قال الواحدي في شرحه: يقول من لم يعاملك بالقبيح في هذا الزمان فقد أحسن إليك لكثرة من يعاملك بالقبيح، وهذا المعنى[51/ب] أراد أبو فراس في قوله:
وكنا نرى أن المتارك محسن .... وأن خليلاً لا يضر صديق
وقال المتنبي عقبه:
ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته .... ما قاته وفضول العيش أشغال
قال الواحدي في شرحه: أي إذا ذكر الإنسان بعد موته ذلك حياة ثانية له، وما يحتاج إليه في دنياه قدر القوت، وما فضل من القوت فهو شغل، كما قال سالم بروايته:
غنى النفس ما يكفيك من سد فاقة .... فإن زاد شيئاً عاد ذاك الغنى فقرا
وفي هذا الشهر رفع المؤيد بن المتوكل النائب للقاسم من المخا فيما كان عَيَّنه من البندر وهو ربع لمحصوله، وقال: إن السيد حسن متولي البندر يكفي وأنه يسلم محصول الربع ويرسل بها إلى حضرته، ويكون عليه كسوة أهل شهارة، فتغير قاسم من هذا العمل وقال: هذا رجوع فيما قد كان فعل، ولِمَ أبقى نائب محمد صاحب المنصورة وأخرج نائبه.
وفي هذه الأيام بنصف شهر جماد الأول وصل خبر من مكة المشرفة أنه توفي الشريف بركات متوليها، وأراد ولده الإستقامة في الأمر بعد والده، فحصل نزاع بينه وبين الشريف ابن غالب وغيره وبين عساكر السلطان، واختلاف حصل أيضاً بين الأشراف وعساكر السلطان، وأنهم بعد ذلك متوجهين إليها حيث هرب عنها بعض أهلها خشية من معرة تحصل فيها.

والمؤيد كان قد أراد الاجتماع هو وإخوته والنظر في تقرير أموره لتكاثر المخروجات عليه، فبقي حائر الفكرة. ومن جهة عمل المشرق لما كثر عليه حسين بن حسن بالتقدم إليه وطلب المعونة، فكان قد أراد التقدم إلى ذمار والاجتماع هنالك بحسين بن حسن وصنوه علي وغيرهم، ثم إنه خير في ذلك وكتب إلى حسين بن حسن بالترك هذه الساعة. ومحمد بن أحمد صاحب المنصورة قد كان سعى في شأنهم -يعني أهل يافع- وما زالوا يغالطونه في جوابات، ويظهرون الميل إليه إذا كان ولا بد من قصدهم. وقد كان وصل إسماعيل بن محمد بن أحمد بن الحسن صاحب المنصورة إلى قعطبة وراسل إلى الشيخ الجلاد أطراف بلاد يافع في رد ما انتهبه من قعطبة، وصار أيضاً يواعده.
ووصل هذه الأيام رجل ممن خرج إلى بندر المخا مع أهل الهند، ووصل إلى حضرة المؤيد بالله محمد بن المتوكل بهدية ذكر أنها من سلطان الصين وهي حقيرة مَجْمَرة من فضة وخمسة أَسِّنَة مزوقة ونحوها. وقال هذا الواصل: أن أصله من البصرة وأنه دخل إلى الهند، ثم ساقته المقادير إلى الوصول إلى الصين، فوافق سلطان الصين، فجرى منه سؤاله عن سلاطين الأقاليم، ثم ذكر اليمن فقال: سلطانه شريف من بني الحسن، فقال: قد هادينا سلطان الروم وما نزال نهادية، وهذا ينبغي أن نكتب إليه معك. قال: وباطنيته محبة الإسلام، إلا أنه لا يقدر بإظهاره خشية من أهل بلده[52/ب]، قال: وبلاد الصين كفار بين مجوس ونصارى ونحو ذلك، والسلطان هذا معه خمسمائة من عسكر المسلمين وهو يجلهم ويعظمهم، وأرسل بصدقة إلى الحرمين الشريفين في المدة السابقة أيضاً والله أعلم.

