واستفاضت الأخبار بصنعاء وغيرها بخروج أحمد بن زيد وأحمد بن غالب شريف مكة ومعهم جيوش وأمراء من العرب والترك كثير. وأن أولهم دخل صبيا، ثم جاء الخبر قدموا صبيا إلى صنعاء.
وفي يوم الجمعة ثاني عشر شهر رجب أمر الدولة بأن البقشة التي كان حسابها خمسة كبار تكون بقشتين، فضعفها وصغرها، ففرح البعض وتغير البعض من الناس، الفقراء استراحوا بذلك والأغنياء تضرروا؛ لأن عليهم كسر فيها وارتبشت أحوالهم. وغلق كثير من أهل البيع والشراء حوانيتهم، واضطرب الحال في التعامل بذلك، وضربوا ضربة أخرى تكون أكثر من الأولة قليلاً، وقالوا نتعامل بهذه وهذه كل شيء بحسابه، فلذلك حصل الاضطراب في التعامل. وهذا من الضرابين حيلة لما تناهت الأولى في الصغر الذي لم يمكن ضربتها، ولم يبق لهم مصلحة لعدم تمكن تصغيرها، فلما ضربوا الضربة الجديدة صاروا يصغرونها قليلاً قليلاً لأجل تثبيت المصحلة، وهي مفسدة في الحقيقة وبخس، فلا قوة إلا بالله، وجعلوا الوقية يدخلها ثلث نحاس وثلث جسد وثلث فضة، وقد يزيد على ذلك في الغش.
وبلغت الأخبار أن صاحب المنصورة يريد التجهيز على يوسف إلى ضوران وصنعاء، وقال: نقصدهم ونحوزهم كما حازونا وضاررونا، فجاء أخبار أن الخارج من عساكر السلطنة وفيهم الشريف أحمد بن زيد وأحمد بن غالب وغيرهما، ففرح الناس به، فلعله يحصل التفريج عن المسلمين من طول هذه الفتنة، ويكون على أيديهم فك هذه المحنة، وتكون كدولة عيال مطهر بن شرف الدين لما اختلفوا اختل ملكهم وانتقل إلى غيرهم، فسكنت الأمور. والظاهر أنه لا يُسكِّن هذه الفتنة التي قد قامت فيهم إلا يد أخرى، وإلا فقريب المحال اجتماعهم.
[160/ب] وفي يوم الجمعة عشرين شهر رجب خطب في الغراس للناصر، ولم يبق إلا ضوران وصنعاء وذمار لا غير.
وبعض العسكر الذين كانوا حاطين على المنصورة لازموا مع الناصر، وبعثهم بآداب إلى اليمن الأسفل، بسبب إجابتهم ليوسف. وبعضهم أذن له في العزم إلى بلادهم، وأما أخوه وولده وحسين بن علي وعبد الله بن يحيى فشدد في الترسيم عليهم داخل المنصورة تحت الحفظ.
ووصل الخبر ثاني وعشرين شهر رجب إلى صنعاء بأن أحمد بن غالب قد بلغ إلى برارة ما بين جبل رازح وبين أبي عريش، وهذه البلاد إلى جهة صاحب اليمن قد دخلها نزل إليها من بلاد قحطان، ولعله يريد طريق تهامة يخرج إلى درب ملوح ثم إلى تهامة البدوي ثم إلى غرابي الشرف والواعظات طريق بطن تهامة في بلاد مور يخرج إلى مدينة مور، ثم إلى بلاد الضحي وبلاد اللحية ثم إلى بيت الفقيه، والله أعلم.
ووصل الخبر هذه الأيام بآخر شهر رجب إلى اليمن أن السلطان محمد بن عثمان نصره الله على الفرنج من النصارى عبدة الصليب، وأنه بعد خروجه عليهم العام الماضي لما وقع منهم ما وقع من الصولة على المسلمين في جزيرة الأندلس، وتجهز السلطان عليهم بنفسه، وحث المسلمين على الجهاد في سبيل الله، فاستولى عليهم، وقتل منهم قتلاً ذريعاً، وسباهم واسترد البلاد التي كان استولوا عليها، وزاد معها غيرها، ثم عاد إلى استنبول وقد دوخ بلادهم وقمع رؤوسهم.
