وفي هذا الشهر ارتفع السعر بصنعاء بلغ القدح البر سبعة حروف، والذرة والشعير خمسة وذلك بأول فصل الخريف، ثم حصل المطر بأول الخريف في أكثر البلاد، لكنه انقطع المطر في وسط الخريف، فحصل النقص، والسعر ما نزل؛ لأنه كان ظهر من الدود الذي يسمى الجرمي، ومنهم من يسميه القاشر الدودة المصوفة، فأكل الذرات في أكثر بلاد اليمن، فنقصت خصوصاً الصفر منها. ثم لما ارتفع آخر الشهر رجع نقصها، واستمر هذا الغلا بالسعر في هذه المدة بصنعاء، وسائر البلاد أهون، ففي المغارب السعر على النصف من هنا، وكذلك باليمن الأسفل، وإنما الغلا بصنعاء لقل الواصل إليها مما كان يعتاد من اليمن الأسفل[107/أ] من الحبوب، لضعف اليمن الأسفل بالنظر إلى ما كان، ولاستغراق ما جلب هنا، ثم لمن هنالك من الدولة. وعلى الجملة إن الأسعار ما زالت مرتفعة من سنة ست وسبعين وألف إلى هذه المدة، حول إحدى وعشرين سنة، ما يعلم أن اتفق مثله.
وفي هذه الأيام بشهر شعبان وصل زيد بن المتوكل إلى صنعاء، فحبس خلق الله كثيراً من الناس ممن نقل إليه بحق أو باطل مما نهي عن التجسس له، وأمر النبي÷ بالستر عنه من غير مراعاة مناظره، فأملى حبس قصر صنعاء وغيره.
وفي هذا الشهر بلغ أنه حصل في بيت الشيخ ابن العفيف اليافعي صاعقة أخربت جانباً منه، وأشاع الناس بأن ابن العفيف من جملة من هلك منها، ولم يصح وإنما حصل ذلك.
وفي ثالث شهر رمضان آخر نهار السبت توفي علي بن المتوكل بداره بمحروس مدينة إب باليمن الأسفل، عقب نزوله من يريم بلا فصل، فإنه خرج من يريم يوم السبت سادس وعشرين شهر شعبان، وكان قد أحس بنواخز معه فلما وصل إلى إب دخل الحمام ثم بقي نحو يوم أو يومين وأتبعه الفصادة ، ثم تبعه الحِمَام ، وقبر بحوطة الكاظمي بإب، رحمه الله تعالى. وقال راوٍ آخر ممن يختص به أنه كان يعهده غم وهو بيريم، ثم يزول عنه ذلك، فلما كان يوم السبت عهده ذلك وقت الظهر في ثالث رمضان، فمات آخر ذلك النهار منه، فكان من يوم نزوله من يريم من السبت إلى السبت. وكان دخوله إلى إب في أبهة ملوكية مع خيل كثيرة نحو أربعمائة عنان، والنوبة تضرب والصناجق تخفق، فالقدرة لله العظيم. وكان الرجل فيه الكرم الذي تميز به عن إخوته، ولكن كان جار اليد على رعيته، ولم يترك شيئاً من مطالبه[107/ب] فإن صنوه المؤيد كان أمره بذلك، فاعتذر لشدة الحاجة للجند معه، فالله يغفر له فهو الغفور الرحيم بعباده من المسلمين. ومثله في جرة اليد صاحب المنصورة، لكن أهل الحجرية ليسوا كاليمن الأوسط، فإنهم يمنعون عن أنفسهم بعض المطالب، لا سيما جبل القماطرة . ولا يدخل العسكر بيوتهم أصلاً بل يجعلون له منزلاً منفرداً أو في المساجد، بخلاف اليمن الأوسط، ولا يسلمون إلا ما فرض عليهم، وما انطلبوا فيه من سبارهم.
وقد كان علي بن المتوكل بنى بفتح الضريبة في إب، واستأذن صنوه، وقال إنه صار يحتاج لمن عنده، وكان الصرف يومئذٍ قد نقص عما كان، بلغ القرش إلى سبعة أحرف بعد أن كان في عشرة حروف، ولو تمت الضريبة رجع الصرف على حالته الأولة وأكثر.
