سماه: إسماعيل بن محمد اليريمي، كما كتب بذلك إلى الإمام، ثم ماتت أم الولد، ثم مات الشريف، وكان مولانا عز الإسلام محمد بن الحسن أيده الله، في ذمار كما تقدم، وقد أرسل إليه إلى يريم بفواكه وألطاف مما يوافق المحمومين.
ولما مات، وكان الإمام قد بلغه مرضه ومرض أصحابه، أرسل إليه بعض الخواص بمثل ذلك، وأن يعينوه في الطريق، وكان عند الإمام، الفقيه العالم المحدث عبد الرحم اللاهوري مقيماً، وقد تعلق بجانب الإمام للحمة العلم وشرف التعلق به، فأرسله أيضاً فانتهوا إلى ذمار المحروسة، وبلغهم وفاة الشريف المذكور، فقدموا إلى وكيله فوجدوا بعض مماليك السلطان من الخصيان قد اجتمع عليه أصحاب الشريف وإلى زوجته، وكانت شريفة من ذوات الكمال، فأمرت أن يجعل زوجها في تابوت ويجصص عليه، وتحتمله معها إلى مكة المشرفة، فلم ير ذلك مولانا محمد، فأمر بأن يوهموها أنهم قد فعلوا ذلك وأن يدفن الشريف في يريم.
ولما وصلت إلى ذمار ماتت أيضاً، فصلى عليها مولانا محمد، أيده الله، ودفنها ووردت كتب الإمام، إلى مولانا محمد بأشخاصهم إليه إلى صنعاء، فاكترى لهم الجمال كما كانوا، وأرسلهم كما أحبوا. ولقد أخبرني من شهد ذلك أنه رآه يباشر من أثقالهم وكثيراً من أمورهم فتلقاهم الإمام بالتعظيم وأفرغ لهم دارين في صنعاء، فكانوا فيها، وأجرى فيهم النفقات الواسعة وقبض منهم ما أعطوه، وأبقى عندهم ما رضوه.
وأخبرني بعض الثقات الخواص أنه حصل في هذا المال يد الخيانة وأنهم بدلوا وخولوا، فأخذوا الناض وعوضوه عن الأمتعة، ولما مات الشريف حولوا الكتب التي من السلطان وزادوا ونقصوا، قال: وعرف الإمام ذلك فستر، وأعطاهم جواب ما وصل إليه، وأمر بعضهم بالرجوع إلى المخا لحمل ما بقى لهم هنالك من الأمتعة والصدقات إلى مكة والمدينة النبوية، وكثر الكلام عند الإمام، في سعة ما أخفوه من المال.
ولما كان في شهر القعدة الحرام من العام المذكور بعد تجهيز الحاج مع ولده السيد البر العالم الصدر الحسن بن أمير المؤمنين، أيده الله، وما عوده على نفسه من الإحسان والصلات والقرب والصدقات إلى الحرمين الشريفين أخذ في تجهيز أهل الهند إليه، وكتب معهم ما تقدم من[279/أ] الجوابات وأصحبهم الهدايا الجليلة، وأعطاهم العطايا الحفيلة، ونفذ منهم من نفذ الحج، وقد تقدم صورة الابتداء والجواب وأضفناهما إلى ما تقدم من المكاتبة الأولى لاجتماع الفائدة والله الموفق والهادي.
[تجهيز الحسن بن الإمام المتوكل على الله إلى الحج] :
رجعنا إلى مسير ولد الإمام، أيده الله، فإن الإمام، جهز على نحو ما تقدم من جهات صنوه عز الإسلام، أيدهما الله تعالى، وأصحبه عيوناً من أهل العلم والرياسة ومكارم الشيم والنفاسة، كالسيد العلامة إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى الجحافي، والسيد الصدر المعظم، محمد بن صلاح بن علي الجحافي، والقاضي العلامة أحمد بن صالح بن أبي الرجال، والفقيه الرئيس المجاهد محمد بن علي بن جميل السيراني، وقطعة من العسكر المنصور، فكانوا كما تقدم لهم حامية وظهور وأبهة كاملة من جميع الأمور، وبعد أن جهز الإمام ولده السعيد وأوصاه بما يريد، وكتب إليه بعد ذلك مع البريد:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وسلام على عباده الذين اصطفى، الولد السيد الأكرم التقي، الأوحد الزكي، قرة أعين المؤمنين سلالة الآباء المكرمين شرف الدنيا والدين، الحسن بن أمير المؤمنين، حفظه الله على أوليائه، وجعله غيظاً لأعدائه وملأ قلبه نوراً وعلماً وإيماناً، وزاده خيراً وإحساناً ورضواناً.
