وحسن بن المتوكل استولى على الضامر من بلاد حراز وتصرف فيه، لاتصاله ببلاده بمساقط حراز من جهة الغرب مما يلي الحقار وبلاد لعسان. وسبب عزل الناصر لصنوه محسن من بلاد الغراس وتولية الحمزة عزمه من رداع وموالاته ليوسف ووصوله إليه إلى ضوران حال مروره، فلما بلغه ذلك عزله عن البلاد.
وفي هذه الأيام تقرر زيد بن المتوكل في المخا بعد أن قرر عمله واستولى عليه وخطب فيه لأخيه يوسف، واستولى في المخا على علي بن يحيى بن حسين بن المؤيد ، وأرسل به إلى ضوران تحت الأسر، فوصل ضوران.
وظهر خبر من رجل خصيص أن صاحب المنصورة الناصر كتب إلى أحمد بن زيد أنه يمده بغارة، أو أنه إذا غلبوه فإنه ربما يرحل إلى بلاده مكة ويستعين به في المخرج، هكذا أخبرني به من له اتصال واختصاص بجناب صاحب المنصورة. وأنه يريد الخروج من المنصورة هذه الأيام إلى السهل، فإن جاء وله مطمع في الاستيلاء على بلاد تعز ثم النفوذ إلى غيره فذاك، وإن لم يحصل عرَّج إلى تهامة وسار جهة الشريف ولو إلى صبيا ويستمد من هناك من رئيسهم، أو إلى اللحية؛ لأن صاحبها حسن بن المتوكل من أعوانه وأتباعه، فهذا من العجب. وصاحب كوكبان سلم الأمر ليوسف وخطب له، وعلي بن أحمد صاحب صعدة كتب إلى صاحب[154/أ] المنصورة بإجابة دعوته وأنه صار مشغولاً بنفسه.
وفي نصف شهر ربيع الآخر واجه حسين بن محمد بن أحمد بن القاسم أبو طالب صاحب عمران إلى يوسف بن المتوكل. وصاحب شهارة فتح المخازين حق المتوكل والمؤيد والده التي بشهارة، وتصرف فيها وقضى ما عليه من الدين من المدة السابقة منها. وسلم الأمرَ في سادس عشر شهر ربيع هذا حسن بن المتوكل لصنوه يوسف، وكذلك حسين بن حسن صاحب رداع جاءت كتبهم في يوم واحد بالتسليم ليوسف.

وفي عشرين شهر ربيع الآخر عاد حسين بن علي وإسحاق ومن معهم لقصد صاحب المنصورة، فتلقاهم محسن بن محمد صاحب المنصورة وارتكز الحرب ، وخرج صاحب المنصورة في الأثر لمظاهرة ولده محسن وحصل الحرب. فراح من الجانبين قدر عشرين نفراً، وقيل: أكثر من ذلك، ثم عاد صاحب المنصورة إلى محله واكتفَّ الحرب وواجه كثير من أهل الحجرية إلى أصحاب يوسف، وصار حسين بن علي بن المتوكل وإسحاق يضايقون صاحب المنصورة ويزحفون عليه[154/ب]، فخرب صاحب المنصورة المحمولة؛ لأجل لا يطلعون حصن الدملوة. وقبائل المشرق استولوا على بلاد لحج، وحصل في اليمن الأسفل من الربش ما لم يحصل مثله، فلا قوة إلا بالله.
واستقر أصحاب يوسف: حسين بن علي بن المتوكل ومن إليه خارج المنصورة في المطرح الذي طرح فيه الرجبي أيام خلافه عليه، فكان عقب ذلك وقربوا من المنصورة، فحصل حرب بينهم قتل فيه جماعة من أصحاب حسين بن علي وإسحاق كثير نحو خمسين نفراً من الجانبين، وأكثرهم من أصحاب صاحب المنصورة، ثم هزموا إليها، وهتفوا بالكتب للغارة عليهم والزيادات من يوسف. وصاحب المنصورة كاتب إلى يافع بأنهم يعينوه على عيال الإمام المتوكل ومن انضاف إليهم، وبذل لهم ولاية عدن وبلاد لحج، فلم يسعدوه، وقالوا: المراد حفظ بلادنا.