وفي هذه الأيام رجح لسيد يقال له السيد علي بن حسين الشامي وهو ساكن ببلاد خولان صنعاء الدعاء لقبائل خولان إلى نفسه، وقال لهم: إن أحوال المؤيد تغيرت، فلم يجبه أحد منهم، فسكن. وهذا من عجائب اليمن لا يزال دأبه هكذا فيهم، مع أن المذكور ليس له إلا الفرائض ومشاركة في الفقه، وفي مذهبه أن الإمامة تحتاج فيها إلى العلم الواسع .
[108/أ] ولما انقضى أمر وفاة علي بن المتوكل باليمن الأسفل كتب جماعات من الذين كانوا ملازمين معه من رؤسائهم إلى أخيه المؤيد بأن الولاية تكون لولده حسين بن علي بن المتوكل ، وأنه يكون بذلك حفظ الجند والاستمرار، فتغافل المؤيد عن الجواب، حتى ينظر في الصواب ولم يجزم بوضع الولاية، بل أبقاه على تلك الحالة. ووصل في خلاله شكاة من اليمن الأسفل يذكرون ما قد كان نالهم من تلك المطالب الكثيرة والمظالم الواسعة من الأيام السابقة. وكانوا قد شكوها إلى والده المتوكل، فلم يتقدر فيها ارتفاع، على ما هي من الاتساع، فأمر المؤيد برفعها وإزالتها، وأنه لا يريدها ولا يأمر بها. وأرسل الفقيه أحمد بن عبد الحق الحيمي لافتقاد تلك البلاد، ورفع حقائق المطالب الزائدة في تلك الآفاق، فدعا له أهل اليمن، وعادوا ونفوسهم طيبة. وحسين بن علي بقي في إب، وكان قد كتب إلى خاله محمد بن أحمد بن الحسن صاحب المنصورة في شأن تلك البلاد، فأجابه بكتاب أنه يصلح للبقاء على ما هو عليه، وكتب بكتاب إلى المؤيد بمثل ذلك، هذا والله أعلم.
وتوفي عقبه بلا فصل أحد أولاده المسمى محمد بن علي بن المتوكل بالروضة، بألم الحلق، وكان قد بلغ في السن نحو عشرين سنة.
وفي بكرة يوم الأربعاء عشرين من شهر شوال توفي الولد شرف الدين الحسن بن يحيى بن الحسين، ولد كاتب الأحرف بألم الحلق.
كان مرضه رحمه الله من آخر نهار الجمعة خامس عشر الشهر، ومات بصنعاء، فكان له موقع عظيم[108/ب] عند والده كاتب الأحرف للغفلة الطارئة التي حصلت في هذه المدة، ثم شيعناه رحمه الله من الدار التي لنا قريب الأبهر إلى بير العزب، غربي صنعاء، وقبرناه قريباً من بيتنا ومخرفنا -في مكان مناسب لمثله ويقرب من التذكر لنا والتأسي به وللدعاء- بأطيان بير طاهر التي لنا. وكان هذا المحل الذي قبر فيه رحمه الله كثيراً ما يتعود القعود فيه وحده، عند ساقية الماء الجاري من البير لسقي الضيعة التي معنا والأعناب فيها. وكان سنّه يومئذٍ في عشرين سنة ونصف، ومولده سنة خمس وسبعين وألف ، وكان لا يفارقنا رحمه الله في بقانا بصنعاء وفي الخريف في هذا المحل خارجها، إلا هذه السنة، فإنه اختار واسترجح عدم الخروج لنزهة الخريف معنا، وكنا نحب مطابقة غرضه ومسايرته، فسكن هنالك إلى آخر الخريف وكان موته رحمه الله. وكان فيه صفات ما رأيتها في أحد من أمثاله وأبناء جنسه رحمه الله من السكينة التي رزقها وكمال العقل والقناعة، بحيث لم يسألني في حاجة ولا مطلبة، وإنما كنت أعرض عليه ذلك عرضاً، فيأخذه مني. وكان لا يخطر بباله يسأل الدولة ولا القصد إلى أبوابهم ولا الاتصال بهم بالجملة الكافية، فما وصل إلى أحد منهم في جميع مدته ولا عرفهم ولا كاتبهم. وكان قد ولع بالصلاة[109/أ] بجامع صنعاء محبة منه للجماعة والتلاوة، فكان لا يتركها للمغرب والعشاء كل ليلة رحمه الله. وكان من جملة المثبطات له في السكون بصنعاء هذا العام وعدم الخروج لنزهة الخريف هو ذلك، وربما زوجته أحبت سكونه بصنعاء، فسكن معها. وكان رحمه الله يشتري من الكتب ويحب مطالعتها، خصوصاً ما فيه من القصص والأخبار والآداب، وكان قد قرأ على كاتب الأحرف في كافية ابن الحاجب شرفاً واحداً، وله الخط الحسن، واللفظ البليغ المحكم. وكان يظهر معه رحمه الله البركة فيما تحت يده، بحيث ذكرت له
