ومن الطبيعي أن تتأثر الأوضاع الاقتصادية بسقوط الأمطار أو عدم سقوطها، إذ أن اليمن منذ القدم بلد زراعي في الدرجة الأولى، ويعتمد على الزراعة اعتماداً كبيراً. وهذه الزراعة تعتمد على مياه الأمطار وعلى ما تختزنه الأرض في جوفها من المياه،لذلك تأرجحت الأوضاع الاقتصادية بين الشدة والرخاء حسب هطول الأمطار أو عدم هطولها.
ونتيجة لسوء الأوضاع الاقتصادية نجد في سنة (1084ه/1673) أن مدارس العلم أُغلق أكثرها في مثل صنعاء وصعدة وغيرهما، لضعف موارد الوقف بها.
وبسبب سوء الأوضاع الاقتصادية نجد الإمام في سنة (1086ه/1675م) يأمر بأن تقوَّم أموال اليهود في جميع أنحاء اليمن، ويؤخذ منهم العشر، فُجمع شيء كثير من ذلك. كما نجده في السنوات الأخيرة من حكمه يزيد من المقررات المالية المفروضة على الولاة، فها هو الأمير عبد القادر صاحب كوكبان على سبيل المثال يتجه إلى الإمام، ويطلب منه أن يساعده في قضاء دينه، فأجاب عليه بأن البلاد كافية، فقال له الأمير عبد القادر: "لم نقم بذلك لزيادة المقررات في المدة الأخيرة".
وعلى الرغم من أن الإمام المتوكل قد حاول جاهداً معاقبة المتقطعين للقوافل، وإنزال عقوبات صارمة ضدهم، اضطرهم ذلك إلى التقليل من عملية النهب والسلب، غير أنه في السنوات الأخيرة من حكمه ظهر بشكل واضح الانتهاب للقوافل التجارية وحتى المسافرين، خاصة في طريق (العمشية)، حيث كانت القوافل التجارية والمسافرون في هذه الطريق يتعرضون في أغلب الأحيان للسلب والنهب من سفيان ودهمة وآل عمار، وغيرهم من القبائل.
لقد كان الإمام المتوكل يدفع للقبائل التي في طريق العمشية أموالاً لضمان الأمن في هذا الطريق والحفاظ عليه من الحرامية.
وفي سنة (1087ه/1676م) حصل انتهاب في طريق العمشية. وكان السبب في ذلك "أن أهل الطريق أهملوا حفظها"، لأن الدولة لم تعطهم ما يعتادونه فيها. وربما بسبب مرض الإمام المتوكل أُهمل ذلك، فكان سبباً في زيادة التقطع في الطرقات. ومما لا شك فيه أن هذا سيزيد من الإضطرابات والاختلال في الدولة.
ولم يكن نهب القوافل قاصراً على طريق العمشية، بل تعداها إلى مناطق أخرى من اليمن، خاصة البعيدة عن مركز الدولة، فنجد في شهر القعدة سنة (1080ه/1669م) قام الشيخ منصر العولقي في طريق حضرموت بانتهاب قافلة واصلة من الشحر، كان أكثرها للإمام المتوكل وأحمد بن الحسن.
ومما لا شك فيه أن انتهاب القوافل التجارية كان له تأثير سلبي على الأوضاع الاقتصادية في اليمن. فقد توقف أغلب التجار من إرسال بضائعهم أو أموالهم خشية انتهاب القبائل لها، وعدم اهتمام الدولة في الفترة الأخيرة باسترجاع ما تم نهبه.
وكانت القبائل تقوم بالنهب في الطرقات بتحريض من مشائخها في بعض الأحيان، فنجد في سنة (1083ه/1672م) نهبت سحار وآل عمار قافلة كانت خارجة من صعدة "فيها دراهم كثيرة، لأجل الموسم مصدرة إلى المخا وصنعاء". وكان سبب ذلك الانتهاب أن شيخ البلاد كان لدى الإمام، ولم يقضِ له غرضه، فعند عودته حرض قبائله على ذلك انتقاماً من الإمام. ولم يتمكن علي بن أحمد، صاحب صعدة إلا رد البعض مما تم نهبه، أما البعض الآخر فلم يستطع رده لأصحابه.
