ووصل طلاب لعبد الله بن يحيى بن محمد بن الحسن فهرب ولحق بحسين بن المتوكل؛ لأنه عرف أن ما بعد الطلب إلا السجن لما قد جرى منه من الحروب المرة الأولى والثانية. وكان هربه إلى ذيبين عند أصهارهم بني زبيبة. وكذلك هرب أحمد شمسان إلى قبائله بني جبر، وطلب الفقيه يحيى حسين السحولي الناظر على الوقف، فهرب أيضاً من بعض الطريق بعد خروجه من صنعاء، قيل إنه سار طريق اللحية؛ لأنه أقرب وبلغه شدة غضب الناصر عليه لأجل الخطبة التي خطبها في الخلع له وإقامة يوسف. والقاضي جباري هرب من ضوران إلى قبة المهدي أحمد بن الحسن بالغراس يريد الجُوْرَة ، ثم إنه أمنه الناصر[169/ب] وبلغ أن الناصر برز بالوطاق في الديلمي شرقي ذمار يريد بلاد يافع، لما حصل منه من التعدي في أطراف البلاد وقد كان برز به أولاً في منقذة جهة صنعاء والقبلة حتى رفعه إلى هنالك. ويوسف بن المتوكل وصل إلى صنعاء وكان صحبه إسماعيل إلا أنه تقدم قبيله، وسبب ذلك أنه أمره الناصر بأنه لا يعود إلى ضوران.
وفي يوم الإثنين تاسع وعشرين شهر القعدة وصل إسماعيل بن الناصر إلى صنعاء متولياً لها وحاكماً. وتمزق محصول المخا هذه السنة بعضه مع الجرموزي وبعضه مع زيد بن المتوكل وبعضه مما بقي مع حسين بن علي.
وجهز الناصر إبراهيم صنوه إلى بلاد ريمة وكسمة للاستيلاء على زيد بن المتوكل؛ لأنه بعد طلوع حسين من المخا تغلب فيها، ولم يسلم الأمر.
وخرج الأمير حسين بن الناصر بن عبد الرب بن علي بن شمس الدين بن الإمام شرف الدين صاحب كوكبان إلى الطويلة متخوفاً.
وجاء خبر تسليم الأمر للناصر من حسن بن المتوكل صاحب اللحية، وأنه قبض على السيد حسن الجرموزي في البحر بما معه من المال والبز والحوائج، ولم يتم له الهرب إلى مكة.

ورجع عامة الجند وأصحابه إلى كوكبان وشبام بعد أن ذكر له السادة والأعيان أنه ما كان يصلح منه العزم على ذلك الوجه، وخرج من الطويلة جهة تهامة متوجهاً إلى جهة صعدة. وهرب حسين بن الناصر طريق باب الأهجر وطريق تهامة حتى طلع جبل رازح ودخل صعدة، وانتُهِبَ بعضُ خزائنه التي سار فيها.
وتثاقل حسين بن محمد بن أحمد أبو طالب عن الوصول إلى الناصر من بلاد خمر؛ لأنه يومئذٍ فيها وقد طلبه الناصر ووعد بالوصول، والسبب أنه حصل معهم ومع غيرهم التشوش مما وقع مع زيد الجملولي والتحرك مع الناصر إلى جهة المشرق، فاستشقوا ذلك؛ لأنه أظهر الأمر لهم بأنهم يتقدمون إليه ومن لم يمتثل عزله عن البلاد[170/أ]، واستولى إبراهيم بن المهدي على بيت السيد حسن الجرموزي ببلاد آنس، وقبض ما فيه من المال.
ووصل حسين بن علي إلى الروضة هارباً من المخا، وجاء طريق بيت الفقيه، ثم خرج إلى مفحق بالحيمة ونزل من حضور[إلى] قاع صنعاء الغربي، ولم يدخل صنعاء ومعه نحو عشرة أنفار وهو متأثر بمرض.
وتمزق أولاد المتوكل ومن كان معهم في الجهات كل على وجهه متفرقين، ليس همهم إلا النجاة، والناصر استقر بذمار وصرف همته إلى الجهات اليافعية ، فأول من أرسل السيد صلاح بن محمد في جماعة من العسكر طريق بلاد لحج، ويحيى بن محمد بعد وصوله ذمار آخر شهر القعدة أرسله طريق رداع أو قعطبة.

