ولما بلغ مولانا محمد بن أحمد غاضبه وقد كثر[37/ب] العسكر في صنعاء ومؤنهم بغير فائدة، فأرسل السيد الأمجد عبدالله بن مهدي حيدرة الغرباني، في نحو مائتين من العسكر، وأمرهم بطرد من وصل من ضوران، وحفظ البلاد ويحمل الطعام أيضاً إلى صنعاء، فوصل السيد المذكور الوثن من أعمال بلاد الروس، وقد امتنع أهل خدار وأهل خبَّة وغيرهم وأرسلوا إلى الإمام -عليه السلام- يمدهم بمن يحفظ البلد، فأرسل الإمام -عليه السلام- النقيب حسن بن هادي البطة الشعبي وجماعة ليسوا بالكثير مع أهل البلاد المذكور، وأمرهم أن يمنعوه من خدار وما إليها بعد حرب خدار وما يعقبه من الفتوح، ثم أن السيد عبدالله قَدّم بمن معه فناوشه القبايل للحرب ثم انهزموا، ودخل قرية خبّة وقتل من أهلها ومن معه ستة أنفار وأسر جماعة ونهب البلد.
ثم تقدم إلى خدار أيضاً فانهزم من فيها وملكها عليهم، وقد أرسلوا الصريخ إلى الإمام -عليه السلام- وطلبوا منه المدد، والسيد المذكور أرسل إلى صنعاء أيضاً بطلب المدد، وقد صار في حكم المحتار في خدار لا يقدر على الرجوع لكثرة القبائل، فأرسل الإمام -عليه السلام- النقيب المجاهد سرور بن عبدالله المعروف بشلبي من موالي مولانا الحسن-رحمه الله- زهاء أربعمائة، وانظم إليه من قبائل [بلاد] الروس وأهل مخلاف بمائتين مثلهم، ووصل أيضاً من صنعاء مدد مع الشيخ -أطال الله بقاه- سفيان القارني وصار إلى السيد عبدالله وحفظوا البلاد.

ولما وصل النقيب عزوز ومن معه أهاجوا الحرب على أنهم يخرجونهم من خدار، وعظم القتال فاختلطوا في شوارع البلد، وقُتِل من الفريقين نحو عشرين نفراً، ثم إن أهل صنعاء أرسلوا للمد والغارة، فأمدوهم من صنعاء بالسيد العلامة عزالدين بن دريب وأهل الحيمة، فوصلوا ثاني يوم الحرب الأول، وعظم بينهم الحرب أيضاً، فقُتل من الفريقين قريب من المقتولين[38/أ] في اليوم الأول، وقد أرسل مولانا الإمام -عليه السلام- ولده محمد بن الحسين مدداً، وعظم بينهم الحرب أيضاً، وانهزم مولانا محمد بن الحسين والنقيب سرور إلى نقيل يسلح ، وقد نزلت الخيل قرية النقيل وبقيت المراكز مقابلة لخدار في أعلى النقيل.

وقد تقدم استقرار مولانا أحمد بن الحسين -أطال الله بقاه- في محروس ذمار في جمهور خيل صنوه مولانا العزي -أطال الله بقاه- وكانت زهاء ثلاثمائة فارس وعسكراً كثيراً وأعياناً مثل الأمير الكبير عبدالله بن منيف الحمزي وغيره من خواص مولانا محمد بن الحسين -أطال الله بقاه- وقد ذكرنا أن مدينة رداع والمحطة التي فيها إلى جانب مولانا أحمد -أطال الله بقاه- عليها السيد الأمجد (الريّس) -أطال الله بقاه- شرف الدين بن مطهر بن عبدالرحمن بن مطهر بن الإمام شرف الدين -أعاد الله من بركاته- وقد امتنع فيها وراسله مولانا محمد بن الحسن فبعد عليه فوجه لحربه عسكراً مع قَيْفَة ووقع بينهم حرب انجلى على قتل أنفار، ثم والى بعد ذلك واستسلم ووصل مع قيفة بعسكره وكانوا زهاء مائتين وأربعين فارساً إلى مولانا أحمد بن الحسن، ووصل خلال ذلك إلى مولانا أحمد من خولان العالية قبائل وتكاثرت العسكر مع الخيل مع حوادث خدار، فأمر الإمام -عليه السلام-مولانا أحمد بن الحسن بالغارة إلى جهات كَنَن فسار بمن معه من الخيل والرجال إلى زراجة وكل هذه الحوادث في العشر الأواخر من شهر رمضان عام أربعة وخمسين وألف[1664م] وكان [قد] خرج من صنعاء من جهة مولانا محمد بن أحمد الشيخ (الريِّس) شرف الدين حسن بن الحاج المجاهد أحمد بن عَوْاض ، وانتظم إليه غيره من الرؤساء ذلك على أنهم يحفظون أطراف بلاد سنحان ونواحي الذراح ثم خرج بعدهم من صنعاء أيضاً الأمير الكبير حسام الدين الهادي بن مطهر بن الشويع الحمزي في محطة القبتين، وأن يكونوا هنالك لحفظ تلك الأطراف.

