وكان في عهد الإمام المؤيد يرافق الحجاج اليمنيين السيد محمد بن صلاح متولي جيزان وأبي عريش بمجوعة من العسكر حتى يصل بهم إلى منطقة (حلي) كي لا يتعرضوا للنهب والسلب، ثم يتركهم ويعود بعسكره ويواصل الحجاج مسيرهم إلى مكة بدون أمير ولا عسكر ولا (صره). على الرغم من أنه في فترة آل رسول كانت هناك بعثة حج يمنية. وكانت قد تصادمت في إحدى المناسبات مع المماليك، الذين ألقوا القبض على قائد آل رسول، الذي كان مع البعثة.
وبعد أن رأينا القوة والازدهار التي عاشتها الدولة القاسمية في عهد الإمام المتوكل، إلا أن هناك عدة أسئلة تطرح نفسها هنا، منها: هل استمرت الدولة بنفس القوة التي كانت عليها حتى توفي المتوكل؟ وإذا كان هناك ثمة تمردات أو محاولة خروج عن سلطة الدولة، فكيف كانت تتعامل مع مثل ذلك؟ وما هي الوسائل التي كانت تستخدمها الدولة لإخضاع هذه المناطق؟
إن الحقيقة التي لا يستطيع أي مؤرخ تجاهلها هي أن الإمام المتوكل لم يعتمد على أبناء إخوته في توسيع حدود الدولة فحسب، بل إنه قد اعتمد عليهم أيضاً في إدارة تلك المناطق.
وإذا ما تطرقنا إلى كيف تمكن الإمام من فرض هيبة الدولة ونشر الأمن والاستقرار، سنجده قد استخدم القوة لتطبيق ذلك، وبوسائل مختلفة منها على سبيل المثال ما ذكره لنا المؤرخ يحيى بن الحسين في سنة (1070ه‍/1660م). حيث ذكر بأن محمد بن الإمام المتوكل اتجه إلى بلاد الهيثمي ووصلها فجأة، أو على غفلة، فعاقبهم، وقتل عسكره حوالي ستة منهم، واضطر الهيثمي إلى الهرب إلى بلاد الفضلي. وكان سبب ذلك أن الشيخ المذكور "كان من جملة من قطع الطريق، وأفسد فيها بالتمحيق". وفي سنة (1081ه‍/1670م) استعاد محمد بن أحمد بن القاسم ما تم نهبه في طريق العمشية، واضطرت مشائخ برط إلى دفع تعويضات لما تم نهبه.

وكان الإمام في بعض الحالات يضطر إلى حبس بعض المشائخ، بسبب قطع الطريق، والتقطع للقوافل أثناء مرورها من بلادهم حرصاً منه على القضاء على أعمال النهب والتقطع في الطرقات، وفرض هيبة الدولة، خاصة في الفترة الأولى من حكمه، وحتى الثمانينات الهجرية.
وكان أحمد بن الحسن-وهو رجل المهمات الصعبة-يضطر أن يتجه بنفسه لتأديب هؤلاء المتقطعين، الذين كانوا يتعرضون للقوافل التجارية بالسلب والنهب.
أما من كانوا يمتنعون عن تسليم الواجبات فقد اهتمت الدولة بإنزال عقوبات صارمة بهم، حتى يكونوا عبرة لغيرهم، وكانت الدولة تستطيع في معظم الأحوال إلزام هؤلاء بدفع ما عليهم من واجبات بالقوة، فكانت ترسل إلى تلك المناطق من يقوم بتأديبها وإخضاعها. فنجد على سبيل المثال كانت بعض المناطق في عهد الإمام المؤيد تسلم الزكاة بالأمانة، من دون تحري من الدولة، وتُسلم إلى فقهاء من جهتهم، غير أن الإمام إسماعيل أصدر أوامره في بداية حكمه بأن تُسلم الزكاة إلى الولاة المعينين من الدولة، وإرسالها إليه مباشرة، وتكون كاملة. ومن هذه المناطق منطقة تسمى (ملاحاً) من أطراف بلاد خولان صنعاء، التي رفضت تنفيذ أوامر الإمام، فلم يتردد في استخدام القوة، حيث أرسل إليهم أحمد بن الحسن، الذي قام بهدم بعض منازلهم وقطع بعض أشجار أعنابهم. "فلما عرفوا صدق الطلب، والقهر بالأمر لهم والغلب أذعنوا بالطاعة، والتسليم إلى من رآه الإمام لتلك البضاعة". وبذلك أصبحت هذه المنطقة عبرة لغيرها من المناطق، خاصة المناطق الأخرى من خولان، التي ما أن سمعت بما قامت به الدولة في منطقة (ملاحا) حتى انخرط عند ذلك سائر بلاد خولان. كذلك بلاد الحيمة التي أعانت الإمام القاسم والإمام المؤيد في حروبهم مع العثمانين وكانت تشكل نسبة كبيرة من الجيش القاسمي، فكافأهم الإمام المؤيد. ولم يرسل من قبل الدولة من يطوف أشجار البُن ويقدر ما عليها من ثمرة ليُقدر على ضوئها الزكاة، بل كانوا يدفعون

