وأما التخلف في القواعد والمواضيع فهو لا شك لا يصلح لأهل الدين، بل ولا لأهل الأمر في اعتبار سياسة الملك والمسلمين؛ لأن كثرة التخلفات وقطع العوائد والمألوفات والموضوعات تنفر الخواطر، وتكسر نفوس أهل المناصب والعساكر، فما الملك إلا بالكرم والجود، وتمام العطاء والنقود.
وفي شهر صفر نزل علي بن المتوكل من إب وجبلة إلى مدينة تعز، باليمن الأسفل.
وكتب المؤيد إلى مشائخ بلاد آنس أنهم لا يسلمون شيئاً من زكاة البن إلى صنوه حسين بن المتوكل، وإنها تكون إليه، فنزل حسين بن المتوكل من ذمار إلى وادي النائجة حتى بلغ إلى مدينة العبيد، وأرسل عليهم عساكره وقبضها منهم على التمام والكمال. ولم يعرج على أمر صنوه لهم ولا له، وتغلب على بلاده، وقال: هي بلاده من والده، وليست من صنوه. ومحمد هذا المؤيد حاله عجيب[101/ب] في تسلطه على التنقيص، وعدم الوفا وعدم الجري على قواعد من مضى كائناً من كان من الناس، مع الإمكان لا يرده إلا من خاف جانبه ومنع على ما تحت يده، مع أنه لم يفده القبض؛ لأنه صار ما عنده يذهب بعضه مع المتصرفين، ويلعب به أهل المخازين، أولاً ما كان جمعه والده المتوكل بضوران وصنعاء وشهارة والسودة، فإنه تصرف في بعضه، وراح بعضه بالسرقات وغيرها في أيدي المتصرفين، وما زال ذلك كذلك، فلا قوة إلا بالله، وفي الحديث كما في الصحيحين عنه÷ أنه قال: ((لا توكي فيوكى عليك)).
ولم يكن فيه من المحاسن إلا خصلة واحدة وهي التخفيف عن بعض الرعايا في المطالب، والعدل فيهم في المأخوذ، فإنه قد حط عن من أمكن الحط عنه ما حط، والله يصلح الإسلام والمسلمين.

وفي هذه الأيام أحدث أهل الأهجر سوقاً لهم في بلادهم بسبب ما جرى مع بعض قبائلهم في شبام من بعض أصحاب عبد القادر بن الناصر بن عبد الرب من المضاربة والتعدي وبعض الجناية. ولم ينصف السيد عبد القادر فيما جرى، وقام مع أصحابه بعد مطالبتهم للشريعة أو المناظرة، والسيد المذكور قد عرف حاله في الأوامر والنواهي، فإنه يقوم مع أصحابه، ولا ينصف في الغالب من ليس إلى جنابه، ويختلف في خطوطه ومواضيعه وأوامره في الحال مثل ذلك الشأن، ولكن هو دأب هذا الزمان، فإن أكثر الولاة فيه على هذا المنوال.
وفي شهر ربيع الأول استأصل صاحب المنصورة ابن شعفل وكسره إلى جبل حرير[102/أ] وقتل من أصحابه كثير، وانتهب عليهم سلاحهم، وانحاز إلى جبل يافع، فتغير المؤيد من هذا الفعل، وقال: هو ابن شعفل في صلحه الذي عقده له، وأن هذا كله مخالف لأمره. وحسين بن حسن زاد أرسل له المؤيد السيد يحيى العباسي مرة أخرى، بعد أن كان أرسل له أولاً، وقال: مراده منه المفاوضة، فوصل إليه آخر شهر ربيع الأول، فكان عند وصول المذكور التشديد على المؤيد، والعتاب الطويل العريض في البَرْدَة والتأخير عن التحرك للمشرق، وأن السكوت عن ذلك فيه خلل علىالدين، والمؤيد عند ذلك كتب إلى الرؤساء من أقاربه للمفاوضة، وأنهم يصلون بمن حضر عندهم في هذه الساعة.
وفي هذه المدة جهز صاحب المنصورة أولاده إلى بلاد ابن شعفل.
ووصل هذه المدة جاسوس رومي من حضرة باشا مصر إلى اليمن، ودخل صنعاء، وكان يصلي في جامعها النوافل، ولم يلبث أن عاد بلاده أخبر بذلك درويش وصل إلى صنعاء بعد عزمه.