قال: وكان خروجه من بحر الصين إلى الهند مسافة ثلاثة أشهر، قال: وخلف الصين من الجهة الشرقية البحر المحيط متصل به هذا خبره، ويستمد من صاحب اليمن في وصايته المسامحة لمن مرّ إلى الحرمين الشريفين من المسافرين الحجاج ومن المسلمين الذين بجهاته والتجار، وأنه يشق عليهم طريق البر، ومرادهم بطريق البحر، فأجابه المؤيد بالإسعاف، وأنه يمر منهم المار، وليس عليه في بنادر اليمن مشقة.
وفي هذه الأيام أرجع محمد بن أحمد صاحب المنصورة ربع المخا الذي كان وضعه له محمد صاحب صنعاء له، وقال: بلغنا حاجتكم فرجع ذلك إليكم. وقيل: إن المؤيد كتب إليه يذكر أن اليمن قد تفرق، وصار الوافد إليه ولا يجد ما يقوم فيهم، وأنه يشق عليه هذا الأمر، فأجاب المذكور بأنه قد أرجع له ربع المخا وبلاد زبيد بها قد اكتفىمع بلاده الأولى[53/أ]. وطريق عدن صارت مقطوعة من الصبيحة والحواشب لا يمر فيها عقال،فرجع بعض من كان وصل من الهند ولم يدخلها وعرج عنها إلى المخا. ولما بلغ حسين بن أحمد بن الحسن صاحب الغراس بأن صنوه أطلق ربع المخا إلى المؤيد محمد بن المتوكل كتب حسين المذكور إلى المؤيد: إن الصنو بلغ إطلاقه لربع المخا فإذا هو عنه قد اكتفى فلا يسمح بخروجه عنه، وأنه يُرد إليه ويصير محصوله لمن لديه، فعجب محمد بن المتوكل من ذلك وتردد في جوابه.

وفي آخر جمادى الآخرة خالفت بلاد قيفة على حسين بن حسن صاحب رداع جميعاً، وسببه أن أرسل حسين بن حسن عُمَّاله لقبض العدة وما يعتاد من مطالبه فأرجعوهم، وقالوا: البلاد بلادنا وحكمنا حكم بلاد الرصاص في أوامرنا وعلينا إصلاح الطريق وعدم التعويق، وجعلوا لهم سوقاً، فبقي حسين بن حسن حائراً وطبق المشرق جميعه على الخلاف إلى باب رداع. وكتب إلى محمد صاحب صنعاء، ومحمد صار متردداً لأجل تفرق البلاد، وعدم ما يحتاج إليه من الإمداد والإعداد، وطلب القضاة والأمراء للمراودة والاستشارة، فأجاب حسين بن المهدي أن دخول المشرق لا يكون إلا بعد انتهاء مكاتباتهم وبعد إنصافهم فيما يذكرونه من المظالم، ولا يجوز لنا القصد إليهم[53/ب] إلا عن النصيحة. وكذلك أجاب القاضي محمد قيس وقال: لا يجوز قتالهم، فتوقف محمد بن المتوكل واستحسن منهم هذا الخبر، وقال من قال: وكيف وهم مُؤَمِّنَون للطريق المارة تسير في بلادهم على حالها الأولة إلى حضرموت في أمان؟ وهم ذكروا أنهم إليكم منتمون، وإنما الذي شرطوه إن تركتوهم ولم تولوا عليهم، وأنهم لواجباتهم مسلمون وإنما نقموا الجور عليهم من الولاة وعدم الإنصاف للشكاة.
ووصلت كتب من محمد بن أحمد بن الحسن من المنصورة إلى المؤيد وغيره يذكر فيها صلاح المشرق وأنهم مسَّلمون الواجبات ويخطبون الخطبة ولا يجري منهم تعرض لا طريق ولا إلى غير ذلك، لكن بشرط أن لا يتولهم حسين بن حسن، فتعقب ذلك.
وفي آخر نهار الخميس تاسع عشر شهر رجب بعد العصر خرج المؤيد من مدينة صنعاء إلى ضوران، وقال: إن مراده الاستقرار فيه هذه الأيام، وقال: هو أصلح للقرب إلى اليمن ومَرافقه أحْسن، وصار يظهر أن مراده الحركة إلى المشرق. وخرج في يومه ذلك إبراهيم بن المهدي طريق يريم خشية عليها من المؤيد؛ لأنه لم يوله إيَّاها.
وكان إبراهيم بن المهدي قد وصل إليه إلى صنعاء من يريم، واستخلف ياقوت إسماعيل، فأرسل المؤيد إلى يريم ناظراً لأجل محصوله.

