ومن مثل ذلك ما أخبرني الشيخ علي بن إبراهيم النقيح من بلاد ريمة، أنه أخبره ثقة فيهم وعدل ومن بلادهم أنه رأى في المنام مع ذلك الإختلاف جمعاً من العلماء والفضلاء وصفهم بالكثرة، وفيهم مولانا الإمام -عليه السلام- وكله نور يشبه النار التي يصطلى عليها من غير أن يكون لها لهب أو حريق والعلماء محدقون به، ويستضيئون بذلك النور.
ومن ذلك أنا حضرنا مع الفقيه (الريِّس) الكبير عماد الدين يحيى بن أحمد المخلافي الحيمي فذكر مثل هذا وقال: ومن عجب ما رأيت أنا كنا في صنعاء وقد اجتمعنا مع جماعة من الأعيان[42/ب] على مأدبة سمّاها، فتكلم بما شاء في هذا التعارض ما زاد ونقص من كلام المجالس، ثم اتفقنا على أن نفتح مصحفاً عندنا في كوة، وننظر فيه من يختاره الله سبحانه وتعالى للخلافة، وقرأنا الفاتحة ودعونا جميعاً وفتحتُ المصحف فكان أول سطر من الجانب الأول: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً} إلى قوله: {وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} وقال: فقلنا: أعيدوا ذلك فكانت الآية الأولى، ثم قرأنا ودعونا وفتحنا ثالثة فكان كذلك، فقال فلان من أهل ذلك المجلس: ادعوا واقرأوا، هل فلان من أهل المعارضة يصلح، وإذا في السطر الأول{وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } أو ما هذا معناه، الشك مني، ثم أعادوه فكان كذلك أظنه قال ثلاثاً.
[المعارضين لإمامة المتوكل على الله]
فصل نذكر فيه قضايا تتعلق بهذا التعارض. قد ذكرنا أن تعز العدنية كان فيها الشيخ (الريِّس) محمد بن ناصر بن علي المحبشي على عسكر تعز وكانوا زهاء من ألف نفر، وكان الإمام المؤيد بالله -عليه السلام- استخلفه عليها بعد وفاة حي الشيخ (الريِّس) المجاهد المنصر بن عبدالله الطير رحمه الله(تعالى) ولما وصله الخبر بوفاة الإمام المؤيد بالله -سلام الله عليه- ودعوة مولانا أحمد -أطال الله بقاه- والأكثر ممن حضر هذه البيعة وغاب عنها رجع فيه إلى القاضي العلامة شمس الدين أحمد بن سعد الدين -أطال الله بقاه- لعلمهم نصيحته للمسلمين واختصاصه بالقرب من أمير المؤمنين.
وأخبرني ممن حضر سوق وادعة أنه لما وصلتهم دعوة مولانا أحمد تلكأوا وبعدوا عنها، ثم قالوا: انظروا هل هي بخط القاضي صفي الدين أم لا؟ فلما عرفوا خطه انقادوا.
وأخبرني القاضي -أيده الله- أنه اتفق الكتاب إلى وادعة كان بخطه كذا وكذا غيره ممن سطر في الشام واليمن، وهذا الشيخ محمد ومن معه كذلك؛ فامتنع على مولانا محمد بن الحسن -أطال الله بقاه- ثم على مولانا الإمام -عليه السلام- وماطلهما جميعاً وحفظ المدينة فقط، وبقى فيها حتى وصل مولانا أحمد ضوران كما تقدم، وسلمها إلى مولانا محمد بن الحسن -أطال الله بقاه- بعد أن كان مُحِطاً عليها بنفسه وكذا صاحب حِصن القاهرة وهو الشيخ قاسم بن ناصر الأبيض الكلبي، فإن والده كان عند مولانا أحمد وأمر ولده بحفظ الحصن ففعل، ولما وصلتهم كتب مولانا أحمد بالتسليم سلموا واعتذروا عن تخلفهم بأنه قد سبق منهم عهد، وقبل منهم مولانا محمد بن الحسن -أطال الله بقاه- وعظمهم كثيراً[43/أ] وكان له الحجة عليهم لكونهم ولاة أبيه -رضوان الله عليه- وكان العفو عنهم من مناقبه في العفو وإسبال الستر والمكافأة عن الإساءة بالإحسان، وكان قبل قضية خدار، وصل إلى مولانا الإمام السيد العلامة صفي الدين شيخ العترة الهادي أحمد بن علي بن الحسن الشامي ثم المسوري -أطال الله بقاه- من صنعاء بخطاب في ترك الحرب وأن يبقى أهل القبلة وصنعاء وجهاتها على البيعة الأولى، وأهل اليمن الأسفل وغيره إلى مغارب ضوران وجهاته على البيعة الأخرى حتى ينظر لنفسه، وكان الإمام -عليه السلام- جنح إلى ذلك حذراً من سفك الدما، والفتنة (في) الدهماء، فوقع ما وقع خلال ذلك.