الزكاة بالأمانة، وليس عليهم ضرائب تجبى من أسواقهم، واعتادوا على ذلك، غير أن الإمام المتوكل بعد أن أصبحت اليمن جميعها تحت سيطرته، وتوسعت حدود دولته، رأى في سنة (1077ه‍/ 1666م) أنه لا بد للحيمة أن تسلم ما عليها من الزكاة مثل سائر مناطق اليمن، وأمر بالطيافة والخرص مثل غيرهم. وعلى الرغم من أنهم اتجهوا إلى الإمام المتوكل يخبروه بما تعتاد بلادهم، والأمر معهم من الإمام المؤيد واضح، فلم يجبهم الإمام إلى ما طلبوا، وأصر على أن يسلموا ما عليهم من واجبات مثل غيرهم من المناطق.
ولما رفض أهالي نجران تسليم ما عليهم من واجبات للدولة، اتجه إليها على بن أحمد بن القاسم سنة (1086ه‍/1675م)-وهو والي صعدة حينذاك. وكانت نجران تابعة لولايته-وأجبرهم على تسليم ما عليهم من حقوق للدولة، فسلموها بالقوة.
كما عملت الدولة جاهدة على منع غزو القبائل لبعضها البعض ونهبها، أو قيام نزاع أو خلاف بين قبيلتين، فكانت ترسل ما عُرف (بالأدب) على تلك القبائل. وكان الأدب عبارة عن عسكر يُرسلون إلى هذه القبيلة أو تلك، ويفرض عليهم ما عرف (بالسَبَار) وهو أن تتكفل القبيلة بأكل العسكر وشربهم وسكنهم، قلّوا أم كثروا، حتى تعلن تلك القبائل خضوعها للدولة. فمما لا شك فيه أن توجه جيش الدولة إلى منطقة ما كان يكلف أهالي تلك المنطقة تكاليف باهظة، ويشكل عبأً كبيراً، لتحملهم كل ما يحتاجه هذا الجيش. وقد تكون هذه النفقات أضعاف الواجبات المفروض تسليمها للدولة، لذلك نجد أنه عندما أراد أحمد بن الحسن دخول برط لتأديبهم بسبب رفضهم تسليم الزكاة، يكثر أهالي برط المكاتبة للإمام وإلى محمد بن الحسن يترجونهم بعدم دخول أحمد بن الحسن بلادهم؛ "لأنها لا تحتمل، وهم مطيعون، مسلمون الواجبات إلى قضاتهم، فأمر الإمام أحمد بن الحسن بالعودة، فعاد الغراس".

