وفي شهر شعبان كان وصل السيد صلاح بن إبراهيم المؤيدي، من السادة آل المؤيد الذي ببلاد صعدة[81/ب] إلى حضرة حسن بن المتوكل صاحب اللحية هو وجماعة معه من طريق حيدان للطلب من الدولة، فلما قضى غرضه حسن بن المتوكل وأعطاه ما سمح به من عطاه عزم من عنده قاصداً للمرور على دولة اليمن الأسفل، ثم يطلع إلى حضرة المؤيد من تلك الجهة، فلما بلغ إلى أسفل العدين صالت عليه القبائل من المعادية، فاستأصلوهم ونهبوهم وقتلوهم عن آخرهم وحزوا بعض رؤوسهم، وأظهروا الخلاف على الدولة، والامتناع من التسليم للمطالب لما قد نالهم من الجور في المدة الماضية من دولة المتوكل وما بعدها، وعدم إنصافهم في شكواهم على المتوكل من أجلها، فصبروا ذلك الزمان لغلبة الدولة واجتماع الكلمة. فلما كان هذا الوقت ورأوا الدولة تفرقت آراؤها واختلفت أنظارها خالفوا، واتفق ذلك حال إرادتهم للخلاف وحصل خلاف العدين هذه المدة، فقيل: إنهم ظنوهم من أصحاب الدولة، فحصل ما حصل فيهم. فلما وصل الخبر إلى عبد الله بن يحيى الأحول جهز عليهم الفقيه علي العلفي وجماعة عسكر من أصحابه، فقابلوهم بالقتال، فقتلوا الفقيه علي العلفي وجماعة معه من أصحابه نحو عشرة وهرب الباقون، وعبد الله بن يحيى هاب جنابهم، فتركهم ولم يطالبهم، وتغلبوا على بلادهم وهو في رأس العدين يترقب.
وفي النصف[82/أ] الآخر من شهر شعبان بعد وصول التجار إلى تعز تحيروا فيه وبلغهم ما في الطريق بوادي الغيل ببلاد القَمَاعِرة من الحجرية من الأمور الذي يتعذر معها المرور. وكان قد استقر أحمد بن المؤيد وحسين بن المهدي بالزيلعي، فخرجت رسلهم إليهم، فأمروا معهم جماعة من العسكر الذين معهم، وأنهم يصحبوهم إلى المخا، فساروا معهم إلى بلاد شرعب، ولعل وصولهم يصادف حركة الهند بالعود بلادهم؛ لأن الوقت قد تضيق عليهم.
وفي هذه السنة شهر جمادى الأولى خرج من مكة رجل يقول إنه السيد محمد من ذرية السيد عبد القادر الجيلاني ، وله في العلم معرفة، قال: إنه أخذ على محمد بن سليمان بمكة، ومذهبه مالكي كمذهب شيخه محمد بن سليمان، وقال: أن أصل بلده من حماة بالشام، وقيل: وهو يريد الخروج إلى الهند، وقيل: بل إلى اليمن. ورجع بلاده ومعه تأريخ في مجلد تتمة لتاريخ ابن خلكان على ما ذكر مصنفه حيث قال في ترجمة كتابه هذا: ولما وقفت على كتاب وفيات الأعيان لقاضي القضاة ابن خلكان وجدته من أحسنها وضعاً، لما اشتمل عليه من الفوائد الغزيرة والمحاسن الكبيرة، غير أنه لم يذكر أحداً من الخلفاء، ورأيته قد أخل بتراجم بعض فضلاء زمانه، وجماعة ممن تقدم على أوانه، فأحببت أن [82/ب]أجمع كتاباً يتضمن ذكر من لم يذكره من الأئمة الخلفاء، والسادة الفضلاء، وأذيل من وفاته إلى الآن، وسميته بوفاة الوفيات ، ورتبه على الحروف كأصله، غير أنه لم يذكر ضبط الأسماء، كما هو شأن ابن خلكان. وقاعدة الذيل أن يقْفوا طريق الأصل، مع أن ابن خلكان إنما ذكر الأعيان، فلم يترك من أغفله إلا عن قصد منه وعيان، مع