وفي هذه الأيام بعد [أن] استولى محمد بن أحمد صاحب المنصورة على أصحاب يوسف كما سبق، وتكاثرت كتب يوسف إلى صنوه حسين وإلى صاحب عمران وكوكبان يوقفوا وواعدوه بالتجهيز من غير جزم منهم، وأما صنوه حسين فجمع من أمكنه جمعه من بني حشيش وغيرهم، وجهز معهم رئيساً ابن أخيه قاسم بن أحمد بن المتوكل ، وساروا ومرادهم المحافظة على حدود اليمن الأعلى من نواحي يريم وسمارة، مع أن العسكر الذي أرسلهم صاحب المنصورة إلى جبلة مع ولده يحيى متماكرين وتواطئهم مع صاحبهم يوسف.
ويحيى بن حسين السحولي الذي كان يخطب بصنعاء لما بلغه حادث المنصورة هرب يوم وصله الخبر إلى بلاده عمران، واستقر فيها خائفاً مترقباً[161/أ] إذا حصل من صاحب المنصورة قوة يد؛ لأجل ما جرى منه من الخطب والاستحداد فيها، وكان قد سبقه هارباً ابن أخيه محمد بن إبراهيم السحولي وهو الخطيب في الأصل بصنعاء، لما أمر بالخلع لصاحب المنصورة، فامتنع وسار بلاده هارباً.
وفي آخر يوم بشهر رجب ترجح لقبائل بني الحارث وهمدان أن نوَّروا في بلادهم النار ونصَّروا لصاحب المنصورة محمد بن أحمد بن الحسن.
قيل: إنها جاءتهم كتب منه، فأجابوها لما رأوا ضعف صاحب ضوران وصنوه، وكان صنوه حسين وهو يبالغون في تجهيز عسكر من عندهم ويبذلون لهم الجوامك مع قلة ما في أيديهم فيحصلون ذلك بالجهد الجهيد من معادن وما يجدون من دور الضرب معهم على تقالل محصولها بعد أن تغيرت الضربة فيها، والانكسار حصل معهم لما حولوها وجعلوا الخمس الأولة على النصف من الضربة الآخرة، فانكسروا فيها، والكسر كثير من أهل البيع والشراء، وتقالل الداخل والخارج بالأسباب، واضطربت الأحوال، وكلما تكلفوا على إصلاح شيء انتقض من الجانب الآخر، فإن بالأمس كان جمعوا عسكراً من بلاد آنس ومن بني الحارث وصلوا إلى بعض الطريق وتفالتوا ورجعوا أرسالاً من غير مبالاة وراحت الدراهم التي بذلوها لهم ضائعة. وكذلك مع الأولين تخاذلوا فيما بينهم وتماكروا، وعلى الجملة إنما التأم لهم أمر يريدونه بعد أن كان جرى ذلك قبل الاستيلاء من صاحب المنصورة، فإنه بلغ صاحب المنصورة الحالة الركيكة التي أيس منه أكثر الناس، ثم كان الاستيلاء منه بسبب أنه بذل أكثر ما تبقى معه في خزائنه لقبائل الحجرية ومشائخها، وأباح لهم ما انتهبوه على المحطة التي كانت عليه فيها، والسبب الثاني تخاذل العسكرين فيما بينهم، فإنهم لما رأوا القبائل كثرت عليهم دخلوا في بعضهم البعض أنهم مع صاحب المنصورة[161/ب] كون أكثر العسكر الذين معهم من قبائل بني الحارث وهمدان وهي بلاد أحمد بن الحسن، فمالوا إليه. ثم إن البلاد أكثرها مع غير أولاد المتوكل وهم صاروا مع أنفسهم في بلادهم، وإنما غاية الأمر مرامهم في الإجابة تارة لهذا وتارة لهذا، لأجل لا يحصل عليهم الخلل من الجانبين، بل من قوي منهم فهم معه، فلذلك لم يرفعوا رأساً في معونة يوسف بعسكر مع كثرة مطالبته لهم، وإنما صاروا يواعدونه مواعيد عرقوب. وهم في خلال ذلك مكاتبون إلى صاحب المنصورة، وأنهم معه ولا يتأتى منهم إلى جنابه ما يخشى ولا ما يدفعه. وصاروا يأكلون
محصول البلاد، ويجمعون الخزائن منها والزاد. ويوسف صاحب ضوران وصنوه لم يبق معهم ما يخزن ولا ما يجمع، بل بلغوا في نفقاتهم إلى العدم والنفاد، مثلما بلغ إليه محمد صاحب المنصورة وأبلغ، والله يتدارك المسلمين بسكون ثائرة الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
وفي يوم الإثنين سادس شهر شعبان خرج الأمير حسين بن عبدالقادر صاحب كوكبان من شبام طريق المحويت، وباب الأهجر بعساكره وأتباعه ولم يعرف أحد ما سببه، ثم نزل من المحويت طريق الطور في شدة الحر وجمرة القيض وأول مبادي مطر الخريف وطلع جبل أذرع، سكن فيه بقية شعبان ثم عاد إلى كوكبان.
