فلنذكر السبب الموصل إلى ذلك على سبيل الاختصار، ومن الله نستمد التوفيق والإعانة على التحقيق وذلك ما قد تقدم ذكره في سيرة مولانا المؤيد بالله، ومن كان يفد إليه من الإحساء والقطيف وجهاتهما، ومن النصرة وبواديها وما أبان لهم من السيرة النبوية والدعوة العلوية، وتابع إليهم السفراء، حتى أنه لم يبق موضع لم يعلم فيه بذكر الإمام، إما جملة وإما تفصيلاً.

[وصول وفد من الإحساء إلى الإمام المتوكل على الله]
ولما ظهرت الدعوة المتوكلية أعز الله بها الإسلام في الأرض، وانتشر ذكرها في طولها والعرض، تضاعفت الوفود، ولا يكاد يخلو مقام الإمام منهم الوجود فكان ممن ورد[295/أ] على الإمام في سنة تسع وخمسين وألف [1649م] السيد الشريف ذو القدر العالي المنيف عبد القادر بن نعمة الله الحسني من أشراف مكة المشرفة سفيراً من صاحب الإحساء ومن محمد نبق – بالقاف المثناة من فوق- وكان هذا السيد من أهل الأدب البارع والعلم النافع كما يليق بمنصبه الشريف وله مع الإمام مراجعات ومحاورات. توفي في محروس شهارة – حرسها الله – وصلى عليه الإمام. ودفن في السرار في صرح المسجد أعلاه، بعد أن كان جهزه الإمام إلى الباشا المذكور، وأنفذ الإمام أصحابه بعد أن أحسن إليهم كثيراً وأعطاهم جماً غفيراً، ولا زالت الوفود من أهل تلك الجهات في العام أكثر مما قبله. ثم وصله الشيخ (الريِّس) راشد بن ذرع من أهل بلاد الإحساء وعظمه الإمام كثيراً وتحمل كتباً من الإمام (عليه السلام) إلى بلاده وما يواليها، تضمن الدعاء إلى الرشاد، والتعليم والبلاغ عن الله ورسوله إلى العباد فصار هذا الشيخ المذكور في حكم الداعي إلى الإمام (عليه السلام) رجعنا إلى صفة بلاد البديع وما والاها وصفة مقام الفقيه أحمد فيها……………… .

[وصول وفد من البصرة إلى الإمام]
[295/ب] رجعنا إلى ذكر تقدم الإمام إلى صنعاء – المحروسة بالله – فإنه تقدم في منتصف شهر محرم الحرام سنة أربع وسبعين وألف [أغسطس 1663م] ووجد وفداً من كبراء أهل البصرة، وهم الأمير سالم بن صلاح الدين الجزايري من بني مسلم غربي البصرة إلى نحو بغداد، والأمير حسن بن محمد بن علي بن غانم من قبايل الإحلاف أيسر الجزاير والأمير محمد بن سالم من قبائل بني منصور والأمير حسن بن نجم من أهل الركية، والأمير خليل بن إبراهيم الجزايري، وإليه أتباع وعبيد نحو من عشرين نفراً، وقد وفدوا إلى مقام مولانا سيف الإسلام أحمد بن الحسن – حفظه الله – يلتمسون منه الإعانة لهم في طلب المعونة من الإمام على استنقاذهم من أيدي الروم وإن عليهم باشا يسمى حسيناً سامهم العذاب، وأناف على جبابرة شجرته الخبيثة في سفك الدماء والنهاب، فأمر الإمام بإرجائهم والإحسان إليهم، وأن يكونوا بنظر مولانا سيف الإسلام، ليعرف أحوالهم وما يكون مآلهم، وبلغني أنهم اختصموا فيما بينهم وادعى كل منهم على الآخر أنه على خلاف ما ادعى وكتب هذا من أخبارهم وهم في المقام الشريف الإمامي معظمون مكرمون ………… .

