معهم إلى ما يريدونه سائرين وماشين ومقاتلين. ثم لما كان ثامن وعشرين شهر صفر يوم الخميس خرجت العساكر المؤيدية من الزهراء قاصدين إلى البلاد اليافعية ، فلما بلغ المؤيد خبرهم وما جرى من محمد صاحب المنصورة معهم اشتغل بهذا الأمر، وتبلبل باله، واختلفت آراؤه وأقواله، وأمر عثمان زيد أنه يقصد إلى تهامة بجماعة عسكر، وقال له يظهر أنه رسول لافتقاد المقررات التي من زبيد وبيت الفقيه، وإذا وجد مجالاً للتغلب وطرد الولاة لمحمد فليفعل، وهي قد كان قبضها صاحب المنصورة من وقت موت والده أحمد بن الحسن[64/أ] وتغلب عليها بالقهر. وكتب إلى صنوه علي بن المتوكل أنه يتقدم إلى قعطبة أو ما يقرب إليها من تلك الجهة، وكتب إلى صنوه الحسن الذي باللحية بالسير إلى جهات زبيد وحدود اليمن.
وفي يوم الإثنين ثالث شهر ربيع الأول لما وصلت الجنود المؤيدية إلى طرف بلاد يافع طرحوا محطتهم في سفال جبل العر، عند بلد يقال لها: حصن جوهر ، فيها مزارع وآبار وجبل العر فوقها. وكانت طريقهم من الزهراء في وادي ضيق خرجوا منه إلى هذا المحل، وعرجوا عن طريق الحلقة بسبب الرصاص، فكان إلى يوم الجمعة سابع ربيع الأول وطلعوا جبل، العر لقصد الحرب والقتال حال توفر اجتماعهم ووصول غوائرهم. وقد كانوا بنوا المتارس القوية في عرض الجبل، فجروه من جميع طرقه ومداخله، وكانت تلك المتارس كالدوائر العالية فوق القامة، على جميع عرض جبل العر من حيث منه المدخل طول تلك العمارة قدر ميل. فحمل أول العسكر من حاشد وبكيل ومن معهم من المغورين إلى جهة تلك المتارس، فرموهم من داخله، فقتلوا منهم كثيراً من فوقهم ومن جوانبهم؛ لأنهم جعلوا متارسهم مخلوفة، مقابلة لبعضها بعضاً معصورة؛ لأجل يكون الرمي من جهة المقابلة ومن جهة الدائرة بصفة محكمة. وكان من جملة المقتولين بيرق دار حق حسين بن المهدي. وكان الرمي من داخل يقتل لتظهرهم والذي من خارج لا يصيبون شيئاً، بل الرصاص تقع إلى أحجار الدوائر، مما لا يقع تحتها طائل، فعند ذلك انهزموا أول هزيمة من تلك الحملة إلى متارس أصحابهم[64/ب] وفترت عند ذلك همة المتأخرين خلفهم، لما رأوه من القتل لأصحابهم، فبنوا متارس ضعيفة وكانوا يرامون بلا طائل؛ لأن الرصاص لا يقع إلا إلى الدائر، والذين من داخل يأخذون فيهم لمن أشرف منهم، ورسى الحرب بالمراماة إلى العصر وعلي في منزله ومكانه حتى تعبوا وجاعوا، بحيث أن بعضهم جلس تحت الحجارة، لعدم تحصيل الفائدة، وعند ذلك اختلف رأيهم كيف يكون المخرج إلى المحطة أو المساء؟ فلما عرف الرصاص ذلك قال: نجعل لهم ذمة أربعة أيام ويعودون إلى محطتهم، فأسعد إلى ذلك حسين بن أحمد بن الحسن، وهو المرجوع إليه في أمرهم. وقال: لا بأس، ولم يكن لهم الجميع معرفة كيف خدائع الحروب، وكيف
يكون صفة الرجوع، فانحرفوا للعود آمنين مطمئنين ثقة بكلام الرصاص، وإذ يروا جميعاً نازلين فما هو إلا أن رأوهم كذلك دفعت إليهم البنادق ضربة واحدة من كل جانب في ظهورهم، فسقط منها كثير، منهم الهالك في الحال ومنهم المصاب، ثم خرج سائر القبائل الذين ليس معهم البنادق في أعقابهم يضربون ويقتلون ويرجمون ويصيحون، فحصلت عند ذلك رجة عظيمة، وكل هرب على رأسه لا يلوي على أحد، وتفرقوا في الأعتاب والشعاب والطريق، والقتل في الآخر. وكان من جملة من رمي أحمد بن محمد [65/أ] لأنه كان آخر القوم والبنادق خلفه، وأصيب أحمد بن محمد، وقع فيه رصاصتان أحدهما هي القاتلة والأخرى في رجله دفعة واحدة عند ذلك، فحملوه أصحابه فوق بغلة إلى بعض الطريق وحسرت