وحصلت الحوزة على المنصورة من جميع الجوانب وطرح بعض القوم في محل يقال له: قدس. وخرج السيد حسن الجرموزي رسولاً بالخوض بالصلح، فكان خروجه من الفرج له، فلم يكن همه إلا النجاة من حبال صاحب المنصورة، بعد ما حصل معه ما حصل من الترسيم والضيقة. ولم يبق لصاحب المنصورة من البلاد التي حوله مادة بل ينفق مما جمعه من الدُّخن على من عنده ممن بقي من الخاصة. وعلى الجملة أن أكثر اليمن قد صار مجيباً ليوسف والتهائم والجبل، ولم يبق إلا صاحب صعدة، ويوسف أصغر أولاد المتوكل سِنُّه في نحو خمس وعشرين سنة ، والملك لله يؤتيه من يشاء، والله يصلح البلاد والعباد.

[155/أ] وفي ثامن شهر جمادى الأولى كان تحويل سنة العالم لدخول الشمس أول درجة الحمل، وزحل قد خرج من السنبلة، والمشتري في برج القوس، وكذا المريخ والجوزهر في العقرب، والقمر في الجوزاء، والزهرة وعطارد في الثور.
وجاء الخبر هذه الأيام أن صاحب المنصورة غزا بعض المحاط عليه وهي محطة رئيسهم فيها السيد محمد الديلمي، كان قد حفظ بعض الطرق فمنع الداخل والخارج إلى المنصورة، فاستولى عليه، وكان بعض المحاط قد حطوا على الماء خارج المنصورة، فشرع التضرر مع أهل المنصورة من الماء، فاتفق أن وقع مطر أملى البرك داخل المنصورة ومصابُّ المواجل في المنصورة فيها شجر البنج ، فيكون الماء فيه تغير وركة، ولا يزال في جبل المنصورة السخمة والسحاب[155/ب]. ولما ضايق صاحب المنصورة تلك الجنود صار محتازاً ولم يحصل له الخروج منها، فبقي فيها حائراً والمحاط في قدس وغيره ليس بينهم وبينه إلا بلغ المدفع، ولم يقربوا إلى المنصورة خشية من المدافع. وعند ذلك كتب قاسم صاحب شهارة وهو باق على الأصل الأول من موالاة صاحب المنصورة يذكر له التأسي بمن مضى، وأنه يصبر وأنه لا يصلح إلا الاحتمال، وأنه يتوجه النظر فيما يسكن ثائرة الفتنة، فأجاب عليه أنه طالب للشريعة، وأنهم يجتمعون إلى مكان متوسط للنظر فيما فيه صلاح الإسلام، وأن الأمر الذي نقم عليه قابل للحق فيه، فعرض القاسم مضمون جوابه هذا على أولاد المتوكل وغيرهم، وهذه أمور متباعدة، فلو كان هذا من أول الأمر، والأمر كما قال الأول:
أمور يضحك الجهال منها .... ويبكي من عواقبها الحليم
وهذه الفتنة الثائرة بهم زادت على فتنة أولاد المطهر بن شرف الدين؛ لأن تلك الفتنة لم يبلغ حروبها إلى هذا، إنما وقع منها حرب واحد بين لطف الله بن مطهر وعلي بن يحيى لا غير.

وفي نصف شهر جمادى الأولى وصل إسماعيل بن محمد الناصر ولد صاحب المنصورة إلى ضوران، أرسله صنوه عبد الله ومن معه من الحاضرين هناك[156/أ]. ولما وصل كتاب القاسم صاحب شهارة إلى حسين بن المتوكل والقضاة بصنعاء وأجابوا جميعاً أن طلب الاجتماع قد كان حاولنا فيه وأردناه فلم يحصل من صاحب المنصورة إليه التفات، وأعرض عنه وطلب غزو المشرق والتجهيز عليهم من غير نظر إلى اجتماع ولا استشارة في القصد لهم. فلما كان ذلك منه سكنوا، وقال بعضهم: القصد ليافع يحتاج إلى تروي أولاً ويجمع ما يحتاج إليه من الخزانة مع ضعف السنة وغلاء الأسعار، وليس في هذا عجلة، وكان المطلوب الآن غيره، وأما الآن فلم يبق للاجتماع فائدة بعد إجابة أكثر اليمن ليوسف.