وكان حركة أهل المشرق إلى أطراف بلاد اليمن الأسفل سبباً لكسر همة الناصر إلى النفوذ من ذمار إلى صنعاء وغيرها، وسبباً أيضاً في كسر الخوف الذي كان قد حصل مع بني المتوكل ومن مال إليهم من الناس في البلاد العليا. وسبب هذه الحركة إلى جهة حدود يافع ما جرى من قصدهم إلى لحج وما وقع منهم من الحرب لرتبة لحج. قيل: وسبب تحركهم أنه قد كان حصل من يوسف مصالحتهم بترك بلادهم لهم، والناصر قال: لا يمكن ذلك، فحصل ما حصل، واستأصلوا رتبة لحج وقتلوهم، لم يسلم منهم إلا دون العشرة وجملتهم فوق المائة. وقد كان قتلوا منهم جماعة بالبنادق من داخل البيوت لما كثروا عليهم، ولما بلغ يافع تحرك الناصر إليهم هربوا من لحج إلى بلادهم.
وفي أول شهر الحجة وصل الخبر بأن صالح الرصاص مات في جهاته، وعند ذلك بعث الناصر رسله إلى العسكر، فسار بعضهم قبل عيد النحر وبعضهم وعد لبعد العيد.
والضربة التي من أولاد المتوكل كسرها وأرجع الضربة إلى الخمس الأولة الكبيرة[170/ب] وضرب دراهم صغار عن بقشة صغيرة، فكان الحرف ثمانية كبار بالخمس الجديدة وبالصغيرة الحرف قدر أربعين بقشة، وكان صرف القرش بأربعة حروف من الكبيرة بعد أن قد بلغ صرف القرش بالصغيرة قدر خمسة وثلاثين حرفاً. وكان ذلك هو الضرائب الأولة، فإذا استمروا عليها ولم ينقصوها انتفع الناس بها، وإن نقصوها كانت مثل الأولة.

وفي هذه الأيام بشهر الحجة جعل الناصر ولاية بلاد كوكبان إلى أحمد بن الناصر بن عبد الرب بن علي بن شمس الدين بن الإمام شرف الدين ، وقد كان معه ولاية سابقة من والده المهدي أحمد بن الحسن، لكنه تركها أحمد بن الناصر رعاية لابن أخيه حسين بن عبد القادر بن الناصر، لما كان والده عبد القادر قد جعل الأعمال عليه في مدته، فلم يستحسن أن يخرجه من تلك المرتبة التي كان دخلها. فلما رأى أن كوكبان قد خلي عن الأمير بخروج حسين وعزمه منه وفزع أعيان كوكبان إليه أرسل إلى الناصر صنوه مهدي لتقرير ذلك، فقرره وولاه.
[171/أ] وفي يوم الأحد ثاني عشر شهر الحجة توفي القاضي العلامة علي بن جابر الهبل بصنعاء وكان قاضياً فيها وحاكماً من زمان المتوكل من بعد موت القاضي حسن حابس إلى هذا التاريخ. وكانت أحكامه محروسة، مقررة مأنوسة، صاحب قرار في أعمال الشريعة وصبر. وكان معرفته في علم الفقه فقيهاً محققاً وليس له في سائر الفنون ما يعتمد عليه لاشتغاله بالفقه. وقبر بمقبرة باب اليمن، قريب مسجد وهب بن منبه رحمه الله تعالى، وقد بلغ في السن قريب المائة ممتعاً بسمعه وبصره.
وفي تاسع عشر شهر الحجة وصل نقيب من عند الناصر إلى صنعاء بالقبض على وطاق حيدر، وقد كان في بيت زيد بن المتوكل، فقبضوا الخيام وحملوها وغير ذلك، وحصل مع الساكنين في بيته ما حصل وذلك بسبب أنه لم يسلم الأمر للناصر.
وجاء خبر أنه لما قرب منه إبراهيم بن المهدي خرج من كسمة بريمة طريق تهامة.
ووصل الخبر بأن العسكر الذين اجتعموا برداع نحو خمسمائة لا غير.
وجاء خبر أن قبائل بني جبر وغيرهم بنواحي ذيبين منعوا عن وصول إسماعيل بن زبيبة وعن وصول أحمد شمسان، وقالوا: أنهم في جيرتهم ، ثم إنهم وصلوا بعد ذلك لما وضع الأمان لأحمد شمسان.