كما تكرر غزو قبائل الأطراف لبعضها البعض، فيذكر يحيى بن الحسين مثلاً في سنة (1084ه/1673م) أن جماعة من بني نوف، من قبائل دهمة غزوا إلى أسفل الجوف. كما حصل غزو إلى أطراف بلاد خولان وبِدْبِدَة. وغزت برط إلى أسفل الجوف بحدود براقش.
وشهدت الدولة القاسمية بعضاً من الاعتداءات الخارجية على الموانئ البحرية، وأهمها مينائي (المخا وعدن) اللذين تعرضا لكثير من الاعتداءات من قبل (الفرنج) على السفن التجارية القادمة إلى اليمن أو الخارجة منه. وعلى الرغم من وجود اعتداءات من قبل (الفرنج) على السفن الإسلامية من بداية عهد الإمام المتوكل، لكنها كانت قليلة. وكانت تُهزم وتعود من حيث أتت. أما في السنوات الأخيرة فقد زادت أعمال القرصنة في هذه الموانئ.
وكان ثمة صراع بين هؤلاء القراصنة وبين العمانيين. وكان العمانيون يدخلون الموانئ اليمنية بحجة ملاحقة القراصنة (الفرنج) وقد يصيب هذه الموانئ الركود والضرر نتيجة لذلك.
ومما لا شك فيه أن الاضطرابات والاختلالات الأمنية في هذه الموانئ والبحار قد يؤدي إلى ركود النشاط التجاري، وبالتالي يؤثر على الوضع الاقتصادي وتدهوره. فنجد مثلاً في سنة (1081ه/1670م) يحاصر الفرنج ميناء المخا، ويحرقون مراكب لتجار من الحسا، ويستولون على بعض السفن المحملة بالبضائع، وكان من ضمنها بضائع خاصة بأحمد بن الحسن، مما اضطر الدولة إلى إرسال الكثير من القوات للحفاظ على المخا، والدفاع عنه، وعُقد صلحٌ بين والي المخا حينذاك الحسن بن مطهر الجرموزي وبين الفرنج.
ويؤكد لنا المؤرخ يحيى بن الحسين بأن الاعتداءات المتكررة على الموانئ اليمنية قد أدى إلى سوء الأوضاع الاقتصادية، حيث يقول عند تناوله لأحداث سنة (1085ه/1674م) "وقد تضررت البنادر هذه السنين، ومحق البيع والشراء للبائعين والمشترين".
وكانت حوادث الحروب والقتلى تتكرر دائماً في مينائي المخا وعدن بين الفرنج واليمنيين، أو بين العمانيين واليمنيين، ثم تضطر الدولة إلى إرسال الغارات مساعدة للولاة هناك، إلاّ أن أكثر اليمنيين لا يستطيعون دخول البحر. وكانوا يضطرون إلى البقاء في البنادر. ويوضح يحيى بن الحسين أن السبب في ذلك: "عدم صنعتهم للأعمال البحرية"، أو عدم اهتمام الأئمة حينذاك بقيام أسطول بحري كما كان لليمن من قبل.
وكان العمانييون يترددون دائماً إلى سواحل اليمن، وكان يقتل منهم الكثير في السواحل اليمنية بسبب مواجهة اليمنيين لهم، خاصة ساحل عدن، فنجدهم مثلاً في سنة (1085ه/1674م) حاولوا الدخول إلى سقطرة، ثم إلى عدن بحجة مقاتلة البانيان، إلاّ أن أهالي عدن تصدوا لهم، وانهزموا هاربين. كما أعد أحمد بن الحسن مجموعة من العسكر لصدهم، مما اضطر العمانيين إلى الهروب إلى خلف باب المندب، لكنهم منعوا جميع المراكب من الدخول إلى الميناء، كما قاموا بنهب بعض المراكب، ثم عادوا بلادهم. وقتل كثير منهم، حتى أن سلطان عمان أرسل برسالة إلى الإمام يعاتبه فيما جرى في أصحابه في ساحل عدن من القتل. وتوعد بإغلاق البحر من جهاته.
وأحياناً كانت تلك العلاقات تسير إلى الأحسن، فنجد في سنة (1081ه/1670م) يرسل سلطان عُمان بما يقدر بألفين رطل من الرصاص معونة لليمنيين لمحاربة الفرنج، باعتبارهم عدواً مشتركاً بين اليمن وعُمان. وبذلك كانت العلاقات اليمنية العمانية بين شد وجذب، على حسب ما كان يقوم به العمانيون في الموانئ اليمنية، وموقف اليمنيين من ذلك.