وفي هذه الأيام وصل كتاب من أحمد بن زيد إلى صاحب اللحية حسن بن المتوكل على جهة الاعتراض عليه في سيرته، وأنه زاد على التجار زيادات ما كان لينبغي لمثله. ومن جملة ذلك ما صار يأخذه على موقع الملح من الدراهم وهو مباح، ولا ينبغي الأخذ عليه، ومن هذا وما شاكله. نعم لما كان آخر شهر ربيع الأول ترجح لمحمد بن أحمد بن الحسن [أن] أرسل ولده الحسن وعبد الله إلى بلاد ابن شعفل، وقصده إلى معاقله واعتل عليه بما صار يحصل في الطريق التي في بلاده وكثرة التعويق، وما جرى منه من انتهاب سوق بقار والقتل في سوقه[102/ب] وعدم كمال سلوك طريقه. وهو اعتل بقطع جامكيته المعتادة من عدن، فالتقاهم بالمنابذة والحرب، فوقع الحرب، ثم انهزم إلى نواحي جبل يافع، وانتهبت العسكر ما ظفروا به من المواشي والسلاح. فلما وصل يافع وطلب من يافع الغارات والإمداد،فأجابته يافع بالغوائر وأرسلوا ابن هرهرة في أصحابه والشيخ الجلاد من جانبه، وبادوا أولاد محمد بالحرب، والرمي بالبنادق والطعن والضرب. فقتل من أصحاب حسن ومن يافع، وأحاطوا به من كل جانب في محل يقال له:(محرقة الراحة)، وعبد الله أحاطوا به في جبل حرير طرف بلاد ابن شعفل ومعقله، فأما عبد الله هذا الذي في جبل حرير فإنه متحصن، كان القتل بالبنادق منهم. وأما حسن ففي محل غير منيع، فحال أن وصلت والدهم الأجناد جهز إليهم الغارات، وكذلك أغار عبد الله بن يحيى بن محمد بن الحسن من العدين، وكذلك علي بن المتوكل والمؤيد أرسل غارة من عنده غرة ربيع الثاني حال وصول الخبر بجماعة من رتبة الجبل وغيرهم من العسكر مع صنوه حسين والأمير فرحان. وحسين بن حسن كان حال هذا الواقع في معبر قد وصل في الخوض في أعمال المشرق، وكان المؤيد قد أرسل له من قبل لما كثر عليه الكتب ليفاوضه، وكان يود الترك إن أمكن مع التردد في أمرهم ومع النظر في تلاؤم الجمع للكلام في شأنهم بينه وبين صاحب المنصورة، وأنه لا يكون عمل الحركة

إلا بعد اجتماع الرأي والكلمة. فهم في ذلك إذ جاءه خبر هذا الحادث والغوائر من يافع ومحاربتهم[103/أ] لأصحاب محمد بن أحمد، والتضييق عليهم وتواطؤ الكلام من غير عزيمة على توجه الحركة إلى المشرق، فحسين بن حسن ذكر أن طريقه تكون الزهراء، وهو منه عين الخطأ.
وفي هذه الأيام بخامس عشر شهر ربيع الثاني كان تحويل سنة العالم بدخول الشمس أول درجة الحمل، ولم يكن فيه شيء من القرانات بل كانت الكواكب متفرقة في البروج، فزحل في برج السنبلة، والمشتري في الميزان، والمريخ في العقرب، والطالع الدلو.
ولما اضطر صاحب المنصورة إلى المعونة على قتال اليافعي لما حاصر ولده عبد الله في جبل حرير بعد أن كان أولاً لا يوده، ولذلك لم يعين في الجاري بيافع من الحادث الأول. والمؤيد لما وقع هذا الواقع وكثرت كتب صاحب المنصورة باستمداد الغارات، فأمر من وصل عنده إلىمعبر النفوذ إلى ذمار حتى ينظر فيما يصلح. ووصلت الأخبار بأنه لما كثر أهل يافع على جبل حرير، ووقع ما وقع من القتل من الجانبين، وكان القتل في يافع أكثر لأجل البنادق من الجبل والبيوت، وكان القتل فيهم مثل القتل الذي وقع منهم في الحرب السابق جاءت رمية من غير رام، وإلا فإن صاحب المنصورة غير قاصدٍ بذلك الانتقام بالثأر، ثم قل عليهم الماء وتضرروا، فصالح عبد الله ومن معه بالخروج من الجبل، واختلفت الأخبار في جملة القتلى من يافع، فقيل: ثلاثمائة، وقيل أكثر، وقيل: أقل، وقيل: سبعمائة؛ لأنهم كانوا يحملون مع كثرتهم، فتدفع الرصاص فيهم، فقد تأخذ الرصاصة الواحد والإثنين، ومن أصحاب عبد الله الفقيه حسن بن عامر الهبل بمن معه نحو ستين نفراً.