وبعد حمد الله والصلوات والسلام على رسول الله، فإنا استودعناك الله تعالى، وسألناه أن يجعل أعمالك لديه مقبولة مرضية زكية، ولك في جميع الأحوال معيناً حفياً، ويعيذك من الهوى، ويرزقك خير الزاد الذي هو التقوى، فاجعل تقوى الله نصب عينيك، ولا تغفل عن ذكر الله ولا عما يجب من حقوق الله وإقامة الصلوات وإيتاء الصدقات، والمحافظة على الجماعات ومذاكرة العلماء ومساءلتهم واستشارة الفضلاء والعمل برأيهم، وتعظيم ذوي الحقوق وتنزيلهم منازلهم وصلة الأرحام، وتعظيمهم، وإكرام المساكين والشفقة عليهم، وتفقد الجند بما يجمع كلمتهم ويلم شملهم، ويحببك إليهم، والتنبيه على جميع الحجاج بما فيه صلاحهم وتأمينهم، ورد المتشاجرين إلى الشرع، والصبر عند الغيظ وتوسيع الصدر عند المضايق، ولا تترك ذكر الله من التسبيح والتحميد والتكبير والصلاة على النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، وتفقد أهل الخدمة بما يصلحهم ويرغبهم وينشطهم من الإحسان من التهيب الذي لا يكون مفرطاً ولا فيه تفريط، وتقوى الله وذكره رأس كل شيء فمتى تمت منك[279/ب] تقوى الله تعالى صلحت أحوالك، فعليك بحراسة نفسك عن الهوى واعتصم بالله واستعن به فهو حسبك وكفى. فإذا عرض لك عارض من الشيطان فاستعن على دفعه بالاستعاذة وذكر الله تعالى، وترك التفكر في وسواسه واتخذه عدواً فإنه يريد بك إنزال الضرر في الدنيا والآخرة، ولا تطعه في أمر من الشبهات ولا من المكروهات، وكن عبداً لله مطيعاً له، واعتصم بالإيمان وكلمته وبالإسلام وأركانه ولا زلت محفوظاً بالله محروساً من عند الله، وهو البر الرحيم، وأسأل الله
تعالى أن يجيب دعانا لك ولمن معك وفي صحبتك، وجميع الحاج قريبهم وبعيدهم، وصلى الله على سيدنا محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) والحمد لله رب العالمين وسلام على عباده الذين اصطفى، نعم وممن صحبه من أهل بيته الطاهر في هذا السفر الميمون…………. .
