عن وفور المواساة الجزيلة السلطانية مشتملاً على شرح بعض ما أنعم الله على تلك الحضرة الرفيعة، من إعطاء الملك والدولة، منطوياً على ذكر نبذ مما جعله سبباً لاختصاص تلك العقوة المنيعة، بإيتاء الخلافة والسلطنة لتشاهد حسن صنعه، وإنجاز وعده، لمن يعتصم به ويلتجئ إليه، ويعاين بذل لطفه وإعداد نصره لمن يتمسك به ويتوكل عليه، فبادر المملوك إلى امتثال الخطاب، وأخذ في تحرير ذلك الكتاب، وتقرير القضايا على وجه الصواب، والتوفيق من الله الملك الوهاب، لما كان من سنة الله التي قد حلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً، تصريف الأمور وتقليب الأحوال، وتداول الأيام وتبادل الأشكال، ونقل الأملاك من وال إلى وال. عرض للخاقان المعظم، والسلطان المكرم، رافع لواء الخلافة مزين سرير السلطنة، مقنن قوانين المكرمة، مؤسس أساس المعجزة ناصب رايات الأمن والأمان، راسم آيات الجود والإحسان شاه جهان في شهر ذي الحجة من شهر سنة سبع وستين وألف [1659م] من الهجرة النبوية مرض شديد تحيرت الحكماء في تنضيره، وعجزت الأطباء عن تدبيره، والولد الأسن الذي كان عن الملة الحنيفية داعياً وعن الطريقة القويمة ناكثاً[273/أ] وإلى ترويج نحلة البراهمة مجلاً، وعن مراعاة مراسم الشريعة ذاهلاً، ولانتقال الدولة إليه آملاً، قد ازداد حرصه على بلوغ الأمنية واشتد شرهه على الفوز بالبغية. فأخذ في تمنية الأمراء الكبار، وتأميلهم في السر والجهار واستمالة رؤساء العساكر وزعماء الأجناد وأمالة الخول والاحشام والقواد واستولى على سدة الملك وحضرة السلطنة، واستقل بتنفيذ الأمور، وتدبير المملكة،

وأضمر استئصال ساير الاخوان، واستخلاص الملك لنفسه كيفما كان، وجهز الجيوش والكتائب، ووجههم إلى الأطراف والجوانب. فما رأى الخاقان الأعظم أيده الله ظلال جلاله أن الأمر آل إلى مآله، وأشرفت أركان الشريعة على الاختلال وأقبلت دعايم الدولة على الزوال، توجه من مقامه الرفيع أورنك أباد حرسه الله إلى يوم القياد -بنية صادقة، وعزيمة راسخة وهمة يخضع لها الشم الأطواد، وهمة يلين لها الصم الصلاد، مع رجال يرون الملاحم ولايم، والوقائع بقايع، وسيوف الضراب عرايس، وصفوف الكماة فرايس. متوكلاً على الله الذي هداه بنوره، وقضى له بالعز في مقدوره، بلقا حضرة الخلافة، لتدارك ما اختل، وتلافي ما أنحل واعتل. فلما وافت رايات الإقبال نواحي بلده، حين أقبلت العساكر التي وجهت إليه زعيمها عظيم الكفرة، ومعظمها الكفار والفجرة {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى الله إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} فقابل أعز الله أنصاره إقبالهم بالاستقبال وحرض الحاضرين على القتال، وركض بقلب جري، وجأش قوي، حتى تدانى الفريقان والتقى الجمعان، واستعرت نار الحرب واستدارت رحا الطعن والضرب، وازدحمت الصفوف واختلطت الأسنة والسيوف، وأحمرت الصفحة من دماء الأبطال، وضاقت العرصة عن أشلاء الرجال، فمن الله عليه بهبوب نسيم الفتح والظفر، وأظهره على من كافحه فتولى وأدبر:
وقد جاء نصر الله والفتح مقبلاً .... إلى الملك المنصور ذي البطش والقهر
غدا راعياً للمسلمين وناصراً .... له الله راع قد تكفل بالنصر