ولم يقتصر الأمر على إرسال جيش الدولة لمنطقة ما للإنفاق عليه فحسب، بل حرص الإمام على القضاء على الحروب والعصبية بين القبائل مستخدماً القوة في بعض الأحيان، فنجده في عام (1059ه‍/1649م) يجهز ابن أخيه الحسين بن الإمام المؤيد إلى قبة خيار (من بني صريم في حاشد) ويأمره بخراب بيوتها، وإزالة ما فيها، "لأجل ما وقع بينهم من الحرب والفتنة والعصبية القَبْيَلة، فأخرب منها بيوتاً وعروشاً، وتركها خاوية".
ولم يكن الإمام يتهاون إزاء أي امتناع عن دفع الواجبات المقررة للدولة من زكاة وضرائب وغيرها، فكان يأمر بإنزال عقوبات صارمة، ليكونوا عبرة لغيرهم، فنجد مثلاً الشيخ صالح بن مطهر بن وازع-ولعله من مشائخ الجوف-عندما رفض تسليم ما عليه من واجبات للدولة أرسل له الإمام جنوداً، فأضطر إلى الهرب. فأمر الجنود أن يأخذوا ما في معاقله من الحبوب، وكانت كثيرة، ثم أمر بهدم تلك المعاقل، فكانت عبرة لغيره، حيث وصل إليه الأمراء من أهل الجوف بالزكاة والنذور والهدايا. واضطر بعد ذلك الشيخ صالح بن مطهر إلى الوصول للإمام معلناً توبته.
كما حرص الإمام المتوكل على فرض هيبة الدولة على المناطق التي أُدخلت مؤخراً تحت سلطة الدولة، فنجده بين الحين والآخر يوجه إبنه أو أبناء إخوته للإطلاع على الأوضاع فيها، والعمل على استتباب الأمن، وضمان ولائها للدولة، فهو مثلاً في سنة (1070ه‍/1660م) يجهز ابنه محمد وابن أخيه محمد بن أحمد بمجموعة من العسكر إلى البيضاء، "لأجل إصلاح الطرق وتسكين القبائل عن المحق فيها، والخلل لا يحصل بجهتها، فنزلوها واستقروا بها".

ولم يكن الإمام المتوكل يكتفي بمعاقبة الخارجين عن سلطة الدولة أو الرافضين دفع ما عليهم من واجبات مرة واحدة، بل كان يستمر في فرض العقوبات أكثر من مرة، حتى تعلن تلك القبيلة وشيخها الخضوع التام لسلطة الدولة. أما إذا عادت إلى شيء من ذلك، فكان الإمام يكرر إرسال الجنود لفرض العقوبات المختلفة عليها.
ولعلَّ الشيخ يحيى بن روكان، أحد مشائخ خولان الشام أبرز مثال على ذلك. فقد كان أول تمرد له سنة (1058ه‍/1648م)، حيث طرد عُمَّال الإمام، فأرسل الإمام إليه مجموعة من العسكر، فأصلحوا ذلك الخلل. غير أنه بعد ثلاث سنوات وبالتحديد في سنة (1061ه‍/1651م) عاد إلى التمرد والخروج على الدولة، متفقاً هذه المرة مع محمد بن إبراهيم المؤيدي، الذي عارض الإمام المتوكل كما سبق معنا. "فلما بلغ الإمام ذلك الأمر من الرجلين، بعد أخذ المواثيق، وتأكيد التبعات عليهما المرة بعد المرة، والكرة بعد الكرة"، أرسل إليهما مجموعة من العسكر. فلما وصلا إلى الإمام أظهرا الندم، وأنهما لن يعودا إلى مثل ذلك. إلاّ أنه بعد حوالي عامين في سنة (1063ه‍/1653م)، عاد ابن روكان إلى التمرد، ورفض تسليم الواجبات للدولة، فأرسل الإمام إليه محمد بن الحسين بن القاسم بمن معه من العسكر، فقبض عليه وأرسله إلى الإمام. ولما وصل إلى الإمام "عزله عن المشيخة، وأمر أن تهدم بيوته، ثم أذن له بالعودة إلى جهته بعد أيام وطلب من الإمام معونة في عمارة بيوته، فأعانه الإمام بعض شيء وسار". ورغم كل ذلك يواصل ابن روكان إصراره على التمرد والخروج على الدولة. وكان آخر تمرد منه عام (1065ه‍/ 1655م)، فأرسل إليه الإمام بحوالي ستمائة من العسكر، غير أنه هرب متجهاً إلى الحسين بن المؤيد في شهارة يستجير به، فلما أعرض عنه اتجه إلى الإمام بضوران معتقداً أنه سيسامحه كما حدث في المرات السابقة، إلاّ أنه أمر بسجنه. وفي العام التالي سنة (1066ه‍/1656م) توفي في سجنه في ضوران.

وعلى حد تعبير الأستاذ الدكتور حسين العمري بأنه من الغريب حقاً أن يكرر هذا الشيخ ما سبق مجرباً قوة المتوكل، الذي مضى له في الحكم عشر سنوات، وتمكن من إخضاع ابن العفيف والناخبي في يافع، والرصاص في رداع والبيضاء، وغيرهم في مناطق أخرى، وأنه لا توجد أسباب أو دوافع حقيقية لكل ذلك غير عناد ابن روكان وحمقه في مقارعة السلطة. ويؤيد هذا الرأي ما ذكره يحيى بن الحسين، حيث يقول: "وهذا الشيخ كثير العناد، يحب المقاتلة والفساد".

