وكان في عام خمس وستين وألف [1645م] حج الوزير المسمى قايم بيك من وزراء السلطان المسمى شاه جهان، وكان من القوة والأثقال نحو ما ذكرنا في هذه المرة أو يزيد وكانت طريقه تهامه، وأثقاله في البحر كذلك، وقد كتب إلى الإمام، وبعث بهدايا نفيسة فأمر له الإمام، بما كافأه عما أرسل وزيادة عليه. وأمر الولاة في تهامة بضيافة الوزير المذكور وإعانته ولما انتهى إلى مدينة صبيا، وكان له خدم من الكفار على عادة ملوك العجم ومن رسم الأمراء من أهل صبيا أنه لا يمر بلدهم في هذه الطريق الميمونة كافر بالله ورسوله، فأمر الشريف محمد بن حسين بن أحمد الخواجي، صاحب صبيا – أيده الله – بعودهم أو رجوعهم إلى طريق البحر، فكان ذلك سبب إسلامهم فعظموا وأقيم لهم في صبيا شعار الإسلام، فعجب الوزير لذلك كثيراً وحمد الله، وقال: لو سألناهم ذلك في غير هذا الموضع ما حصل منهم، وإنما كان ذلك لبركة الحج إلى بيت الله الحرام، وسعادة الإمام عليه السلام ومن أجل هذه الأخلاق النبوية والسيرة المحمدية استمرت المكاتبة من صاحب الهند ومال باطنه إلى الحق والحمد لله رب العالمين.
وممن ورد اليمن من الهند، الناخوذة الشهير ذو المال الكثير محمد رضا في عام ثلاث وستين وألف [1643م] مع غيره من كبراء الهند وصعد إلى صنعاء اليمن بأموال وأثقال كثيرة، ووصل إلى الإمام، إلى ظفار المحروس[281/ب]، وعاد بعد أن قضى له حوايج كثيرة، ولأصحابه كذلك، وأقام أيضاً في صنعاء المحروسة ليالي عند مولانا عز الإسلام محمد بن الحسن، أيده الله، وقد أهدى هدايا نفيسة. ثم تردد بعد ذلك إلى الإمام عليه السلام، وقد أظهر تيهاً ومباهاةً بأمواله وتعظم حاله، وقد كان يصنع الطعامات الواسعة غالبها من اللوز والأرز، ويتصدق بها وفي بعض سفراته سرق عليه في معمور الحصين شيء يسير من أمتعته وكان الإمام يناوب الحرس عليه، وساير الناس عامة، فأمر أصحابه أن لا يخبروا أحداً وأن يتركوا الأموال خارج مضاربه بحالها وأخرج جنس شبكة الصيد من غرايب صبغة الهند، ونصبها فعاد أولئك السرق أو غيرهم لمثل ذلك، فأحاطت بهم الشبكة من حيث لا يرونها، ولا يحتسبوها فكانوا كالكرة فيها وأمر مماليكه بضربهم العنيف من خلف الشبكة وأبقى عليهم بقية مما يظن معها سلامتهم من الموت وله أخبار نحو ذلك.
ثم إنه قدم إلى الإمام عليه السلام، في شهر شعبان من عام سبعين وألف [إبريل 1659م] وكان [قد] بلغ الإمام، أنه قال في الهند أن لأهل اليمن إقبال إلى المال وأنه يفعل فيهم، أو كما قال. فأمر الإمام، أن لا يباع إليه شيء من الخيل وأن لا تبسط له مهاد الأنس المعهودة، وأعطاه ما صرفه به من تحف اليمن وسار غير راض، ووصل المخا المحروس واشتغل بأمواله، وتفقد أحواله وركب البحر في المركب المسمى[….] وجهز بعض أمواله في غيره. ولما صار في البحر حصل اضطرابات في البحر وتعكسات وطال عليهم، وقد رأوا أمارات الغرق فأجمع هو وخمسة أنفار أو ستة من أمثاله، وصاحب تدبير المركب أيضاً أن ينجوا بأنفسهم ورموا بها إلى الزعيمة التي تكون مربوطة إلى المركب.
ولما صاروا إليها انقطع حبلها عن المركب فذهب بهم إلى مالا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى في البحر، وأما أهل المركب فلا زال يتعتع بهم ثم أقاموه بقدرة الله سبحانه الحافظة فنجا أهله جميعاً وخرجوا إلى موضع يسمى[…. ] من بنادر الهند.
وأما محمد رضا وأصحابه فخرجت بهم الزعيمة إلى بندر سرات ووجدوا هنالك قد تملست جلودهم وتيبست، وكان موتهم جوعاً وعطشاً، فكانوا كما قيل:
وإنك ساع إلى مشعب .... حذار من الوابل النازل
فسبحان من أحاط بكل شيء علماً وجعل هذه الدار إلى غيرها مجازاً وسلماً، انتهى.
