[ذكر الإختلاف في وادعة الظاهر]
وأمَّا بلاد وادعة الظاهر فإنهم وصلوا إلى شهارة للتعزية في الإمام -عليه السلام- وكان العامل عليها السيد الفاضل القاسم بن حمزة بن يحيى الغرباني ، وكان قد وصل معهم إلى مولانا أحمد ومولانا الحسين -أطال الله بقاهما- فرجح لهم من رجح أن يكسوا مشائخهم ويعطوا عامتهم ما يقوم ببعض كسوتهم من الدراهم، فكره الذين لم تصل إليهم كسوة، ووقع في نفوسهم عليه، وخرجوا مغاضبين، ولحق في أثرهم السيد القاسم (والمشايخ وقد غلبت صدور العامة وتعاقدوا أن السيد قاسم) غير وال لهم وأن المشايخ كذلك.
فلما وصل السيد القاسم بلادهم هاجوا عليه مع اشتغال مولانا أحمد بما تقدم وأرادوا به العظيم وحاصروه في بعض بلاد المُقابلة، ثم أخرجوه من البلاد على مشقةٍ، ولما اتسق لمولانا -عليه السلام- الأمر وانفصل زيد من عمرو كره أن يكرههم بولاية السيد القاسم فأجابهم إلى إبداله، وقد وصل إلى الإمام -عليه السلام- العلامة فخر الدين[46/ب] (عبدالله بن عامر بن علي -رحمه الله تعالى- وكان مقيماً في بيته من هجرة حوث ، وكان مقيماً في حكم المعتزل وله رسالة سماها [ ] يحث فيها على الوفاق ويحذر من الشقاق والإفتراق) .....[47/أ]..... .[47/ب] ولما وصل إلى الإمام -عليه السلام- ولاه بلاد وادعة وما إليها، وكانت فيما سبق في أيام حي مولانا الإمام المنصور بالله -عليه السلام- ولايته له، وإلى صنوه المجاهد (الريِّس) محمد بن عامر -أطال الله بقاه- ثم إنه وقع في آخر أيام الإمام المؤيد بالله من النظر في التصرفات، فاعتذر إلى الإمام -عليه السلام- من العمل، فأعفاه بعد طول مراجعته، وكان السيد القاسم في حكم النايب عنه إذا رجع لعمله، ولما ولاه الإمام -عليه السلام- (وكانت قد افترقت) بلاد وادعة، وقتل منهم من قبل وظهرت فيهم المنكرات، وقطعوا الأعناب وأرسل الإمام (عليه السلام) عليهم العقوبات فلم تنجح فيهم، وكان حي السيد عبدالله -رحمه الله- قد صبر على كريه أحوالهم، فإنه رأى منهم غير ما يعرف من سابق أعمالهم، فكتب إلى الإمام -عليه السلام- بالبراءة منهم، وذهب مغاضباً إلى حوث، وهو مقره وإقامته فيه، وعظمت الفتن بينهم والمفاسد، فأرسل الإمام -عليه السلام- الفقيه بدر
الدين محمد بن عزالدين الأكوع والياً عليهم، وأرسل معه مشايخ وادعة الذين وصلوا إليه، وكانوا زهاء من خمسين رجلاً، فلما وصل الفقيه محمد كره المشايخ الأولون إقامة المشايخ الآخرين مقامهم وتقدمهم عليهم، وكثرت المغازي والغيارات ، ورجموا الفقيه محمد في مواضع ولم يتلقوه بما يحق؛ لكراهة بعضهم بعضاً، فكاتب الفقيه محمد إلى الإمام -عليه السلام- بما وقع واستدعى عقوبات وظن أنها تردعهم عن ذلك، وقد عظمت بينهم الإحن وتكاثرت الفتن، فعادوا على أنفسهم باللوم واجتمعوا وقصدوا السيد العلامة عبدالله بن عامر إلى هجرة حوث، ولاذوا به واسترضوه، وقالوا كلما وقع معنا مما تراه عقوبة لنا لعدم قبولنا أمرك أو كما قالوا، وها نحن تايبون من مخالفتك، وكانوا مع مسيرهم إليه فوق ألف نفر مع وجوههم، وكان السيد المذكور-رحمه الله- عزة وصدق حديث مع مكارم أخلاق وحسن رجوع بعد الحدة، فأعتقد أن هذا مما يوافق الإمام -عليه السلام- وأن ولايته باقية؛ لكونه الذي ترك البلاد باختياره، ولما كان يألف من الإمام المؤيد بالله -عليه السلام- من القبول لقوله، فأخرج الرايات وشد الخيل، وسار معهم إلى بلاد وادعة، وكانوا قد تعطشوا له كثيراً، وقد طلع معهم من أهل هجرة حوث جماعة من السادة والفقهاء من الذين كانوا يألفونه وقصد الحصن، ومشهد السيد الفاضل الطاهر القاسم بن جعفر -عليه السلام- وهو الذي عمّر مرافقه المشهورة ووسع مسجده فهو في حكم هجرته ومكانه.
