيد بن علي بن الحسين بن علي -سلام الله على روحه الطاهرة، وأرواح آبائه

وبركات الله جميعاً في غدو كل يوم ومساءه - وأعطانا على ذلك عهد الله وميثاقه، إن العهد كان مسؤلا، وأعلن عنه عمن وراءه من قبائله بالتوبة عن الإقتداء بغير أهل الحق تجميلاً وتفصيلاً، كان من الحق الواجب أن يعانوا على ذلك برفع الذكر وإعلان الأمر، وما تقر به العين ويشرح الصدر، من القواعد الشريفة، والشواهد العالية المنيفة، النبوية العلوية الفاطمية الحسنية الهادوية الناصرية المنصورية المؤيدية المتوكلية -أعز الله بها دين الإسلام- وأنفذ بها كلمة الحق التي أظهرها بفضله في الشرق والغرب واليمن والشام، تشهد له ولقبائله الذين اتبعوه على ذلك، ولجأوا إلى سفينة النجاة من المهالك، من اليعابر ومن إليه من أهل سبع هوزن، بالإجلال والإكرام، والرعاية والإحترام، والعناية الوافرة الأقسام، والدخول في جملتنا، والإنضمام إلى جماعتنا وشيعتنا، الذين لهم ما لنا وعليهم ما علينا، لا يخالفون إن شاء الله لله ولا لرسوله ولا لنا أمراً ولا نهياً، ولا يضمرون في دين الله الذي بينه وأظهره وأوضحه خيانة ولا كتماً [70/أ] ولا غياً، ولا يدينون إليه إلا بما دان به نفسه، وعظم به قدسه، ونطق به كتابه، وظهر به خطابه، ولا سبيل عليهم لأحد من الدعاة في شيء من الأعمال وجميع الأحوال، وأمرهم إلينا بواسطة عاملنا ووالينا في واجباتهم وتصرفاتهم وجميع متعلقاتهم[والذي وضعناه] لأولاد الأمير إبراهيم بن حسن من الحصة في تلك الجهة يصيره إليهم العامل من يده بعد قبضته من غير سبيل لهم على أولئك القبائل وللشيخ المذكور ما وضعناه لوالده ثم له لا ينقص إن شاء الله عنه ولا يحط على

حسب التفصيل الذي وضعناه والتمسك الذي حررناه، وعليه يستقيم إن شاء الله على مقتضى ما ذكرناه، ويوافق ظاهره فيه وباطنه على ما بيناه وقررناه، ونحن نسأل الله لنا وله ولقبائله ولجميع المسلمين الهداية إلى سبيل الحق الواضح، والدين الرابح، والنية الخالصة، والقول الصادق، والعمل الصالح، وأن يصلي ويسلم على محمد وآل محمد، ويجعلنا بهديه مهتدين، وبنوره مقتدين، ولا مبلسين ولا معتدين، كمن قال عز وجل فيهم{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى الله لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِي، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ الله وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} وحسبنا الله ونعم الوكيل، ونعم المولى ونعم النصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على محمد وآل محمد وسلم.
حرر بتاريخ الثالث عشر من ذي القعدة الحرام عام ثمان وستين وألف[13 اغسطس 1657م].

[ذكر أحداث مكة]
وفي عام أربع وستين وألف[1653م] ظهر من الشريف مبارك بن شنفر بعد ما سبق من عمه الشريف عبدالعزيز بن إدريس بن حسن بن أبي نمي والأمير غيطاس صاحب جدة، منازعة الشريف الكبير، والسلطان الشهير، زيد بن محسن بن حسين بن حسن بن أبي نمي -أيده الله- وقد تقدم اعتزاؤه إلى الإمام وتحكمه له، وحيث قد ذكرنا ولاية المذكور، فلنذكر صفة مصير الأمير إليه، وإلى أبيه على جهة الاختصار واعتزائهما إلى الإمام بعد الإمام -عليهما السلام-.

