ما القصد في تخصيص توجيه سؤالهم للجلود دون سائر أعضاء الجسد التي شهدت؟ والمراد به، كما ذكره أبو السعود ، هو أنها لما كانت المباشرة لفعل القبيح، وكان المراد بها الفروج كما في تفسير ابن عباس خصت بالسؤال لها فهي المباشرة الملتذة دون غيرها. وسؤال آخر فقهي وهو: ابتاعت أرض لها ساقية تمر في ملك ثم تخرج إلى مباح ثم تدخل الأرض المبيعة، هل فيها شفعة؟، فأجاب بثبوت الشفعة، ولا ينبغي كذلك لأنه يشترط ملك الساقية ولا ملك. ثم بعد ذلك انكسرت همته التي كانت في نفسه، وقنع بالإياب عما كان طواه بأمنيته، وصدق من قال: من لم يعرف قدره وقع في خطره، وما هلك امرؤ عرف قدره، وعند الامتحان يكرم الرجل أو يهان. وعلموا عند ذلك أن علمه علم بادية، وعوارش غير خافية، كأنه سراب بقيعة يحسبه الضمآن ماءً.
مع أن التزكية للنفس لا ينبغي للعالم، فإن الله تعالى قد مقت على ذلك، وامتحن موسى عليه السلام لما أجاب السائل[46/ب] عن من أعلم في الأرض فقال: أنا فامتحنه الله بلقيا الخضر ، وطلبه والاتفاق به على مشقة، كما قصه الله تعالى في كتابه ووصفه النبي÷ في روايته حتى ظهر له علم ما لم يعلم، وقد قال تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } ، وقال: {فَلاَ تُزَكُّوا أنْفُسَكُمْ} .
فكيف حال من كان دون الأنبياء من هذا البشر، الله المستعان. ثم وصل السيد صنعاء، ورجع إلى حضرة والده وهو يهرول ويسعى. وأخذ عليه المؤيد محمد بن إسماعيل المتوكل البيعة لنفسه فلم يسعه إلا موافقته، مع أن محمداً ما طالبه لذلك إلا لما صار يدعو إلى نفسه، فأراد قطع حبله وذريعته، مع أنه قد أدبه الزمان، وصار مضطراً إلى ترك ما عليه كان.

وفي نصف شهر ربيع الأول وصل كتاب حسين بن حسن إلى المؤيد محمد يقول فيه: إنه بلغنا أنك اصطلحت أنت وصاحب المنصورة وأقطعته بلاد المشرق من يافع وغيرها، وهذا لا ينبغي منك وأنه لا يسمح ببلاده، وأنه باقي بالارتحال إليها، وما يصلح منك إلا المعونة على إرجاعها وردها على حالها، وإن لم يكن منك ذلك فلا تتعرض لتوليتها.
وكذلك وصل كتاب من علي صنوه فيه معاتبة، يذكر له: أن الشروط التي جعلتها ما كان ينبغي فعلها منقوضة، ولا يتم أمرها لما بلغه أن شرط ابن المهدي رفع علي عنها، فجمع المؤيد صاحب صنعاء القضاة وحسين بن المهدي، وقال: ما ترون في هذا؟ فأجاب البعض أن الشروط التي شرطها ابن المهدي أرجع عنها وقرر كلاً على بلاده، فأهم بذلك وراق في خاطره، فعارضه حسين بن المهدي، وقال: كيف ترجع في شيء قد وضعته وجهزته وقررته وأمرتنا بوضع شهادة مثل ذلك للصنو محمد بن المهدي؟ فهذا لا ينبغي، ومثله تكلم السيد أحمد بن إبراهيم المؤيدي والقاضي محمد قيس.