فحمداً لله على هذه النعمة الجليلة والموهبة الجميلة، وجدد العزيمة، وأخلص النية، ونهض بعون الله وحسن توفيقه نحو مستقر الخلافة قاصداً لإعلاء معالم الدين عازماً على إحياء سنة سيد المرسلين، فلما قاربها الولد المذكور[273/ب] في جيوش سحبت الجوانب والأقطار، وعدة راقت للأبصار، وأهبة أعجبت النظار، متطاولاً بعدده ومطاولاً بقوة باعه ويده، وقام إلى الدفاع، وصلى نار الفراع، فاصطفت عند ذلك الخيول، وخفقت الطبول، ورجعت (الفيول)، وتطاردت الفرسان، وتجالد الشجعان، وتحامل بعضهم على بعض فخيلت الأرض سايرة، والسماء مايرة، واشتبكت الحرب وشد ضرامها وشردت الميتة وحل خطامها، واستحر القتل والقتال، وتكسرت النصال على النصال، وتلألأت متون القواضب، تلألأ البرق الغيم جنح الغياهب، وفارت ينابيع الدماء، كما فاضت مجاديح السماء، وتكاثر أولياء الله على الأعداء، وقتل بعون الله أكثر زعماء جيشه وعظماء جنده، ودب الفشل في تضاعيف أحشائه، وسرى الوهن في تفاريق أعضائه، واضطره هول المقام، وفزع الأصطلام على الفرار فولى نفوراً، وكان أمر الله قدراً مقدورا، وآل حاله إلى أنه كر مرة أخرى وكر وأسر فذاق وبال أمره وكان عاقبة أمره خسرا.

ولما أظهر الله الخاقان الأعظم على عدوه وخصمه بهذا الفتح المبين الذي حفظ الله على الشريعة ماءها وعلى السنة ذماها، وعلى الدولة نماها، توجه بصدر منشرح، وأمل منفسح بلقاء مدين الخلافة ودخلها بالسلامة والعافية آمناً غانماً بلا منازع وممانع وابتدأ بتوفيق الله تعالى بإقامة نواميس الشريعة وإحياء قوانين الملة الحنيفية، وعفا عن كل من اجترح سيئة واقترف، وقابله بالصفح وقال عفى الله عما سلف، ونظر في أمور السلطنة والخلافة، فإذا هي مختلة النظام، واهية العظام، زائلة الوسام، فرأى أن لو ضرب عنها صفحاً، وطوى دونها كشحاً، شمل الهرج والمرج، وعم الاضطراب والهيج، فأقبل عليها وتحمل أعباءها، وتكلف عناها، وفتح على الخلائق أبواب العدل والسياسة، وكشف عليه آثار الإمارة والرئاسة، وحملهم على السمع والطاعة، وأذاقهم حلاوة الجود والسماحة، فصارت بفضل الله جل شأنه شوارد الملك منتظمة، وأشتات السلطنة ملتئمة، والطرق والشوارع جارية، والمناهل والمشارع صافية، والرعية في مهاد الأمن راقدة، والبرية لمزارع الأماني حاصدة.