[تفقد الإمام لأحوال الأهالي في عدد من المناطق]
[296/أ] وقد أقام الإمام في صنعاء نحواً من خمسة عشر يوماً، وقد تلقاه أولاده الكرام، ليوث الصدام وعيون الإنعام، مولانا ملك الإسلام عز الدين محمد بن الحسن، ومولانا سيف الإسلام أحمد بن الحسن، ومولانا جمال الإسلام علي بن الإمام وسائر أخوتهم وأولادهم الأعلام بالجنود المنصورة والكتائب الموفورة وعيون البلغاء والفقهاء والتلامذة الأتقياء فأشرقت المدينة المحروسة بنورها وعاودها روحها وسرورها، وهو مع ذلك يتفقد الحكام، ويوزع الأوقات في منافع الإسلام الخاص منهم والعام، ويتنقل في بيوت أولاده الكرام (للضيافة ويختص الضعفاء والأيتام) بخصة من كل ضيافة. وانتقل إلى الروضة المعمورة بالتقوى وأولاده الكرام يتحملون أكثر المؤن، ويوزع حاجة المساكين وساير المسلمين بينهم، ويتولى بنفسه الكريمة ما أمكن وكانت أوقاتاً مسعودة، وبمنافع المسلمين مشهودة، ومع هذه الإقامة الميمونة والمجالس المعظمة المصونة استمرار قراءة الفضلاء على الإمام في فنون من العلم منها المجلس في غرة اليوم لمولانا سيف الإسلام – أيده الله – وعالم من أهل العلم وكذلك مجالس مولانا عز الإسلام محمد بن الحسن – أيده الله – عادتها في الاستمرار، وفي أيام إقامته عليه السلام في الروضة كانت وفاة السيد الفاضل الطاهر والعالم الزاهر الحسن بن أحمد بن الحسن بن أمير المؤمنين – رحمه الله – وكان هذا السيد من نخباء أهل البيت وعبادهم وزهادهم (وفتيانهم) فكان لذلك موقع عظيم في قلوب المسلمين لا سيما أمير المؤمنين وأهله – أيدهم الله تعالى – ودفن إلى

جنب الجامع الأعظم في الروضة وعليه عمارة، وهو مأهول للزيارة وفيه مراث…………… .
[296/ب]....................... .
[297/أ] ذكر تقدم الإمام إلى شهارة المحروسة وأعمالها، ولما أزمع الإمام على الضيافة إلى جهات شهارة المحروسة بالله، أخذ في تفقد حوائج أهل بلاد صنعاء وما وراءها من أهل اليمن وتهامة فأفرغ له وقتاً يسعه حتى لم يترك لسائل حقاً يعتاده أو صدقة أو صلة يسألها صغيراً كان أو كبيراً، ممن ذكرنا ينفقه عليهم ورحمة لهم من مشقة المسير معه وإن يتجشموا سفراً ابتداءً كما أخبرني بعض علماء صنعاء المحروسة بالله مكاتبة.
وأخبرني من شهد ذلك أيضاً، وإن أخته الشريفة الفاضلة العالمة العابدة الزاهدة تُقى بنت أمير المؤمنين المنصور بالله – أطال الله تعميرها – وصلته إلى روضة صنعاء، وقد خرج معها بعض أولادها وبعض أولاد أولادها وكانت تظن أن الإمام مقيماً في صنعاء، وربما يعود حصن الدامغ، وفي صنعاء من أولادها بعض وغالب أولاد إخوتها وهم من تقدم ذكرهم من آل الإمام، فأمرها الإمام بالبقاء عند أولاد أخيها مولانا الحسن، رحمة الله عليه.
ولما أزمع المسير أمرها بالعود إلى محروس شهارة فإنه حصل مع أهل شهارة المحروسة وحشة من خروجها لكونها بقية إمامهم صلوات الله عليه ولما لهم منها من الصلات والشفاعات الجالبة لمنافعهم.

ثم إن مولانا سيف الإسلام – أيده الله – سأل الإمام المضي معه إلى مكانه ومساكنه من الغراس، ثم ضيافة الخارد وقد أنجده – أيده الله – يعني لمولانا الصفي منتزهاً ومسكناً وعمر فيه العماير المتقنة، وآثار الزراع الكثيرة النافعة فأجابه الإمام إلى ذلك وسار إليه إلى الخارد فوجده – أيده الله – قد أعد الضيافات الكثيرة والعطايا الغفيرة والمضارب العظيمة والسرادقات البهية والفواكه النضيرة، فنزل فيها عموم آل الإمام، ثم الكبراء والعيون من الوفود على الإمام – أيده الله – ثاني يوم، واستصحب مالا بد له منه ولوجوه أصحابه من الخيام والمضارب وأما الضيافات والمؤن فتحملها مولانا الصفي – أيده الله–، ووصل إلى ذلك المحل كبار أهل المشارق من نهم وذيبان وما والاهما بالنذور والمواصلة وقضى في هذا المحل حوائج كثيرة لطبقات المسلمين لاجتماعهم وسعة المكان والقرب منهم فكان كذلك ثمانية أيام.