[47/أ] ولفظ الوضع الذي وضعه محمد بن المتوكل لمحمد بن أحمد بن الحسن هو ما لفظه:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي ألف بين قلوب أصفيائه، وجمع شمل من اختار من أوليائه، لصلاح بلاده وعباده: {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} بأمره وإنفاذه، والصلاة والسلام على محمد الذي جمع الله به شمل الأمة، وكشف به كل بؤس وغمة، وهدى الخلق من الجهالة، وأرشدهم من الضلالة، وصلى الله عليه وعلى آله في كل وقت وحين. أما بعد: فإنه لماوصل إليَّ السيد النجيب العلامة النسيب بدر الدين محمد بن صلاح القطابري أسعده الله بذلك الوجه الذي وضعناه بخطنا وطلبنا فيه والشروط الدينية التي اشترطنا، وعاد الجواب في قفا خطنا بخط الصنو الإمام المؤيد بالله داخلاً فيما اشترطنا، ملتزماً على نفسه بما ذكرنا، وأشهد الله على ذلك وهو خير الشاهدين، ثم أشهد على وضعه الصنو السيد الجليل الأوحد علم الدين القاسم بن أحمد بن أمير المؤمنين ومن حضر من الأصناء الكرام، والقادة الفخام، والعلماء الأعلام، بأسمائهم المعروفة في ذلك الطرس ، استخرت الله تعالى وهو المستخار، وتوكلت عليه وهو الملك القهار بموالات الصنو المؤيد بالله أيده الله، وواليناه وحللنا هذه القلادة[47/ب] بهذه الشروط الدينية، وحقن دماء المسلمين وأشهدنا على ذلك من حضر لدينا وجعلنا موضوعنا هذا شاهد يطلع عليه الأصناء الكرام، والعلماء الفخام، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
حرر بمحروس المنصورة حرسها الله تعالى، يوم السبت ثاني وعشرين شهر صفر، سنة اثنتين وتسعين وألف ، ثم ما أمر أيدينا، عليه من البلاد التي تحت أيدينا وما منَّ به علينا من أهل المشرق كافة ويافع حسبما تضمنه الموضوع الذي بأيدنا، وما اشتمل عليه من الموالاة، وأشهدنا من حضر ورقم اسمه في هذا الطرس، والمرجو من الله الوفاء بما شرطناه من الأمور الدينية، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم انتهى.

وفي هذه الأيام بقي المشرق تضطرب أحواله، وتغير أعماله، فبقي المؤيد مشغولاً بذلك، وتقوى في ذهنه أن مراده قصده، فأفاض على الفقير إلى الله كاتب الأحرف هذا فقلت: وقد عزمتم على ذلك وحررتم النية، وإلا فما كان لفتح المشرق مصلحة، فقال: نعم قد بنى على ذلك، فقلت له: لا بد لكم من النصاب الكامل من العسكر وما يحملهم أقل حالة مثل عسكر بني طاهر، وهم قدر عشرين ألفاً، فأنتم تقدرون على هذا؟ وإلا فالترك أولى، فقال: نعم هو يحصل ربما إذا طلب من أولاد أعمامه وإخوته إذا لم يحصل مما كره منهم، فقلت: لكن قدَّموا اجتماع الكلمة بينكم وبين صاحب المنصورة أولاً، فلم يعجبه هذا بل قال: هو قد سلَّم الأمر لنا وظهر منه أن مراده إرجاع البلاد إلى حسين بن حسن على أنه خاب وهو عين المخاب، وما الأمر إلا كما قال الشاعر:
إن صحبنا الملوك تاهوا علينا .... واستبدوا بالرأس دون الجليس
[48/أ] وليت هو رأي لا يرجع فيه، ولكن متى عقد الرأي لم يتم بل يرجع فيه وينقض في الحال، فلا قوة إلا بالله.
قال السيد أحمد بن إبراهيم المؤيدي والقاضي محمد قيس: فسكت وتردد في ذلك الأمر، وعليه التبس، وبلغه ما قالته يافع، وكتبوا به إلى بلاد قيفة من أنهم يأذنون لهم في غزو حسين بن حسن إلى رداع لما بلغهم كلامه. وأنه يريد الدخول عليهم بعد شرطهم عليه حال إخراجه، وكل ذلك منهم إنما هو هنجمة على حسين بن حسن، لأجل يعرف أنهم غير راضين به، ولأجل يكف عنهم دخوله.