المسئول منه سبحانه أنه كما جلى هذه المملكة عليه، وأهدى عقيلة السلطنة إليه أن يحمله على رضوانه وتقواه، ويبلغه من المقاصد الجليلة ما يأمله ويهواه، هذا وقد أهدى إلى السيد الجليل من جناب[274/أ] الخلافة وحضرة السلطنة إظهاراً لمزيد المودة الجليلة الخاقانية إشعاراً لفرط المحبة الجميلة السلطانية من طرايف هذه البلاد وظرايفها، ونفايس هذه الأقطار ولطايفها، ما يتضح من ورقة على خده نسأل الله الكريم أن يؤيده بنصره ويعلي كلمة الحق بنفاذ حكمه وأمره، والحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين حرر في أوائل شهر ربيع الآخر من شهور سنة سبعين وألف [ديسمبر 1659م] من الهجرة المقدسة النبوية مصادفة للسنة الأولى من الجلوس المبارك بالخاقانية.
ولما توفي السيد المذكور كما سيأتي إن شاء الله وعاد من كان في صحبته من الخواص أصحبهم الإمام عليه السلام، الجواب على السلطان المذكور مع الهدايا النفيسة والتفاريق على أنواعها مع الخيل المحلية، وأصحبهم الجواب المذكور، فقال:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى من عبدالله أمير المؤمنين المتوكل على الله إسماعيل بن أمير المؤمنين القاسم بن محمد بن علي بن الرشيد بن أحمد بن الأمير الحسين بن علي بن يحيى بن محمد بن الإمام يوسف الأصغر الملقب بالأشل بن القاسم بن الإمام الداعي إلى الله يوسف الأكبر بن الإمام المنصور بالله يحيى بن الإمام الناصر لدين الله أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق بن الحسين بن الإمام ترجمان الدين القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) حامداً لله الذي بحمده تستدام النعم، وبشكره يستزاد ما هو أهله من الجود والكرم، وبتوحيده وعبادته تفوز الأمم، وبإقامة العدل في عباده كما فرض لعدله وحكمته ويستدفع النقم ويستكشف الغمم ويغلب من أراد وجهه بذلك كل مناو من العرب والعجم، وشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله، الذي اصطفاه لمحبته ورسالته وأهله، والصلاة والسلام عليه ما اختلف الجديدان وكورا، وعلى آله الأطهار ما طلع البدران ونورا، وعلى أصحابه الأخيار ما تلي الكتاب والسنة وكررا، على ما أولانا من نعمه التي من جملتها كتاب كريم ورق شريف فخيم من تلقا السلطان الذي شهدت له ألسنة الخلق وهي أقلام الحق بانفراده[274/ب] بخصائص تعظيم هذه الملة البيضاء، وتكريم أحكام هذه الشريعة الغراء حرصه على إعلاء كلمة الله وكلمة الله هي العليا، وغيرته على محارم دين الله وحدوده، أن يهتكها من لا يرقب ملة ولا ذمة، ولا

يتقي عدواً ولا بغياً، الخاقان المعظم، والسلطان المكرم، مجدد دارس المحامد، مشيد مباني ميمون المقاصد مسعود المصادر إن شاء الله فيما يقرب إلى الله عز وجل والموارد، محمد أورنك زيب بن السلطان شاه جهان زاده الله سعداً، وأولاه رفعة ومجداً، وأحيا به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما أماته الظلم والظلمة، وكشف بعلو همته ومضا عزمته سدفات جور الجايرين المدلهمة، وجعلنا وإياه ممن شمله قول الله عز وجل: {وَلَيَنصُرَنَّ الله مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} والله يهدي إليه من تحياته أشرفها، ومن كراماته أزلفها، ومن تعظيماته أكملها وأعرفها، يتضمن جواب كتابنا إليه مع حي السيد النجيب الشريف الحسيب محمد إبراهيم بن أمير نعمان، تولاه الله برحمته، وتلقاه بغفرانه وكرامته، يلتقى ذلك المقام الكريم له على الوجه المأمول، ومصادقته بالشرف المقبول وشمول الموالاة الجليلة الخاقانية، ووفر المواساة الجزيلة السلطانية، فحمدنا الله عز وجل له ولنا، وكرر شكره وذكره على ما خوله من نعمة الله بالاجتماع على كلمته وخولنا، وعلى ما ضمنه أدام الله سعده ذلك الكتاب من شرح ما من الله به عليه وعلى يديه من علو كلمة الإسلام على الذي لبس على نفسه الحق بالباطل، وارتاب حين عرض لوالدهما السلطان الكبير والخاقان الخطير، والمحل السامي الشهير، من العارض المقعد والألم المجهد، وما رام ذلك

الملبِّس على نفسه وعلى الناس، من بناء الأمور على غير وثيقة من دين الله ولا أساس، حتى أظفر الله عليه من تمسك بالعروة الوثقى التي ليس لها انفصام وأظهر الله عليه من نصر دين الله فوفاه ما وعده من النصر{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ الله لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} وانتظم بمن الله أمر من غضب لله ولدينه بانقياد الخاص والعام والقريب والبعيد أي انتظام، وما أثره جدد الله سعده وأدام، من العفو عمن لابس من العامة شيئاً من تلك الاجرام، فاغتر بغرور الخادع له ولنفسه في ارتكاب الآثام، ولمن صبر وغفر إن ذلك[275/أ] لمن عزم الأمور، وذلك شأن ذي الرتب العلية الكرام، وسألنا الله أن يزيده مما أولاه من الفضل العظيم والإنعام، ويتمم سعيه المشكور واجتهاده المبرور في تعظيم شعائر الإسلام، وأن يجعل له من لدنه عوناً كافياً ومرشداً هادياً، وحافظاً وافياً، وحامياً راعياً، حتى يدرك من تقوى الله وطاعته أقصى ما أمل وينال من عمارة معالم دين الله غاية ما انتحاه وعليه عول، وأن يشيد بتوفيقه أزره ويقر بمعونته عينه ويشرح صدره.