البغلة والقتل عمال في الناس، فطرحوه أصحابه عند مسجد صغير على الطريق لما حصرتهم القوم، ولم يسع أحد منهم إلى حمل له ولا دفع. وقتلوا الحاضرين عنده جميعاً، فقتل من أصحابه من بقي حوله قدر سبعين نفراً من خلفه وقدامه وعنده، واحتزوا أكثر رؤوسهم، وكان من جملتهم أحمد بن محمد المذكور. واهتزم الناس إلى المحطة، ودخلوا حصن جوهر، وأظلم عليهم الليل وباتوا في أشر ليلة ممن قد فات ومن التعب ومن الخوف، وبنوا المتارس وحصنوا حصن جوهر بالحجار لما يخشوه منهم. وكان لما وقع هذا الحادث العظيم وقع في المحطة بعض انتهاب من أصحاب الهيثمي والجلاد، ومن بعض الأجناد، حال حمل الأثقال من المحطة إلى حصن جوهر الذي هو عندهم، فراح ما راح وحضر القتال أيضاً والمدافعة. وانتهب الهيثمي قافلة صاحب كوكبان كان قد شدها، فساقها بأحمالها وفيها خزائنه ووطاقه، وزالت عقول بعض أهل السوق وهرب الهارب في الليل على رأسه إلى الزهراء فالهارب الأول نجا؛ لأن أهل البلاد ما قد كان تحققوا القضية[65/ب]، والذي تأخر قتل في الطريق وانتهبوه، خصوصاً في بلاد قيفة، فإنهم قتلوا كثيراً من الهاربين ونهبوهم، وكان أعيان المقتولين مع أحمد بن
محمد: الشيخ محمد فارع كاتب أحمد بن محمد ومن بيده دفتر العسكر، والشيخ علي دغيش شيخ بني حشيش من بني الحارث، والشيخ عبد الله بن سعيد العنبري شيخ الإسماعيلية في بلاد حراز، والصباحي من مشائخ شَمَات وجماعة من سادة غربان، واختلف الناس في عددهم فمن المقل ومن المكثر؛ لأنهم ما عرفوا بحقيقتهم، فمن قائل: أن جملتهم سبعمائة في الحرب والطرق، ومن قائل: أربعمائة، ومن قائل: ثلاثمائة، وكل منهم يخبر على المعرفة، وأكثرهم لا يعرف؛ لأن منهم المغورين ليسوا في دفتر، والقتل الذي كان في أول الحملة منهم قبل البيارق من أشَمْح والغُرُب وأهل بعيدان، ولعل جملتهم يكونوا إلى نحو ثلاثمائة ومائتين مصاب ومقتول حال الحرب وفي الطرقات، من باب الظن والجمع بين الروايات، والله أعلم.
ولما أصبح الصباح وظهر نوره ولاح نزلت يافع من جبل العر كالجراد قاصدين أهل المحطة، فلم يخرج أحد من المحطة عن الحصن لما رأوه من كثرتهم، وما قد حصل معهم، ولم يبق لهم مطمع فيهم إلا الدفاع عن أرواحهم. فلما قاربوهم دفعوا فيهم بنادقهم، فقتلوا منهم نحو ستين نفراً وكان خرج أهل الحيمة من لكمة فرموهم من وراء أظهرهم وأهل المحطة من قدامهم، فاهتزموا عند ذلك. ثم كان[66/أ] يوم الأحد ونزلوا أيضاً للحرب فلم يأخذوا منهم شيئاً، وقتل منهم أيضاً، ثم يوم الإثنين ثم يوم الثلاثاء، ثم اكْتَفَّ الحرب وخاضوا في الصلح بواسطة الشيخ عبد الغفار بن شيبان الجوفي فقال ابن العفيف: لا بأس بالصلح والأمان ويسيروا بلادهم، ولكن بشرط حط سلاحهم، فأبت العسكر من وضع السلاح، فقال حسين بن المهدي: نسلم عوضاً عنه من الدراهم، فسلم أربعة عشر ألفاً، ووضع لهم الأمان، وأرسل معهم ثلاثة أنفار رفقاء بالأمان إلى أن بلغوا الزهراء، فتم الأمر على هذا وساروا. وسبب العزم ما حصل معهم من ذلك الحاصل، وانقطاع الطرق خلفهم من المواد، ونفد ما معهم من البارود والرصاص وغير ذلك. وكان المؤيد قد طلب غواير عليهم؛ بناءً أنهم باقون حتى تصل إليهم، فتراخت الغوائر، وهم أحمد بن المؤيد ومن معه وغيرهم. وكان عند وصولهم ضوران وقد خرجوا من الزهراء وصاروا برداع، ثم تجدد ما شغلهم عن ذلك الأمر بما وقع من الخلل في بلاد الحجرية وحوزة صاحب المنصورة، كما سبق في تأريخه، ومكاتبته بالغارة عليه واستنقاذه فهذه جملة خبرهم.