فكانوا كذلك، وقضوا حجهم واستكملوا المناسك، واتفق في أيام منى لرجل من بلاد عذر يسمى مسعود بن حاجب، وأخ له يسمى محمد، وهما من عسكر الإمام، وجماعة الفقيه محمد بن علي بن جميل، إنهما عادا من رمي الجمار، وانتهوا إلى محط الأمير المصري وألفافه، وجدا دلالاً يبيع البنادق فشرى أحدهما بندقاً وأنفذ ثمنها فتعلق بهما جماعة من أهل مصر، وقبضوا عليهما وضربوهما ضرباً مثخناً فسال من محمد أخي مسعود دم كثير، فتركه خارج الفسطاط لئلا يرى طاغيتهم ما به وتعتعوا بمسعود فقالوا: هذا أخذ بندقاً بغير ثمن فسأله أميرهم عن ذلك فأجاب أن لا شيء غير أني شريت بندقاً وأنفذت ثمنها، وأخي خارج الباب فيه جنايات مثخنة، قال الحاج المذكور، وقد أملى هذه الواقعة وصححها الفقيه المجاهد محمد بن علي بن جميل وكثير من الحجاج، فترك الأمير المذكور السؤال عن الواقعة، وسأل مسعود المذكور عن بلده ومذهبه، فأجابه بأنه من أهل اليمن زيدي المذهب، فقال الطاغي بسلاح جهله الذي أعطاه علماء السوء، رضي الله عن فلان وفلان وفلان، فقال أنا عامي لا أعرف غير محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وعلي كرم الله وجهه، وأهل البيت (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فقال هذا خارج عن الدين أو كما قال: اضربوا عنقه فأخرجوه وهم متعلقون به إلى باب الفسطاط،
وجردوا السيف لضرب عنقه وأخوه محمد المجروح المذكور[280/أ] في باب الفسطاط وهم أمنون منه لما به من الجراحة، وصاح بأعلى صوته لست قاتله يا برغلي بلغة عذر وطعن أحدهم حتى خر صريعاً، ثم أن مسعود استل جنبيته وطعن الذي كان يريد قتله وتفرق المصريون، ومضيا السوق وهم يصيحون بعدهما، فأدركوا محمداً وطرحوه في الأرض فصاح بأخيه مسعود فعاد وطعن قابضه فقتله وقد أنبسط على أخيه واستخرجه ومضيا، وهما يصطرخان يا أهل اليمن من حاشد وبكيل وبالشريف المعظم زيد بن محسن – حفظه الله-.
ولما قام محمد طعن أحدهم أيضاً، وقد فقد مسعوداً محمداً، فكان في طلبه فأدركته خيلهم ورجلهم، وقبضوا عليه، وأعادوه إلى المصري، بعد أن علوه ضرباً بالحديد وربط بالحبال، ومضى محمد فصاح بأهل اليمن وبالشريف زيد، فسمع ندائه الفقيه الرئيس المجاهد، محمد بن علي بن جميل السيراني فركب إلى الشريف زيد، وأخبره بما كان وإن علينا القتال عن أنفسنا وأصحابنا، فسارع الشريف بأن أرسل تركيا رئيساً للعسكر اليمانية من أصحابه يسمى ذا الفقار، ونحو مائتين من عسكر اليمن أصحاب الشريف ودلهم على الطريق محمد أخو مسعود، فأدركوا مسعوداً على ما تقدم من حالته قريباً من مضرب صاحب مصر، فأخذوه منهم بعد سل السلاح للقتال، وكان ذو الفقار المذكور أشدهم عناية، وتفرق أهل مصر، وقبضوا على مسعود، وتم القول على أن الأمر فيه للشريف ولم يقدر المصري إلا غير الرضى بما كان. ولما وصلوا به إلى الشريف سأله عما كان فأنكر ذلك كله وأمر الشريف باعتقاله وأظهر لأهل مصر أنه قاتله، ولما ذهب المصري إلى غير سلامة الله أطلقه الشريف زيد، وأحسن إليه كثيراً وكذلك صنوه وأعطاهم ذهباً، وقال: أنتما دافعتما عن أنفسكما ولا شيء عليكما، وأمر بمسيرهما إلى الفقيه بدر الدين أبقاه الله، فخلع على صاحب الشريف الواصل بهما كسوة بهية ونقدا كثيراً انتهى.
وفي خلال تجهيز الإمام لرسل السلطان المعظم، والخاقان المكرم، محمد بن شاه جهان صاحب الهند الأكبر خرجت إلى بندر المخاء، عمره الله بالعدل امرأة […..] وهي من بيت السلطنة متجهزة للحج في عام إحدى وسبعين وألف عظيمة الحال كثيرة الأثقال، يقال أن الذي حمل أثقالها من طريق البحر مركبين. وأنها لما أخرجت إلى المخا احتاجت إلى أربعة عشر داراً لأثقالها التي كانت طريقها البر من غير ما في البحر، ونزلت خارج العمران من المخا بأثقال لا يعلم أهل المخا أن فدرأوا مثلها في الكثرة، وأن خدم المضارب وما يتعلق بهما فوق ثلاثمائة[280/ب]. وقال بعضهم سبعمائة، وصحح ذلك الحاج صالح بن علي بن مطر خادم مولانا الإمام عليه السلام، وهو رسوله أيضاً للقيام عليها، وهم من أهل الجلد والقوة والخفة وأنهم كانوا يغمزون لها المضرب العظيم ويجعلون في أوسطه سبية البيت الجامع لمرافق مفصلاً بالأخشاب المطلية بالذهب والفضة والطرازات العجيبة، فإذا عمروها وأقاموها كانت بيتاً كاملاً ويصعد أهل الخدمة على طبقاتهم لحوايجهم وبينهم وبينها درج كدرج البيت الواسعة، ولا يتصل بها أحد من الحشم، وإنما أمرها يتعلق بخدمة وسايط الخدم والخصيان فإذا أرادوا السفر خلوا اللوالب من ذلك المضرب، وحملوها الإبل في جوالق فإذا نزلوا عمروها كذلك كما كانت وقال بعضهم إنها بيتان.