هذا وأن السيد الجليل الأمجد النبيل محمد إبراهيم، رحمه الله تعالى لما اتصل بهذه الديار وشارف الوصول إلينا اختاره الله له وما عند الله خير للأبرار، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأل الله أن يحسن للجميع الخلافة، وأن يتلقاه بما هو أهله من الكرامة والرحمة والرأفة، والأمن من المخافة، ويوفقنا جميعاً لتقواه التي هي خير الزاد، وطاعته المجيبة لمن أثرها في المعاد، يوم يقوم الأشهاد، هذا والذي سمحت به تلك المكارم العلية من مسنون الهدية، الشاهدة بصدق الوداد، وخالص الموالاة على أمر الله في القرب والبعاد. وصل إلينا كما اشتملت عليه ورقته التي على حده، وقبلناه اقتداء بالسنة النبوية على شارعها وآله أفضل الصلاة والسلام حفظاً للمودة التي لا يزال عراها إن شاء الله تعالى متأكدة وملابسها للاجتماع على دعوة الله وكلمته وما يقرب إليه متجدده، سائلين الله عز وجل أن يجعلنا وذلك المقام الكريم جميعاً من حقيقة مغزاه ومقصده، وغاية مطلبه وبلاغ جهده، التواصي بالحق والصبر والمرحمة، والتعاون على تشديد عرى الله هذه الملة المحمدية بالحكمة والشريعة النبوية الربانية المعظمة، والأمر بالمعروف الأكبر، والنهي عن الفحشاء والمنكر، وائتلاف القلوب والألسن والأيدي على ذلك، والاستعانة بالله عز وجل على سلوك أهدى المسالك وأن ينمي لنا ولكم ذلك ويزكيه فهو خير مبارك وحسبنا الله ونعم الوكيل، ونعم المولى ونعم النصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم، بأفضل الصلوات والتسليم، والحمد لله رب العالمين، حرر في ذي القعدة

الحرام من عام إحدى وسبعين وألف [يوليو 1660م].
وهذه نسخة الولاية وكتب عليها بعضهم فقال: هذه الدرة المكنونة والولاية المباركة الميمونة، التي هي باليمن والصلاح والنجاح والفلاح مقرونة[275/ب]، التي من تمسك بها ظفر باليمن والسعادة، وكان من الذين أحسنوا فلهم الحسنى وزيادة، صاغ عقودها اللؤلؤية، وطرز حبرها العسجدية، إمام الأمة وسراج الظلمة، وسليل الأئمة جوهرة عقدهم، وأمير حلهم وعقدهم، ووارث علوم أئمتهم، كرسي أناسيهم، وأنسي كراسيهم.
من قدمته على السادات همته .... في الفضل تقديم بسم الله في الصحف
وزان أيامه عدل ومعرفة .... فليس عن رتب العليا بمنصرف
من بلغت إليه دعوة إبراهيم (عليه السلام) والوراثة. وحاز الخلق النبوي والفخار المصطفوي والدماثة، والوارث للسنة والكتاب الكريم، والقايم بالدعاء إلى ما دعا الله إليه ودعا إليه الرسول عليه أفضل الصلوات والتسليم، المتلقي راية دينه الخافقة في الخافقين باليمين، الراوي له مسلسلاً عن آبائه الأئمة الأكرمين شعر:
من قولهم مسند عن قول جدهم ... عن جبرائيل عن الباري إذا قالوا
مولانا أمير المؤمنين وسيد المسلمين الصادع بالحق المبين، إسماعيل بن أمير المؤمنين المنصور بالله، القاسم بن محمد بن رسول الله، شعر:
نسبٌ كأن عليه من شمس الضحى .... نوراً ومن فلق الصباح عمودا
أطال الله مدته: وأدام طلعته، وحمى غرته وخلد دولته، وأنفذ في جميع القطار كلمته، قال (عليه السلام):

106 / 116
ع
En
A+
A-