عظيم، والقاضي العلامة بدر الدين محمد بن علي بن جعفر – حفظه الله- في جمع مبرور كريم، والتحق بهم أيضاً الشريف الأمجد عزالدين بن محمد بن حسين الخواجي، نايباً عن أبيه – حفظه الله- واستقرت الأحوال هنالك استقرارً تاماً، ودخلوا في دين الله أفواجاً دخولاً عاماً، ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} .
والولد السيد الأمجد فخر الإسلام عبد الله بن أحمد بن أمير المؤمنين – حفظه الله- مشارك لصنوه جمال الإسلام في هذه الفتوحات الكريمة، والمواقف الشريفة، فنسأل الله أن يبارك لنا ولكم وللمسلمين في الجميع، فأمدوهم بالدعاء وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم بتاريخ شهر جمادى الأولى[286/ب] اثنين وسبعين وألف [1661م].

ولما صلح أمر بلاد فيفا، واطمأن أهلها ودخلوا دولة الحق وظلها، وقد تعلق بكثير من العسكر المرض لمقامهم في الأوهاط المتقدم ذكرها، وكان ذلك في وقت أيلول، ثم كانوا بعد ذلك في الجبال المرتفعة ففشى فيهم المرض، وقد تكاثروا، فاجتمع أهل الرأي من السادات، ورؤساء العسكر إلى مولانا جمال الدين –أيده الله- وقالوا قد أصلح الله وله الحمد البلاد، وصدق وعده بالنصر لأهل الجهاد، وأن المقام الطويل مع تزايد الأمراض ربما يزهد الأعداء في دولة الحق، أو كما قالوا، فكتب إلى الإمام، ملتمساً رأيه الكريم، وعرض عليه ما تقدم من الرأي، وكتب أيضاً إلى عيون السادة والرؤساء، فاستصوب الإمام ذلك، ثم إن الإمام طلب وصول مشايخ بلاد فيفا جميعاً فوصلوا إليه أرتالا، وسارعوا إليه امتثالاً عن أمر مولانا جمال الدين، أيده الله.
ولما وصلوا إلى الإمام عليه السلام تألفهم وأنسهم وأعطاهم وكساهم، وأقاموا عنده في كبار قبايلهم، وهو مقبل عليهم بالتعليم والإرشاد تالياً عليهم آيات الله ووعده ووعيده ليوم يقوم الأشهاد، فأثر فيهم ذلك كثيراً، واستعمل عليهم عاملاً منهم وهو [... ] وصرفه معهم إلى مولانا جمال الدين، ثم إلى بلادهم وكتب لعاملهم ولهم ما هذا نسخته...... .

[287/أ]رجعنا إلى بقاء الإمام في شهارة المحروسة بالله، فإنه أقام فيها نحواً من عشرة أشهر وكان في بقاه فيها أيام فتح فيفا كما مر، ومنها جهز الحاج مع ولده الحسن كما مر، ولما تكاثر الوفود، وأهل الحاجات وضاقت شهارة بحوايجهم هبط إلى معمور أقر، ومكانه المعروف وأقام فيه نحو ثلاثة أشهر وأجرى الماء من نواحي الحبس إلى المسجد الأعلى من درب الأمير بعد أن كاد الماء يعدم، وكان الشقاة يأتون بالماء من الرصدين بما لا يكاد يقوم بحوايج الناس، وشق بهم ذلك فجهد الإمام وأجرى هذا الماء في شواهق، وأوهاط واحتاج لذلك عمارات كثيرة كان يباشرها بنفسه، ويقوم عليها، والماء يزداد بإعانة الله حتى وصل مسجد درب الأمير، وانتفع به الناس للصلاة وغيرها، وسر الإمام والمسلمون بذلك وفي نصف شهر شعبان سنة اثنتين وسبعين استرجح الإمام القدوم إلى السودة، فأقام فيها أربعة أيام وترك الأثقال وخرج فيمن خف لضيافة حصن عفار وكحلان تاج الدين وما إليهما لمعرفتهما، وهم بالتقدم إلى ظفير حجة لزيارة الأئمة، منهم الإمام المطهر بن يحيى في دروان والإمامين الأعظمين المهدي والمتوكل في الظفير، ومن حجة وبلاد عفار، وكحلان من أهل البيت فكثر الناس، وضاقت بهم المساكن، وقد اجتمع إليه أهل تلك المخاليف كبراءهم وعاميهم بالنذور الواسعة من النقود والأنعام وغيرهما، والضيافات الكثيرة. وقد جعل ما وصل إليه إلى كحلان للأشراف والشرايف من ذرية السيد الجليل الحسن بن الإمام شرف الدين، فاجتمع لهم من ذلك كثير، وزادهم إلى ذلك مما وصل له إلى السودة، وخرج من كحلان إلى حصن حقل المعروف من بلاد جنب وبات فيه ليلة.