مرة أني عجبت فيما رأيته معك من الفراش والكتب ونحو ذلك، وما يشتريه من الكسوة له وأهله، من أين هذا؟ فقال: الأمور متيسرة، فعلمت أن ذاك إنما هو بركة القناعة، فإنها رأس الغنى، فرحمه الله رحمة واسعة، وتلقاه بالروح والريحان، والرضى والغفران. ولقد كان رحمه الله في بعض السنين ونحن بالخريف يدخل في رمضان إلى جامع صنعاء من بير العزب للصلاة، ويبقى في الجامع إلى قريب الغروب يصلي فيه ويتلو القرآن هنالك ثم يخرج إلى عندنا هذا دأبه. ووصلت أبيات في تأريخه رحمه الله من سنبل بن سرور رعاه الله برعايته، وعانه وأحسن إليه في دنياه وآخرته، يقول فيها:
[109/ب]َجرى حكم المنيَّة في الزمَانِ .... بأن المرء مُخترم الأمَاني
الفارس الحسن بن يحيى .... يموت وما سوى الرحمن فاني
مضى لم يقض من دنياه سُؤْلاً .... ونادى يا خليلي وَدِّعَاني
وأنموَوَلَّى غيرُ ملتفت إليها .... سريعاً غير ثانٍ للعِنَانِ
فإما رُمْتَ تعرف أين وَلَّى .... فأرخه إلى ظل الجَنَانِ
سنة 1096 .
وقال السيد علي بن صلاح السراجي:
يا أيها المولى العماد ومن غدا .... بجميل أوصاف المكارم يحمدُ
وأجل من يغني الذرا بعلومه .... ويحل أمر المشكلات ويعقد
بك أسوة بمحمد ووصيه .... فالشكر أجمل والتصبر أحمد
ولأن مضى رزء حل قلوبنا .... لكن هو يا خير مولى يوجد
حسن العز ألماً أتى تأريخه .... حسن بعزٍ في الجنان مخلد
1096
وللقاضي زيد بن صالح العنسي قوله:
ما قضى حسن نجل الهدى وطراً .... عن الحياة وسبل الراشدين مضى
وحاز أجراً بحسن الصبر والده .... يحيى عماد الهدى والدين واتعضا
لأقره الله في عَدْن وأسكنه .... بالخلد كيما أتى التأريخ منه رضا
[110/أ] وللفقيه أحمد بن علي الشارح قوله:
وجزاه الإله جنان عدن .... في مقام نعيمه غير فان
وإذا رمت فيه تحقيق نظمي .... فاصغ سمعاً لما يقول لسان
ألفاً زد به وقل أرخوه .... حسن خالد بدار الجنان
1096هـ انتهت.
هذه الترثية للفقيه الأديب صلاح بن صالح الأحمر
ورأى له رحمه الله السيد الفاضل قاسم بن ناصر الغرباني رؤيا، هي من المبشرات، بأنه اتفق به وسلم عليه وسأله عن حاله فقال له في نعيم وأمان وخير جسيم، وأنه رآه على حاله التي يعرف، وأخبره ببعض صفات الجنة والحور العين، ثم أنه حان وقت الصلاة، فقام السيِّد وقال له: قم نصلى، فقال له الآخرة قد ارتفع فيها حكم الصلاة والتكليف، رحمه الله تعالى.
وفي هذه الأيام شهر القعدة الحرام جاء الخبر بأن صالح الرصاص واليافعي التقوا للحرب فيما بينهم، فراح منهم مقتلة، وكان القتل من يافع الكثير ومن أصحاب الرصاص اليسير. وأرسل اليافعي عند ذلك للرتبة الذين كانوا معه بجحاف وأخلاه عن ما كان رامه من الاعتساف، وكتب إلى المؤيد بأنه داخل بالفطرة نحو أربعة آلاف، وقال إنه لا يحصل منه تغيير على تلك الأطراف.