وفي ثامن عشر شهر جمادى الأولى وصل الخبر من أصحاب يوسف المحاصرين على المنصورة أنهم لم يشعروا ثاني عشر يوم في شهر جمادى الأولى إلا بمغزى من صاحب المنصورة إلى محطة حسين بن المتوكل، فوقع الحرب بينهم، وكادوا يستولون على حسين بن علي، لولا غارة عبد الله بن يحيى بن محمد بن الحسن من محطته فوقع الحرب. قتل من أصحاب صاحب المنصورة جماعة نحو اثني عشر نفراً منهم: إسماعيل الذانبي، وكان قد خرج صاحب المنصورة عقبهم، فانكسروا إلى وجهه. وراح من أصحاب حسين بن علي جماعة نحو ذلك القدر. ثم لما دخل أصحاب صاحب المنصورة أغلقوا الباب وأمروا برمي المدافع وقد كان شحنوها بشيء من المسامير والسلاسل، فطفت عليهم المدفع ولم يصبهم ورموا بآخر فتكسر المدفع، ثم رجعوا إلى محلهم سالمين ولم يرح منهم إلا من راح حال الحرب، والله أعلم.
[156/ب] وطالت الفتنة هذه فيما بين المذكورين، فهذا إلى هذا التأريخ سلخ جمادى الأولى منها سنة كاملة، وجرى ذلك بينهم كما جرى مع ملوك الطوائف .
قال الصفدي في شرح اللامية عند أول بيت منها في قوله:
أصالة الرأي أغنتني عن الخطلِ

ما لفظه: لما استولى اسكندر على ملك فارس كتب إلى أرسطو يأخذ رأيه في ذلك، فكتب إليه الرأي أن توزع ممالكهم بينهم وكل من وليته ناحية سمه بالملك، وأفرده في ملك ناحية، وأعقد له التاج على رأسه وإن صغر ملكه، فإن المسمى بالملك لا يخضع لغيره ولا ينتسب أن يقع بينهم تغالب على الملك، فيعود حربهم لك حرباً بينهم، فإن دنوت منهم دانوا لك، وإن نأيت تعززوا بك، وفي ذلك شاغل لهم عنك وأمان لإحداثهم بعدك شيئاً. فلما بلغ الإسكندر ذلك علم أنه الصواب، وفرق القوم في الممالك، فسمَّوا مُلوك الطوائف، فيقال: إنهم لم يزالوا برأي أرسطو مختلفين أربعمائة سنة، ولم ينتظم لهم أمر، انتهى كلامه.
وجاء خبر آخر شهر جمادى الأولى أنه كان بعد الحرب الأول تعقب ذلك أرسل صاحب المنصورة عسكراً من المنصورة على سعيد قاضي، وهو في محل قريب من عبد الله بن يحيى، فاحتربوا هنالك، ثم انكسر أصحاب صاحب المنصورة إلى الدملوة ثم اصطلحوا ثلاثة أيام.
وطلع جماعة من الهنود الواصلين بالبز من المخا إلى صنعاء خشية منهم على ما معهم لما رأوا أعمال المخا بسبب زيد بن المتوكل مجعوثة .
[157/أ] وجاء خبر أن الزريقة من الحجرية والوا إلى صاحب المنصورة، ووعدوه بالقيام معه والإعانة بدفع المحطة التي عليه من ولده وغيره، فعند ذلك كتب حسين بن علي وعبد الله بن يحيى إلى يوسف بالإمداد بالعسكر، لئلا يحصل ما يحصل باجتماع القبائل. فكتب يوسف إلى صنوه حسين صاحب صنعاء ويحيى بن محمد، فأرسل حسين بجماعة عسكر نحو أربعمائة رئيسهم شيخهم الشيخ صلاح بن خليل الهمداني. وفي خلاله هرب من أصحاب حسين بن علي بن المتوكل النقيب البرطي الملقب الفرحة بجماعة من أصحابه إلى المنصورة، وصارت المنصورة يدخلها يومئذٍ من طريق القماطرة والزريقة ما يحتاج إليه مما يجلب، فاسترجع بسبب ذلك وركدت المراكزة حينئذٍ.