ثالثاً: الصعوبات التي واجهها الإمام في نهاية حكمه
من المعروف أن أي عصر لا يخلو من السلبيات، حتى وإن كان في أوج قوته ومجده. فمن الملاحظ أن عصر الإمام المتوكل رغم أنه كان يعتبر أزهى عصور الإمامة القاسمية في اليمن، وأكثر استقراراً سواء من الناحية السياسية أم الاقتصادية، وكذلك الازدهار الثقافي والفكري. غير أنه صاحب ذلك العصر سلبيات ربما كانت سبباً في ازدياد تمرد بعض المناطق على الدولة المركزية، وكذلك محاولة بعض مناطق الأطراف الخروج عن سلطتها.
ويتضح من خلال ما أورده المؤرخ يحيى بن الحسين في مخطوطته (بهجة الزمن) بأن أهم أسباب التمرد أو محاولة الخروج عن سلطة الدولة كانت السياسة المالية التي اتبعها الولاة في كثير من مناطق اليمن، وبعلم الإمام المتوكل، الذي كان يحرص على أن يرفد هؤلاء الولاة خزينة الدولة بما عليهم من مقررات مالية، بغض النظر عن كيفية جمع تلك المقررات، ومقدرة الأهالي على دفعها أم لا‍‍! خاصة في مناطق اليمن الأسفل، التي كانت أكثر خصوبة، لذلك زاد الولاة من فرض الضرائب في هذه المناطق، وبمسميات مختلفة، حتى تضرر أهالي هذه المناطق، وكانوا يأتون إلى الإمام المتوكل، ويشكون من تصرفات ولاتهم، غير أنه لم ينصفهم.

ولعلَّ أبرز مثال على زيادة الضرائب وبمسميات مختلفة ما ذكره يحيى بن الحسين في أحداث سنة (1085ه‍/1674م) بأن الضرائب المفروضة على اليمن الأسفل من غير الزكاة، وزكاة الفطر قد تضاعفت منها: "مطلبة الصلاة لمن صلى أو لم يصل، ومنها مطلبة الرياح، ومنها مطلبة البارود والرصاص، ومنها مطلبة سفرة الوالي، ومنها مطلبة دار الضرب، ومنها ضيفة العيدين والمعونة ... ولم يكن في اليمن الأعلى من هذه المطالب، إلاَّ مطلبة ضيفة العيدين والمعونة". ويرى يحيى بن الحسين بأنه حتى وإن كان اليمن الأسفل كثير الخيرات والمحصولات بالنظر إلى اليمن الأعلى، فإن الواجب الرفق والعدل. ولا نزيد على الطين بله. فكان على سبيل المثال علي بن الإمام المتوكل قد أرخى العنان لأصحابه، "يفعل كل منهم ما أراد في جهاته، ويحبسون من شاؤوا، ويعملون ما أرادوا".
وكان هذا التصرف من الولاة والتجاهل من الإمام من أهم أسباب التمرد والعصيان ضد الدولة، فقد وصل إلى الإمام في سنة (1083ه‍/1672م) بعض مشائخ جبل صبر يشكون من واليهم راجح الآنسي يطلبون من الإمام عزله وتولية غيره، فرفض طلبهم، عند ذلك امتنع أهل جبل صبر والحجرية عن تسليم ما عليهم من المقررات، وقتلوا ثلاثة من العسكر، وحذف المؤذن في مدينة تعز (حي على خير العمل) من الأذان. فأرسل إليهم المتوكل السيد صالح عقبات بمجموعة من العسكر، وأخضعهم بالقوة. كما استقر محمد بن أحمد بن الحسن في المنصورة، واتخذها مقراً له، وأقام بها التعزيزات العسكرية لردع هذه القبائل.