واتفق عند ذلك أخذ إبراهيم بن المهدي لدفعة العدين، وكانت واصلة إلى صنعاء، فأخذها، وقال: هو في حاجتها لمن عنده من العسكر الذين في يريم، وكان محمد منتظراً لوصولها وواعداً للسيد أحمد بن إبراهيم المؤيدي بالزلاج منها. والسيد أحمد طلب الزلاج، فأجاب عليه محمد بالانتظار حتى يدخل يده ما يمده به، واعتذر إليه أنه تعطل ما في يده، وأنه لا يعلم في الخزانة بغير مائة حرف، فعند ذلك استأذنه السيد في العزم، فقرره وسأله الانتظار،، وسبب تعطيل خزائنه وقل ما في يده ضعف هذه السنين، وتفرق البلاد مع غيره.
وفي هذه الأيام تكاتب علي بن المتوكل وحسين بن حسن أنهم يد واحدة [48/ب] على محمد بن المهدي، وأنهم لا يدخلون في شرط محمد بن المتوكل في نزع أيديهم من بلادهم، وأنه أمر محال، ودونه خرط القتاد والخلاف والجلاد. فعند أن بلغ صاحب صنعاء كتب إليهم أنه يريد منهم الجميع الاجتماع في ذمار أو غيره والاتفاق، وتقرير الأمور على ما ينبغي وترك الشقاق. فبعث إلى صاحب المنصورة الرسمي بكتاب، وإلى صنوه علي حسن المحبشي كاتبه، وإلى حسين بن حسن محمد بن إبراهيم السحولي الخطيب بمثل هذا، فالله أعلم ما يتم من ذلك بينهم، وما يتلفق لهم.
وفي هذه الأيام وصل من كوكبان وشبام أعيان من السادة وغيرهم يشكون عبد القادر في الذي لهم، وأنه لم يسلم لهم تقاريرهم، واختص بالبلاد، وجعل التصرف للحريم، فأمر المؤيد عليه بالحجر عن التصرف حتى يوفيهم حقهم الذي لهم.

وفي هذه الأيام بآخر ربيع الأول اتفقت نادرة من النوادر وهي أن شيخاً جندياً من بني الرَمَّاح الذين يسكنون بني مطر كان ملازماً لأحمد بن محمد يركب الخيل، وكان له بيت بصنعاء يسكنه أكثر مدته لملازمته، وأهله في بلد النشمة ببني مطر، وبيته بصرحة الأبهر أن قتل هو وخادمه الحَالّ في بيته حرمة من بني هاجر كان زوجها قد مات فأدخلتها امرأة الحَالّ مع الشيخ الرماح في بيته هذا إلى[49/أ] بيته ، ووقع معها هذه الفعال وقطع رأسها وأيديها ومثل بها، وحملت في باقي عباءة إلى شارع طلحة ، وطرحت قريب باب خالها، ثم لم يظهر ذلك إلا بعد يوم وليلة بعد تحسس خبرها. ولما ظهر ذلك الحادث هرب الغلام وأمسك الشيخ الرماح والحَالّ معه في بيته وامرأة هذا الحَالّ، وحبسوا بعد أن ضربت امرأة هذا الحَالّ وكذلك الشيخ وأوثقوا في الحبس. وكانت هذه الحرمة ببيت مجاور لبيت الشيخ هذا المسمى عبد الله بن عز الدين الرماح وخادمه يسمى شجير. كان أولاً بواباً مع أحمد بن الحسن، والله أعلم بحالها وسبب ما وقع بها، فمن قائل: أنه عمل غير صالح كان بينه وبينها، ومن قائل: أنه لطمع ما معها، ومن قائل: أنه كان طلب معها ابنتها وبذل لها دراهم فلم يتم قولها، فحاق بهم الجميع أعمالهم. وذكرنا هذه القصة لندورها من أجل المثلة بها.
ووصل إلى المؤيد محمد صاحب صنعاء هذه الأيام بأول شهر ربيع الثاني دراهم من السيد حسن الجرموزي صاحب المخا من طريق تهامة وسِهَام والحيمة، وترك طريق اليمن خشية من إبراهيم بن المهدي الساكن بيريم لا يأخذها كما أخذ دفعة العدين أو غيره.
وفي غرة هذا الشهر تراجع أهل المواشي من بلاد برط الذين[49/ب] كان نجعوا بها إلى بلاد جهران وضوران وبلاد رداع وعنس لطلب المرعى لنعمهم بعد أن بلغهم مطر بلادهم. وقد كان خلت بلادهم وتفرق أهلها وصارت خاوية بما ظلموا فيها وقطعوا السبيل بطرقها، وهلك منهم أمة في هذا الجوع الذي أصابهم، والله أعلم.