وفي هذه الأيام وقعت المراكزة على المخا من القبائل مع عينة يسيرة من العسكر، فخاف أهل البندر من النهب إذا دخل؛ لأنه غير حريز، وفيه يومئذٍ زيد بن المتوكل والسيد حسن الجرموزي. وأكثر مراكب الهند توقفت خارج البندر ، وامتنعوا عن الدخول من البحر لمَّا عرفوا بذلك، والبعض قد كان دخل ولم ينزل أحد من التجار من اليمن الأعلى خشية على أموالهم. ووصلت[162/أ] الرتب والعينات إلى سد مشورة رأس العدين فيها ابن فرحان من الذين كانوا أولاً من أصحاب يوسف ، ثم لما أسروا والوا الناصر واختاروا الخدمة معه، وهم مراكزون لزيد بن محمد بن الحسن بن القاسم الذي في العدين، والله أعلم.
وفي رأس سمارة رتبة من قبل صاحب المنصورة، وفي يريم علي بن حسين والأغا فرحان وجماعة عسكر معه من أصحاب يوسف، وكل يراعي منهم الفتنة، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ووصل خبر بأن عبد الله بن محمد بن الناصر لما رَسَّم به والده ومنع الداخل والخارج عنده غير خدَّام واحد يخدمه، وأمر في بعض الليالي أن يحرق مخزان البارود الذي تحت بيت والده ومن فيه، ففعل ذلك، فحرق نصف الدار وسلم والده؛ لأنه كان في النصف الآخر الذي سلم من الحريق، أراد بمكيدة لوالده، ففطن به قبل حصول ما أراده، فلما حصل منه ذلك أمر به والده إلى حصن الدملوة وشدد عليه بزنجير لما اطلعوه وقيده في الحصن المذكور.
ووصل خبر بأن ابن فرحان قبض عليه زيد بن محمد بن الحسن أسيراً من غير حرب، وأن جماعة عسكر من غربان كان أرسلهم صاحب المنصورة إلى بلاد يريم وهم ثمانية أنفار بأدب على سبب مواجهتم للمنصور يوسف، فقبض عليهم علي بن حسين بن أحمد بن الحسن وفرحان وحبسهم، ثم أطلقهم وساروا بيوتهم. وجملة الرتبة في رأس سمارة نحو ستين نفراً أيضاً من غربان، كان أراد فرحان وعلي بن حسين يقصدوهم، فكتبوا إليهم أنكم لا تعجلوا، والأولى التوقف منكم حتى ننظر ما يكون وأنه لا يحصل منهم تعدي. وبعث الناصر على الشيخ الأحمد واليوسفي أطراف الحجرية بآداب بسبب مواجهتم وإدخالهم أصحاب يوسف المنصور بلادهم، فتغيروا من ذلك وقيل: أن بيت الأحمدي أمر بخرابه. ووصل جماعات من العسكر من أهل الشام وغيرهم الذين كانوا مع صاحب المنصورة بالطماعات معهم ومروا صنعاء، وكذلك جماعة ممن اختلط بهم من عسكر أصحاب يوسف نهبوا أيضاً وساروا بلادهم بطماعات من النقد والسلاح، فلا قوة إلا بالله.
وفي ثالث عشر شهر شعبانها وصلت الأخبار أن عبد الله بن يحيى بن محمد بن الحسن هرب من المنصورة هو وجماعة من أصحابه، فنجى وخرج من حبال محمد الناصر، فضربت الطبلخانات في ضوران وصنعاء والطلاعات. وأما عبد الله ولد الناصر فشدد عليه في حصن الدملوة، قيل: بذلك السبب، وقيل: بغيره. وقد كان هذا محمد بن أحمد الملقب الناصر المذكور أمر بعض القبائل أن يقصدوا إلى المخا لأخذه ونهبه، فاجتمعوا طمعاً منهم في أخذ أموال المسلمين، فثبت لهم زيد بن المتوكل وعنده من العسكر نحو سبعمائة، وضربت المدافع وخرجوا فيهم، فانهزموا وقتلوا منهم جماعة وولوا الأدبار وحمى الله البندر. وواجهت يومئذٍ رتبة سمارة إلى علي بن حسين بن أحمد بن الحسن وفرحان، ودخلوا في طاعة يوسف وواجه ولد حسين بن حسن إلى يوسف، وعند اتفاق هذه الأمور الثلاثة سكن رجيف الناس وزال عنهم ما كانوا يظنونه من تسليط الناصر عليهم. ومنع بعض أهل اليمن الأسفل عند ذلك الآداب التي كان جعلها عليهم.
