ثم ارتحل من محروسة مدينة ذمار إلى الشلالة ثم إلى موضع يسمى الأشرع من بلاد خبان ثم إلى العود ثم إلى الساحلة ثم إلى نقيل الشم ثم إلى قعطبة فكان فيها أربعة أيام، ولقيه الأمير أحمد بن شعفل صاحب حالمين، وبعض ولاة اليمن بمواد. ثم ارتحل منها إلى بلاد الشيخ الشاعلي ثم إلى خرقة، وهي بلاد الأمير أحمد بن شعفل فأقام يوماً ثم سار إلى الطرية والأمير أحمد معه في أصحابه، وهذه الطرية فيها حصن فيه وآل من قبل مولانا[283/ب] أحمد – أيده الله- فأقام فيها ستة أيام، ثم سار إلى موضع يسمى المعر من بلاد الفضلي وانقطع عليهم الماء فأرسل الله سبحانه مطراً غزيراً، ونزلت الأودية فشرب العسكر ودوابهم وأقام عليه يومين لمجرد الاستراحة قال بعضهم: إن جانباً من العسكر كانوا وراء السايلة العظمى، وبعضهم خارجها، وأن السيل حال بين المحطتين فضلاً من الله ونعمة ومدداً لولد نبيه (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ورحمة. ثم سلك في اليوم الثالث سايلة عظمى كان فيها يومين لمجرد قطعها، ووصل إلى موضع يسمى السنام من بلاد الفضلي، وقد انهزم المراكزون لمولانا الحسين بن الحسن – أيده الله- وطحطح بهم واتصل بدثينة، وتقدم للقاء مولانا أحمد إلى هذا الموضع فأقام فيه بعض نهار لمفاوضة صنوه وتعريفه بمن قد وصل إليه وعاد إلى موضعه. ثم تقدم مولانا الصفي – حفظه الله- إلى محل الفضلي المسمى الجربة – بالجيم- فأقام فيها وقد ولى عدوا الله منهزماً وتفرقت ألفافه، فأمر مولانا الصفي– أيده الله- طوايف من العسكر مع رؤسائهم بالغارات على مساكنهم، ومظان مهاربهم، وقتلوا منهم وأسروا، وقد جعل
– أيده الله- العسكر المنصور أسوة في الغنايم وأن لمن بقى عنده كمن سار فجاءوا بالغنائم الواسعة من الأنعام والآلات والأثاث فجعلها كذلك أسوة بينهم بعد أن خمسها، وصلح العسكر، وطابت نفوسهم ونعموا في هذا السفر فإن قوتهم غالباً ضيافات ثم غنائم، ووصل العيد فكان هنالك، وأعطى العسكر أرزاقهم.
وأما الفضلي – أخذه الله- فإنه هرب في بعض أولاده إلى أحور، وقد تقدمت الكتب من مولانا الصفي إلى واليه بالقبض عليه، وعلى أولاده وحريمه وقد فر بنفسه إلى السلطان صالح الواحدي.
قال مولانا الصفي – أيده الله- فيما كتبه إلينا: إنا كتبنا إلى الواحدي أنه ملزوم به غير معذور من القبض عليه إذ هو الضامن عليه، وكذا إلى العولقي فقبض عليه الواحدي، والعولقي واستأمنا له، فأرسل له مولانا الصفي بالأمان الذي اطمأنوا إليه، وأرسل له أيضاً بمركوب، وأن يحمل إليه مكرماً.
ولما وصل رسول مولانا – أيده الله- أصحبه الواحدي والعولقي أنفاراً من أصحابهما، فلما وصلوا به إلى الطريق انسل عليهم منفرداً وقد حملوا من أكيد الحراسة سهلاً لدعواه المرض فتعلق ببعض جبال بلاده.