ومن مثل ذلك أن السيد العلامة الكبير ذا الفضل الشهير والعلم الغزير أحمد بن محمد بن صلاح الشرفي -عادت بركاته- لما وصله الخبر بوفاة الإمام -عليه السلام- أجاب في ليلته بتصويب أهل البيعة الأولى، وقرأ جوابه بالجامع المنصوري بمحروس شهارة، ثم إنه رجع عن ذلك وصرح بأنه مغرور وأن الإمام عنده إسماعيل -عليه السلام- وكتب رسالة نسختها[43/ب] ....... .
ولما ظهرت هذه الرسالة رجع كثير وأيس المخالفون من البيعة الأولى إلى الخلاف كما سيجيء إن شاء الله تعالى مع ما تقدم.
ومن ذلك أن السيد العلامة رضى الدين وعمدة المجاهدين هاشم بن حازم بن راجح بن أبي نمي الحسني المكي -رحمه الله- كان على مدينة زبيد وبلاد تهامة كلها غير بلاد حيس وموزع والبنادر وبلاد أبي عريش ولديه عسكر كثيرون خيلاً ورجلاً، وهو مع العلم والرئاسة من أهل الورع والإحتياط، فلما حصل التعارض وصل إلى الإمام (عليه السلام) إلى ضوران في نحو مائة فارس، وثلاثمائة راجل يسأله عما في نفسه، ويريد أن يتوسط بما يصلح الله به البلاد والعباد، فخفض له الإمام -عليه السلام- الجناح، وبسط له الإنصاف والصلاح، حتى بايع وتابع، ووقعت القضايا المذكورة وهو في ضوران، وبقى أياماً وعاد إلى زبيد، ثم توفي -رحمه الله- كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ومن ذلك تمام أخبار السيد العلامة (الريِّس) -أطال الله بقاه- الصمصامة، عز الدين محمد بن أحمد بن أمير المؤمنين الناصر لدين الله -سلام الله عليه- فإنه بقى في خولان، ثم تقدم إلى الإمام -عليه السلام- وبايع ووافق وصوله إلى ثلاء وما يتعلق بها.
ومن ذلك أن الفقيهين العالمين الفاضلين يحيى بن أحمد البرطي والحسن بن أحمد صالح الحيمي -أسعدهما الله- وصلا إلى شهارة المحروسة بالله على نحو من سبق من السيد العلامة أحمد بن علي الشامي (أطال الله بقاه) فأجابهم مولانا أحمد بمثل ما أجاب مولانا -عليه السلام- السيد أحمد، ووصلا إلى الإمام -عليه السلام- فبايعاه، ولم يجدا من الدخول في الإمامة عذراً فكانا مع الإمام -عليه السلام-.
[أخبار صنعاء]
ومن ذلك تمام أخبار صنعاء المحروسة بالله فإنهم خرجوا إلى الموالاة وحفظ المدينة، ولم يقع على أحد فيها كدر وانجد الحال، وبقى مولانا علي بن أمير المؤمنين -أطال الله بقاه- عليها موالي مولانا أحمد بن الحسين -أيده الله- بلاد أبيه من بلاد صنعاء وبعض بلاد همدان وبلاد ثلاء الذين واجهوا إليه والباقي من بلاد مولانا أحمد مع الروضة إلى ولده عزالدين محمد بن أحمد -أطال الله بقاه- وصلح الحال.
وأمَّا بلاد عمران وحصارها فبقي فيها الشيخ (الريِّس) ناصر بن عبدالملك بن عمران، حافظاً لها حتى وصل كتاب مولانا أحمد بن أمير المؤمنين مع كتب مولانا الإمام -عليه السلام- بعد الإجتماع المتقدم ذكره، وخرج منها وكان محاصراً لعمران النقيب المجاهد سرور بعد الإجتماع المتقدم ذكره، ولم يقع في عمران خلل أيضاً، وقد قُتل من أصحاب النقيب سرور ثلاثة أنفار ومن أهل[44/ب] عمران نفر واحد، ووصل الناس إلى الإمام -عليه السلام- أفراداً وأزواجاً حتى ضاق الحصن بمن فيه، نعم وتدبير اليمن ذمار إلى المخاء وكلها إلى مولانا الحسن -أطال الله بقاه- وقد عادت خيله وعساكره إليه بعد فتح مدينة صنعاء، وهو يتابع الإمداد للإمام -عليه السلام- من الطعام والبر والدراهم على أنواعها والإمام -عليه السلام-، يعطي كل ما وجد حتى إنه لا يحصى عطاؤه في الواحد، فهو -عليه السلام- كما قال القضاعي :
ملت جهابذ فضل وزن نايله .... ومل كاتبه إحصاء ما يهب
وأقبل الناس إليه حتى أنه إذا جلس في الوسيع ضاق بهم الفضاء فيتزاحم الناس عليه، وإنه إذا خرج لا يحفظ نفسه إلا على فرسه من تهافتهم عليه عند رؤية طلعته الكريمة، وفي كل يوم إلى زيادة إلى يوم الناس هذا -أطال الله عمره وتايع نصره- والحمد لله رب العالمين.