وكان لما تغيرت الطريق ببلاد قيفة قد أراد علي بن جميل العزم بالجامكية، [66/ب]فوصل إلى نحو مرحلة من رداع، وبلغه ما وقع بمن يخرج من الزهراء من القبائل، فرجع خشية على ما معه من الطمع، فعند ذلك تضرر العسكر، وكان وصولهم إلى الزهراء في عشرين شهر ربيع الأول.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشر شهر ربيع الأول مات الشيخ العارف محمد كزبر الدمشقي الحنبلي بمدينة صنعاء اليمن.
كان المذكور عارفاً بمذهب الحنابلة، وكان قد حج إلى مكة المشرفة قدر خمسين حجة؛ لأنه كان يسافر مع حاج الشامي ببضاعة من بضائع الشام، ثم كان آخر مدته وخرج إلى صنعاء ببضاعة من الخوخ والمصطكى والزعفران وسائر بضائع الشام، وتزوج فيها وسكنها، ثم بعد عامين عاد إلى بلاده وقت موسم الحج وتعوض من البن وسار مع المحمل الشامي إلى دمشق، فبقي في دمشق عند أهله ذلك العام، ثم خرج في موسم الحج المقبل إلى مكة، ثم إلى صنعاء، فسكن بصنعاء قدر سنتين أو ثلاث. وذكر أن أول خروجه وكان والده في الحياة قد بلغ عمره إلى تسعين سنة، ثم مات وولده باليمن، ولما وصل إلى اليمن طلبت منه عارية كتاب في فقه الحنابلة يسمى(منتهى المرادات) فنقلت عليه نسخة للإطلاع على فقههم وإليه مختصر في أصول الفقه على مقتضى أصولهم، وقبر رحمه الله تعالى بمقابر باب اليمن، والله أعلم.
وفيها مات السيد علي بن خالد المتولي على بلاد عفَّار بقي فيه مدة طويلة من قبل دولة المتوكل إلى أن مات، وكان سكونه بصبر، ومات فيها.
[67/أ] وفي آخر شهر ربيع الأول اتفق أن جماعة من أهل الحيمة ساروا من الزهراء لمَّا قل عليهم السبار والأقوات، فلما وصلوا إلى ما بين رداع وبين الزهراء لقاهم في الطريق السيد مهدي الكبسي والسيد صلاح بن عز الدين الظفري ومعهم بعض شيء من الطعام وجوامك العسكر التي كانت متحيرة برداع يريدون الوصول بها إلى الزهراء فقالوا لهؤلاء العسكر عودوا فقد هذا معنا سباركم، فقالوا: لا يمكن ذلك، فقد اشتدت به الحاجة وأشرفوا على المهالك، فلم يعذروهم، فرجع بعضهم وسار بعضهم، ثم إن قيفة انتهبتهم وقتلوا منهم، ثم لما وصلوا إلى رداع زاد انتهب حسين بن حسن ما بقي معهم من السلاح، لأجل هربهم، فلا قوة إلا بالله.
ونصب العسكر والرؤساء عوض أحمد بن محمد صنوه يحيى بن محمد ، وأثنوا عليه، وقالوا: هو أحسن لهم من أحمد لما فيه من النباهة والرئاسة والوفاء، وحسن المعرفة والسخاء.
وفي غرة شهر ربيع الآخر خرجت الدولة من الزهراء إلى رداع، بعد أن خرج قاسم بن المهدي الذي كان أسيراً في البيضاء، بعد أن كساه الرصاص وأعطاه فرساً عوض حصانه الذي انتهبه الشيخ الهيثمي؛ لأنه الذي أسره ونهبه، فاستنقذه منه الرصاص، وسكنه عنده ثم أرسله إلى الزهراء.
وفي هذه الأيام انتهب الصبيحة والحواشب قافلة كانت خارجة[67/ب] من عدن، وقتلوا تجارها، وقلعوا لسان أحد التجار منهم فيها، وعبثوا بهم، وانتهبوا جميع بضاعتهم.