مما أخبرني الشيخ حسين بن نعمان القحطاني، ثم عثرت على صحة ذلك من طريق متعددة، أنه تولى مكة وما إليها الشريف الكامل، والملك العادل حسن بن أبي نمي وكان أنهض إخوته وأحزمهم[70/ب] مع غلظة فيه عليهم وعلى غيرهم، وكان عظيم الهيبة، وكان أخوه الشريف قاتيباي بن حسن كثير الغزو إلى مشارق مكة المشرفة، وكان يغلب وينتصر ثم إنه بدى له أن غزا يام إلى مخاليف نجران فقتلته يام، ولما ملك الشريف أبو طالب أراد أن يأخذ بثار أخيه، وربما كاتب صاحب صنعاء من ولاة الأتراك -أقماهم الله تعالى- وتجهز لذلك بقوة من العدد، وأضعاف من المَدد، وجمع من أطاعه، وخرج على البلاد المخالفة فذلَّلها وسهل ما عسر منها، فهلك (في موضع) من تلك المفاوز وكتم إخوته وأصحابه موته، وائتمروا في القايم بعده، واتفقوا على الشريف الكامل عبد مناف بن حسن وطلبوا منه أن يقبل منهم الطاعة وأن يقوم بأمرهم، فامتهل منهم إلى ثاني يوم وفاة أخيه، وقد تفرقوا للميت، وكان في محطته في جانب من المحطة العظمى، ولما سكن الليل هَمَس بخفاف ركابه، ولم يزل يجد السير، حتى فارقهم نحو عشر مراحل، وصار في مشارف المدينة المنورة، وكتب إليهم: يا بني حسن إني هربت منكم لا تهلكوني أظلم لكم وفد الله، وأتسبب إلى إيصالكم مطالبكم وعوايدكم بما حرم الله أو كما قال، ففزعوا إلى صنوه الشريف الأكرم إدريس بن حسن، وقالوا له: لا بد مما تلي أمرنا، وتجمع شملنا، فاعتذرهم ثقل ذات اليد، فأقترضوا له من أخ له يسمى الشريف فهيد بن حسن، وكان ذا مال معروف بجمعه ثمانين ألفاً من الذهب الأحمر، وكتبوا فيه على الشريف إدريس

الأشراف.
ولما عادوا إلى مكة المشرفة انفتحت على الشريف إدريس أسباب النفقات والعطايا، وكان معروفاً بالسخاء، فعجز عن قضاء ذلك القرض، واتفقوا أنه سوق للشريف فهيد من حقه ربع ما حصل من المدخول حتى يستوفي ويكتب عليه ما صار إليه، فلم يحصل الوفاء إلا بعد سنتين، فقيل لفهيد: قد حصل لك وفاء مالك، فقال: لابد من استمرار الربع، وقد صارت أمواله متضاعفة، وتعلقت به الآمال، وعرف الشريف إدريس أنه أقدر منه على النفقات فأجرى عليه الربع، وشرط عليه أن يحمل معه من عوايد السلطان الربع.
ثم إن الشريف محسن بن حسين خرج من مكة مغاضباً لعمه الشريف إدريس، وله أخبار طويلة، وكان من أهل الفتك والهمة العالية، وغزا في أخبار ساقها الرواة فيها طول، فصالحه عمه إدريس بتهامة، وبندر القنفذة وما إليها إلى بيش من أعمال تهامة اليمن وثقل[71/أ] على الشريف إدريس بن فهيد، فراسل إلى محسن بن حسين أنك تعود إلى مكة وتعينني على فهيد، وأجرى عليك الربع الذي في يده.
ولما صار الشريف محسن في مكة المشرفة على صفة الاقتضاب، اجتمع بعمه الشريف إدريس، ثم احتالوا على فهيد، فحاصروه أياماً، ثم أخرجوه من مكة المشرفة، فصار إلى مشارف الحجاز ونواحي العراق يغري العصاة أجل الأطماع، ثم أنه غزا قوماً من بني خالد فأخذوه أسيراً، واصطفوا أمواله، وأولاده في أخبار طويلة، فهام على وجهه إلى صاحب الروم والتمس منه ولاية مكة المشرفة، وعرف صاحب الروم أنه إذا ولاَّهُ احتاج إلى سفك الدماء في حرم الله، وترويع أهل الحرمين، فألحقه بخاصته، وجعل له وظيفة أمير من أمراء مصر، فكان هناك حتى هلك.

وأما الشريف إدريس والشريف محسن فاستمرت أيديهما وقوي سلطانهما، وكان الشريف محسن في حكم الوزير لعمه، وإليه تدبير أكثر أموره، وعظم ذكر الشريف محسن، فرغب الأشراف في ولايته، وخلع عمه إدريس فأجابوه وصالح أمراء الأتراك كذلك، وأخرج عمه الشريف إدريس في عام أربع وثلاثين وألف[1624م] واستولى على ولاية مكة حرسها الله وما والاها، وقد صار الشريف إدريس شيخاً كبيراً فانتهى إلى جبل يسمى شمر من مشارف مكة مشهور بالحطب وكثرة القبائل فلاذ بهم فآووه، وكان هناك حتى مات في ذلك العام الآتي الذي يليه واستمرت الولاية للشريف محسن.

33 / 116
ع
En
A+
A-