وفي شهر شوال هذا صالت قبائل دهمة من أطراف الجوف على بلدة معين، فانتهبوه، واستلبوا الحلي من حريمها، وأعانهم بعض أشراف الجوف، بل قيل أنه الذي استدعاهم إليها، فلا قوة إلا بالله.
وفي هذه المدة بعد حصول الغلا في الأسعار لقل الأمطار وضعف الثمار ومما حصل من أكل الجرمي من الدود للزرائع حصلت الركة في كثير من الناس، بحيث أنها غلقت بعض حوانيت مدينة صنعاء، وضعف فيها البيع والشراء، وترك جماعة المساني بشعوب لفترة العلف لقراشهم، وأكل الدودي لثمارهم، وصارت أصلاباً أموالها، وخلت بيوتها، وصلب بعض أعناب الجراف، ويبس [110/ب] الغيل فيه وعدم المساني، وغور الآبار، ونزول الماء فيها، وعدم الاستقرار فيها على ما كان أولاً. وكذلك صلبت بعض الآبار التي داخل صنعاء كسَمْرة والعَلَمي وغيرها وبعض المقاشيم ، وبطلوا المسنا فيها، ويبس غيل وادي بقلان ببني مطر، ويبست فيه الأبنان. وشعوب صلبت بعضها لعدم قدرتهم على علف قراشها، وأكل الدودي لزراعتهم فيها، وعلى الجملة إنه لا يعلم أن قد اتفق مثل ذلك، فالحكمة لله سبحانه.
وفي ثامن هذا الشهر جاء خبر من اللحية بأن الجلاَّب الذي لحسن بن المتوكل حيّرت بجدة عن رجوعها إلى اللحية، فتحير بسبب ذلك المسافرون في اللحية من التجار وبعض الحاج.
وفيه أرجعت قبائل قيفة والرياشية القباض الذين أرسلهم حسين بن حسن للزكاة من تلك البلاد، فوصل حسين بن حسن من ضوران وهو مستقر فيه هذا الأوان إلى حضرة ابن عمه المؤيد وهو بمعبر جهران، وقال يرسل بعسكر لهذا الشأن ولا يترك المشرق، فبقي المؤيد في الحيران، لما كثر الاختلاف عليه من الأقران. ووصلت رسالة من قاسم صاحب شهارة يذكر له أنه بلغه رفع المطالب من اليمن الأسفل بلاد حي صنوه علي بن المتوكل، وخصوصاً دراهم دكة تعز؛ لأنها قد بلغت هذا الزمان في الشهر ثلاثين ألفاً بعد أن كانت..... ، وأنه يحتاج إلى ذلك للعسكر وغيرهم. وقد مر عليه أبوه المتوكل فمن قبله، وكان يومئذٍ هذه المطالب باليمن الأسفل دون ما كان آخر مدة المتوكل، فلو أنه خفف من المطالب الزوائد، وإلا فإن الجور قد حصل عليهم، فالمؤيد مصيب في رفعها والعدل واجب[111/أ] فيها بلا شك، والله يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلى الَبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالعُدْوَانِ} .
والظلم ظلمات يوم القيامة، وعقباه الحسرة والندامة، فلا وجه لاعتراض صاحب شهارة ولا صاحب المنصورة، ويجب عليهم العدل في الرعية، والسيرة المرضية، واجتماعهم في الكلمة مع أن رفع المطالب الأخر في اليمن أقدم من دراهم دكة تعز؛ لأنها تخص أهلها، ودراهم دكة تعز تعم؛ لأنها للطالع والنازل من التجار من جبلها وسهلها، فرفع المطالب في اليمن على رعيته أقدم وأهم؛ لأنها كثرت عليهم، فإنها نحو عشرين مطلبة، فالمؤيد رجح رفع الزوائد في المطالب في بلاد دكة تعز من الشيخ راجح، وأبقى ما كان قبله.