ولما وصل مولانا أحمد بن الحسن زراجة بات بها ليلة، وكتب الإمام -عليه السلام- [مواعظه] إلى كل واحد من المخالفين والمسالمين، وهو مع ذلك يتضرع إلى الله سبحانه ويبتهل ويسأله جمع كلمة المسلمين، ويأمر مع ذلك بقراءة [38/ب] القرآن.
ولقد أخبرني من شاهد ذلك مما يعلم الله سبحانه وتعالى مقصده الصالح في جمع الكلمة واطفاء نائرة الفتنة ويبذل أيضاً مع ذلك الإنصاف ويدعو إلى التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وشهادة [أن لا إله إلا الله] علماء الإسلام، فمال الشيخ حسن بن الحاج ومن معه جميعاً إلى مولانا أحمد بن الحسن ووالوا مولانا الإمام -عليه السلام- وأظهروا التوبة.
ثم محطة أخرى كانت [رتبة] في بعض قرى الذراح مع الشيخ قاسم بن خليل الهمداني، كذلك والوا وبايعوا.
ولما بلغ الأمير الهادي ما كان سرى ليلاً إلى صنعاء وترك القبتين وكثيراً من الأثقال، وقد خاف أن يقطعه الخيل، فتقدم مولانا أحمد بن الحسن إلى القبتين، ثم أشرف على خدار وجهاتها، واجتمع بمولانا محمد بن الحسين -أطال الله بقاه-.

[ذكر حصار صنعاء]
ورأوا من التدبير ترك خدار ومن فيها عن الحرب والمحاصرة وأن يقصدوا صنعاء والكتب إليهم منها اسراراً واعلاناً، وقدموا الخيل إلى وادي الضروات ، فضربت يميناً وشمالاً، ثم عادت إلى مولانا أحمد بن الحسن إلى كنن.
وأمَّا مولانا محمد بن الحسين فانتهى هو وأصحابه إلى حِزْيَز من سنحان وهي أقربها إلى صنعاء، وكتب من هنالك إلى الإمام -عليه السلام- وأرسل السيد الأديب أحمد بن محمد الآنسي أبياتاً منها قوله:
صدرت ونحن وخيلنا في حزيز .... متسربلين بكل أبيض مخرز
متقلدين صوارماً كالملح معتقلي .... الذوابل لا تلين لمغمز
لله درك من رواق فوقنا .... بالفتح والنصر المبين مطرّز
سجته خيل كالتعالي شرب .... فغدى رواقاً من قيام المركز
يدعو إلى المتوكل الخير الذي .... خلاَّ على متفنن وملزز
بحر العلوم خضمها تيارها .... ما في علاه لنابزٍ من منبز
وهي أكثر من هذه غير أنه أقذع فيها.

ثم تقدم الجميع إلى علب وضربت الخيل يميناً وشمالاً، واختلف أهل صنعاء، فرأى مولانا علي ترك الحرب وأن الحال من الجميع واحد، وهذه بيوت أولئك يدخلونها، ورأى مولانا محمد بن أحمد الحرب ومنعهم وغلب على المدينة رأي من رأيه الحرب فرتبوها وحفظوها على خوف ممن فيها، فكان لا يقر لهم قرار من مخافة الغدر والإختلاف[39/أ] والبنادق التي ترمي من السور، وكانوا يرمون من داخل صنعاء بالمدافع، فمنعهم من يحب الصلاح، وكان في ما بلغني من وصلته رصاصة من خارج المدينة يلتذ بها ويفرح، حتى أن بعضهم كان يقول: مرحباً إسماعيل، وطلع مولانا محمد بن أحمد إلى القصر، وقبض مفاتيحه وجعل عليه رتبة من عنده من الخواص، عليهم الفقيه الأفضل عبدالله بن عزالدين الأكوع ، وأقام الرتب والمحارس وأنفق عليهم النفقات الواسعة، وجعل من حرس في جهة ليلة كانت الليلة المقبلة في جهة أخرى احتراساً من أن يدخل عليهم المدينة لميل القلوب إلى الإمام -عليه السلام- وقد تقدم مولانا أحمد بن الحسن -أيده الله- إلى بير العزب في جمهور الخيل والرجال وجعل في فروة ووهب رتباً أيضاً، والرمي ليلاً ونهاراً، وقد بعث لبني الحارث وغيرهم فوصل منهم الأكثر.