ولما بلغ مولانا – أيده الله- بعث ولديه الأكملين، محمد والحسن في قطعة من العسكر نحواً من ثلاثمائة، فساروا إلى عوهان من بلاد الفضلي، فكانوا هنالك يفتشون[284/أ] عنه وعن أخباره قدر ثمانية أيام، وخاف وعاد إلى بلاد أحور منفرداً. ولما بلغهم أنه هنالك تجردا في بعض من معهما أيضاً إلى مدينة أحور، وفيها عامل من جهة مولانا – أيده الله- وكان وصولهم في ظهيرة الحر الشديد، وهي بلاد شديدة الحر ففرقا أصحابهما للتبرد والاستراحة، فبينما هم كذلك إذ أخبرهم بعض أهل البلاد المذكورة ممن صدقاه أنه رأى الفضلي قد عاد من طريق الساحل يريد بلادها أيضاً. وقد ظن أنه مع شدة الحر ينقطع خبره، فلبس السيدان وركبا بمن خف معهما من الفرسان، فكانوا أقل من العشرة، ومن الراجل نحو العشرين، وصاح مولانا محمد بن أحمد في أصحابه: إني أبرأ ممن لحق بنا، ولا ماء لهم ولا حمول لمخافة أن يهلككم الحر والعطش ثم أنهم قفوا أثره، وهم مع ذلك يتعرفون مواضع قدمه وهو ومن معه فساروا ليلتهم تلك، وأصبحوا في موضع يسمى الخبر بالقرب من محل الفضلي وقد أرسلوا من يفتش مواضع التهمة، وهذه المواضع التي عدوا الله فيها خافية على عامة أهل بلاده.
وكان الفقيه جمال الدين أمير الدين بن أحمد العلفي والي بندر عدن وما والاه في محل ما بين الساحل ومحل الفضلي يسمى العريش محط هنالك عن مولانا أحمد
– أيده الله- فأيس عدو الله من السلامة، وعرف أن الله قد أوقعه في أفعاله الطامة وضاقت عليه المصادر والموارد، فأيقن أنه إلى الأسر أو القتل عايد، فخرج من نفر أو نفرين، ورمى بنفسه إلى خيمة الفقيه أمير الدين وصاح به مستجيراً، فألبسه من الكسوة ما ستره به، فإنه عدو الله كان تجرد عن ملبوسه واستوثق في حفظه، وكتب إلى ولدي الإمام – أيدهما الله تعالى- فأمرا بأشخاصه إليهما.
ولما وصلوا به إليهما عادوا إلى أحور من طريق الساحل وقد كادا يهلكان هما ومن معهما من الجوع والعطش، ولما استقرا في أحور وكانا قد بعثا بالبشارة إلى والدهما – أيده الله- أمرهما بأشخاصه إليه مكبلاً في الحديد محترزاً عليه بالحفظ الأكيد، وجعلا معه خيلاً ورجلاً، ثم أقاما في أحور خمسة عشر يوماً ينفذان أمر والدهما ويستقصيان فيما به أمرهما.
ولما وصل المذكور إلى مولانا أحمد وكانا هنالك السلطان صالح الهيثمي والشيخ الجيد، وأصحابهما لايذين بمولانا الصفي – أيده الله- كما تقدم. وقد وصل السلطان جعفر بن عبد الله الكثيري من ظفار، كما تقدم أيضاً أمر مولانا –أيده الله- بهم إلى الإمام، وقد حمل منهم من حمل وكسا منهم من كسا وجمل، وعظم على السلطان جعفر المسير معهم[284/ب] وأن يكون في الحفظ معهم على دعواه أنه قدم باختياره، فجعل لهم مولانا – أيده الله – حالة وسطى، وكانوا جميعاً.
ولما وصلوا صنعاء المحروسة بالله ليلة عيد النحر إلى مولانا عز الإسلام، محمد بن الحسن- أيده الله- كساهم وسيَّر كثيراً من أمورهم، وأفرد السلطان جعفر الطريق عنهم، وأنفذهم جميعاً إلى الإمام، ولما وصلوا إلى الإمام، أمر بحبس الفضلي هو وثلاثة من أصحابه وتقييدهم وهم على ذلك إلى كتابة أخباره هذه.
وأما الهيثمي المسمى صالح فاستأمن إلى مولانا الصفي – أيده الله- فيما كتبه إلي أنه جعل لهم الأمان على أرواحهم، دون المال وأن عليهم الوصول إليه بأولادهم، وأنعامهم متحكمين لما يريده منهم من عفو أو أخذٍ، فوصلوا إليه كذلك فكانوا جانباً من المحطة المحروسة بالله بذراريهم وأموالهم، وكذلك أصحاب الشيخ أحمد الجيد وأصحاب العولقي الذين قتلوا العسكر في أحور.
ووصل إلى الجربة أيضاً رأس رجل من كبراء المفسدين وقد قتل في الطريق من العسكر المنصور، فظفر به بعض العسكر فأمر، أيده الله بتعليق رأسه وأسر العسكر أيضاً آخرين ممن أفسدوا فجعلهم في الحديد، ولما أمكن الله من الفضلي جعلهم معه إلى الإمام.