ورغم عدم مهارة اليمنيين في البحار حينذاك مثلما كان العمانيون، غير أن الدولة القاسمية لا زالت تتمتع بالقوة في هذه الفترة، مقارنة بالفترات اللاحقة، وهذا جعل العمانيين يخشونها. وكانوا في معظم الأحيان يبررون دخولهم السواحل اليمنية لمحاربة الإفرنج وطردهم منها.
ونتيجة لما تعرضت له الدولة من صعوبات سبق ذكرها بدأ الإمام المتوكل يشعر بأن امتداد حدود الدولة، وسيطرتها على بعض المناطق، وإرسال ولاة من قبله يشكل عبأً كبيراً عليها، وأن متاعبها أكثر من عائداتها. فاقتنع بذلك معترفاً بالحكام المحليين، واكتفى بهم، بدلاً من الولاة الذين عينهم في بعض المناطق.
ففي سنة (1080ه/1669م) لم يعد في ظفار والٍ من قبل الإمام، فخرج من ظفار، وسكنه بعض آل كثير، "وانتسب في النسبة إلى الإمام، وتصرف آل كثير فيه بما شاؤوا، وخرج في التحقيق عن أمر الإمام".
أما حضرموت فكان متولياً لها عثمان زيد من قبل الإمام، لكنه اعتذر عنه وطلب الإذن في العودة فخرج منها عام (1081ه/1670م) فأراد الإمام أن يتولاها الحسين بن الحسن، وأن يستقر في حضرموت، لكنه رفض، وأرسل بعض قادته. غير أنهم لم يتمكنوا من إخضاع أهالي حضرموت، وإلزامهم بتنفيذ أوامر الدولة. ليس ذلك فحسب، بل إنهم طردوا الرسول الذي أرسله الحسين بن الحسن متولياً لها، وردوه راجعاً ومن معه. وقتلوا من أصحابه رجلاً أو رجلين، عند ذلك رأى الإمام أن الحل الوحيد هو أن يولي حضرموت وظفار للشيخ الكثيري. وكان حينذاك لديه، فجهزه إليها، بعد أن رأى "مشقة أحواله، وقلة محصوله، وبعد دياره".
أما ميناء الشحر فقد حرص الإمام المتوكل على أن يخضع مباشرة للدولة القاسيمة، واستمر أمير الدين العلفي والياً عليه من قبل الإمام.
وفي عام (1085-1086ه/ 1674-1675م) انقطع ما كان يُرسل به من حضرموت، وهو شيء يسير جداً. ولم يبق منه بعد (1080ه/1669م) إلاَّ الاسم، لعودته لآل كثير.
وفي سنة (1085ه/1674م) سمعت بعض المناطق بمرض الإمام المتوكل، فأعلنت تمردها. ورفضت دفع ما عليها من واجبات للدولة، متحدية لها، ومن هذه المناطق الحجرية، حيث أعلن أهلها تمردهم وخروجهم عن سلطة الإمام. وامتنعوا عن تسليم ما عليهم من المطالب، ولما أرسل إليهم الإمام يتوعدهم بالعقوبات إن خالفوا أوامره، قتلوا رسوله ومن معه. كما رفضوا دخول بعض جنود الدولة إلى بلادهم، وكان الإمام قد أرسلهم إلى هناك. وقتلوا عبداً لمحمد بن الحسن، وربطوا بعض غلمان الخيل. وأصبحت الطريق بين عدن ولحج غير آمنة. ولم يجرؤ أحد على المرور فيها، إلاّ مع الجمع الكبير.
وفي سنة (1086ه/1675م) اضطربت الأوضاع، وهرب مجموعة من العسكر من الخدمة لدى بعض الولاة، فسكن بعضهم في بيته، ولم يدخل في الخدمة.
كما اضطربت الأوضاع الاقتصادية في صنعاء عندما علمت بمرض الإمام المتوكل، خشيةً من وفاته وما يحدث بعد ذلك من صراع مراكز القوى على الإمامة، فاشتروا ما يحتاجونه من المؤن والطعام، وكان نتيجة ذلك أن ارتفعت الأسعار لكثرة المشترين.