وهذه البلاد من بلاد محمد بن أحمد صاحب المنصورة، وكان أثار الخلاف فيها وقطع الطريق ثائراً من حال موت أبيه أحمد بن الحسن، ولم يقدر على الحكم عليها، ولا تأمينها، وهو يدل على ضعف يده هنالك، وإنما صار القبائل هم في الحقيقة أهل الغلبة له، وإلا فكان أقل حالة الحكم على الطريق مع قربهم من المنصورة. وهذا سببه الإختلاف للأنظار فيما بينه وبين المؤيد، وعدم اتفاقهم. ما زال هذا الأمر يجري في بلاده، وكذلك ما جرى في غيرها، فلا قوة إلا بالله.
ووصل خبر أن عثمان زيد لما أراد دخول زبيد منعه أصحاب صاحب المنصورة، وحاربوه، وردوه، ووقع فيه صائبة.
ووصل خبر أن عثمان زيد الذي كان أرسله المؤيد إلى تهامة لمَّا وصل إلى بيت الفقيه بالزيدية منعه أصحاب صاحب المنصورة وحاربوه، ووقع فيه صائبة منهم.
وجاء خبر أن ابن العفيف لما راسلوه بالخروج من ذلك قال: لابد من وضع السلاح، فبذل حسين بن المهدي نحو ......... عشر ...... دراهم، فقبل المذكور وخرجوا، وهذا ابن العفيف اسمه معوضة بن محمد بن معوضة، وجده هذا معوضة هو الذي كان في مدة الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم، الذي كاتبه في مدة دخول أحمد بن الحسن مستجيراً بهم.
[68/أ] ووصل كتاب من ابن العفيف إلى المؤيد بضوران يذكر فيه ما حدث من هذا الحاصل، والشجار والخراب والافتتان، وأنهم إنما دافعوا عن أنفسهم وحريمهم وأولادهم.
ولفظ بعض كتابه هذا أن قال: إنا لو عرفنا منكم من الإنصاف ما حاربنا ولا جرى منا شيء، وأنتم قبلتنا، والقصد إنا مطيعون لله، ولكم مُسَلِّمون الحقوق الواجبة إلى من رأيتم غير سيدي الحسين بن الحسن، خاطبين لكم، ونحن مُسْلِمُون، ما يجوز لكم محاربتنا، فلا تجعلونا أعداء لكم، بل من أصغر الخدم.
هذا لفظ كتابه، وفيه كلام آخر، هذا مضمونه. فلما وصل هذا الكتاب إلى المؤيد جمع أهل مشورته وأعيان حضرته، وقرأ عليهم فاختلفوا في ذات بينهم، وقال أكثرهم: إن هذا خديعة منه وتسكيناً لثائرتكم.
وهذا الحرب وقع على غير قياس من أصله؛ لأن يافعاً كان مطلبهم رفع المظالم ورفع واليهم الأول، فلم يجابوا إلى ذلك أصلاً، فعلى رأي الهدوية أنه إذا لم ينصف ولي الأمر جاز الخروج عليه، فقد وافقوا قولهم وإن لم يوافقوا مذهبهم أنفسهم؛ لأنهم شافعية والشافعية لا يجيزون الخروج على الجائر، مع أن المؤيد هذا لا يرضى بالجور، لكن ماله أثر في ولاته أصلاً، فكان مع ذلك عليه أن يترك، وكان قد طلب المؤيد محمد بن المتوكل من خزائنه قدر عشرة أحمال من الدراهم قبل وصول هذا الكتاب، ثم إنه عند ذلك ظهر منه تبريد الكلام، وقال للحاضرين من الذين كان طلبهم من الآخرين: ما شاء منكم أن يسكن سكن ومن شاء أن يعزم عزم. وما زال يمد إلى صنوه علي الزيادات بالعسكر إلى العثارب قريب قعطبة. وعلى الجملة أن ما دام صاحب المنصورة وهو غير مجتمعين في رأيهم ولا متفقين في أفعالهم وأقوالهم فلا يكاد يتم له أمر في هذه القبائل المخالفة؛ لأنهم صاروا يتقوّون بذلك، والله أعلم.