ثم تقدم الإمام إلى الرجو من أعمال الخشب الداخلي وقد تلقاه أهل تلك المخاليف بالنذور والضيافات، وأضافوا من كان معه بعد أن مضى بيت الخالد وزار الأمير الفاضل الشهيد الحميد حمزة النفس الزكية بن الإمام أبي هاشم الحسني بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الله بن الحسين[297/ب] أخي الهادي في بيت الخالد وقد تودعه مولانا العزي ومولانا الصفي – حفظهما الله – من جانب الطريق وعاد المخيم المنصور. ثم إن مولانا محمد بن الحسن – أيده الله – عاد إلى روضة صنعاء ومولانا الصفي – أيده الله – أقام في محله، وهو كثير التردد إلى البوادي ويختارها على المدن إما طبعاً أو لنظر رأه لدينه ودنياه (ورجع أيضاً ساير أولاد الإمام إلى مواضعهم إلا مولانا محمد بن الحسن فنفذ مع الإمام (عليه السلام) إلى السودة) .

رجعنا إلى مسير الإمام، وبلغني أن الإمام أراد الزيارة إلى ظفار - المحروسة بالله - ثم ذيبين فبلغه مشقة تلك البلاد على أهلها وقل الماء فأثر الرفق بهم وقصد ناعط من بلاد كانط ومخلاف الصيد، وزار الإمام الأعظم أبا هاشم الحسن بن عبد الرحمن المقدم الذكر في ناعط، وبات هنالك وهذا الموضع من مآثر التبابعة مشهور البرد العظيم في غير وقته. وأما في الوقت الذي وصله الإمام وهو في كانون المحرق فكان زيادة، فيروى أنه هلك من البرد في تلك الليلة خيل وحمير، وبعض من الناس، وصلى الجمعة فيه، وأمر أن لا يكرهوا أحداً على الحضور لما عرف لهم العذر، ثم هبط منه إلى أسفل الصيد، ثم أفضى إلى حمدة من أعلى البون الصغير، وقد تلقاه أهلها وفي بلدهم كثرة من اليهود فرأى عليهم شارة أكثر من غيرهم فسأل عن حرفهم فوجد فيهم الغني والمتوسط المتعيش.

ذكر افتقاد حرية اليهود.......
[298/أ] ثم سار إلى بيت ذايب من أعمال جبل عيال يزيد ثم إلى الأقهوم ثم إلى السودة، وقد تلقاه أهل تلك المخاليف بالنذور والضيافات، وأقام في السودة [….] ثم ارتحل إلى آقر من بطنه حجور وأقام فيه ثم صعد شهارة المحروسة بالله [في منتصف جمادى الآخرة من سنة أربع وسبعين وألف] ………… .

مؤلفات الإمام المتوكل على الله إسماعيل
مؤلفاته
1- أربعون حديثاً، صدرها بمقدمة أولها: (الحمد لله رب العالمين وصلاته على خير المرسلين وإمام المتقين محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وعلى إخوانه من النبيين وآله وأزواجه وأصحابه أجمعين...) نسخة مخطوطة في ست ورقات ضمن مجموعة بمكتبة الجامع.
2- إجازة كتبها للعلامة عبد الله بن أحمد الشرفي سنة 1055هـ نسخة في صفحة واحدة ضمن مجموعة بمكتبة الجامع قسم المدرسة.
3- البراهين الصريحة في العقيدة الصحيحة، شرح في كتابه العقيدة الصحيحة، منه نسخة مخطوطة في عام 1071هـ في 115 ورقة بمكتبة الجامع برقم 123 (علم الكلام) منه نسخة أخرى ضمن المجموعة رقم 80 بمكتبة الجامع، نسخة ثالثة ضمن مجموعة برقم 18 بنفس المكتبة، نسخة رابعة مخطوطة في عام 1067هـ في 74 ورقة بمكتب الجامع برقم 122(علم الكلام).
4- البيان الصحيح والبرهان الصريح في مسألة التحسين والتقبيح، منه نسخة مخطوطة سنة 1079هـ في 118 ورقة بمكتبة الجامع برقم 121 (علم الكلام). نسخة مصورة عن الأولى بدار الكتب المصرية برقم 25499ب.
5- جواب المتوكل على الله إسماعيل على الشريف بركات بن محمد بن حسين المكي، منه نسخة مخطوطة بمكتبة الجامع ضمن مجموعة برقم 33.
6- حاشية على كتاب منهاج الوصول شرح كتاب معيار العقول في علم الأصول للإمام المهدي، انظر الشوكاني 1/147.
7- رسالة في الربا، منها نسخة مخطوطة ضمن مجموعة برقم 24 بمكتبة الجامع (الكتب المصادرة).
8- رسالة في الطلاق الثلاث، انظر الشوكاني: 1/147.
9- رسالة في الخلع.

114 / 116
ع
En
A+
A-