ولما بلغ ابن شعفل التحرك إلى بلاده كاتب إلى علي بن المتوكل: إنَّا في عهدكم وصلحكم، وهذا الحادث الذي جرى نقض للعهد لا يجوز لكم، وكذلك كتب اليافعي بمثل ذلك وكان قد هرب إلى قعطبة وتركوها، فأقره حسين من قصد القبائل لنهبها، ثم إنه كان أرسل إليها القبائل تلك جماعة من أصحابهم، فقصدهم عبد الله بن محمد بن أحمد بن الحسن بعد خروجه من جبل حرير، وقتل منهم جماعة وهرب الباقون عنها[103/ب]. ثم إن علي بن المتوكل طلع من اليمن الأسفل إلى عند صنوه المؤيد ليحقق له عمل المشرق، وأنهم في صلحه وعهده، وطلع صحبته الشيخ المفلحي من مشائخ بلاد المشرق، وصحبتهم بعض شيء من الدراهم من واجبات بلادهم، وأولاد صاحب المنصورة تميلوا إلى نواحي بلاد الدمنة، ثم قرت الأمور وسكنت. وجاءت كتب يافع أنهم على ما قد بينهم وبين علي بن المتوكل، وإنما وقع منهم ما وقع لأجل الدفع عن............ ، وصار باطن المؤيد ترك ذلك من أصله مع قل الخزائن معه بسبب تفرق أكثر البلاد ونهضة المشرق.
وحصل بنقيل عجيب مطر عجيب، نزل من البرد كل بردة مثل بيضة النعام، فالقدرة لله تعالى، في مطر الظافر الآخر، أول فصل الصيف.
ووصل كتاب من أحمد بن زيد إلى صاحب اللحية يذكر فيه أنكم لا تأخذوا العشر على التجار الذين يصلون من عندنا؛ لأن العشر صرنا نقبضه بجدة منهم، وأما تجاركم فخذوه ولا نأخذه نحن في بندر جدة؛ لأن العشر الواحد كافي مع قرب المسافة، كما روي. فلما وقع من العزل للشريف طالب صاحب صبيا من قبل حسن بن المتوكل سار إلى أحمد بن زيد وأخذ ولاية منه؛ لأن صبيا قاعدة ولايتها من قديم الزمان وأشرافها في كل دولة، مع أنها الحد فيما بين بلاد صاحب مكة والسلطان ابن عثمان وبين ولاية صاحب اليمن، فقررها المؤيد بعد أن كتب إليه الشريف طالب بذلك، فقال: لا بأس به.

ولما سأل كاتب الأحرف بعض من له بعض علقة بالمؤيد عن بذل نصيحة بما توجه من أجل عمل المشرق كتبت بما حاصله: أن الأولى ترك يافع والإعراض عنه، لأن أعماله تحتاج إلى مصابرة، وخزائن قارونية وعساكر خاقانية ، ثم لو فرض القصد لهم ودخوله، فلا مصلحة فيه تعود نفعها عليكم ولا على المسلمين، ولا تقوم بجوامك من يسكنه من العسكر محافظاً؛ لأنه يحتاج إلى قوة[104/أ] عسكر، وإلا خالفوا عليهم وأهلكوهم أو أخرجوهم بأمانهم، كما فعلوه مع السيد شرف الدين ابن مطهر، مع أنه لا يكاد يتم دخوله لو فرض حصوله إلا من الطرق الغربية مثل طريق جحاف وجبن وقعطبة ولحج وأبين؛ لأجل قرب المواد من اليمن ومقابلة قبيلة واحدة من قبل وجوههم. وأما الطريق الشرقية التي جاؤوها من أول وهي طريق الزهراء فإنها بعيدة، وبين قبائل مخالفة، فمن الغرب يافع، والقبلة قيفة، ومن العدن الهيثمي، ومن الشرق الرصاص، فأدنى كسيرة من يافع وحازوهم من قدامهم وخلفهم وأيمانهم وشمائلهم، وقد صاروا هذا الزمان أهل بنادق كثيرة وهم معروفون بعدم الرغبة إلى الانقياد للدولة كائنة من كانت، ولذلك حاربوا طاهرهم عامر بن عبد الوهاب وعمه الملك المجاهد قبله، وما دخله إلا بعد حروب شديدة طر[يق] جحاف. وقد استعد لحربهم قدر عشرين ألفاً، وبقي عليهم بجحاف مدة يحاربهم، وكان قد خربوا عليه قصره بجبن وانتهبوه. وكذلك سنان باشا لما قصد إلى يافع وحط عليه قدر ثلاث سنين ونصف، وخرج عليهم بثلاثة مدافع وحط عليهم بمكان يقال له الظهيرة. وكان ذلك الوقت ما قد ملكوا البنادق وإنما حروبهم بالعيدان، وما استفتحه سنان إلا على مشقة وبذل أموال عدة. وكان قد عمر قلعة يَرَاخ وجعل فيها[104/ب] رتبة لأجل الطريق بالمواد والقوافل إلى المحطة، ثم كان منهم بعد ذلك الخلاف المشهور، وقتلوا الأمير أحمد متوليهم في الحلقة، وحفظوا بلادهم، وبعد ذلك تركهم سنان ومن بعده من الباشات بالمرة، حتى أن سنان باشا