وفي هذه الأيام غزا أهل الجوف ومن إليهم من بلاد بيحان إلى أطاريف بلاد بني أرض[68/ب] من حدود بلاد الرصاص، وأنهم ظفروا بكثير من مواشيهم فنهبوها وأخذوها وانتصروا عليهم فيها. وكان قد هرَّب إليها الرصاص كثيراً من مواشيه، وحصلت غزوة من بلاد عنس إلى بلاد قيفة أيضاً قتلوا منهم وانتهبوا من بلادهم، ولما وصلت الدولة إلى رداع حبسوا مشائخ قيفة في القلعة برداع، وهو الشيخ مصعب والشيخ عبد القادر، لما قد حصل منهم من الضرر في الطريق، والنهب والقتل والتعويق، ولما خرجوا من رداع إلى بعض القرى حطوا فيها وقد هرب أهلها عنها، فوجدوا امرأة عجوز سألوها أين المدافن في البلد؟ وإلاَّ تخبرهم قتلوها، فدلتهم عليها، فأخرجوا كثيراً من الطعام وتصرفوا فيه وأكلوه، مع ما قد كان نالهم من شدة الجوع.
وفرحان دخل بلاد الشعيب من مساقط جبل يافع واستولى عليها، لأنهم كانوا قد خالفوا أيضاً وانتهبوها واستولوا على طعاماتها، وابن شعفل ترفع إلى الجبال فوق جبل حَرِيْر وأخلى كثيراً من تواطي البلاد خوفاً من الدولة.
وعلى الجملة أن المشرق قامت فتنته، واختبطت أحواله، وصار الدولة يتقربون منه، ويحشدون عساكرهم إليه، وصارت قبائل...... .
[69/أ] وفي ثامن شهر ربيع الآخر أرسل المؤيد السيد صالح عقبات إلى صاحب المنصورة لتقرير الكلام والاجتماع على دخول المشرق. وخرج علي بن المتوكل من العثارب إلى قعطبة، وأرسل أحمد بن المؤيد إلى ذمار، وعلى الجملة إن بين الرجلين محمد ومحمد اختلاف الأنظار وبين طرفي نقيض، كلما أبرم كلام انتقض بسرعة ولم يتم منه شيء لأمر هناك، وحكمة قد سبقت في علم الله سبحانه.
وفي هذه الأيام ما زال الواصل من عسكر الدولة الذين خرجوا إلى رداع يصلون إلى ديارهم وبلادهم، ولم يبق إلا اليسير هنالك منهم، ووصل المصاويب أيضاً إلى جهاتهم، وإذا بنوا على دخول المشرق، فإذا جاؤوا من طريق جُبَنْ فهي ميسرة أمورهم بعد إصلاح صاحب المنصورة، فإن من جبن إلى الحلقة مسافة مرحلة لا غير، وهو وادي ناحية مرونة، وهي طريق قريبة، وهي التي كانت يافع تغزي جبن منها في مدة عامر ، ودخل عامر عليهم منها حال استيلائه على يافع بعد خلافهم عليه.
وخرج قاسم بن المهدي الذي كان أسره الرصاص في الزهراء وقد أعطاه حصاناً وكساه عوض حصانه الذي انتهبه الهيثمي، وتقدم الجميع إلى رداع لمَّا عدم عليهم الطعام والحاجة وعدم الميرة من القبائل، وخرج الرصاص عليهم بالعزم من الزهراء، فخرجوا كما ذكر والأراء مضطربة والأقوال مختلفة، كما قال ابن رشيق :
[69/ب]ما دمت مستوياً ففعلك كله .... عوج وإن أخطأت كنت مصيبا
كالنقش ليس يصح معنى ختمه .... حتى يكون بناؤه مقلوبا
وقول الصفي الحِلِّي:
لكنها الأيام في تصريفها .... تقضي عليه بنحسه وبسعده
إن أقبلت وهبت محاسن غيره .... أو أدبرت سلبت محاسن نفسه
والآن صاروا في رداع بمن بقي من الجند وتفرق أكثرهم، والمؤيد صار الذين كان طلبهم غارة بعضهم عنده بضوران وبعضهم زلجه إلى عند صنوه علي بن المتوكل، وزلج أحمد بن المؤيد إلى ذمار بمن معه، وانقلب الأمر عليه بالمحاورة من جانب محمد بن أحمد بن الحسن صاحب المنصورة وعد للعسكر، وصار ينتظر الرسل إلى صاحب المنصورة، ورسل يافع في جوابهم على ما كتبوه.
وعلى الجملة أن هذه الحركات مع المؤيد لا تتم له إلى يافع إلا بعد سد الخلل من جانب محمد صاحب المنصورة، فأما والحالات بينهم مبتورة فلا يكاد يتم له أمر، كما هو ظاهر والله أعلم.
وفي عشرين شهر ربيع الآخر وصل جواب صاحب المنصورة مع السيد صالح عقبات[70/أ].