[171/ب] وفي عشرين شهر الحجة وصل خبر بأنه اتفق مراكزة بين إبراهيم بن المهدي وبين زيد بن المتوكل بكسمة بريمة بني الصياغ، فقتل جماعة من أصحابهم، وثبت زيد بن المتوكل بجبل كسمة لهم، وقيل لم يحدث شيء من ذلك، وأنه كان أراد الفتنة فمنع أهل البلاد، ثم سلم لما وصل إبراهيم بن المهدي وخرج إلى حضرة الناصر، ووصل إلى ذمار بجماعة قليلة بعد أن تفرق أصحابه، وحكم إبراهيم على بلاد ريمة.
وحكم المنجمون بأن الشمس تكسف بآخر شهر الحجة يوم الأربعاء تاسع وعشرين في برج العقرب بالجوزهر الذي هو الذنب، وحصل قران يومئذٍ بين الزهرة وزحل في برج الميزان، وسيحصل قران الزهرة والمشتري في برج القوس في أول السنة الآتية بآخر محرم.
وسلم حسن بن المتوكل صاحب اللحية الأمر للناصر، وقبض على السيد حسن الجرموزي صاحب المخا ولم يتركه.
وجاء خبر أن صاحب صعدة علي بن أحمد لما وصل حسين بن المتوكل وعبد الله بن يحيى أجاب عليهم فيما ذكروه من الاستعانة به في تحريك الفتنة، فقال: لا يسعنا هذا ولا مصلحة للمسلمين، ولا لنا يا أهل هذا البيت فيها، وقد كفى بما وقع، والدنيا عند الله حقيرة والمقصود فيها السعي في الصلاح ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح، فَسُقِط في أيديهم، وتحسروا في أنفسهم، وخابت آمالهم فيما كانوا يظنوه من مطابقة هواهم، والتحقق عما نقموه وشكوه.
وخرج هذه المدة من يافع رجل بكتب إلى أحمد بن زيد يذكرون فيها أن عيال الإمام قد اختلفوا واشتجروا[171/أ] وأن قد سبقت منهم كتب أولة مثل ذلك وأن المبادرة مطلوبة، وأنكم إذا جهزتم من جهتكم عينة يدخلون من تهامة ونحن نفتح من جهة المشرق إلى حدود البنادر وإلى حيس فعلتم ذلك، فظفر بها أصحاب الناصر، وأتوا بالكتب إلى حضرته، فطوق الزنجير في رقبته واعتقله في بعض معاقله، قيل: وهذا الرجل سيد.

ومن هذه الأيام وصل الخبرأن الناصر خرج الديلمي طرف قاع القبتين لاستدعاء حسين بن حسن صاحب رداع باللقيا للمفاوضة من أجل المشرق، فخرج الناصر من ذمار إلى ذلك المكان والتقوا هناك ورجع كل إلى محله. وكان جملة الحديث من حسين بن حسن أن المشرق يحتاج في مخرجه إلى النصاب الكامل، ولم يكن عندهم ما يغني مما اجتمع مع يحيى بن محمد ومحسن.
وفي آخر شهر الحجة أبطلت السكة من الدراهم الصغيرة وأعيدت الضربة الأولة التي كانت زمان المتوكل، كل بقشة خمس من الضربة الكبيرة، فرجع صرف القرش إلى أربعة حروف.
وفي هذه الأيام كان سعر القدح الصنعاني بصنعاء مع كبر القدح من عشرين بقشة أربع خماسيات والبر من حرف، بعد أن كان القدح في هذا التأريخ أيام صراب الثمار من أربعة حروف، والبر من ثمانية، فنزل بسبب هذه الضربة النصف، وكذلك سائر البضائع، إلا أن أهل الأسباب الذي كان اجتمع معهم من الضربة الأولة حصل عليهم الكسر خصوصاً التُجار، فإن استمرت هذه الضربة على حالة واحد فالمصلحة ظاهرة مع الناس، والله يصلح الأمور.
وأرسل قاسم صاحب شهارة إلى بيت الجملولي بسَيْرَان فوجدوا أشياء كثيرة من الذهب والقروش، فطبع عليها وسار إلى السودة استقر فيها.
وكسفت الشمس في يوم الأربعاء تاسع وعشرين شهر الحجة في برج العقرب طلعت كاسفة، وكان الكسوف فيها من أسفلها قدر نصفها بالذنب، فالقدرة لله تعالى.