أن هذا الكتاب قد يذكر فيه من قد ذكره ابن خلكان مثل إبراهيم بن إسحاق الحربي فإنه مذكور في تأريخ ابن خلكان، ثم الخلفاء والسلاطين لم يغفلهم ابن خلكان كلهم بل ذكر بعضهم دون بعض؛ لأجل شرطه الذي ذكره أنه يذكر الأعيان والملوك الكبار دون غيرهم على أن الخلفاء لهم تواريخ مفردة، لا حاجة إلى ذكرهم، ولذلك لم يذكر ابن خلكان أحداً من الصحابة والتابعين لظهور أحوالهم وتواريخهم. وصاحب هذا التأريخ صلاح الدين محمد بن شاكر بن أحمد الشافعي رحمه الله، وذكر فيه ترجمة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وسائر تراجمه في تواريخ الذهبي والطبقات موجودة معروفة، وكذا في طبقات الحفاظ، مع أن المذكور متعصب في تركه لكثير من الأعيان
أيضاً ممن تأخر عن ابن خلكان لم يذكروا،[83/أ] وليس أوفى من تواريخ الذهبي وتواريخ المذيلين عليه كابن حجر العسقلاني في كتابه (الدر الكامنة في المائة الثامنة) في مجلدين، وكتاب (الضوء اللامع في القرن التاسع) للسخاوي في أربعة مجلدة، وكتابه الآخر (الوجيز) في مجلد، فإنهم الذين استوفوا من بعد التواريخ السابقة من علماء وملوك وخلفاء ما لم يستوف غيرهم. وأما تواريخ السيوطي في الخلفاء فهو مجحف في الاختصار، وإن كان قد استوفى الخلفاء، وكذلك كتابه (حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة) كتاب صغير مجحف اختصره من كتاب ابن أبي حجلة المسمى سكردان في أخبار مصر وملوكه من بني قلاوون الأتراك، الذين قبل الشراكسة وبعد بني أيوب، وتعرض لأطراف أُخر من عجائب مصر فهو يغني عن كتاب السيوطي؛ لأنهما في حجم واحد يأتي كل منهما في ثمان كراريس.
وفي هذه المدة بنصف شعبان وصل جماعة من مشائخ يافع إلى قعطبة حضرة علي بن المتوكل حسبما راسلهم وواجهوه بعد تقرير الشروط التي شرطوها أن لا أحد يدخل بلادهم على ما كان شرطوه أولاً، فتم ذلك بينهم. وعند ذلك سار علي بن المتوكل إلى إب وتخلص عن قعطبة بذلك. وأما ابن العفيف بنفسه فما وصل[83/ب]، وكان تقرير الصلح بعناية علي بن المتوكل لما طال عليه البقاء في قعطبة، فبذل بعض شيء من المال لذلك. ووصل من عند ابن العفيف الشيخ عبد الغفور بن شيبان لتمام الشروط من المؤيد، فوصل إلى ضوران وتمت الشروط بأن البلاد لابن العفيف وهو يسلم من الواجبات ما أمكن فتم ذلك، وعلي بن المتوكل عند ذلك نزل إلى بلاده إب وجبلة بعد أن مَلَّ من البقاء في قعطبة، فلما نزل إلى إب وجبلة وتم صلح بلاد يافع سكنت بلاد الحجرية عن إثارة الفتنة، ووصل من مشائخهم من وصل إلى حضرة أحمد بن المؤيد، وسكنت الأمور.
[84/أ] ولما اتفق محمد بن أحمد بن الحسن بصنوه حسين في الزيلعي تقسموا البلاد، فجعلوا لإسحاق بن أحمد بن الحسن مدينة زبيد وبلادها، وجعلوا لمحمد صاحب المنصورة الدمنة مع بلاده الأولة، وجعلوا لإبراهيم بن أحمد بن الحسن بلاد أبين وما إليه، وسائر بلاد والدهم لحسين بن أحمد بن الحسن، وتقسموها بينهم هكذا، وكل رضي بما معه.