وفي شهر ربيع الأول أو الثاني توفي الشريف السيد علي بن صلاح الضلعي في بلده ضلع الأشمور، قريب كحلان تاج الدين عقب عوده من صنعاء حضرة المؤيد محمد بن المتوكل، وهو من العلويين أصلهم من سادة المأخذ ، ينتسب إلى عبد الله بن العباس .
كان هذا السيد له ولاية القضاء وفصل الأحكام في تلك الجهة مدة المتوكل والمهدي أحمد بن الحسن، وكان مع ذلك أيضاً قد ولاَّه المتوكل بلاد كحلان، وعزل عنه أولاد الهادي بن الحسن بن شرف الدين وبقي مدة طويلة جامعاً بين الولاية والقضاء، ثم أعاد المتوكل أولاد الهادي بن الحسن لولايتهم لكحلان، وبقي السيد له مجرد القضاء والشريعة، وزالت عنه الولاية رحمه الله. وكانت معرفته بالفقه لا غيره من الفنون، فإنه كان عارياً عن علم النحو بالمرة. وشيخه القاضي أحمد بن سعيد الهبل، فإنه قرأ عليه بصنعاء في مدة طلبه في زمان المؤيد بالله محمد بن القاسم، فلما دخلت دولة المتوكل ولاَّه تلك الجهة قضاءها وفصل أحكامها وأوقافها.
وفي ثامن عشر شهر ربيع الآخر وصل حسين بن محمد بن أحمد بن القاسم راجعاً من اليمن الأسفل إلى صنعاء، فقال له المؤيد بن المتوكل: لو كان بقيت بذمار، فقال: تحتاج العسكر إلى جوامك وسبار.

[50/أ] وأما إسحاق بن المهدي فاستقر بذي أشرق، واستمد من البلاد التي تليه له وأصحابه. وإبراهيم بن المهدي صنوه استقر بيريم تصرف فيها واستولى على ما فيها. وعبد الله بن محمد بن يحيى بن الحسن استولى على نقطة اليمن الأسفل العدين، ودخله وتصرف في محصوله. ومحمد بن المهدي أرسل أبا ريحان بعييِّنة لقبض ربع المخا حسبما وضع له محمد بن المتوكل في شروطه. وخلت يد المؤيد بن المتوكل عن جميع اليمن الأسفل بالمرة. ولم يبق له فيه إلا مجرد الخطبة وصار في أشد حاجة، وخلت خزائنه، ولم يبق له من البلاد إلا دون ما كان له منها في وقت والده؛ لأنه زاد خرج من بلاده الأولة قبل انتصابه بلاد حراز لأحمد بن محمد بن الحسين ، وبلاد ثلا لصنوه قاسم بن المتوكل.