وقد تكرر وصول مشائخ القبائل إلى الإمام المتوكل يشكون إليه سوء تصرف الولاة في جمع الضرائب وأن الإجحاف في جمع الواجبات سبباً في إرهاقهم، وبالتالي عصيانهم وتمردهم، غير أن المتوكل في معظم الحالات كان يتجاهلها؛ لأنه ربما كان يرى أنه لا بد أن يصل إلى خزينة الدولة مقررات مالية تستطيع هذه الدولة من خلالها أولا:-كما سبق-التوسع في المناطق الخارجة عن سيطرتها، وثانياً: فرض هيبتها على مناطق اليمن المختلفة، لذلك يرى يحيى بن الحسين بأن الإمام المتوكل هو السبب في زيادة المقررات، وفرضها على الأهالي، فيقول: "ولما عرف الولاة رضاه وراحته بالتوفير للدفعات جاروا على الرعايا في المطالبات، وفرضوا الزيادات، ولفقوا فيها التلفيقات، وساعدهم فيما يذكرونه من الزيادات، فحصل بسببه الجور".
وفي سنة (1074ه‍/1664م)، فرض الإمام المتوكل المزيد من الضرائب على الأسواق المختلفة منها: ضرائب على البائع والمشتري، والمتقبل (هو المتعهد بتوزيع المنتجات المختلفة التي يتقبلها من المنتج) والجزارين، وعلى الباعة الذين يعرضون بضاعتهم على الأرض، وغيرهم. غير أنه اضطر إلى إلغائها لما رأى من كثرة الاعتراض والتذمر من ذلك. وفي سنة (1085ه‍/1673م) أعاد تلك الضريبة، فارتفعت الأسعار نتيجة لذلك. ليس ذلك فحسب، بل نجده في سنة (1084ه‍/1673) يحد من صرفه لأصحاب المقررات المعتادة من الفقهاء وبعض السادة، وغيرهم من الفقراء، ومن يعتاد العطاء.
ولا نستطيع إزاء كل ما سبق إلا أن نتساءل: هل هذا التصرف من تدبير الأمور؟ أم حاجة الإمام المتوكل للأموال؟ أم أن الأوضاع الاقتصادية ساءت مقارنة بالعهد الأول لهذا الإمام؟

من المرجح أن المتوكل كان يرى أن قوة الدولة يترتب على ما تملكه في خزينتها لمواجهة أي تمرد أو خروج من جانب، والإنفاق على ما يجب الإنفاق عليه من جانب آخر. لذلك عند وفاته كان لديه من الخزائن التي لا تحصر بعدد، ولا يوقف فيها على حد من الذهب والأموال. فعجب يحيى جباري قاضي الإمام من ذلك، وقال: ما كنت أظن أن في خزائن الإمام هذه الممالك، فما الوجه للمطالب والجور في اليمن الأسفل. ولا يُفهم من ذلك بأن تلك الخزائن هي من أملاك الإمام المتوكل الخاصة، بل أنها ملك للدولة، يؤيد ذلك ما جاء في وصية الإمام بأن جميع ما في مخازن بيت المال لبيت المال من النقود والسلاح والخيل والعبيد، إلاَّ ما هو يختص به لنفسه. وقد بينه.
وكانت أهم الموارد المالية التي تصل إلى خزينة الدولة هي عائدات الموانئ، والتي كان أهمها في تلك الفترة ميناء المخا، وما كان يفرض فيه من جمارك تؤخذ على السفن التجارية والتجارة في الميناء.
وكان نصف عائدات المخا لمحمد بن الحسن، ونصفه للإمام المتوكل، وعند وفاة الأول أصبحت جميع عائداته للإمام.
وكانت اليمن تتعرض لفترات جفاف تؤثر على عائدات الدولة، وكانت أحياناً تقل مواردها من الموانئ بسبب ركود النشاط التجاري فيها. وكان زيادة التمردات، ومحاولة الخروج عن سلطة الدولة له تأثير سلبي على واردات الدولة، وبالتالي يزيد من نفقاتها لإخماد مثل تلك التمردات.
وقد كان لكل ذلك تأثير على الأوضاع الاقتصادية في البلاد، حيث ازدادت سوءاً، خاصة فترات الجفاف التي عمت اليمن منذ سنة (1079ه‍/1668م) حتى وفاته، إذ إنه نتيجة لعدم سقوط الأمطار زاد الجفاف والقحط، وارتفعت الأسعار. "وكثر الموت من الجوع والمرض، فراح عالم لا يحصيهم إلاّ الله تعالى. وبلغ القدح إلى قرشين".

8 / 94
ع
En
A+
A-