قال الراوي: والبلاد في حكم المخالفة إنما سكنوا هذه المدة لما بلغهم الصلح بين علي بن المتوكل والمشرق، ورجوعه إلى إب وجبلة. وأحمد بن المؤيد لقد أصلح الحجرية ونَفَّس على محمد بن أحمد بن الحسن، وقبض مشائخ جبل حبشي من قبض، ومن سائر الحجرية فرقهم، فبعضهم أرسل به إلى ضوران وبعضهم إلى المنصورة.
قال الراوي: وما صلح المشرق إلا ببذل من علي بن المتوكل ووسائط في الصلح وتقرير القول وضمانات عليهم في صلاح الطرق وسكون ثائرة الفتنة. وشرطت يافع أنه لا يدخل بلادهم أحد، بل يسلمون من الواجبات، ويرسلون بذلك من غير ولاة عليهم ولا واسطة.
قال الراوي: ثم رجع أحمد بن المؤيد إلى تعز وفي نيته الرجوع والطلوع، وكذلك حسين بن أحمد بن الحسن رجع إلى تعز، ومحمد رجع المنصورة هذا تحقيق خبرهم.
[84/ب] وفي هذا التأريخ خرج من رداع حسين بن محمد أبو طالب إلى ذمار، وكذلك صاحب كوكبان بعد تمام الصلح للمشرق.
فانظر أيها الحليم كيف دولة اليمن ما قدروا يحفظوا ويصلحوا ويملكوا ما هو تحت أيديهم من اليمن، وكيف قاموا عليهم وأرادوا التغلب وقد فعلوا، فإن يافع تغلبوا على بلادهم وحاربوا وقاتلوا وهزموا، فكيف يقدر أن يملك صاحب اليمن غيره من الجهات النائية كما كان نوى ذلك المتوكل والمهدي، هذا من المحال على كل حال.
وفي عاشر شهر رمضان وصل الخبر أن إبراهيم بن أحمد بن الحسن طلع بعد الاجتماع في الزيلعي إلى يريم، ومعه جماعة عسكر قدر أربعمائة نفر، وسكن فيه مريداً الاستقرار فيه. وكان قد وضع له المؤيد لما سكنه وأراد التغلب عليه الثلث، ولعله مع استقراره فيه تبسَّط على جميعه. وبلغ الخبر أن اجتماعهم في الزيلعي انطوى مع تقاسمهم البلاد على تحالف بينهم أنهم يد واحدة على من خالفهم، وظهر أنه إن أمكنهم التغلب على اليمن كانوا يداً واحدة وجعلوا رئيسهم صاحب المنصورة. وحسين بن أحمد بن الحسن استقر في تعز وقبض مفاتيح المخازين من ابن راجح ، وتصرف في الطعامات وغيرها. والمؤيد عند ذلك عجب من هذا الأمر منهم، وبقي حائراً من عملهم، وكيف تعقب الإحسان؟ منه بالمعاونة بفكه من الحصار إرادة الخلاف والإستقلال؟
واتفق في هذه الأيام بأول رمضان أنه كان وصل من وصاب شكاة يطلبون التخفيف عليهم من المطالب الجائرة، وأنه ما جرى منهم ما جرى من المنع للوالي من التسليم إلا ذلك، فأجاب حسين بن أحمد بن الحسن أنه لا يرفع شيئاً في بلاد أحمد بن الحسن، فلما وصلوا بلادهم امتنعوا من التسليم إلى العامل عندهم، وأهل العدين طردوا المُثَمرِّين وانتهبوهم.
[85/أ] وفي نصف رمضان لما وصل أحمد بن المؤيد إليه استقر فيه باقي رمضان، وسار من أصحابه أكثرهم ممن بقي بعد، وإلا فكان طلع كثير منهم قبل طلوعه، وفيهم أمراض كثير، ومات من مات بالدمنة، لأنها بلاد وبيئة.