[ذكر المخرج المنصور على الفضلي] .
رجعنا إلى تمام ذكر المخرج المنصور على الفضلي، ومن صار إلى رأيه في الفساد، ذكر المخرج المنصور إلى بلاد الفضلي من مشارف عدن وما إليها قد تقدم[282/أ]ما كان من الهيثمي والفضلي ومن صار إلى رأيهم في الفساد أيام حضرموت وإقامة أولاد الإمام عليه السلام في البيضاء، وأن مولانا الصفي -أيده الله- قدم بمن بقي من أهل حضرموت الذين أفسدوا الطرقات، ثم سلاطين المشرق كالعولقي والواحدي والفضلي، وأنه -حفظه الله- قدم بهم إلى الإمام عليه السلام كما تقدم، وكان قد أرسلا الهيثمي والجيد وجماعة ممن تقدم ذكرهم إلى محروس الدامغ وقدما بمن بقى مع مولانا الصفي -حماه الله تعالى-.
[أخبار الهيثمي ووصوله إلى الإمام]
فأما الهيثمي والجيد فإن الإمام، أعرض عنهما وأرجأهما عفوه فلما اجتمعوا في صنعاء المحروسة سألهم، يعني سادتنا – أيدهم الله تعالى- عن الهيثمي ومن في صحبته عن صفة ما وضعوا لهم من الأمان، فقالوا جميعاً لم نضع له شيئاً غير حكمك فيه. فأمر بالاحتراز عليهم، أعني المشايخ المذكورين في صنعاء دون غيرهم. وكان مولانا الصفي – أيده الله – في مدينة الغراس، وأعمال ذي مرمر فركب الهيثمي في أنفار من غير رأي الإمام عليه السلام، فأرسل الإمام، في طلبه مشاة وركباناً فوجدوه عند مولانا أحمد حفظه الله، وقد احتاط مولانا أحمد لما وصل إليه بأن جعل من يحفظه ويكون معه في مكان أعده له، وعلى أنهم يضيفونه، وعاد إلى الإمام يعني مولانا الصفي وجعله في صحبته.
ولما وصل إلى الإمام تشدد في محبسه وأن يكون في القصر من غير تضييق، وكان قد اجتمع إلى الإمام عليه السلام عالم من الناس وألوف من المساكين، فكان الإمام قد جعل لهم وقت الصبح والعشي يعطون القوت فيقع هناك زحام وكثرة أعوان فتجرد هذا المخذول يعني الهيثمي عن ثيابه ولبس كأحدهم وخرج من جملتهم ولم يعرفه أحد وسار إلى خارج القصر وجعل خدمه يحفظون المكان، فعرفه بعض العسكر فقبض عليه وصاح به، وعاد إلى الإمام على تلك الهيئة، فعاتبه الإمام عليه السلام وعتب عليه كل أهل المشرق. وأمر الإمام بحبسه في القصر وتقييده والتضييق عليه، ثم أنه رفع إلى الإمام أن قوماً من اليهود في صنعاء يبيعون الخمور فأمر بالقبض عليهم وإظهار خمورهم على أعين الناس، وأن تهدم منازلهم وأن يربطوا بالحبال ويحملوا إلى حصن ثلأ حرسه الله. ثم وافق ذلك المقام ما تقدم من الهيثمي، فأمر الإمام بإشخاصه إلى حصن كوكبان، وبالقبض على أخيه فكان هنالك، وعظمه الأمير الناصر صاحب كوكبان وأنزله منزلة الضيفان محترزاً عليه لكرمه الفايق، وما هو عليه من المروءة[282/ب] الكاملة التي هي من أحمد الطرايق، وأمنه الأمير – أيده الله – أيضاً فكان منه الغدر مرة أخرى وذلك أنه لبس لباس الفقهاء وخرج كأحدهم من المكان فعرفه بعض أهل باب الحصن فأعادوه، وأرجعوه إلى الأمير – أيده الله- فأمر بتقييده.
وكتب إلى الإمام، ووافى كتاب الأمير – أيده الله- والإمام عليه السلام يكتب جواباً على الهيثمي مع رسول له ويرسل إليه الدراهم والأكسية، فأرجع رسوله بعد ذلك من غير شيء وأجاب الإمام على الأمير بالمبالغة بالاحتراز.
[أخبار الفضلي]
وأما الفضلي المسمى السلطان حيدرة بن الفضل بن أحمد بن حيدرة، فإنه ادعى أنه الواسطة في خطاب الهيثمي، وأنه ضمن له أن لا يحبس وقد تقدم إنه شريكه فيما كان منه، وأن الهيثمي لم يصل إلا بخطاب أخيه صالح والقبض على أهليه وذويه. ولما توسط مولانا الصفي – أيده الله- في تخلية سلاطين المشرق وقد ضمن بعضهم بعضاً ورهن العولقي ولده المسمى هادي، وضمن أيضاً على الفضلي وضمن معه أيضاً السلطان صالح بن ناصر الواحدي وكتب في ذلك مشروح فخلاهم الإمام، وأعطاهم العطاء الجزيل وأركبهم الخيل النجايب، وجعل ذلك كله بنظر ولده مولانا الصفي أحمد بن الحسن – أيده الله-.