[وصول سفير من الحبشة إلى الإمام]
ولما عاد إلى محروس السودة، وجد هنالك عظيماً من الروم سفيراً من الباشا صاحب الحبشة بهدايا نفيسة، وهدايا تتضمن معاهدة، وأخبر أن المذكور عزل من الحبشة، وأنه التزم نذراً للإمام بإعادة عليه ناموسه، فانتصر على حاسديه وعادت رياسته عليه، وأقام عند الإمام في رمضان أياماً معظماً مكرماً.
وأخبرني الولد الحسن، أسعده الله، وغيره أنهم رأوا من هذا الرومي أبهة عظيمة، وحسن سمت ما يدل على شهامته[287/ب] ورياسته، وكتب الإمام معه إلى صاحب الحبشة، وبعث إليه بالهدايا والتحف والعطايا ما تبذ القوى، ويطول عن الإحصاء، مما لا يضبط الراوون وصفها قال بعض الخواص وقد عد كثيراً من ذلك وأني سمعت هذا الرومي يقسم بالله ليأتين بباشة الحبشة إلى الإمام، لما رأى من إحسان الإمام، مما لا يخطر بالبال، ولا يحتسب كونه يكون في حال.

[وصول طايفة من الإفرنج إلى بندر المخاء]
صفة خروج طايفة الولندة والإنجريز من أجناس النصارى على بندر المخا وذلك أنه حصل في عام سبعين وألف [1660م] (وكما أخبرني بعض العسكر الإمامي من أهل الرتبة في محروس المخا) وقعة بينهم وبين قوم يسمون المينبار
– بضم الميم والتصغير- واختلاف في البحر المتصل بالهند، وطريقه إلى اليمن لعداوة بينهم، وهؤلاء المنيبار مسلمون، وإليهم تنسب البنادق المنيبارية وهم أهل بأس شديد، وحمية على الإسلام أعلى الله معالمه، وقوى دعائمه، مع قلة العلماء فيهم فإنما معهم من الإسلام إلا اسمه، ولهم في ذلك أخبار طويلة وذلك أنهم اعتدوا على هؤلاء الكفار وأخذوا منهم أسرى وأموالاً، وكان من الأسرى القبطان الذي يعرف سفر البحر، وطرقه فصالحهم النصارى على فدى أصحابهم أربعة آلاف حرف أحمر، واصطلحوا على ذلك.
ولما قبض المنيبار، المال عمدوا إلى القبطان المذكور فقطعوه ورموا به إليهم وأخلفوهم ما وعدوهم، ثم أن النصارى قدروا على قوم من المنيبار فأهلكوهم وبعضهم أحرقوه بالنار.
وفي العام الثاني قدروا على أهل مركب من المنيبار فأخذوا أكثرهم، وخرج منهم إلى موضع يسمى ذباب -بالذال المعجمة- وقد صاروا ألفاً لا حالة لهم، وفيهم النساء والذراري وقد كادوا يهلكون في البر والبحر جوعاً وعطشاً.

ولما بلغ السيد الأكمل رضى الدين زيد بن علي بن إبراهيم الجحافي صاحب المخا ارسل لاستدراكهم عسكراً وجمالاً، ووصلوا بهم من طريق البر إلى المخاء، وكان تجار المنيبار الذين لم يحضروا هذه الواقعة في المخا فشكوا إلى السيد–أبقاه الله– وقالوا إنك إذ أطلقت السفر للذين في المخا من هؤلاء الهولندة والإنجريز، استأصلوا من مضى عليهم من المسلمين في البحر، ولهؤلاء الكفار مواضع في المخا معتادة لهم يجتمع إليهم بضايعهم وغالبها الجوخ، وما غلا من الأمتعة، فأمر السيد–أبقاه الله– الرسم على مواضعهم، وأن لا يباع شيء من بضايعهم، ولا يخالطهم أحد من المسلمين حتى يمضي المنيبار وغيرهم من المسلمين[288/أ] لشأنهم. ثم إن السيد – أبقاه الله- خاف أن يهرب هؤلاء الولندة من البحر، كما سيأتي إن شاء الله، فجعل عليهم حرساً في الليل لئلا يتصلون بمركبهم الأعظم المسمى البرشة فنصروا المنيبار وغيرهم فشق بهم ذلك، وعظم عليهم المنع من البيع والشراء منهم مع عدم الإطلاق لهم في السفر. فطلبوا منه أن يطلق لهم رسلاً إلى الإمام، ليشكوا عليه حالهم، فأطلق لهم خمسة أنفار، ومضوا إلى صنعاء المحروسة بالله، وكان فيها مولانا محمد بن الحسن- أيده الله- فشكوا عليه حالهم ووعدهم بقضاء حوايجهم، وكان الإمام في شهارة المحروسة بالله، وكتب لهم إلى السيد رضي الدين – أيده الله- إطلاقهم وأن يمضوا على معتادهم وعادوا من صنعاء فأبطأوا في الطريق وشاع عند أصحابهم أنهم قتلوا وأسلموا وكان منهم أيضاً رجل قد أسلم على يدي السلطانة الهندية المتقدم ذكرها.