ووصل هذه الأيام قبيل عزم المؤيد من صنعاء بيومين بواقي العسكر الذين كانوا من الحيمة برداع، وشَكَوا عدم الوفاء بالجوامك والأقوات مع طول المدة بالبقاء من غير ثمرة، وهناك من الرتبة من يقوم بحفظ المدينة. وأما المشرق فإنهم إنما خالفوا في بلادهم، فإن أنتم مثبتون لهم تاركوهم فلا تخشوهم، وإن كنتم نية في الدخول إليهم فلا بد لكم من عساكر[54/أ] قوية مما يكمل نصابهم ونحن معكم، ففسح لهم إلى بيوتهم وقال: الأمر كما ذكرتم، وإذا احتجناكم كتبنا إليكم.

وفي يوم الخميس خامس شهر رجب منها توفي الفقيه العلامة العارف المحقق: حسين بن يحيى بن حنش في بيته بشهارة، كان عقب عوده من بلاد ذيبين. وكان في الأيام السابقة وصل إلى حضرة المؤيد بصنعاء، فاستقر عنده أشهراً ثم سار إلى ذيبين بيت أهله وأجداده، استقر فيه نحو ثلاثة أشهر وتقدم شهارة وبيته بها واستقراره بعد أبيه فيها. وكان شروع مرضه بذيبين، وكان بنظره مجاري شهارة في أيام الإمامين المؤيد محمد بن القاسم، والمتوكل إسماعيل بن القاسم، وإليه التصرف في الحبوب من التقارير. وكان وفياً عارفاً بالمقادير، ومن يرآه طالباً للعلم زاد في تقريبه وتأنيسه والإفاضة عليه في سباره. وكان حسن العقيدة منصفاً عارفاً مطلعاً حسن الإعتقاد في الصحابة، مرضياً عليهم من غير تعرض إلىما صار يقع من الجهال فيهم. وكان من رآه من الفقهاء أو السادة المتغربين يظهر منه التعرض في جانبهم قطع سباره، وقال له: ما تستحق عندي شيئاً وأنت على هذه الحالة مع كثرة من يشطح من أهل شهارة في الصحابة رضى الله عنهم[54/ب]. وكان المذكور فيها قامعاً لكثير من المتمردين ناهياً زاجراً. وله الشرح العظيم الذي جمعه على (البحر) في علوم الإسلام استوفى فيه الأدلة والتخاريج للحديث من أصولها وبيَّن العزو والتخريج فيها مع شرح ما يحتاج إلى شرحه وبيانه وتكميله والمناقشة عليه فيها. وله أنظار دقيقة وأقوال سديدة تدل على عرفانه وإنصافه وتحقيقه، ويميل في ذلك مع الدليل وإن خالف مذهب الهدوية كمسألة رفع اليدين في الصلاة، ووضع الكف على الكف، فإنه ذكر الأحاديث المشهورة في مقابلة الحجة ووهىَّ حجة الهدوية، وكذلك غيرها من كثير من المسائل التي يكثر تعدادها، ولا يتسع لها هذا التأريخ لكثرتها، يعرف ذلك من اطلع على شرحه هذا مع وسعته؛ فإنه بلغ ثمانية أجزاء مجلدة كبار، فلقد أفاد في هذا الكتاب وأجاد، وحقق فيه وبيَّن المراد رحمه الله. وذكرت له ذلك، وقلت له: شرحك هذا ما قصرت فيه