[خروج القوات الإمامية إلى فيفا]
ذكر المخرج المنصور إلى فيفا في الخلافة المتوكلية، وذلك أن أهل بلاد فيفا عادوا لحالهم الأول من الجهل البسيط، والوقوع في الكفر إلى غاية من التفريط، وقد تقدم صفة بعض أحوالهم في سيرة مولانا المؤيد بالله، فرأى أن يحدد مخرجاً ويرسل من لديه إليهم محاطاً، فلما بلغ ما أزمع عليه – حفظه الله- إلى بلاد صعدة وجهاتها، وبلاد صبيا وما والاها، كتب ولاة الإمام وعماله أنهم يكفونه جهادهم، وفتح بلادهم. فأمر الإمام ولده السيد الفاضل الكامل علي بن أحمد بن أمير المؤمنين المنصور بالله، بأن يخرج عليهم بجميع العمال واليفعة من الرجال، ثم أن السيد الرئيس الأجل محمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين الخواجي، أمير صبيا والمخلاف سارع إلى غزوهم من طريق تهامة، وله على تلك الأطراف قوة شوكة ومغازي وكفاية للإمام، في أمثالهم فغزى قبل الشام المخرج المنصور إلى موضع من بلاد فيما يسمى[ ] من بلاد الشيخ مراد بن يحيى وهذا الشيخ رجل من الصوفية أسما[285/أ] ممن عكف مع إبليس، وتجرد للتلبيس على أهل تلك النواحي، فاستولى على ما في محالهم من الأموال والأنعام، وقتلوا منهم ثمانية أنفار، وكانوا مع خيل وعسكر.
ولما أراد العود من طريقهم الأولى وقد اصطرخ عدو الله في أحزابه، وأهل دعوته من أضرابه، ممن تقدم بعض صفتهم، فتقدموا إلى مواضع ضيقة ولاحموهم القتال، وتكاثروا على المجاهدين، فارتجعوا منهم الأموال شيئاً فشيئاً حتى استخلصوها، وقتل من العسكر نحو السبعين النفر، وكانوا غير كثير، ونجا السيد محمد على فرسه في أنفار، وقد نالته الجراحات المثخنة، وكانت هذه الغزاة مما أهاج سرعة المخرج المنصور.
رجعنا إلى ذكر المخرج المنصور، ولما استتب لمولانا جمال الدين علي بن أحمد أمره، واجتمع عسكره وصله سادة الشام وكبرائهم إلى هجرة فلله، ومعه من العسكر نحو ثمانمائة، وبات بها ليلة وقد وصله مدد من الإمام نحو من ثلاثمائة نفر عليهم الفقيه حسين بن محمد الجملولي، وفي صحبته صنوه السيد المعظم عبد الله بن أحمد بن أمير المؤمنين المنصور بالله، والسيد العلامة صارم الدين إبراهيم بن محمد بن أحمد بن عز الدين، وانظم إليه من بني جماعة وبني سويد، وبني حذيفة، وأهل وادي فلله، والسيد العلامة المجاهد المهدي بن الهادي المعروف بالنوعة، في أكثر من خمسين راجلاً مؤنهم كلها منه ومن ماله، وقد كتب الإمام عليه السلام إلى السيد الأكمل بدر الدين محمد بن صلاح بن الهادي النعمي، والي بندر جازان وأبي عريش وما والاهما، فخرج من طريق تهامة في أكثر من ألف نفر.
وأما السيد (الريِّس) الكامل محمد بن الحسين الخواصي، فقد تقدم عوده إلى صبيا وما أتفق له، ولما استتب الأمر للمخرج المنصور أرسل ولده الكامل عز الدين بن محمد بن الحسين في عسكر، فكانوا في جانب من بلاد تهامة الملاصقة لبلاد فيفا، وكتب الإمام، أيضاً إلى القاضي العلامة محمد بن علي بن جعفر الوالي على بلاد رازح وما والاه، فانظم إلى مولانا جمال الدين في نحو ألف وأربعمائة.
نعم! ولما انتهى مولانا جمال الدين إلى رغافة عرض عليه ما شوشه في صعده مما يجب أن يحتاط على حفظه فجعل على المحطة المنصورة صنوه عبد الله بن أحمد
–أيده الله- وعاد إلى صعدة في أنفار من الخواص فقرر أعماله واستوثق مما يخاف عليه، وعاد إلى موضعه الأول وكان لعوده إلى صعدة ذكر[285/ب] فرفعت القبائل رؤوسها، وخاف مولانا عبد الله بن أحمد، فأحضر من العسكر المنصور من ظن فيهم الكفاية، وغزى بهم ليلاً إلى أشدهم فساداً، وهم [ ] فاستولى على أنعامهم وأسر كثيراً منهم، وعاد إلى محطه الأول، فسكنت البلاد، وصلحت الطرقات والأخبار.