قال الشيخ عمر بن صلاح الذاهي وهو من عسكر السيد زيد: إنه كان من الحرس لمواضع المذكورين أن من الولندة عشرة من كبارهم لا يتركهم الحرس يخرجون، وأما نحو أربعة وثلاثين نفراً فيخرجون إلى السوق ويلتمسون القوت. ولما طال عليهم الأمد ويأسوا من أصحابهم الذين ذهبوا للشكاية إلى الإمام، رموا بأنفسهم إلى البحر عند اشتغال الناس بصلاة المغرب، ولهم صنعة في السباحة مخالفة لغيرهم في الهمة حتى تعلقوا ببرشتهم التي في الساحل، وكان عليها الرسم أيضاً، وقد أمر السيد بقبض الشراع الذي عليه المدار في السفر، والسكان الذي عليه العمل في الإقامة والإرساء وكان هناك مراكب أيضاً لأهل الهند، وللسيد زيد.
ولما تمكنوا من البرشة دخلوا مراكب المسلمين وأخذوا شراعاً لبرشتهم وسكاناً كذلك وأخذوا شيئاً من الماء والزاد وأصلحوا في يومهم وليلتهم برشتهم ووجهوها للسفر فأمر السيد – أيده الله- عسكراً لحفظ من في المركب فحفظوا ما بقى ولما صح له ما كان من أمرهم أمر العسكر بلحاقهم والحرب لهم، فقاتلوهم، وقد انقلب عليهم الريح كما انقلب على غيرهم، وقد قل ذكرهم.

ولما كان في أول شعبان من عام اثنين وسبعين وألف [مارس 1661م] عادوا من بلادهم ببرشة واحدة قد أعدوا فيها آلة الحرب من المدافع وغيرها قال بعضهم أنهم يجعلون في هذه البرشة للحرب إلى ستين مدفعاً فيجعلون في كل نصف ثلاثين مدفعاً في جنبات البرشة، وأنهم إذا نفذت مدافع النصف الأول حرفوا البرشة ليرموا بالنصف الثاني، وأن لهم قدرة على تحريفها[288/ب] للقتال كما للفارس في تحريف فرسه في البر، قال: ويعدون فيها براماً من المدر يملئونها باروداً مختوماً عليه، فإذا قاربهم من لا يدركهم المدافع للقرب جعلوا فتيلة في فم البرم التي يرمون بها فيرمون بها فيهلك أهل المركب أو السفينة أو السنبوق وقد يجعلون في هذه البرشة ما يشبهها في باطنها بآلة كاملة، فإذا غرقت عليهم الخارجة تعلقوا بهذه التي في باطنها ولهم صناعة في حل حبالها بسرعة وقد يعدون قرباً منفوخةً بعدد من في البرشة، ويجعلون معها شيئاً من الماء والزاد فإذا جاءهم مالا قدرة لهم به ربط كل منهم قربته إليه وجعل قوته فوق رأسه ورمى بنفسه إلى البحر.

نعم! ولما عادوا من بلادهم في هذا العام قبضوا على بعض أهل الهند، وقالوا من سلك غير المخا فهو آمن، ومن سلك المخا أخذوه وقد تظهروا لأهل المخا فصالحهم أهل المراكب، وهم المركب المسمى آبا قلة ومركب قراقتان ومركب الملكة المسمى الحيدري بثمانية عشر ألف قرش، وكان السيد رضي الدين زيد بن علي في المقام الإمامي في السودة، وقد بلغ خبرهم إلى مولانا عز الإسلام محمد بن الحسن – أيده الله- وكان في مدينة إب للأسباب الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى، فأمر الإمام السيد زيد بالمبادرة إلى المخا وأن يفتقد ما هناك من أخبار الكفار، أقماهم الله، فسار في ثالث عشر من رمضان المعظم، ورحل إلى المخا في آخر الشهر الكريم فوجد أهل المخا قد نالتهم ترويعات وأراجيف مخوفات.

وأن السيد حسين بن عبد الله النايب عن السيد زيد قد عالج بعض أمورهم وأرسل جماعة من المسلمين لخطابهم، ومعرفة غاية مطلوبهم، ولما وصل السيد زيد تشدد في أمورهم، ومنع أن لا يسلم لهم شيء من الصلح وبذلك أمره الإمام، ليبقى للإسلام عزه وجلالته، زاده الله عزاً وجلالاً. ولما يأسوا من المال قبضوا على رسل السيد زيد وكبلوهم في الحديد وعمدوا إلى ما في الساحل من المراكب الإسلامية، فأغرقوها وأحرقوها، وانتهبوا ما أمكن منها فعند ذلك ندب السيد زيد من حضره من المسلمين للجهاد وأفاض عليهم العطاء منهم سبعون نفراً من البحار، يعني الذين لهم صنعة في البحر وقوماً من المغاربة وخمسة وخمسين نفراً من العسكر وجعلوهم في مركب وسبع سنابيق فيها نحو مائة وخمسة وسبعين نفراً، وشحن هذا المركب بالعدة الكاملة من المدافع والبنادق والبارود والرصاص، مع القوت والماء الكثير.

111 / 116
ع
En
A+
A-