أمر بخراب ما عمره بقلعة يَرَاخ للرتبة. وقال: لا يبقى بيننا وبين يافع اتصال البتة، لعدم المصلحة من بلادهم ولا عائدة، واستمر ذلك الترك لهم إلى مدة الحسن والحسين والمؤيد بالله، تركوها كما تركها السلطنة. وقد خالفوا على المتوكل مرتين، وحصل فيها من الفتن وإنفاق الأموال ما لا يخفى، وكان المتوكل خزائنه متوفرة، وأولاد إخوته كانوا على قلب واحد ورأي متحد، فكيف يتفق دخولها هذه المدة إلا بقوة عظيمة وخزائن وجنود واسعة، وهذا شيء بعيد مع العلم بعدم المصلحة.
وفي هذه الأيام توفي مسمار الذي كان والياً مع حسين بن حسن لبلاد يافع تلك الأيام.
وفي هذه الأيام خرج من البز نحو ثلاثين مركباً أو فوق، ومن جملتها مراكب السلطان صاحب الهند، فتهون البز عما كان، وكان العام الأول مرتفع. وخرجت هدية للمؤيد من الهند ومن جملتها فيل. وكان قبل خروج هذه المراكب الهندية خرج من عمان براش يتسرقون كما هو عادتهم من قديم الزمان، فلم يظفروا بشيء، حتى جاء وقد تغير الريح عليهم في البحر الشرقي فانصرفوا صرفهم الله، وخرجت مراكب الهند في أمان الله للابتغاء من فضل الله.
وفي نصف شهر جمادى الأخرى وصل كتب من الشريف أحمد بن زيد صاحب مكة إلى المؤيد بن المتوكل يذكر فيها كما روي من أجل توليته للشريف طالب لمدينة صبيا وما إليها، وأنه لما وجه لعزله عنها فقرره المؤيد على ما قال.
وفي هذه الأيام اشتد الغلاء ببلاد الحجرية، بلغ القدح إلى سبعة حروف، وكذلك في بلاد يافع والرصاص وقيفة. وكتب المؤيد إلى ابن عفيف بأنه يصل إلى حضرته، وزلج صنوه علي وقرر رأيه في تسكين المشرق، فأجاب ابن عفيف بأن الوصول يشق به ويتعذر عليه لكثرة من يتبعه من أصحابه، وأن الطريق يصلح شأنها، وابن شعفل قد دخل في تقريرها وتأمينها، ولا يحصل فيها تعدٍ من قبلهم فيها .

[105/أ] وفي نصف شهر جمادى الأخرى وصل من الشريف أحمد بن زيد صاحب مكة كتب إلى المؤيد قيل أن مضمونها أن بيت الشرف بيننا وبينكم واحد، وأن السلطان وجد علينا أنا نذكركم في الخطبة وأمر أن تكون له وانا كنا نرى لكم ذلك،وقد سبق كتاب إلى صنوكم الحسن صاحب اللحية،فلم يظهر بمسرته، وأنه بلغنا أن التجهيز إلى دياركم،فاشتغل بذلك المؤيد وتغير منه.
وولد مولود في بلاد الرحبة عجيب الخلقة لبقرة نصفه الأعلى صورة آدمي ورأسه وصدره ونصفه الأسفل صورة البقر، فالقدرة لله تعالى، ولم يلبث أن مات، وقيل إنه نطق جواباً على المرأة التي رأته لما قالت أعوذ بالله من الشيطان، فقال مجيباً عليها: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وفي هذه الأيام خرجت المراكب الهندية[105/ب] بالبضاعة من البز ونحوه قدر خمسة عشر مركباً من جملتها المركب الكبير الذي لسلطان الهند، وهو لم يخرج العام الماضي .
وفي هذا الشهر خرج من الهند شريف له معرفة بعلوم العربية، وكان قد سكن بمكة في المدة الأولى، وإنما أرسله سعيد بن بركات بهدية إلى سلطان الهند، فبلغ إلى سرات، وجاءت الأخبار بعزل الشريف سعيد وتولية أحمد بن زيد، فعاد من سرات.