قيل: وربما دفن فيها القبائل السمن بين التراب، وهو يحصل منه ما يحصل وكان صاحب المنصورة قد فرق آداب على بلاد الحجرية، فلما علموا بأن أحمد بن المؤيد قد طلع وعاد وخرج من تعز امتنعوا من تسليم الآداب وأرجعوا الرسل الذين من بلادهم، وقالوا: لا نسلم إلى صاحب المنصورة، وإنما نسلم الواجب إلى من نظره المؤيد، وقالوا قد بعض المشائخ من بعض بلاد الحجرية طلعوا صحبة أحمد بن المؤيد فالجواب معهم. وامتنعت الحجرية أجمع عن الدفع إلى صاحب المنصورة، مع أن أحمد بن المؤيد إنما استطرق بعض تلك البلاد المخالفة، فأما جبالها العالية مثل جبل الزعازيز وغيره فلم يتمكن من دخوله، لعسرة طريقه، وغيره من سائر القلاع التي في جبل حبشي منعوا أنفسهم بها وحاربوا فيها. وابن المؤيد لما طال عليه الأمر واستشق البلاد وعرف أحوال صاحب المنصورة وعدم انقياده واختلاف أنظاره لم يسعه إلا العود، فإنه كان صحبته من المؤيد محمد بن المتوكل كتاباً إلى صاحب المنصورة مضمونه[85/ب] أنه لا يقدم إلى شيء من الآداب لأهل الحجرية، بل يتوقف حتى يستكشف عملهم، فلم يسعد إلى ذلك وجرى بينه وبين أحمد بن المؤيد كلام في ذلك كان من جملة الموجبات لعوده وتركه، مع أنه ما نَفَّس عليه من الحصار إلا هو. وكان أيضاً اجتماعه في الزيلعي وإخوته بغير حضوره.
وفي خلال ذلك عقب طلوع أحمد بن المؤيد إلى اليمن الأعلى من سمارة غزا أهل العدين وما يتصل به من القبائل إلى وصاب سوق الجَبْجَب في بلاد حبيش وكذلك ظلمة التي غربي إب فوق العدين مما يلي الشمال، وخالفت وصاب لاتصال هذه البلاد به كبني مهدي وغيره.
وحصل أيضاً في هذا التأريخ بنصف رمضان خلاف شرعب وأخرجوا جميع من عندهم من العسكر، وتحالفوا على أنهم لا يسلمون شيئاً، وإن كان كل يمر من أصحاب الدولة في جهتهم فهو هدر. وخرج السيد صلاح الديلمي بجماعة عسكر من قبل حسين بن أحمد بن الحسن إلى بلاد شرعب، فمنعوه عن دخول بلادهم، ثم وقع بينه وبينهم حرب فقتل من الجانبين وأخرجوه من بلادهم مكسوراً، وقتل من أعيان أصحابه من أشراف الجوف.
والتجار الذين نزلوا المخا قالوا كل من كان تاجراً ولم يكن من أصحاب الدولة فلا يعترض، ومن كان من أصحاب الدولة انتهب.
وفي شهر رمضان حصلت زلزلة في بلاد كحلان وما يتصل به، فالقدرة لله تعالى.
[86/أ] قال الراوي: وهما زلزلتان أحدهما يوم الأحد ضحوة النهار، والأخرى يوم الثلاثاء نصف رمضان وقت العصر، فتسلخ بعض الجبال في بلاد كحلان وعفار، وخربت بيوت في بلاد قراضة، فالقدرة لله على ما يشاء، وكان حدها إلى بلاد ثلاء، ولم يقع شيء منها في بلاد صنعاء ولا غيرها من سائر اليمن.
وفي هذه الأيام انتهب سوق الضامر من مساقط بلاد حراز أطراف الحقار، غزوه جماعة من المعازبة ، وحسن بن المتوكل دخل زبيد لتسكين ثائرة الخلاف.