قيل: وسبب هرب النقيب الفرحة أنه كان أرسله إلى المنصورة على صفة أنه يستخرج له بعض شيء من المال، فسار إلى هنالك، ووصف لصاحب المنصورة أنه إذا بذل له من المال وصل مواجهاً أو انتقل من محطته وتنحى إلى الدمنة، فأعطاه ألف دينار من الذهب وألف حرف عددي من الفضة وخرج بها إلى حسين بن المتوكل، فرجع حسين عن ذلك القول وأراد أن يأخذها منه ولا يتم منه ما قال، فأبى النقيب، وقال: هذه أمانة لا يعذر فيها إلا بتمام قوله الأول، فانسل هارباً وأعادها جميعاً، فسمح صاحب المنصورة للنقيب بالعددي وقبض الذهب. ثم إن النقيب لازمه وما زال يخرج إلى الغزو إلى المحطة في الليل[157/ب].
ووصل الخبر بأنه خرج عسكر صاحب المنصورة إلى أطراف المحطة، فجرى حرب وقتل من قتل من الجانبين.
وحصل قران بين الزهرة وعطارد في برج الثور شوهد قرانهما وقت المغرب في المغرب عقب غروب الشمس.
وفي هذه الأيام وصل خبر أن الشريف أحمد بن غالب خرج من بيشة بأمر الشريف أحمد بن زيد إلى نواحي ذهبان وأطراف بلاد قَحْطَان ، رأس بلاد الحرامية.
وفي يوم الإثنين ثاني شهر جمادى الأخرى اتفق حرب عظيم يوم الإثنين على محطة حسين بن علي وعبد الله بن يحيى بن محمد بن حسن، وكل عاد إلى محله.
وفي هذه الأيام السيد حسين بن زيد بن علي بن جحاف الذي كان متولياً ببندر عدن من قبل صاحب المنصورة طلبه الناصر إلى المنصورة، فصادره بجميع ما معه، وخرج منها لا يملك مما جمعه شيئاً حتى مماليكه. وهو الذي اختار هذا، فإنه لما عزل من زبيد وبيت الفقيه أيام أحمد بن الحسن تاقت نفسه إلى الولاية، فقصد باب صاحب المنصورة، فولاه عدن، ثم خرج منه عطل. وولايات صاحب المنصورة ليس لها أمل لأنه سريع الانقلاب فيها، والمصادرة فيما جُمِع منها.

[158/أ] ثم خرج الناصر يوم ثاني إلى محطة ولده عبد الله وصنوه إسحاق، فوقع حرب أعظم من الأول واستمر ذلك اليوم الذي خرجوا فيه عليهم إلى الليل من ضحوة النهار إلى يوم ثاني، ثم عاد إلى المنصورة. وقد راح من الجانبين كثير ومصاويب وصل جماعات منهم إلى صنعاء وإلى البلاد العليا سايرين بلادهم وضايقوا المنصورة، ورموا بالبنادق إلى داخلها، فأصابوا جارية في حجرة الدار حاملة لشيء من الطعام، فسقطت في حجرة الدار ميتة، لا قوة إلا بالله.
وحصل في هذا الحرب الإعانة من أصحاب ابن مغلس من قبائل الحجرية، فكثروا قلهم فوقع ما وقع، وصار أصحاب يوسف يستمدون بالكتب بالغارة، وقد تعذرت؛ لأن ذلك الحادث زاد الناس عدم الرغبة إلى العزم وقل المدد، لضعف الدراهم وعدم الإنتفاع بها، ولأنه لم يكن مصدقاً مع يوسف غير صنوه حسين صاحب صنعاء، فأما غيره وإن قدو الوافي الظاهر فهم غير منجدين ولا واصلين ولا ناهضين، بل صاروا محافظين لبلادهم، ويقول لسان حالهم إنه إن حصل نصرة ليوسف فقد والوه، وإن حصل خلافه فهم لم يجر منهم محاربة لصاحب المنصورة.
وجاءت أخبار من الواصلين عقب الحربين المذكورين أنه غزا محمد بن أحمد بن الحسن الناصر إليهم، فاحتربوا.