لقد كان السنوات الأخيرة من حكم الإمام المتوكل تعتبر أصعب المراحل، حيث رفضت بعض المناطق تسليم ما عليها من واجبات للدولة كما رأينا. ولم يعد لها إلا السلطة الاسمية، حيث كانت ترى بأن الإمام المتوكل قد أصبح ضعيفاً بسبب مرضه، بينما أحمد بن الحسن كان مشغولاً بالإعداد لتجهيز حملة عسكرية إلى عدن، خوفاً من العمانيين. لذلك قالت بعض القبائل: "هذا الإمام فيه الركة، لما اعتراه من الألم هذه المدة. وأحمد بن الحسن هو الذي نخشى منه قد اشتغل بتجهيزه إلى عدن بعض عساكره".
ولا بد أن نشير هنا إلى أن المشائخ وأصحاب النفوذ في المناطق المختلفة كانت تقوى وتضعف حسب قوة الدولة المركزية أو ضعفها، أو بالأصح حسب قوة الإمام أو ضعفه، فبعد سياسة التوسع التي اتبعها الإمام المتوكل، والحروب التي خاضها رجال دولته من أجل بسط سيطرته على مناطق اليمن، ونتيجة لقوة دولته أعلنت هذه المناطق ولاءها وخضوعها للدولة والإمام، حتى القبائل التي كانت أكثر قوة ومنعة، منها على سبيل المثال أسرة العفيف في يافع، وآل الرصاص في البيضا، وآل كثير في حضرموت، وغيرهم. غير أن مثل هذه الأسر في فترة الضعف، خاصة فترة مرض الإمام المتوكل كانت تحاول البروز أو الاستقلال إن هي استطاعت. لكنها لم تتمكن من ذلك. وقد ترك الإمام بعض هذه الأسر تحكم في مناطقها طالما أنها تؤدي ما عليها من واجبات للدولة.
وفي السنوات الأخيرة لحكم الإمام المتوكل كانت مراكز القوى من آل القاسم قد بدأت تظهر، محاولة أن تلعب دوراً قيادياً حتى قبل وفاة الإمام المتوكل، مستغلة مرضه. منهم على سبيل المثال علي بن أحمد بن الإمام القاسم، الذي كان متولياً لصعدة بعد والده. وقد ساءت علاقته بالإمام المتوكل، وعلى إثر ذلك أرسل الإمام ابنه الحسن إلى صعدة محاولاً القضاء على سلطة علي بن أحمد فيها، غير أن علي بن أحمد تمكن من منع الحسن بن المتوكل من الدخول إلى صعدة، مستغلاً النفوذ الذي كان يتمتع به بين قبائل المناطق الشمالية.
وعلى إثر الخلاف بين الإمام وابن أخيه كتب الأخير إلى أبناء القاسم عموماً بأنه "دعا إلى نفسه بالإمامة، وأن الإمام المتوكل اعتورته الشيخوخة، وظهر ضعفه من السمع والبصر ... وأنه لا مانع لديه من تسليم الأمر إلى من هو أقدر منه".
وأرسل إلى أحمد بن الحسن بأنه قد تم تبادل الرسائل مع بقية أبناء القاسم حول عدم صلاحية الإمام المتوكل للإمامة، بسبب مرضه، وأنه لا يجب عليهم طاعته.
وعلى الرغم من أن المؤرخ يحيى بن الحسين يذكر بأن قبائل المناطق الشمالية طلبوا من علي بن أحمد إعلان دعوته، وأن يكون إمامهم، لكن من المرجح أن هذا هو التفسير الشخصي ليحيى بن الحسين.
ولعل السبب غير المباشر هو أن علي بن أحمد شخصياً كان يحاول الوصول إلى الإمامة، مستغلاً مرض الإمام المتوكل، ليكون له السبق في ذلك.
ولما بلغ الإمام المتوكل ذلك، وكانت قد وصلته رسالة من علي بن أحمد، مثل باقي رسائل آل القاسم، جمع كبار رجال دولته وعلماءها يطلعهم على الأمر، فلم يلتفت أحد إلى دعوة علي بن أحمد، وحكموا ببغيه.
أما الحسين بن الحسين بن القاسم فقد ذكر للإمام أن ما قام به علي بن أحمد كان بتحريض من أخيه أحمد بن الحسن، ولكن ما ذكره الحسين كان غير صحيح، إذ أن المتوكل كتب إلى أحمد بن الحسن، يأمره بالتوجه إلى علي بن أحمد ومحاربته، وهو سيمده بكل ما يريد من المال والسلاح، فخرج أحمد بن الحسن من الغراس، لقطع شكوك الإمام إذا كان قد راوده شيئاً منها، واستعد لملاقات علي بن أحمد. ولما أراد التوجه إلى صعدة وصله الخبر بوفاة الإمام المتوكل. عند ذلك عاد أحمد بن الحسن إلى الغراس داعياً إلى نفسه بالإمامة.