وفي هذه الأيام استفتح صاحب المنصورة بيت الفقيه بتهامة[163/أ]، ثم إن زيد بن المتوكل خرج لقصد من في موزع فاحتربوا وقتل منهم، وانهزم أصحاب صاحب المنصورة من موزع، وأسر منهم جماعة، وكان القتل أكثره في قبائل الحجرية الذي أجاش بهم.
ووصل كتاب هذه الأيام من الشريف أحمد بن زيد بن محسن صاحب مكة إلى الناصر والمنصور بأن صر العام الماضي وصر هذه السنة يسلموه وأنه لا يعذرهم عنه.
وفي هذه الشهر مرت جراد، جاءت من جهة الشام.
وفي عشرين شهر شعبان وصل الخبر أن حسين بن علي بن المتوكل خرج من حبس صاحب المنصورة.
ووصل الخبر أن فرحان لما نزل بمن معه من العسكر المنصوري بسمارة والمخادر قصد إلى إب، ودخله عنوة، ووقع حرب وانتهبت بعض المدينة. وكان أراد التقدم إلى جبلة، لولا وصول غارة من المنصورة قد كان ركب لها يحيى بن الناصر.
وفي أول شهر رمضان الكريم من هذا العام مضى علينا رجل صوفي على قدم ............ قال: إنه سائح في أرض اليمن وأنه قد دار زوايا الصوفية بتهامة وما يليها من الجبال، وأن أصله من البلاد التي تقرب بلاد حَلِي ومكة وتبالة، وأنه وأهل بلاده على مذهب الزيدية، وقد ذكر لي أنه اتفق بالَمَراوِعَة ببعض بني الأهدل الصوفية وبقي هنالك عندهم بعض المدة، ثم بالبلاد التي تقارب بلاد الصلبة بشيخ هناك يقال له: أبو طلحة له مكاشفات عدة، وأنه اتفق بالعوبلي ببلاد ريمة وما له من المقام بجهته والنذور والانبساط بما حصل له من الفتوحات في هذه المدة. وذكر أنه حضر على مجلس طعامه، فاجتمع كثير على طعامه، فلم ينقص السمن من أصله ولم يزد عليه. وذكر أنه اتفق بالرجل الذي يقال له: عبد الله بجبل جبع مساقط بلاد لاعة، وأنه قد تقرر هنالك وابتنى بيتاً ومسجداً يسكنه، وأنه لا يتفق به إلا من أراد هو لوقفته أو طالب ملازمته، وأنه ينسل من حضرتهم فلا يدري بجهته ويسمع صوته من بعد فيه ذكر الله تعالى، وأنه يسكن في بلاد الهيجة [163/ب] هناك ولا يضره الأسد مع قربه منه، ثم يعود داره، وأنه أحيا في جبع مالاً يزرعه وجعل له أُجراء يزرعونه ولا يأكل إلا منه، والنذور التي تفد إليه لا يأكلها إلا أصحابه، فهذا دأبه. وذكر أنه مر إلى بلاد آنس فوجد فيها ناصر الدين الذي سبق الإشارة إليه في دولة المتوكل، وأنه ابتدع أشياء من التحريمات بما هو حلال، كما سبق، فذكر لي: أنه زاد مع ذلك مما يقوله تحريمه للخل؛ لأن أصله الخمر والخمر نجس فيلزمه أن كل تلبس النجاسات في الأصل نجس وجميع الحيوانات تلبس بالدم في الرحم فيلزمه نجاسة بني آدم والأنعام وهذا لا قائل به، وتحريمه لما يفعله الفلاحون من تكريم المال بالأرواث . وقال: هو نجس فيحرم الحب لأجل ذلك، وحرم القهوة وحرم أشياء كثيرة مما أحله الله تعالى من المباحات، فهذا من البدع الكاذبة في الإسلام والتحريم لما أحل الله
تعالى كما قال تعالى: {وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ ألْسِنَتُكُمْ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى الله الْكَذِبَ} .