ولهذه المرأة سعة في الإنفاق على الفقراء، وذوي المسكنة فلا يزال الطعام موجوداً في كل وقت، والمنادي فيهم للطلاب، من قبلها كذلك، ثم لا تزال تخرج الصدقات عموماً وخصوصاً من الدراهم والكساء. فلما أرادت الارتحال من المخا من طريق البر، احتاجت أثقالها أكثر من أربعمائة جمل، فأعطت أهل الجمال لكل جمل كرى خمسين قرشاً، وباعوا منها كذلك بخمسين قرشاً، فضج الناس لذلك أهل التجارة إلى جهة مكة المشرفة، وكذلك الحجاج، وعرفوا أنهم مع هذا الحال لا يقدرون على حمل أثقالهم، فشكوا إلى السيد الجليل، رضي الدين زيد بن علي بن إبراهيم الجحافي الوالي على المخاء، فراسل إليها والتزم بإعانتها وأن تترك علاج أهل الجمال إلى نظره، وتم له ذلك، وقد تجاوز كرى الجمل مع وجود هذه المرأة أضعافاً على المعتاد، وكان ذلك حالها إلى مكة المشرفة، وأما أموالها التي كانت في البحر فلقتها إلى القنفذة وجدة. وكان بعض ولاة تهامة أراد أن يأخذ شيئاً من المجبأ المسمى قانوناً لأهل الطرقات فأعطته ما طلب من ذلك فبلغ مولانا الإمام طلابه لها، فغاضبه كثيراً وأرسل على ذلك الوالي من يرتجع منه ما أخذ منها، وأعاده عليها، وعاقبه على ذلك، وقال الحاج عبد الله خدا وردي الملصي، يعني ساكناً في بلد ملص، وهو من أهل الهند، أن بلدها مملكة في الهند تسمى دكن متصلة بمملكة سلطان الهند الأعظم، وكان زوجها السلطان، عادل شاه، وهو ملك البلد المذكور فمات فملكت بعده، وأسرفت في القتل، وتوسع ملكها، وكان لها وزير عليه مدارها[281/أ]، فقتلته فلاذ أولاده بملك الهند الأكبر، فأرسل إليها من يحضرها
لإنصافهم، وهي وأهل مملكتها في رسمهم طاعة ملك الهند، فاختارت الخروج إلى مكة المشرفة كالمغاضبة، ولعجزها عن مقاومته، وفرقت أموالها، وأخذت منه ما قدرت على حمله، قال واسمها [ ] . بنت السلطان قطب شاه.
وأخبرني بعض أصحاب السيد الجليل، زيد بن علي بن إبراهيم، أطال الله بقاه عن مقامها في المخا، وإنها فعلت دعوة حافلة وأمرت أن يحضر السيد زيد مع كبار أصحابه، ومن ورد المخا وأمرت لهم بعطاء كثير من ذلك، وطلبت من السيد أن يضع اسمه على بيان من قبض ذلك من عموم الناس، فقال، أبقاه الله: ما صار إلى أصحابي ومن يتعلق بي فأفعل أو قال فعل، وسايرهم لا يلزم، قال الراوي: فتذممت من ذلك وإعادت إليه أني لم أذهب إلى ما ذهبت إليه، وإنما أنا امرأة محجوبة، فلا أدري ما يفعل أهل خدمتي أو كما قال وأخبروا عنها، وتدبيرها بعجاب انتهى.