وفي هذه الأيام بنصف شهر جمادى الأخرى ضعفت الضريبة مع حسين بن المتوكل وغيره، وتعذرت القروش والدراهم الأولة، وامتنع التجار عن تسليم القروش؛ لأجل قلتها معهم، ومن معه بقية منها يريد إذا حصل له عوض من الموسم الهندي، ولعدم المصلحة فيها وصغر بقشها[158/ب] وارتفاع الصرف فيها، بلغ القرش خمسة وثلاثين حرفاً وأكثر، فلم يبق معهم خراج فيها. فأمر حسين بن المتوكل البانيان على تسليم قروش، فامتنعوا، فأمر بجماعة منهم الحبوس والحصون، وقال: لا بد لهم من التسليم، فقالوا: لا خراج لهم، فلم يعذرهم، وغلقوا حوانيتهم، وهم الذين كانوا يبذلون الشفعاء في قبول القروش للضربة، ولكنهم لما عرفوا بضعفها بعد وصغرها امتنعوا.

وفي هذه الأيام ظهر خبر بأن السلطان محمد بن إبراهيم خان قُتِل في حرب النصارى من الفرنج ، فكان رزءاً عظيماً في الإسلام، رحمه الله وأنه انتصب بعده صنوه سليم بن إبراهيم بن أحمد خان . وأخبرني الشيخ إبراهيم المدني الذي خرج من حضرة أحمد بن زيد بكتب في الأيام الأولة في شهر القعدة الماضية وهو إلى الآن باقي باليمن، فقال: إن التقاويم في تلك الجهة من أهل الفلك أن السلطان محمد يموت في هذه السنة، وأنه يقوم بعده صنوه سليم، وسيفتح فتوحات كثيرة، والله أعلم بالغيب.
ورأيت في القصيدة التي ذكرها حسين بن سامي الهتاري المدني في كتابه الذي صنفه المسمى (النور الساطع بلوامع الجفر الجامع) في ذكر طريق معرفة الحرفي قوله:
وسابعة بالروم مع أرض طيبة .... حوادث أجناد بكل أذيةِ
وثامنة بالروم دامت مكائد .... لهم وبهند السند أيضاً وكوفة
وتاسعة التسعون حال مكيدة .... بمكة في الأشراف شراً بفتنةِ
وختم رأس القرن للسيل شدة .... وللحرب إيقاد وكل بمكةِ
والذي اتفق من الفتنة في اليمن بين الأشراف في سنة ثمان وتسعين وألف. وأما الروم فوقع فيه فتنة الفرنج، وانتصر عليهم السلطان.
وفي المنظومة المكية لابن بسطام قوله في سياق مكة المشرفة، بعد أن ذكر سعد بن زيد وما يقع معه فيها:
يردها من الغرب جيش العريم .... وزرق العيون وحمر الشعر
وهذا يكون إلى عام قاف .... ومن بعد قاف يكون الفخر
وفى بعد من زمرى بها .... يكون مليك بأقصى هجر
يبيد الأئمة وأوطانهم .... ويخرجهم من حصون شذر
وهذا قد تقدم في الثمانين، والألف خروج الباشا حسين إلى مكة وإخراج سعد وصنوه أحمد عنها كما سبق، إن كان هو المراد، ثم صفح عنهم[159/أ] السلطان وعفا عنهم. وأما بعد إلى رأس المائة المشار إليه بالقاف فما قد اتفق شيء منه، والله أعلم بذلك.