ولم يكن أحمد بن الحسن هو الوحيد الذي دعا إلى نفسه بالإمامة، بل ظهر خمسة من آل القاسم دعوا إلى أنفسهم بالإمامة، إلى جانب أحمد بن الحسن، وسنتطرق إلى ذلك بالتفصيل في الفصل القادم.
وتوفي الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم في ضوران، مركز دولته، في 5جمادى الآخرة سنة (1087ه/14 أغسطس 1676م). وكان عمره حوالي (68عاماً).
ويشهد المؤرخون للإمام المتوكل بأنه كان أقدر أئمة آل القاسم، الذين حكموا اليمن. وعلى الرغم من بعض الصعوبات والاضطرابات التي شهدتها الدولة القاسمية في عهده، خاصة في السنوات الأخيرة، إلاّ أن هذه الدولة ظلت طوال فترة حكم الإمام المتوكل محتفظة بحيوتها وتفوقها، واستطاعت السيطرة على معظم الاضطرابات والتمرادات. وتمكنت من الإبقاء على جميع الأقاليم اليمنية تحت سلطتها السياسية المباشرة، أو غير المباشرة على أقل تقدير.
وقد بذل الإمام المتوكل جهوداً كبيرةً للحفاظ على أمن اليمن واستقراره وازدهاره، فلم يألو جهداً في التنقل بين مختلف المناطق اليمنية، ليتفقد أوضاعها عن قرب.
ولعلَّ ما عُرف بقانون صنعاء شاهداً على اهتمامه بكافة المجالات. فقد استقر في صنعاء ستة أشهر تفقد فيها قانون المدينة. ووضع قانوناً جديداً، زاد فيه على السابق، وأمر بتقسيم مدينة صنعاء، وجعل على كل قسم ثقة من أهلها.
العلاقات الخارجية
أما لو تطرقنا للعلاقات الخارجية فقد توسعت تلك العلاقات بين اليمن ومعظم أقطار العالم العربي والإسلامي، وحتى غير الإسلامي، سواء عن طريق الرسائل أو الهدايا التي كان يتم تبادلها مع ملوك وسلاطين هذه الدول. وغير ذلك من الوفود، والعلاقات التجارية.
فإذا ما بدأنا بالحجاز سنجد أن العلاقات بين الإمام المتوكل وأشراف الحجاز كانت قوية ومتينة، خاصة الشريف زيد بن محسن (1041-1077هـ/1632-1666م)، وقد عمل الإمام المتوكل على تقوية هذه العلاقات مع الأشراف في مكة، يتضح ذلك من الرسائل والهدايا المتبادلة بين الطرفين، واهتمام الإمام بإرسال الصُّرة إلى مكة في كل عام، الذي كان لشريف مكة نصيب منها.
وكان هناك كذلك تبادل في وجهات النظر حول مسائل شرعية ودينية على نحو متكرر ومتواصل.
أمَّا عُمان، فعلى الرغم من الشد والجذب في العلاقات بين البلدين، وعلى الرغم من الاعتداءات المتكررة من العمانيين على السواحل اليمنية، والخلاف بين الطرفين حول البحر والتجارة والسفن، إلاّ أنه كان يوجد بينهما تعاون في بعض الأحيان، خاصة إذا كان الهدف مشتركاً، وهو القضاء على الفرنج واعتداءاتهم المتكررة.
ولعلَّ إرسال سلطان عُمان بألفي رطل من الرصاص سنة (1081ه/1670م)، كما سبق أن ذكرنا، معونة لليمن لمواجهة الفرنج في السواحل اليمنية دليل على أن العلاقات كان يسودها أحياناً الصفاء والتعاون.
ولم تقتصر علاقات اليمن بدول الجوار، بل نجد أنه على الرغم من إخراج العثمانيين من اليمن كان في عهد الإمام المتوكل يصل إلى اليمن دبلوماسيون-إن صح التعبير-عثمانيون من حين إلى آخر. ومعهم رسائل وهدايا للإمام من السلطان العثماني محمد بن إبراهيم (1058-1099ه/1648-1688م)، وفي المقابل كان الإمام يرسل الهدايا للسلطان العثماني.