وقال: إنه يعتمد في مذهبه بكتاب أحكام الهادي لا غيره، فضاع عليه أكثر الفقه لأن أحكام الهادي لمسائل يسيرة، وقال المذكور: إنه دار كثيراً من المساجد والربط باليمن الأعلى، وأنه بات في مسجد ببني مطر ومسجد الشمس بوَقَش ، فوجد في أحدهما جماعة يصلون في الليل بعمائم خضر أحداث يأتمون برجل شائب وهو في زاوية المسجد، وأنه ظهر عند ذلك نور وضوء أدرك أشخاصهم وهو يراهم فأردا القيام للسلام على إمامهم فلم يتمكن من القيام أصلاً وكأن شيئاً جذب رجله للقعود. وقال: إنه زار النبي شعيب بن مهدم برأس جبل القاهر بحضور وبقي فيه برهة، وسألته عن التسريج الذي يظهر في بعض دعائم المسجد، فأخبرني أن الأمر كذلك، وأنه يحدث عند شدة السخم والسحاب، وإذا وضع الإنسان أنامله قريب اللهبة تلك وهي خضراء ظهرت اللهبة تلك في جميع أصابعه، ولا يحس لها حريق بل باردة وإن هذا من عجائب قدرة الله، فهو القادر على كل شيء[164/أ]. وذكر لي المذكور أنه ذكر له بعض صوفية تهامة فقال: عجيباً لكم يا زيدية كيف لا تزورون الأحياء ممن يستحق الزيارة ويستمد منه الدعاء؟ وصرتم تزورونه إذا مات، وعجيباً لكم فإنكم تزورون وتطلبون ولا تبذلون شيئاً من الفتوحات ولا شيئاً من النذور، والأمر كما قاله فإن هذا حالهم ودأبهم.
والقاضي جباري لما أرسله يوسف إلى صاحب شهارة أجاب عليه أنه يخوض في المصالحة والاجتماع إن شاء الله من بعد انسلاخ شهر رمضان، إذا حصل من صاحب المنصورة ويوسف وهو سيسعى في صلاح السيدين، ويبعد خروج السيد محمد من منصورته، ويبعد أيضاً من السيد يوسف مساعدته والدخول في إجابته بعد ما جرى بينهما من هذه الفتنة والحروب، وكذلك يبعد من السيد علي بن أحمد صاحب صعدة الخروج منها ومعونته.
ووصل يحيى بن محمد بن أحمد بن حسن الذي كان بجبلة من قبل والده صاحب المنصورة إلى ضوران تحت الحفظ ومعه زيد بن محمد بن الحسن بن القاسم؛ لأنه واجه على يديه. كان وصوله برمضان منها.
وأهل الهند لما تكاملت مراكبهم رسوا في المرسى في باب المخا، ولم يخرجوا إلى البندر أصلاً، وصاروا يبيعوا ممن وصل إليهم والمشترين القليل لانقطاع طريق المخا، وإنما صار يصل من يصل من البحر من اللحية أو من طريق الساحل من تجار تهامة والبانيان، فأما تجار البلاد العليا فلم يسافروا، ثم أخرجوا باقي مراكبهم بعد واقعة موزع وهزيمتهم، وتحولت الطريق إلى المخا من تهامة يومئذٍ.
وفي هذه السنة توفي القاضي العارف علي بن محمد الخولاني الشافعي، قاضي مدينة تعز باليمن الأسفل رحمه الله، وكان هو القاضي الحاكم بالشريعة ببلاد تعز، المرفوع إليه بتلك الديار وكان مشاركاً مع فقه الشافعي بالأصول والفقه هو الغالب عليه.
اتفقت به مرة بصنعاء لما طلع إليها في[164/ب] ابتداء أيام أحمد بن الحسن لتقرير ما هو له من السبارات في تلك الجهة، رحمه الله.
وفي شهر رمضان خرج صاحب المنصورة إلى قدس وأظهر الإعداد والبذل لمن يخرج معه من الصفراء والبيضاء، فاجتمع كثير من أهل الأطماع، وأهم بالتقدم إلى تعز، ثم إنه عاقه ألم في رأسه أوجب عوده إلى المنصورة، فسكنت الأمور بعض السكون، وأما تعز فإنه قوى رتبته. وعبد الله بن يحيى بن محمد استقر بجبلة.