وأمَّا مولانا محمد بن الحسين -أطال الله بقاه- فإنه مال بأصحابه إلى حدة ، فوصله أهل حضور وجهات الحازة ثم تقدم إلى بيت ردم بالمكاتبة من الإمام -عليه السلام- وكانت بلاد حضور وبني مطر وما يليها إليه من وقت والده-رحمه الله- فوصلوه جميعاً وعظم جانبه، وكثر عسكره.
وأمَّا المحطة التي في خدار مع السيد عزالدين والسيد عبدالله بن حيدرة وسفيان، فإنما بقي عليهم القبايل فقط، وقد استوحش منهم الناس واستوحشوا منهم كذلك، وقد بلغهم حصار صنعاء فخرجوا من موضعهم الأول يريدون بني مطر ثم يتصلون بكوكبان.

[فتح كوكبان]
وكان الأمير الكبير حسام الدين الناصر بن عبدالرب بن علي بن شمس الدين بن أمير المؤمنين المتوكل على الله يحيى شرف الدين -عليه السلام- من أهل البيعة الأولى، وكان قد أرسل محطة إلى خدار أيضاً، ثم وصلته كتب الإمام -عليه السلام- وأثرت فيه وعرف الحق فتاب ورجع إلى موالاة الإمام -عليه السلام- واستدعى أصحابه من خدار قبل خروجهم منه، ولما خرج من في خدار لاحمهم القبائل بالحرب وهم يدافعون على أنفسهم مرة بالقتال ومرة بالنوال حتى خرجوا على مشقة، وقد خرج منهم أنفار وأخذ من أثقالهم ورافقهم بعض بني مطر إلى حصن بيت ردم، وكان فيه قبل وصول مولانا محمد بن الحسين صنوه الفاضل يحيى بن الحسين، كان عيّن عليه عمه صفي الدين أحمد بن أمير المؤمنين[أطال الله بقاه] حفظ بلاد حضور، فلما وصل مولانا محمد بن الحسين، صار إليه، ثم والى جميع من في بيت ردم من الرؤساء والعسكر وصاروا في جملة مولانا محمد بن الحسين إلاَّ السيد عزالدين دريب فإنهم أرسلوه إلى كوكبان، وكذلك الشيخ سفيان[39/ب] القارني، ثم تقدم مولانا محمد بن الحسين إلى كوكبان وتلقاه أهل كوكبان وأوقدوا النار إشعاراً لموالاة الإمام.

[خروج أحمد بن القاسم من شهارة]
ذكر خروج مولانا أحمد بن أمير المؤمنين -أطال الله بقاه- من شهارة -المحروسة بالله-.
قد ذكرنا ما ألقى الله سبحانه في القلوب من كراهة إمارته، وإنما كان في شهارة من كل واحد ينتظر الفرج وحسن المخرج، وإنما أبقاه إما لخوف أو حياء من اسم الغدر وأشار عليه من أشار أنه يتقدم إلى صنعاء للتفريج عنها ويستعيد ما فات من البلاد، وذلك مع أول وصول الخبر بحصار صنعاء، وقبل أن يبلغه خروج عسكره من خدار، وقد عظم في شهارة الإرجاف، وشعّبوا عليه بالغدر حتى لقد هموا به في ما بلغني وكادوا يتظهرون بخدعه وهو بين أظهرهم، فخرج من شهارة المحروسة بالله عقب صلاة الظهر سادس وعشرين من شهر رمضان وأمسى في أقر ، وأخذ بعض ما يحتاج إليه من هناك والعسكر نحو الألف النفر من عيون الناس، وهم ينقصون حتى إذا ما وصل خمر يوم الأحد إلاَّ وقد تأخر بعضهم، وأقام في خمر يوم الاثنين، وسار صبح الثلاثاء والعسكر يقلون، وقد كتب إلى المشرق والمغرب لطلب الغارات، وكان قد أرسل مولانا السيد إبراهيم بن أحمد بن عامر بعسكر ليسوا بالكثير وأنهم يتصلون بصنعاء فوصلوا عمران فوجدوا ما بين صنعاء وعمران قد خالفوا عليهم وصاروا إلى مولانا -عليه السلام- فأقام في عَمْران .

ولما وصل مولانا أحمد ريدة وصله الخبر بخروج من في خدار ومصيرهم مع مولانا محمد ين الحسين، وموالاة كوكبان لمولانا -عليه السلام- وأن من في عمران لم يتمكنوا من[الاتصال] بمن في صنعاء، أرتأى وتحير ولم يطلب رأياً من أحد، وقد طلب القاضي شمس الدين أحمد بن سعد الدين -أطال الله بقاه- فتشاورا كثيراً ثم قام للمسير إلى عمران، وكان هذا من ألطاف الله الخفية والتدابير الإلهية، فإنه لو بقى في خمر أو مال إلى الصيد أو تقدم إلى ذيفان لوصله عموم أهل المشرق، ولحقه كثير من أهل القبلة، ولعظم عسكره، وطال الاختلاف والفتنة وذهبت نفوس وأموال والله غالب على أمره.

24 / 116
ع
En
A+
A-