وفي هذه الأيام جاء خبر أن عبيدة بنواحي بلاد شام صعدة تحاربوا هم وقبائل بلاد الدرب ، ما بين الحرجة وبني ذهبان شهران، فهزمت عبيدة أهل الدرب وخربوا الدرب. وهذه القبائل بين الدولتين دولة صاحب اليمن وصاحب مكة، والسلطان ابن عثمان لا دولة عليهم على مرور الزمان.
وفي شهر شوال وصل الخبر بموت الملك عبد العزيز سلطان سمرقند وبخارى ببندر المخا، وهو الذي حج العام الماضي إلى بيت الله الحرام، كما سبق ذكره، وخرج راجعاً بلاده من طريق البحر، فلما وصل قريب المخا دخله واستقر فيه حتى سبر البحر الشرقي للمراكب، فسبق أجله فيه، وقد كان كبير السن له مدة في السلطنة لبلاد سمرقند وبخارى[86/ب]، حنفياً له سيرة مليحة في المسلمين، رحمه الله تعالى.
وفي هذه الأيام ما زال المؤيد يسعى في رفع المجاب من الطرق والأسواق، فرفع الأكثر منها، ورفع كثيراً من المطالب الزائدة فما قصر، ودعت له الرعية خصوصاً في بلاده ومن أطاعه من غيرها، وأما صاحب المنصورة فما عذر أهل بلاده.
وفي هذه الأيام ذكر لي الشيخ حسن بن أحمد المصري لما وصل من مكة المشرفة إلى اليمن، فقال المذكور: إنه كان في العام الماضي بمكة فأشار جماعة إلى شريف بأنه المهدي المنتظر قال: فأنكر ذلك الشريف قولهم.
قال الشيخ هذا: فقلت لهم المشهور أن المهدي إنما يكون سنه في أربعين سنة وهذا الذي أشرتم إليه في الستين السنة، قال فانصرفوا وتركوه، ولا شك أن المهدي متأخر زمانه عن هذا الوقت بكثير كما قضت به الملاحم المنسوبة إلى علي كالقطعانية وغيرها. وسألته عن الشريف سعد بن زيد المكي وكيف ترك عقوبته السلطان محمد؟ فقال: السلطان محمد له محبة لأهل البيت كائناً من كان، فإذا صدرت من أحد هفوة صفح عنها بجهده وعفا، وكان السلطان ولاه أطراف البدو بالشام ثم عزله وطلبه، وهو الآن عنده.
وفي غرة شوال غزا معوضة بن محمد[87/أ] بن معوضة اليافعي البيضاء من بلاد الرصاص، فحاصرهم فيها واحتازوا في البيوت، ثم اصطلحوا.
قال الراوي: وسببه على طلب مجبا على بعض أهل بلاده في سوق البيضاء.
ووصل في نصف شوال جماعة من مشائخ بلاد يافع يذكرون أنهم مُسَلِّمون ما عليهم من الواجبات بغير واسطة ابن العفيف، فأجابهم المؤيد إلى ذلك وكساهم، وكانت طريقهم بلاد يريم، ولم يصلوا إلى حسين بن حسن.
وفي نصف شهر القعدة خرج السيد صالح بن عبد الله حيدرة الغرباني من وصاب، أخرجه أهل البلاد وقالوا ما يسلموا إلا الواجبات حسبما وضع لهم المؤيد، بعد أن حسبت المطالب في وصاب سبعين مطلبة، وإبراهيم بن المهدي وصل إلى ضوران بطلاب وصل له من يريم.
وفي هذا الشهر لما تفاقم على صاحب المنصورة الأمر، وعرف ما جرى معه من خلاف الحجرية، وأنه لا ينفعه إلا تأليف الشيخ ابن مغلس صهره ليكون يداً له وعوناً على سائر قبائل الحجرية وغيرها، فطلبه وأحسن إليه بالمال، وأمر بعمارة بيته الذي كان خربه أحمد بن المؤيد، واستجاش به على جبل حبشي فأجاشه فاستفتحوه ونهبوه.