أخبرني من حدَّث عن هذه الغزاة أن المذكور حمل بندقه وسيفه كأحد العسكر ولبس نعلين غريبتين، وإن أحدهما انقطعت عليه فأراد من قرب منه أن يصلحها، فقال: أنا أتولى ذلك فأصلحهما، وهو ماش لم يستقم، ولهذا السيد المذكور في الشام مغاز، هو فيها تلو أخيه فإنهما من نجباء سادات الرجال وفتاكهم.
ولما استقرت المحاط المنصورة في مدينة جاوي، أقام نحو خمسة عشر يوماً وارتحل إلى موضع يسمى الضربة من بلاد بني منبه، وأقام فيها نحو أربعين يوماً وأرسل إلى مشائخ بلاد فيفا، فوصله بعضهم، وثبطوه عن دخول بلادهم وأعطوه مالاً على ذلك.
ولما دخل شهر جمادى الأولى، وقد كتب إلى السيد محمد بن صلاح ومن في جانبه يأمرهم بالتقدم من جهتهم، وعبأ الناس فكان بنو جماعة وبنو منبه جانباً، وعسكر غربان وبني صريم جانباً، وعسكر سحار وجمهور عسكره جانباً وهو وصنوه عبدالله بن أحمد في القلب غير أنهما، أطال الله بقاهما، كما قال الإمام الأعظم المنصور بالله:
وأكره كون الحر خلف جنوده ... وارضاه غريباً لهم متقدما
أول عسكرهما ويحملان بندقيهما، وصعدا في شواهق وأشجار ومضايق فلم يقف لهم أحد من المفسدين، وطاروا في الجبال ولم يثبتوا لقتال، ولما انتهوا إلى الموضع المعروف بالعبسية وهو أرفع الجبال وأشمخ الفلال من تلك الجهات، واستقرت المحطة هنالك وقد هربت القبائل المذكورة وفرق من العسكر إلى مواضع بالقرب منه لينالوا من الغنايم ما يأكلون، ويحفظون نفوسهم من الغوايل، وقد ترك في مدينة جاوي جماعة من العسكر، عليهم السيد محمد بن صلاح المعروف بابن قطيطة المؤيدي، فكان يتردد في مواضع لإيصال القوافل والإمداد، وترك في الضربة السيد الحسن بن[.......] في عسكر ذلك.
ولما استقر مولانا، جمال الدين – أيده الله- في الموضع المذكور استأمن إليه قبائل فيفا جميعاً إلا آل حجر، فاستحوذ عليهم الشيطان، فغزاهم جنود الحق فمزقوهم كل ممزق وشردوهم كل مشرد وكتبت البشرى[286/أ] إلى الإمام، فبشرها في الأنام وقريت على الخاص والعام، من نسخة ما ورد إلي ما لفظه: بعد الابتداء باسم الله جل وعلا والصلاة على عباده، وطرة الكتاب ما لفظه: فالبشرى المرفوعة ما فتحه الله على الإسلام على يدي الولد السيد العلامة جمال الإسلام والمسلمين، علي بن أحمد بن أمير المؤمنين، القاسم بن محمد – حفظه الله- من دخوله بجنود الحق المنصور بالله إلى جبل فيفا وإستيلائهم عليه وعلى جميع ما يتصل به من الجبال والجهات، ودخول أهل تلك الديار في الطاعة وإجابتهم إلى أحكام الحق والإسلام، أعزه الله تعالى، لم يبق منهم إلا طائفة استحوذ عليهم الشيطان، يقال لهم أهل حجر فدمر الله عليهم بأجناد الحق، فمزقوهم كل ممزق وشردوهم كل مشرد، وأورثهم الله أرضهم وديارهم وأموالهم، واغتنموا منهم الغنايم، وقطعوا منهم الرؤوس والجماجم، وذلك بعد أن أعذر إليهم مرة بعد أخرى، وكرر الدعاء إليهم كرة بعد كرة، وذلك في يوم الجمعة لعله السادس عشر من شهر جمادى الأولى ختمه الله بكل ظفر ونصر، واستقر الولد جمال الإسلام بجنود الحق هنالك في نعيم وافر وفضل غامر، لم يمسسهم سوء ولا نال أحداً منهم مكروه ولا شيك أحد منهم شوكة، وقد انظم إلى الولد جمال الإسلام – حفظه الله- هنالك السيد الأمجد المجاهد، بدر الدين محمد بن صلاح بن الهادي – حفظه الله- في جيش منصور بالله إن شاء الله