وفي هذه الأيام أمر صاحب المنصورة أنه لا يخرج أحد من الباب إلا بتذكرة إلى البواب، فتضرر الناس بسبب ذلك. وسبب ذلك أن العسكر الذين يصلون إليه لا يستقرون، بل يستعدون ويخرجون، فعمت القضية فتضرر الناس بسبب ذلك. العسكر وغيرهم، وتقاللوا بحضرته؛ لأن ذلك جرى مجرى الحبس والترسيم عليهم، مع ركة أحوالهم، وغلاء الأسعار، ومشقة السبار، فإن الغلاء هذه الأيام قد طال، والأسعار باقية على الارتفاع. فإنه هذا الوقت كان وقت الصراب، ولم ينقص السعر، بل القدح الصنعاني بثمانية حروف والشعير بأربعة ونصف، والذرة بخمسة، وله في الارتفاع من شهر رجب، فظهر على كثيرٍ الركة. ورحل كثير من المشارق وبلاد صنعاء لطلب[111/ب] المعاش، وظهر على الدولة الضعف والركة والحاجة الماسة، خصوصاً أولاد أحمد بن الحسن، وباعوا في الأسواق أثاثهم، وكذلك من ينضاف إليهم ممن كان ملازماً لهم. ورخصت الأسعار في المغارب وبلاد خبان ويريم إلى ذمار؛ لأن الثمرة كانت فيها أحسن من غيرها، فبلغ القدح إلى حرفين وستين بقشة، وأما صنعاء فلم ينزل سعرها بل على حاله، وسببه ضعف مخاليفها، وصار يصل إليها الحب محمول، ويلحقه ملحوق الكرى من هذه البلاد مثل النصف، فلذلك كان في صنعاء على الارتفاع، القدح البر بسبعة حروف، والشعير بأربعة، والذرة كذلك.
وفي هذه الأيام بهذا الشهر ترجح للسيد محمد بن علي الغرباني الذي كان مدة المتوكل ببلاد برط يدعي الإمامة، كما سبق، وكان هذه المدة بصنعاء أن دخل بلاد يافع متنكراً في لباس أهل المشرق يسير معية مع بعض من سايره.، وكانت طريقه مشرق رداع، حتى دخل إلى تلك الجهة، يريد إذا وافقته يافع على إجابة دعوته ويحملهم على البغي على المسلمين مما يبوء بإثمه، فلا قوة إلا بالله. ولما وصل يافع صار يحسن لهم ما فعلوه مع الدولة.
وفي هذه المدة صالت قبائل دهمة على صوافي أحمد بن حسن التي حول بلاد معين من الجوف، فأرسل ولده محسن من الغراس أحمد بن شمسان بجماعة وقد كان وقع منهم ما وقع في أهل الجوف من الانتهاب، وقتلوا وكيف ولم يحترموا الأشراف.
[112/أ] وفي هذه المدة شهر جمادى الأولى سنة ست وتسعين وألف صالت الفرنج الملاعين على أطراف بلاد الجريد، وذلك بسبب أن وزير السلطان لما حصل منه التمثيل بالرسل الذين أرسلوهم إليه بأن قطع آنافهم وآذانهم ومشافرهم، وعلق الكتب في أعناقهم، وأرجعهم إليهم على تلك الكيفية، وهم أربعة أنفار منهم. فقاموا وقعدوا وكاتبوا جميع طوائف الفرنج النصارى والإنجريز، فاجتمع منهم طوائف لا يحصيهم إلا الله، وقاتلوا الوزير للسلطان محمد بن إبراهيم بن عثمان قدر خمسة عشر يوماً. واستشهد من المسلمين كثير، وقتلوا الوزير ، واستولوا عليهم الجميع، واستولوا على كثير من بلاد الجريد، ثم ارتحلوا إلى طرابلس الغرب من بلاد السلطان، فأخذوها، وكذلك إشبيلية من بلاد الغرب الجميع في جزيرة الأندلس، وفعلوا في الإسلام أفعالاً قبيحة من الأسر والنهب[112/ب] والتحريق. ولما بلغ السلطان هذا الخبر العظيم في الإسلام إلى اصطنبول خرج بنفسه، وأخرج لوكأً من الخزانة نيوى، وخرج يصيح الجهاد الجهاد في سبيل الله، وتوجه إلى تلك الجهات، وكتب بمثل ذلك الشريف سعد بن زيد إلى أخيه أحمد بن زيد، وقال: إنه توجه مع السلطان محمد بن إبراهيم بن أحمد خان للجهاد.
قال الراوي: وقد توجهوا إلى قصد بيت المقدس، وأنه لم يبق بينهم وبينه إلا نحو نصف شهر أو أقل، ولذلك خرج السلطان بنفسه، وكانت هذه الأخبار الرافع لها إلى اليمن وزير أحمد بن زيد عثمان بن علي بن حميدان وغيره من الواصلين من مكة وجدة.