وأمَّا الفقيه محمد فهرب إلى جهات مرهبة [48/أ] بعد أن سمع من وادعة المكروه، وكتب إلى الإمام بما وقع في نفسه من الوهم، وأن السيد عبدالله أفتى بقتله وهوّل بما طلع به من حوث، وأوهم الإمام -عليه السلام- وغيره أنما يريد الشقاق للإمام -عليه السلام- والمعارضة، فكتب الإمام -عليه السلام- إلى ولد أخيه مولانا محمد بن أحمد، وهو حينئذٍ في خمر من بلاد بني صُرَيْم بما سيأتي من الأسباب، أن يتقدم بجميع من معه من العسكر إلى وادعة، وأن يحرب السيد عبدالله ومن صار إلى رأيه، فتقدم إلى الحصن وهو الموضع الذي فيه السيد عبدالله معظم الموقع، وأنه محمول على أنه أضعف محمل، وكان الإمام -عليه السلام- أيضاً[قد] أرسل صنوه السيد المجاهد محمد بن عامر للسعي في الصلاح والإعذار إلى صنوه فوصل السيد محمد إلى وادعة وقد عرف السيد معظم الموقع، فانسل في خواص من طريق أخرى إلى الإمام
-عليه السلام- فوافاه في صنعاء المحروسة بالله كما سيأتي إن شاء الله من أسباب اقامته فيها، وعرف الإمام -عليه السلام- فاستحى منه كثيراً وآنسه وأعطاه أشياء كثيرة مع جارية، وعرف أنه عجل عليه.
وأمَّا المحطة التي في وادعة فإن وادعة تشوَّشوا منهم، فوقع بينهم اختلاف كذلك، وقتل من وادعة نفران، ومن العسكر ثلاثة وخيلٌ عقرت، وكان ذلك مع السيد محمد بن عامر، فتوسط مع جماعة ممن تحب الصلاح في صلاحهم وطاعتهم، ووجه الإمام -عليه السلام- عليهم آداباً وغرمهم ما انتهبوا على العسكر ودية من قتل وصلح الحال.
وأمَّا الغيارات والمفاسد فكثرت كما سيجي إن شاء الله، وللسيد فخرالدين عبدالله بن عامر -رحمه الله- أشعار منها:............... .
[48/ب]............... [49/ب].............. [49/ب]............... .