وابن المهدي محمد صاحب المنصورة أرسل ولده إسماعيل إلى بلاد ابن شعفل لإصلاحها، وتسكينها، وصلاح طرقها، ورد ما نهبوه فيها، فلما دخلها وصل ابن شعفل وأبرز خطوط صاحب المنصورة بأنه الذي أمر له بدخول قعطبة والتقدم إلى إب وجبلة من خلفها وشرقها، فكان قد أراد ذلك بأمره. والذي وقع في قعطبة بإشارته[50/ب] وخطوطه وأوامره، فأجاب عليه بأن الأمر بدخول تلك الجهة لا بالانتهاب على الضعفة ، فأمرهم بتسليم ما قد أخذوا، فأرجعوا ما بقي بأعيانه وأخذ منهم آداب وأعواض. وكاتبوا إلى يافع، فأجابت يافع بجوابات فيها مغالطة ومواعدة. وتفرق اليمن الأعلى والأسفل بين خمسة عشر دولة متفرقة، وكل منهم مع ذلك يقول ما حصل الوفاء لحقه، فكان بهذا التأريخ اتضاع كثير من الولاة والرؤساء وزوال دولهم، منهم حسين بن حسن بن القاسم، ومنهم السيد زيد بن علي بن إبراهيم جحاف الذي كان له بلاد زبيد وبيت الفقيه، ومنهم السيد حسن بن مطهر الجرموزي صاحب المخا، فتولى فيه أبو ريحان من قبل محمد بن أحمد بن الحسن، ومنهم جعفر بن مطهر الجرموزي صاحب العدين استولى عليه عبد الله ابن يحيى بن محمد بن الحسن بن القاسم، ومنهم الفقيه حسين الثلايا الذي كان متولي ثلا، ومنهم صاحب حجة السيد علي بن حسين بن جحاف، بسبب حسين بن محمد بن أحمد بن القاسم، ومنهم السيد إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن جحاف زالت ولايته بريمة، كذلك والي حفاش الجملولي وغيرهم، تحولت حالاتهم، وزالت ولايتهم.

وفي هذه الأيام لما استقر عبد الله بن يحيى بن محمد بن الحسن بن القاسم بالعدين قبض محصولاته، وتصرف من نفقاته وثمراته وقال معتذراً: إن الذي جعل له محمد صاحب صنعاء ثلاثة آلاف لأصحابه وأنه يقبضها من غير واسطة واليها، ويرسل بالباقي إلى صاحب صنعاء، فأرسل بالباقي وهو النصف، فلما وصل إلى يريم أخذها إبراهيم بن أحمد بن الحسن وقال: هو الذي جعل له محمد لأصحابه، فانخلعت يد محمد من فائدة العدين، وبقي في صنعاء صفر اليدين، ليس معه إلا الإسم، ودون ما كان معه وقت والده من محصول بعض بلاده، وكثر الاشتراك في المملكة بسبب الضعف، واختلاف الكلمة.
[51/أ] وفي هذه الأيام شهر جمادى الأولى استقرت دولة ابن المتوكل بعض الإستقرار، بعد البذل لأولاد إخوته ما طلبوه من البلاد، ولكن لم يبق معه إلا الجزء اليسير منها، وأعطاهم فوق ما يطلبونه، وأقطعهم البلاد كما شرطوه. وأما يافع فإنهم تغلبوا وامتنعوا، وكانت الأحوال لمن كان من أهل الرئاسة مع هذا المذكور في غاية النفاسة، وأما سائر أهل التقارير فصارت مجرد رسوم وأسماء ولا ظهور لها ولا جدوى، وما أحسن قول كما قال أبو حفص عمر بن علي المهدوي :
ولقد رجونا أن ننال بأمركم .... رفداً يكون على الزمان معينا
فالآن نقنع بالسلامة منكم .... لا تأخذوا منا ولا تعطونا
ولم تحصل فائدة منهم إلا السلامة من ترك بيعتهم، والفائدة الثانية للمسلمين من اجتماع كلمتهم إذا حصلت وسكون الفتن هو الأولى، لأن البيعة إنما تكون لكامل الشروط، حيث كانت إمامة اختيارية وذلك مفقود فيهم، وبسبب تركهم المطالبة عدم طلبنا لهم في شيء من الدنيا، لأن القاعدة أن ((من أكل حلواهم مال إلى هواهم)).
وفي الحديث عن النبي÷: ((أن من أخذ منهم دنياهم أخذوا أكثرمن ذلك من دين من أخذ منهم)).
وكان الحال كما قال المتنبي:
إنا لفي زمن ترك القبيح به .... من أكثر الناس إحسان وإجمال

70 / 94
ع
En
A+
A-