ودخلت سنة تسع وتسعين وألف
استهلت بالجمعة بالرؤية وبالخميس على الحساب.
وفي رابع هذا الشهر وصلت أخبار الحجاج من مكة المشرفة أنه خرج باشا وجند كثير معه، فتخوف الشريف أحمد بن زيد منهم، وخرج من مكة إلى الطائف ،وأخبروا أن الحج كان مباركاً تاماً، والشامي والمصري فيهما قوة وعساكر كثيرة، وأن السلطان استفتح العام الماضي من بلاد النصارى جهات زائدة على ما كان أولاً، واسترد ما قد كان فعل الفرنج، كما سبق ذكره، وأن الباشا الجديد إلى جدة وصل متولياً وسار الأول معزولاً.
وأمور مكة ساكنة والخيرات عامة، ورخص الأسعار متصلة، إلا أنه كان حصل قبل الحج في ذهبان شهران حرب من القبائل حولي بيشة وبين أصحاب الشريف الذي خرجهم إلى جهاتهم، فراح من أصحاب الشريف جماعة وفيهم الشريف عبد الله بن بشر، فجهز الشريف عساكره عليهم، فقتلوا منهم طائفة وانتهبوهم، وبلغت يد الشريف إلى ذهبان وحدود عبيدة زيادة على بلاد بيشة.
والناصر بلغت جنوده إلى حدود (جبل حرير)، وحدود بلاد يافع استقر فيه السيد صلاح الديلمي بمن معه من العسكر، وأهل الحيمة ومن إليهم من جهة أخرى.
وكان الشيخ الشريف عبد الغفارمن آل باعلوي هذه الأيام بصنعاء، وهو يسكن بحضرموت وبالجوف، ولهم فيه معتقد، وكثير ما يختلف من حضرموت إلى صنعاء طريق الجوف. رأيته ظاهره الصلاح والتسليم، ويحب الإصلاح فيما بين المسلمين. ذكر قرب الطريق الشرقية من حضرموت إلى الجوف، إلا أنها في بعض المراحل مقاطع، وقال: إن من حضرموت إلى أطراف الجوف نحو عشرة أيام وأقل من ذلك وإلى نجد كذلك. ومن العجائب أنه يسير بغير نعل، حافي، وهو شافعي في المذهب، قد وَخَطَه الشيب[173/أ] وله قدرة على الأسفار فيما بين هذه الجهات، وفيه أخلاق طيبة، ولا يسأل أحداً بل إن أُعطي شيئاً قبله من غير سؤال.

وجعل الناصر ولاية بلاد السودة إلى قاسم بن المؤيد صاحب شهارة، فوصل إليها وأمره بالتجهيز، وجعل إليه محصول بلاد عفار وأخرجها عن يد قاسم بن المتوكل. وجعل أمر بلاد ثلاء إلى واليها الأول الفقيه حسين بن يحيى الثلائي، فذكر الفقيه حسين الثلائي أنه لا يمكن التصرف فيها ما دام قاسم بن المتوكل بثلاء؛ لأنه يخشى من المعارضة فيها. وبلاد كحلان ولاها بعض أولاد الهادي بن الحسن بن شرف الدين الذي كان قد تولاها في المدة الماضية آخر دولة المتوكل. وخرجت عن يد حسين بن محمد بن أحمد أبو طالب لأجل تثاقله عن التجهيز، وعند ذلك عاد حسين بن محمد المذكور من خمر إلى عمران، وأجاب على الناصر أن التجهيز لا يمكنه إلا لو كانت البلاد بنظره، فأما والحال أن قد صارت بلاد خمر إلى صنوه إسماعيل ، وكحلان خرج من يده، وبلاد حجة قد صار محصولها إلى حضرته وبعضها إلى قاسم بن المؤيد فلا يجد ما يقوم بالعسكر.
وصار الرؤساء والمطلوبين من أصحابهم يقدمون رجلاً ويؤخرون أخرى، ومنهم من يعتذر بجمع الثمرة. وأما الذين قد ساروا أولاً مثل أهل الحيمة وبعض العسكر من غيرهم فوقفوا منهم في رداع، ومنهم في حدود جبل حرير، وكلما كتب إليهم الناصر قالوا: يلحق جميع العسكر والرؤساء، وهم يتقدمون جميعاً، والله يصلح للمسلمين ما فيه الصلاح.
وفي أول الشهر مات يحيى بن الناصر بزبيد[173/ب]، وكان قد جعل والده نظره وما حوله من تهامة إليه.
ومات ولد حسين بن المتوكل بصعدة بحضرة والده، وكان سار صحبته.
وجهز قاسم بن المتوكل عسكراً من عنده إلى المشرق إجابة للناصر، لما عرف أن الناصر قد بنى على عزله إن لم يجهز، فأرسل بنحو أربعمائة، فما قصر في رأيه، وتدارك أمر بقية بلاده.
وحسن بن المتوكل قد كان خرج من اللحية يريد الوصول إلى حضرة الناصر لإجابته، فكتب إليه الناصر بأنه يتوقف هذه الساعة في جهاته، والمطلوب إنما هو المعونة بعسكر أو مال.