ولما وصل هذا الفضلي بلاده وهي جبل مرتفع شامخ وسيع يشتمل على قبائل كثيرة، وهو في أبين ويتصل بالبحر وإلى جانب دثينة من جهة المشرق، وحدود بلاد يافع، فلما صار إلى هذا الموضع نسي ما كان وعاد إلى الغي والعدوان، واجتمع إليه أخو الهيثمي ومن أجابه وقطعوا الطرقات وأخذوا من قدروا عليه من الضعفاء، وكان الإمام (عليه السلام) جعل رتبة في مدينة دثينة لحفظ أهلها من مثل ذلك الحادث مع النقيب حسن بن هادي البطة الأرحبي ليسوا بالكثير وإنما هم دون العشرين العصبة من البنادق، مع صاحب الحصن أيضاً وهو الشيخ محمد بن صالح الأسدي المتقدم ذكره، فأغاروا عليه، وقتلوا من أصحابه وقتل منهم، وقطعوا الطريق التي تتصل بدثينة، والتي تتصل بعدن وكان في البيضاء الفقيه (الريِّس) علي بن صلاح الجملولي في عسكره.
وكان مولانا الحسين بن الحسن – أيده الله- في محروس رداع، وهي إليه مع بلاد يافع وبلاد البيضاء وما إليها وكان في عسكره قل للأمان، فأغار بمن حضره وطلب غارة من يافع وانضم إليه من في البيضاء فوجد المفسدين، قد ملكوا نقيل دثينة المسمى شرف آل عوذ الله، وأغلقوا على بلادهم وأخربوا النقيل، وبالغوا في ذلك، وقد كثرت ألفافهم وبلادهم وعرة ذات جبال وشناخيب، وليس لهم مساكن إلا بيوت الشعر، ولا زراعة إلا الأنعام فضايقهم[283/أ]، وحاربهم، وهم يفرون منه حتى استعاد النقيل وعمره وأصلحه.
ولما بلغ مولانا عز الإسلام، محمد بن الحسن، ومولانا الصفي – حفظهما الله- وبلغ إلى الإمام أيضاً وقد صار في محروسة شهارة، كما تقدم، فأمر الإمام بغزوهم بعد أن يقدموا الدعاء إليهم، وتجرد لذلك مولانا الصفي – أيده الله- بنفسه الكريمة وأولاده وأمرائه وأجناده وقد أضاف إليه مولانا العزي – أيده الله- مطلوبه من الخيل والرجال والمال فخرج من صنعاء المحروسة بالله إلى سيان. ثم منها إلى الخدمة ثم إلى رصابة ثم إلى ذمار، وصلها يوم ثاني وعشرين شهر شعبان الكريم سنة أحد وسبعين وألف [إبريل 1660م]، فأقام فيها ثلاثة أيام والعسكر يلحقونه كل أحد على قوته وقدرته وهو لا ينظرهم.
ومن عجب أعمال هذا الفضلي، كما أخبرني بعض الأصحاب أنه أخر كتاب منه إلى مولانا الصفي – أيده الله- أن هذا الكتاب آخر كتاب إليك أن لم تخرج الهيثمي، وقد قطع أهل المشرق أنه لا يتم من سادتنا المخرج، إلا بما تقدم من الجنود والآلات والمحاط المتكاثرة، وأنهم – أيدهم الله تعالى- لا يقدرون على ذلك وإن قد كلوا مما سبق، وتعطلت خزاينهم، فكان هذا المخرج لا يعلم أخف مؤنة منه على مولانا الصفي – أيده الله- فإنه لم يستصحب في سفره إلا ما تحمل مالا بد منه من الأمتعة والنقود ولم يتعرض لشيء من مواد البلاد، ومنافع الأسواق، وإنما تجرد كما ذكرناه، وكما سيأتي.
قال الراوي: أنه لما وقف مولانا أحمد – حفظه الله- على كتاب الفضلي هذا دعا رسوله وأعطاه مصروفاً يبلغه، ثم قال له: والجواب وصولنا إليه أو كما قال: فلما وصل -أيده الله- إلى محروس ذمار، كتب إليه وإلى جميع أهل المشرق وقال له: صدرت من محروس ذمار قادمين إليك، فإن تلقانا إلى محروس قعطبة وتصلح ما أفسدت، وتتوب عما كان فنحن كما تعهد لا نترك حقاً يجب علينا فعله ولا نفعل فعلاً يجب علينا تركه، وقد عودنا الله سبحانه وتعالى لما علم منا الصدق فيه النصر والظفر بمعاديه، واختر أيهما شئت أو كما قال.