وفي يوم الخميس تاسع عشر شهر جمادى الأخرى اتفق مغزى من صاحب المنصورة على ولده عبد الله فاستولى عليه وأدخله المنصورة وحبسه فيها، وسبب ذلك أنهم تفرقوا بمحاطهم، كل منهم حط بجهة متباينة، فكان ينال منهم بالغزوات، ويوثب عليهم جوار المنصورة. وظهر الوباء في فصل الصيف، فمرض كثير ومات من مات من العساكر. وجاء التحقيق واستفاضت الأخبار بأن صاحب المنصورة الناصر لما ضاق به الحال لم يجد بداً من الاستنصار بقبائل الحجرية، وبذل المال لمشائخهم، فأرسل بعض النقباء معه إليهم، فأجابوه، وهذا الرجل يسمى رباح، فاستمالهم واجتمعوا له وجمعهم إلى قريب المنصورة من ناحية بين الجبال لا يشعر بهم أهل المحطة. وكتب إلى الناصر صاحب المنصورة بذلك، فخرج صاحب المنصورة منها لمفاتحة الحرب إلى محطة ولده عبد الله وصنوه إسحاق، فشرع الحرب، فانكسر لهم والذي معه القليل من عسكره، ثم تبعوهم إلى قريب المنصورة، فلما حصل ذلك وهم في آخر الحرب والرمي؛ إذ أقبلت عليهم القبائل من كل فج عميق وأحاطوا بهم من خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، وحالوا ما بينهم وبين محطتهم ووقع الحرب والضرب، فقتل كثير من أصحابهم، ولم يفلت منهم إلا من هرب أو واجه وأسروا ولده عبد الله وصنوه إسحاق وأسروا منهم وأقبلوا على محطتهم انتهبوها، فلما شعر بذلك أهل المحطة الأخرى وهم حسين بن علي بن المتوكل وعبدالله بن يحيى بن محمد بن الحسن لم يكن همهم إلا الارتحال، وحمل ما خف من الأثقال، حتى بلغوا إلى بلاد الأحمدي وجبل سامع على مسافة يوم، وأرادوا العزم إلى تعز[159/ب] فتدرك الأحمدي بأنهم يستقرون ولا عليهم بأس، فسكنوا ثم لم يشعروا إلا بإحاطة القبائل عليهم فحاربوهم هنالك. وعند ذلك واجه جميع اليمن الأسفل للناصر، ونوروا النيران حتى بلغت إلى سمارة، ولم يبق إلا المدن؛ لأجل الرتب فيها. فلما حدث هذا الحادث شلت قبائل اليمن الأعلى رؤوسها وهابوا الناصر، ونفدت الخزائن مع الدولة

اليوسفية . وظهرت فترتهم وقل ما بأيديهم من المال والرجال، فالملك لله تعالى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وجاء الخبر بوصول الجنود العثمانية إلى مكة وخروجهم عنها طريق اليمن في هذه الأيام بأول رجب، وأن أحمد بن غالب الشريف الأمير المكي قد بلغ إلى بلاد قحطان ووادي ذهبان رأس بلاد الحجاز. فمن الناس كثير قال: في ذلك فرج على المسلمين من هذه الفتنة التي طالت باليمن من غير مصلحة للمسلمين، ولأن الظاهر أنها لا تنقطع فيما بينهم؛ لأنهم قد اشتجروا على البلاد، وكل منهم يريد بلاد الآخر.
وجاء خبر آخر أن أهل الحجرية بعد تمام الواقع من الحرب والاستيلاء على المذكورين صالوا على المنصورة، فانتهبوها وحوزوا صاحبها.
وجاء خبر أن حسين بن علي وعبد الله بن يحيى واجهوا، وطلب لهم الأمان الشيخ الأحمدي ودخلوا إلى المنصورة. وكتب صاحب المنصورة إلى صاحب شهارة ووادعة القاسم وأحمد أبناء المؤيد بن القاسم -لأنهما على الولاء المتقدم لصاحب المنصورة، والخطبة- بالاخبار بالحادث والإستيلا على المذكورين. وأحمد بن المؤيد كتب إلى حسين بن محمد بن أحمد أبو طالب صاحب عمران بأنه يدخل في إجابة الناصر، وإلا فهو متقدم إليه، فبقي المذكور في حيرة من أجل ذلك بين إقدام وإحجام، وعند ذلك أمر يوسف جماعة من عسكر جبل ضوران وبلاد آنس بالغارة ورئيسهم العبد فرحان، فساروا إلى ذمار. وبلغهم أن قد دخل حسين بن علي بن المتوكل وعبد الله بن يحيى المنصورة تحت الأسر، فسكنوا بذمار، وقالو: إلى عند من نصل[160/أ] بعد ارتفاعهم والاستيلاء عليهم ومواجهة اليمن الأسفل؟ فاستقروا هنالك، وبقي يوسف في حيرة وسُقِطَ في يده، ولا سيما وصنوه زيد بالمخا قد واجه إلى صاحب المنصورة الناصر فتغلق اليمن الأسفل جميعه إلى سمارة.
وصاحب شهارة باقي على الأصل، فلم يبق إلا حوزته بلاد ضوران وصنعاء، ولعلهم يواجهوا، والله أعلم.

88 / 94
ع
En
A+
A-