وسار المطلوبين من العسكر وغيرهم من خولان صنعاء وسنحان وغيرها بعد تمام الثمرة معهم ما وسعهم إلا العزم لإجابة الناصر، فساروا في نصف شهر محرم. وكذلك صاحب كوكبان جهز محطة من عنده نحو سبعمائة ورئيسهم مهدي بن الناصر بن عبد الرب بن علي بن شمس الدين بن الإمام شرف الدين. وصاحب عمران كذلك أرسل عسكره، وتتابع الناس إلى حضرة الناصر.
وكان قد رتب قبائل الرصاص طرف بلادهم بالزهراء؛ لأنهم أظهروا الخلاف مع يافع، فخرج الذين قد كان اجتمعوا برداع إلى الخريص ببلاد قيفة وتقربوا منهم وهم قدر ألف نفر مع يحيى بن محمد ومحسن بن المهدي أحمد بن الحسن، فهربوا منها، وتقرب العسكر إلى المعسال. وجاءت كتب يافع بالمواجهة، فلم يجب عليهم الناصر بجواب، وقال: لا بد من دخول البلاد، وأخذ ما قد أخذوه على الناس وما جرى منهم سابقاً من العناد.
ووصل كتاب من الناصر إلى يوسف وهو بصنعاء أنه يمتنع من التقدم في المحراب يوم الجمعة للصلاة، فإن في ذمته ما قد جرى عليه من الخروج والحروب والديون اللازمة، وليتقدم غيره وهو يعزم شهارة، فترك المذكور التقدم وامتثل وتأخر للصلاة في المؤخر. ورجع إلى الناصر من جهة العزم إلى شهارة، وأنه لا يعرفها لأنه ولد بضوران، وتلك الديار وقد صنعاء أوفق في البقاء، والحركة تعسر عليه في هذه المدة، ويلزمه لوازم شاقة، وأن ينظر وصايا من صنوه يريد افتقادها وتنفيذها[174/أ].

وأخبرني بعض الحجاج الذين جاءوا طريق تهامة قال: لما وصلوا إلى أبي عريش -طرف بلاد صاحب اليمن- بقوا منتظرين لوصول أمير حاج على ما قد كان بنى عليه يوسف بن المتوكل بتجهيزه، فلما أزف الوقت ولم يصل في وقته اجتمع أحمد بن مهيا وجمع قبائل من الحرامية بصبيا، وأفاض عليهم شأن الحجاج، فقالت الحرامية وأهل البلاد: إن كان مع الحجاج أحد أمير من صاحب اليمن فلا بد من تسليم المعتاد ثلاثين كورجة وقدر مائتي قرش ويسلم حق العام الماضي مع هذا العام دخلوا وساروا آمنين إلى بيت الله الحرام. وإن لم يكن أحد أمير دخل الناس والبلاد بلاد الشريف، ولو لم يصر إليهم شيء من الأصل، ويدخل مع الناس الشريف أحمد بن مهيا الذي من قبل أحمد بن زيد فإنه يكفي الحجاج، وإلا فلا حرج عليهم. فدخل كثير من الحجاج مع أحمد بن مهيا إلى بيت الله الحرام، ورجع من رجع وهم القليل، مع أن الحجاج من أصلهم لم يكونوا كما كانوا، وحجوا وعادوا طريق الحرامية بلاد الحجر، ومعهم في العودة شريف الخلا أخذ منهم المعتاد من المجبا لا غيره.
ووصل إلى حضرة الناصر بعض شعراء صنعاء، فقال: لا حظ لكم عندنا؛ لأن ألسنتكم طالت علينا فرجعوا بغير شيء، والسنة حرمانهم، كما جاء في الحديث النبوي: ((احثوا في وجوه المداحين التراب )) أي: احرموهم.
وفي هذه الأيام بآخر شهر محرم وصل إلى حضرة الناصر أصحاب يحيى بن محمد يشكون منه في عدم الوفاء بالجوامك، وأنه أعطاهم من الدراهم الأولة، وقد كسدت لا تنفعهم. وقد كان شكوه مرة أولة وأمر له بدراهم من عنده، وأنه يريد أن لا يسلم لهم من الجديدة بقدر حساب الأولة، وينقص، فيجعل الثلاثة الأولة بحرف من الجديدة، فعند ذلك عزله وجعل صنوه عبد الله بن محمد الصغير في السن مكانه وولاه بلاده.
قيل: وكذلك عزل صنوه محسن بن المهدي.

91 / 94
ع
En
A+
A-