[دخول أحمد بن القاسم إلى جهات صعدة]
رجعنا إلى توجه مولانا أحمد بن أمير المؤمنين -أطال الله بقاه- إلى جهات صعدة، قد ذكرنا مسير الفقيه المجاهد محمد بن علي بن جميل معه فيمن صحبه من العسكر، فلما اشتغل مولانا أحمد في صنعاء بالعيد وافتقاد ما يحتاجه لسفره أمر الإمام -عليه السلام- الفقيه المذكور بمن معه من العسكر بالتقدم إلى بلاد (الظواهر) وقد وقع بينهم اختلاف مع الاشتغال المتقدم، وحصل قتول وقضايا دون ما وقع في وادعة، فوجه الإمام -عليه السلام- عليهم العقوبات، وأمر الفقيه المذكور أن يطأهم بالعسكر المنصور، فصلحوا واستقاموا وكذا جهات شظب وظُلَيْمَة، وخرج مولانا أحمد من الروضة في صنعاء في آخر عام أربع وخمسين وألف[1664م] وقد اجتمع له أصحابه، وتشدّد الإمام -عليه السلام- في توقيرهم وحمل أثقالهم، وسار معهم إلى خمر، وأقام فيها أياماً لأمور استدعاها من شهارة المحروسة بالله، وسار من طريق خَيْوان وعيان ووصل صعدة المحروسة بالله في شهر محرم سنة [ ] .
[أخبار السيد محمد بن علي الفوطي]
[50/أ] وكان على ولاية صعدة المحروسة بالله من قبل مولانا المؤيد بالله، السيد الفاضل شرف الدين الحسن بن أحمد بن أمير المؤمنين الناصر لدين الله الحسن بن علي بن علي المؤيدي، وكان لما بلغه وفاة الإمام -عليه السلام- في صعدة السيد الزاهد الفاضل محمد بن علي الهادي الفوطي وقد تقدم ما كان منه في أخبار مولانا المؤيد بالله -عليه السلام- وأنه ضعيف البنية، كثير الصيام والتقشف، فحصل في عقله ضعف فتصور في نفسه التصورات المُغيِّرة، فأظهر أنه المهدي المنتظر، واغتر به رعاع الرعايا، وطعن في السيرة، وشوش عليهم، وكانوا يحملونه على ظهورهم لضعفه فحصل بسببه قتول وفتنة في بلاد رازح وبني جماعة.
وقد تقدم في سيرة الإمام المؤيد بالله -عليه السلام- ذكرها، وصار بعدها إلى صعدة المحروسة بالله، وبقي في بعض مساجدها، فخاف السيد الحسن أن يحدث منه مثل ما تقدم؛ فاعتقله وبقي في الإعتقال إلى صبيحة اليوم الذي وصل فيه مولانا أحمد إلى صعدة، وهرب فلم يكد يلتفت إليه أحد في تلك الأيام، فكان في حكم الداعي الخامس، لكن لا التفاف إليه من أهل العلم وجمهور العامة، وحج بعدها في خمس وخمسين وألف[1645م]، وكان طريقه بيشة بن المهدي، وقد اجتمع للحج وركب قحطان المعروف بالكثرة، فأخذ يعاقدهم ويبايعهم على أنهم ينصرونه، ويظهر أمره في مكة المشرفة، ويخطب في المسجد الحرام فأجابه أقلهم.
ثم خرج سره في مكة، وبلغ الشريف زيد بن محسن، وكان في الحج القاضي العلامة الحبر صفي الدين وشيخ المسلمين أحمد بن سعد الدين -أيده الله- فأخذته عليه الشفقة وعلى المسلمين، وأن يحدث عليهم بسببه مشقة، فأرسل إلى الشريف في أمره فقبض عليه حتى قضى الناس مناسكهم، وقد شاع خبره في مكة، وحضرت أول جمعة بعد أيام التشريق، فاجتمع الأمراء وكل منهم ومن أعوانهم يتوقعون الحادث العظيم، وقدموا الخطيب المعتاد وأقاموا حوله بالسيوف مسلولة، ولما فرغ الخطيب قام للطواف واستلام الركن، فقام من رعاع الناس من يسلم عليه لاعتقادهم أنه المهدي، ثم آخر، ثم قام الأمراء وأصحابهم بالسيوف على أولئك، فحصل في المسجد فزع كبير، وانجزل أهل اليمن إلى جانب من مكة وغيرهم إلى الجانب الآخر، وذهب في ذلك الوقت أمتعة كثيرة، وما كاد يسكن ما وقع من الرهج ، فلولا ما تفضل الله من القبض على ذلك الشريف لهلك وهلك معه عالم والحمد لله رب العالمين.