وما كنت أظن أن أحداً يفعل عليه ذلك، وجزيته خيراً فيه، وناولني نسخته من شرحه رحمه الله تعالى، وكان لا يكفر بالإلزام في مسائل علم الكلام[55/أ]، وأمرت بتحصيل أكثره، وشريت بعضه لمَّا رأيت كثرة فائدته وكماله.
ومات في هذا الشهر الفقيه العارف: صالح بن داود الآنسي، كان له مشاركة في علم النحو والفقه، إلا أنه يميل إلى التحامل على الصحابة، فلم يسلم من الملامة، وكانت وفاته وهو ببلاد صنعاء؛ لأنه استقر فيها بعد أن كان أول طلبه للعلم بصعدة على القاضي أحمد بن يحيى حابس وغيره، والله أعلم.
وفي هذا الشهر قتل رجل بالروضة في باب بيته، تَكَمَّن له جماعة.... أخذ نفسه هو وحرمه معه من أهل بيته، وذلك بعد العشاء، وحمل صاحبهم وإخفائه في الطريق، ثم لماوصل بلده دفنوه ولم يظهر، ثم ظهر لولي الأمر ذلك وأخرجوه.
وتتابعت القرانات في هذه السنة جاءت في النصف الأخير من هذه السنة، فإنه اتفق قران الزهرة وعطارد والمشتري لسلخ جمادى الآخرة في برج السرطان، ثم سيكون برمضان قران المشتري والمريخ في نصف رمضان في ذلك البرج أيضاً، ثم قران الثقيلين المشتري وزحل في برج الأسد بآخر شهر شوال منها في الدرجة الثامنة من الشهر المذكور، ثم شهر الحجة منها، وهو دليل قوة سلطان الإسلام الأكبر كما ذكره المتخصصون المقومين من أهل علم الفلك والمؤرخون، والله أعلم.
وفي أول شهر رمضان ظهر نجم الذنب من المغرب ولكنه ليس بالطويل ولا بالعريض، عرضه نحو ثلاث أصابع أو أقل وطوله ثلاثة أذرع، ويقال: أنهم رأوه أولاً حال ابتداء ظهوره بالمشرق، والله أعلم.
وكان ظهوره هذا عقب الأمطار وصلاح .......... الثمار في الخريف والصيف، في جميع أرض اليمن، المشرق والمغرب، بعد أن كان تتابع عزة الأمطار في السنين الماضية، والله يصلح الثمار[55/ب].

وأرسل المؤيد محمد بن المتوكل من ضوران الشيخ جعفر بن علي إلى حضرة الرصاص للإصلاح، فتشرط الرصاص إبقاء بلاده بيده، ولا يدخل عليها أحد من الولاة، وأنه يسلم الواجبات بنظره وأن الطريق آمنة والبلاد صالحة.
وأما حسين بن حسن فصار يأكل يده ، ويحترق على ما جرى معه، وصار يكاتب إلى أولاد أعمامه بالنصرة له والدخول إلى إصلاح ما كان من بلاده ، فأجابوا عليه أن الأمر إلى المؤيد، ولا يصلح إجابتنا ودخولنا من غير أمره، والمؤيد ظاهره محبة الإصلاح ومراعاة ما هو أصلح للمسلمين في سكون الدهماء، والله يصلح الإسلام.
وإبراهيم بن أحمد بن الحسن لما وصل إلى يريم طرد واليها، فلما وصل إلى المؤيد بضوران حصل مع المؤيد التعب وأهم أن يقصده، ثم إنه تراجع، وكتب إلى صنوه حسين الذي بالغراس، فكتب إلى إبراهيم بالانخراط في طاعة المؤيد، وإلا فهو عون عليه، وكتب إلى العسكر الذي عنده يتهددهم وهم من قبائل الرحبة التي تقربْ منه ، فتفالت العسكر من عنده وبقي وحده بخاصة عبيده وخدمه، فاضطر حينئذٍ إلى الوصول إلى ضوران[56/أ] حضرة المؤيد وسكن. ثم إن إبراهيم بن حسين الشهاري طالب المؤيد في يريم، وقال: إنه كان وعد بها، وأنها كانت لأخيه من المهدي، وإلا عوضه غيرها، فما زال يماطله هو وإبراهيم بن المهدي في مطالبتهم حتى أصدقهم أن ما عنده شيء، وأن البلاد قد تفرقت، ولم يبق إلا اليسير منها بيده. وأهم أن يخلع نفسه إن لم ينخرطوا على طاعته، فسكت الإبراهيمان عن طلبه، وحسين صاحب الغراس تضرر من أخيه إسحاق الذي كان أرسله إلى اليمن الأسفل، فإنه منع عنه المطالب من البلاد التي كان تعينت له كَذِيْ أشرق وما إليها، وصار يهم بأنه يقصده إليها، فإنه لم يبق معه إلا بلاد وصابين وبلاد الرحبة وبعض بلاد همدان وخولان، وصار يوفي السبارات لمن عنده وبيوت والده من الخزانة، والأحوال مع الجميع عجيبة.