قال الراوي: وكان المذكور له ترجيحات خرج بها عن أصل مذهب الحنفية، منها الجمع بين الصلاتين، وصنف في ذلك كتاباً وذكر ما جاء من الأحاديث في جواز الجمع للصلاة من غير عذر. وهو كما قال، فإن الأدلة قاضية بالجواز، وقد رجحه كثير من الشافعية وغيرهم، كما حققه السيوطي في الديباج شرح صحيح مسلم . ولكنه روى عن هذا الشريف المذكور مسألة ضعيفة، وهو أنه يعتقد أن لا كفر يوجد في الأمم، وهذا خطأ عظيم ورد للكتب المنزلة على جميع الأنبياء. فقلت للراوي هذا: وما شبهته في هذه المقالة الشنيعة؟ فقال: لعله يتابع ابن عربي ، فقلت له: حاشا ابن عربي عن هذه المقالة؛ لأنه وإن قال بوحدة الوجود، وأنه لا معبود إلا الله تعالى، وأن عبادة الكافر للصنم منصرفة إلى الله تعالى، فمراده أنه لا واحد موجود في الحقيقة إلا الله تعالى، فالعبادة التي وجهها الكافر إلى الصنم منصرفة في الحقيقة إلى الله تعالى؛ لأنه لا موجود حقيقة إلا الله تعالى وكل ما سواه فاني، والرسوم ممحوة من باب محو الرسوم والفناء، فالكافر كافر[106/أ] بعبادته للصنم وإشراكه واعتقاده أن شيئاً غير الله يعبد، فهو ضال في الشريعة والحقيقة، أما الشريعة فظاهر، وأما الحقيقة فلكونه اعتقد أن شيئاً سوى الله تعالى يعبد، ولا معبود إلا الله تعالى وما أظن هذا يصح عن الشريف أصلاً، فلعله إنما يقول بمقالة ابن عربي فقط، وإنما حصل التركيب من الرواة لعدم معرفة الحقيقة ما هي عند الصوفية، فتوهم من قوله بمحو الرسوم ووحدة الوجود والفناء، وأنه لا موجود ولا معبود إلا الله، وأن العبادة وإن توجهت إلى الصنم للكافر فليست في الحقيقة إليه مع كفر الكافر باعتقاده بعبادة الصنم، فظن الذي لم يعرف قواعدهم أنه يصوب عبادة الأصنام، كما توهم كثير في ابن عربي بمثل ذلك، والله أعلم.

وفي ليلة ثالث شهر رجب الفرد من هذه السنة اتفق حريق سمسرة بصنعاء في طرف سوق الإسكافيين لرجل يقال له الخولاني، كان من أصحاب أحمد بن الحسن، بسبب بارود وضعه فيها يهود من المتسببين الذين يصلون به. فاتصل بالبارود منهم نار أول الليل، فاحتمل الربع العدني من السمسرة، وسقط الجانب العدني من السمسرة على الحوانيت التي من خارج، هلك في الحوانيت جماعة كانوا في السمسرة، وكذلك اليهود أهل البارود أجمع وهم ستة، فجملة الذي هلك أحد عشر نفراً. وهرب الباقون من الجانب القبلي الذي سلم عن الخراب، والبارود ما ينبغي وضعه في أسفال البيوت وفي السماسر، وإنما يوضع في الأماكن[106/ب] المنفصلة البعيدة عن الساكن.
وفي ليلة خامس عشر من شهر رجب قيل وقع خسوف القمر في برج القوس، وقد كان حكم المنجمون بذلك قبل حصوله، وأنها تطلع خاسفة ولم ير الخسوف لاتفاق سحاب متراكمة كان ذلك الوقت، إلا أنه أخبر برؤيته من جهات أخر.
وفي شهر شعبان مات القاضي علي بن عبد الهادي الحسوسة الثلائي في بلده بثلاء، وكان قد انتصب حاكماً بعد موت صنوه. وتبعه موت القاضي محمد النهمي بصنعاء كان قد نصبه المتوكل قاضياً في البيضاء من بلاد الرصاص، فلما مات المتوكل خرج عن البيضاء مسارعاً، قال: لأن قبائل الرصاص لا ينخرطون إلا بدولة قاهرة، فلما مات المتوكل مع ما كان يكابد المشاق معهم خرج عنها إلى محل سكونه بصنعاء.

79 / 94
ع
En
A+
A-