وفي شهر القعدة كتب عبد الله بن يحيى بن محمد بن الحسن[87/ب] إلى صاحب المنصورة وصنوه حسين بالغارة عليه، فإن أهل العدين منعوه من تسليم المطالب، فأرسل حسين بن أحمد بن الحسن من محروس تعز صنوه إسحاق في جماعة عسكر، فلما وصلوا إلى العدين وقع الحرب بينهم وبينهم، فراح قتول وجنايات واهتزمت القبائل.
وفي هذه الأيام لما وصل حسين بن محمد بن أحمد بن القاسم من رداع وضوران إلى دياره بالروضة تقدم إلى عمران للسكون فيه. وكان قد أرسل لعلف من المَعْمَر في بلاد همدان، فمنعوه، فأراد تأديبهم فلم يمتثلوه، وشرع يحصل بينهم ما يحصل، فتركهم، وقالوا البلاد لغيره ولا ولاية عليهم له، وقالوا له إما صافيكم فأهلاً وسهلاً دون حمل علف على الجمال.
وفي هذه الأيام وصل إلى المؤيد من زبيد جماعة شكاة من صنوه حسن بن المتوكل أن أصحابه وعساكره ضروهم واستهلكوا أموالهم وسكنوا في بيوتهم، وأن قد شد منها بعضهم وخرجوا عنها بأهلهم.
وفي هذه الأيام وقع في بلاد خولان فتنة عظيمة فيما بينهم، وذلك أنهم افترقوا طائفتين، الأحلاف والجهوز ، ودارت بينهم المعارك والحرب يوماً بعد يوم، فتنة عظيمة.
[88/أ] قال الراوي: ممن حضر الفتنة الواقعة بين خولان في بلاد صعدة أنها ثارت ما بين خولان أنفسهم الجهوز والأحلاف، فصالوا على بعضهم البعض واقتتلوا قتالاً قبيحاً، وأبلى كل منهم جهده الواسع وألقوا أنفسهم للتهكلة للهلاك، وصبوا على بعضهم البعض البنادق في المعركة، فراح منهم عالم كثير نحو المائة. وزادهم ذلك القتال غلظة أنهم كانوا يهتكون بيوت بعضهم البعض بالنهب وكشف الحريم والخراب والغيار في الأبنان والأشجار، وفعلوا من الظلم العظيم لبعضهم البعض ما لا مزيد عليه، وظهر على كثير منهم الفقر وذهاب المال، وبقي الدولة الذين غاروا من صعدة متفرجين عليهم من جبل هنالك لا يمكنهم التأثير ولا الكف عن هذه الأفاعيل، بل زاد نالتهم في الليل إلى محلهم المراجيم.
قال: ولا شك أن هذه عقوبة قد استحقوها فيما مضى، وما سكنوا إلا لما مَلِّوا وشبعوا، حتى أن مشائخهم لما رأوا ما جرى ولم يبق لكلامهم عند أصحابهم تأثير في الكف عما قد وقع وجرى، وإن كانوا أولاً من المشاركين في إثارة الفتنة[88/ب] قبل ما شاهدوه من المحنة ألقوا بأنفسهم بين يدي صاحب صعدة، وقالوا: يدخلهم الزناجير بذنوبهم، وما قد حصل منهم من المشاركة في ابتداء فتنتهم، وعسى يكتف أصحابهم.
قال فعذرهم وقال: الفتنة قد عمتكم، وقد أصابكم من العقوبة بأيديكم ما يغنيكم، إلا أنه قال بعد أن حضر الحاضر من سادة بني المؤيد وغيرهم في الصلح: لا بأس بما ترونه من العسكر يكون بسببهم بعض التسكين وربط جأشكم، لما حاق عليهم الأمر بتبعته.
قال: فانعقد الصلح فيما بينهم ذمة مدة معلومة، وسكنوهم بشرذمة من العسكر قليلة، ثم عاد علي بن أحمد إلى صعدة.