ووردت عليه التهاني.................. [45/أ]................. .
نعم وكان قراءة الفضلاء قبل الدعوة في كتاب (الكشاف) على الإمام، واستمر على ذلك تقدماً مع الاشتغال بهذه العظائم، ثم إن الإمام -عليه السلام- استرجح الفتح لمولانا أحمد إلى صنعاء وجهاتها، وأن يقيم فيها أياماً ريثما يصلح حاله ويجتمع بأهله في صنعاء والروضة، ويسير إلى بلاد صعدة، وقد جعل ولايتها وبلادها إليه إلا مواضع سمّاها، وصلح الحال وأنجد، وتمم الله سبحانه وتعالى ما قصد، وأرسل معه لسد الجناح مولانا إبراهيم بن أحمد بن عامر وسيدنا العلامة شمس الدين أحمد بن سعد الدين، والسيد العابد والزاهد العلامة محمد بن الحسن بن شرف الدين، والقاضي العالم جمال الدين علي بن سعيد الهبل ، ثم جهز معه الفقيه المجاهد (الريِّس) -أطال الله بقاه- محمد بن علي بن جميل السيراني في نحو أربعمائة نفر من خاصة العسكر، وأمره أن يكون معه حتى يجتمع إليه أصحابه، وجهز ما يحتاجه لسفره، وكان قد تفرق أعوانه وأحواله.
[دخول أحمد بن الحسن صعدة]
ذكر دخول مولانا أحمد -أيده الله- صعدة وجهاتها وما وقع في الشام وبلاد صعدة والظواهر، وبلاد شهارة من الأحداث والهزاهز، وكذا تمام ما وقع في جهة اليمن خارج تهامة؛ فإنها صلحت للسيد هاشم -رحمه الله- ونذكر جملها شيئاً فشيئاً، ونقدم أخبار جهات اليمن على بلاد صعدة.
فأما بلاد رَيْمَة فوقع فيها بعض اختلاف، فأرسل الإمام -عليه السلام- الفقيه بدر الدين محمد بن علي بن جميل، وكان مولانا أحمد أرسل عسكراً كذلك من طريق تهامة فصار غالب ريمة مع أصحاب الإمام -عليه السلام- وواليها السيد الجليل الكامل علي بن إبراهيم بن المهدي بن جحاف، وكان في شهارة المحروسة بالله حضر البيعة الأولى مولانا أحمد، وبقي ولده السيد ضياء الدين زيد بن علي فيها حتى وصل والده، وترك العسكر الذين معه من جهة مولانا أحمد في بعض تهامة، ووجد الطريق إلى الإمام -عليه السلام- فوصل إليه وكذا ولاه البلاد الحرازية والمغربية وصلح الحال.
[موالاة شهارة ومن فيها]
وأمَّا شهارة المحروسة بالله وبلاد الظواهر فقد ذكرنا صفة دخولهم وقد استخلف عليها وعلى بلادها ولد أخيه مولانا الحسين بن أمير المؤمنين المؤيد بالله بعد تلاح طويل، وكلام غير قليل، والأهنوم وجهاتها[46/أ] مايلون إليه فحفظهم من الاختلاف، ولما صح له ما اتفق لعمه في ثلاء أظهر أمره وجمع من في شهارة المحروسة بالله مع الأهنوم وعسكر أبيه وأخبرهم بما وقع وعرفهم بما عنده من الرأي، فكان كمحرك المشتاق، ومعلم الفارس السباق، وكان الجواب عليه:
أَملت هوى قد كان من قبل مايلا .... وهِجْت غراماً كان من قبل حاصلا
وأملت فهداً كي تصيد فلم ترم .... ضبياً وجرةٍ حتى ولجن الحبايلا
فاجتمعوا وبايعوا، وإلى موالاة إمامهم سارعوا، ووجهوا الكتب إلى الإمام -عليه السلام- بمثل ذلك، وكان [قد] حدث في بلاد عذر أحداث كثيرة وطالت، ثم في وادعة الظاهر، فأمَّا عذر فإنه كان وقع بينهم في الأسبوع الذي توفى فيه الإمام المؤيد بالله -عليه السلام- اختلاف بين عذر الغربي وقتل منهم قتيلان، وأمر الإمام -عليه السلام- عسكراً وتوفي وكفوا الشر للإنشغال بالحادث العظيم، وهيبة مولانا أحمد، فلما خرج من شهارة وحصل الإشتغال بما تقدم أضرموا الفتنة، وكثرت وتداعت الإختلافات ، وانقطعت الطرقات، وكثر القتل بين القبائل والإشتغال بما تقدم، فجمع مولانا الحسين عسكراً وانتهب قوماً، وغزى آخرين، وأخذ رهاين، وكانت قد عظمت الفتنة حتى لقد اقتتل عذر في سوق الهجر وقتل بعضهم في أعمال السوق، وما زالت بينهم الفتن إلى قريب السنة، ووصل الإمام -عليه السلام- كما سيأتي، وأطفأها الله بما سيجي إن شاء الله تعالى من الأخذ عليهم بالأشد.