وفي هذه السنة كثرت الضربة للدراهم ففعل علي بن المتوكل ثلاث ضرائب مع ضعفة الدراهم، وكثرة الغش فيها، ومع ضربة المؤيد وضربة حسين صاحب الغراس، ثم فعل حسين بن محمد بن أحمد صاحب الروضة ضربة في عمران، واستقر فيه ورحل عن الروضة، فمنعه المؤيد، فامتنع وتركها على مشقة. وأما صنوه علي صاحب اليمن[56/ب] فقال: فيها مصلحة للجند والحاجة إليها، فاستمر عليها البلاد والعباد، وكذلك محمد صاحب المنصورة مستمر عليها، فبلغ صرف القرش يومئذٍ إلى خمسة حروف لأجل كثرتها، وصغر الدراهم وغشها واعتمدوا فيها بقشة الخمس، وتركوا ضربة الصغار، لعدم خراجها؛ لأنها لا تجزى إلى خمس مع صغر الأصل، بحيث أن الضربة الأولة قلَّت وعدم أكثرها؛ لأنهم صاروا يصرفونها ويصوغونها لما فيها من الزيادة بالنظر إلى هذه الضربة الآخرة. والزيادة بعد هذه الضربة إذا فعلت ضرَّت الناس بانكسار يحصل عليهم. فلو أن الدولة يضبطون وزن الضربة لا تختلف كان أحسن، وكذلك المكيال فإنه قد حصلت فيه الزيادات الكثيرة شيئاً فشيئاً، وما كاد يستقر على قاعدة.
وفي نصف رمضان منها ختم على الفقير إلى الله صحيح الإمام مسلم بن الحجاج القشيري قراءة محققة الضبط والحراسة من أوله إلى آخره، فلله الحمد، وذلك بصنعاء اليمن بعد سماعي له عام إثنين وسبعين وألف على الفقيه صالح بن محمد العنسي بسماعه له على الشيخ العارف محمد بن علي علان الشافعي بمكة المحروسة. وفي السنة التي بعدها شرع لي قراءة سنن أبي داود، فسمع عليَّ أكثره، لم يبق إلا قدر الربع من آخره فلله الحمد، وذلك بصنعاء اليمن.
وكان هذا من جملة النعم؛ لأن هذا الكتاب والبخاري وغيرهما لم يعرفهما أحد بصنعاء من رأس الألف إلى هذا التأريخ، قدر مائة سنة، فلا قوة إلا بالله[57/أ].

وفي شهر شوال وصل الخبر بأن بندر الشحر استولى عليه علي بن بدر الكثيري صاحب حضرموت، وطرد عنه الوالي الذي كان من قبل محمد بن أحمد بن الحسن صاحب المنصورة، وهو ابن قاسم الرسمي، وما خرج منه إلا برفاقه. وحصل في البندر ما حصل من الانتهاب بعد وقوع طرف حرب هنالك، وخرج جماعة من أهل البندر في جلاب طريق البحر بأهلهم وأموالهم فغرقوا في البحر؛ لأن البحر يومئذٍ ما قد هو وقت ركوبه إذا كان في تشرين وهو إنما يرتكب في كانون عقب رجوع الشمس. واستولى المذكور على البندر، ثم حصلت فتنة فيما بين علي بن بدر المذكور، وبين بعض أقاربه ويسمى حسن الكثيري بسبب أن محمد بن أحمد صاحب المنصورة ولىَّ حسن الشحر والمؤيد ولاَّه علي بن بدر. ثم تعقبه بآخر الشهر المذكور استولى العولقي على بندر أحور الذي بين عدن وبين الشحر، وكان وصل خبر أنه وقع بحضرموت قبل هذا الحادث مطر عظيم فيه بَرَد كبار، بحيث ذرع بعضها بالذراع في بعض بلاد حضرموت ومن وقع فيه شيء منه هلك.
ووصل زيد بن المتوكل إلى صنعاء متولياً من قبل صنوه المؤيد، وكان وصوله إليها ليلة ثامن عشر هذا الشهر أرسله من ضوران، فلما وصل إليها كان أول شيء أن منع الناس من أهل البيع والشراء أن لا يبيعوا إلا بنقد، فعظم ذلك على البائع والمشتري، وتضرروا. ومنع المصلحين من الإصلاح في البيوعات. وأمر أن النساء لا تدخل الحمامات ، ومنع من التصفر بالحناء، فبقي هذا قدر ثمانية أيام ورجع كل شيء إلى أصله الأول، ولم يتم من ذلك شيء.
وفي هذ الشهر أتم محمد بن أحمد بن الحسن دائر المنصورة الذي بناه.

71 / 94
ع
En
A+
A-