ولما وصل مولانا أحمد -أطال الله بقاه- صعدة المحروسة بالله[50/ب] وقد اجتمع له عسكره وخزائنه، ووصل أهل الشام من بلاد صعدة وشرقاً وغرباً وكان قد غلفتها الفتن كما سيجيء قريباً إن شاء الله تعالى، فأحسن إلى عموم أهل تلك الجهات وكثر عطاؤه لهم وإحسانه إليهم مع لين جانب، وكانوا يعرفون من صحة الأمر والعزيمة والهيبة التي تمنعهم من الطمع والفساد، ثم خرج منهم من خرج إلى الإمام -عليه السلام- فأعطاهم أيضاً فوق ما يحتسبون كما ذلك دأبه المعهود، وسبيله ومنهله المورود، فهانت عندهم الدولة الإمامية، وأخذوا في بعض ما أعطوه من الطاعة الشرعية.
[دعوة إبراهيم المؤيدي]
ذكر ما وقع في بلاد صعدة في الفتن بعد وفاة الإمام المؤيد بالله-عليه السلام-.
قد ذكرنا دعوة السيد إبراهيم بن محمد بن أحمد بن عزالدين بن علي بن الحسين بن الإمام عزالدين بن الحسن بن الإمام علي بن المؤيد بن جبريل بن الأمير المؤيد بن أحمد بن الأمير شمس الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن المعتضد بالله عبدالله بن المنتصر لدين الله محمد بن الإمام المختار لدين الله القاسم بن الناصر للحق أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق-صلوات الله عليهم- وأنه دعا يوم الأحد سلخ رجب أو غرة شعبان، وكان متقدماً (على الإمام) بساعة أو ساعتين من ذلك اليوم، ونشر دعوته إلى الإمام -عليه السلام- وإلى جميع الجهات، فألتفت إليها جماعة من بلاد صعدة وأبى ذلك الأكثرون، فأجابه الإمام -عليه السلام- بهذه الرسالة....... [51/أ]...... [51/ب] ثم لا زالت المكاتبة بينه وبين الإمام -عليه السلام- وهو يوهم الإمام -عليه السلام- أني قد دخلت في أمر أعلم قصوري عنه، وإنما المراد معرفة الوجه الذي يحصل به التسليم، ويقرب تارة ويبعد تارة أخرى، وقد حصل في بلاد صعدة فساد كثير وسفك دماء ومنكرات.
[ما حدث في صعدة من مشاكل]
من ذلك القضية العظمى فيما بين قبايل سحار ومن إليهم من بني جماعة وأحلافهم وبين آل عمَّار من بكيل ومن إليهم من دهمة وأحلافهم، وكان لا يزال بينهم العداوة المتقدمة، وقتل من الفريقين نحو سبعين قتيلاً في هذه القضية، وقد ألّبت دهمة مخالفها وهموا بصعدة وما حولها، ودخلوا مواضع مما يلي القبلة والمخلاف.
وفي هذه الوقعة ظهرت كرامة باهرة وآية ظاهرة كما أخبرني الفقيه علي بن محمد بن عشوان العمّاري، وهو من يكتب الدرسة في المشهد الهادوي -عليه السلام- أنه رأى في اليوم الذي دخلت فيه القبايل المواضع المذكورة، وهو وآخر معه فارساً على حصان أخضر خارجاً من معلامة القرآن في شرقي المؤخر من الجامع المقدس وخرج من الباب المقفول وهما ينظران.
قال الراوي: وأخبرنا شيخنا هل رآه كذلك؟ فقال: لا، فأخبرناه بما شهدنا، فقال: غارة هدوية تدفع عن صعدة وأهلها هذه المخاوف، وكان كذلك، وما بلغنا إلا هزيمتهم في ذلك اليوم وليلته. انتهى.
فالذين صاروا إلى السيد المذكور أعطوه ظاهر الطاعة، ولا يكاد يمضي حكمه فيهم مع حضورهم مجلسه كيف من غاب عنه.