وأمر الإمام المتوكل بأن تُسلم السلطنة إلى الحليف السابق للدولة القاسمية السلطان بدر بن بن عمر الكثيري، فسلمه أحمد بن الحسن حضرموت بعد أن قام باعتقال جميع أعدائه وخصومه. وبذلك تكون حضرموت قد دخلت تحت السيطرة المباشرة للدولة القاسمية. وأصبح السلطان بدر بن عمر سلطاناً على حضرموت باسم الإمام المتوكل إسماعيل، حيث ولاَّه الإمام حضرموت على شروط، ذكرها بن عامر بقوله: "والخطبة والسكة وتوجيه البلاد إليه "أي إلى الإمام"، والبندر من الشحر إلى الإمام، بعامل من عنده". ولأهمية الشحر كميناء رأى الإمام أن يخضع لسيطرة الدولة مباشرة، لذلك نجده في عام (1075ه‍/ 1665م) يعين عليه أمير الدين العلفي، الذي كان متولياً لعدن قبل ذلك.
وعاد أحمد بن الحسن ومن معه من الجند والسادة والأعيان والمشائخ. وكان وصولهم إلى البيضاء ليلة عيد الإضحى في شهر ذي الحجة سنة (1070ه‍/ أغسطس سنة 1660م)، ووصلوا إلى الإمام المتوكل في ضوران محملين بالكثير من الغنائم. واستقبلهم استقبالاً عظيماً. وقد أشار يحيى بن الحسين إلى ذلك بقوله: "ودخلوا في مدخل عظيم، وملقى فخيم، وأبهة ملوكية، وحالة سلطانية".
أما ظفار فلم يتمكن أحمد بن الحسن من التوجه إليها، واستمرت تحت حكم جعفر بن عبد الله الكثيري، حتى سيطر عليها حاكم عمان سلطان بن سيف، وتم تعيين حاكمٍ جديدٍ من قبل السلطان العماني-اسمه خَلَف- غير أن سيطرة العمانيين على ظفار سرعان ما نتهت في سنة (1073ه‍/1663م)، حيث استعادها الكثيريون، وأجبروا خَلَف الحاكم العماني على مغادرتها، تاركاً مدفعين في ظفار، لم يتمكن من حملهما معه، أثناء خروجه منها. وحكمها محمد بن جعفر الكثيري معلناً ولاءه للدولة القاسمية، وذكر اسم الإمام المتوكل في الخطبة. وبذلك تكون ظفار أيضاً قد دخلت تحت سيطرة الدولة القاسمية.

وعلى الرغم من أن سلطان بن سيف حاكم عمان أراد أن يبرر هزيمة خَلَف الذي عينه على ظفار، وإخراجه منها، بأن قدومه إليها كان باستدعاء جعفر بن عبد الله لمساعدته. وبأنه ليس هناك فائدة من إرسال قوات وأمير يحكم ظفار، حيث يقول في رسالة أرسلها للإمام المتوكل: "ولقد لزمنا لمن فيه نفقاتهم وأزوادهم، وما يحتاجونه مدة بقائهم. ولم يدخل علينا منه شيء، بل مجرد الإنفاق، ولا مصلحة أتتنا من تلك الآفاق. فلا رغبة لنا فيه، ولا غرض ننافس عليه". إلاَّ أن هذا التبرير الذي ذكره سلطان بن سيف غير صحيح، فإذا لم يكن هناك فائدة أو مصلحة-ولو حتى مستقبلية-في الوصول إلى ظفار، وإدخالها ضمن حدود الدولة اليعربية في عُمان، فلن يكلف سلطان بن سيف نفسه بإرسال من يحكمها، ويُرسل معه العسكر والسلاح، ويتحمل نفقاتهم، وما يحتاجونه مدة بقائهم. ولكن من الطبيعي أنه كان يطمع في الاسيتلاء عليها وإدخالها في إطار دولته التي كانت تتمتع بشيء من القوة حينها، خاصة أن ظفار قريبة من عُمان، وأرضها خصبة.
أما السلطان بدر بن عمر فإنه بعد سنتين من عودته إلى السلطنة في حضرموت اتجه إلى الحج سنة (1073ه‍/ 1663م)، فتوفي في المدينة المنورة، عند ذلك أمر الإمام المتوكل أن يخلفه في السلطنة ابنه محمد المردوف، فتولاها إلى أن مات سنة (1080ه‍/ 1669م).
وبذلك يكون الإمام المتوكل قد سعى جاهداً إلى توحيد اليمن، وجعله تحت سيادة الدولة القاسمية. وتمكن بفضل تماسك الأسرة القاسمية والتفاف أبناء إخوته حوله، وإخلاصهم له من إخضاع جميع مناطق اليمن. وكان لهذه السياسة أثرها الواضح في ارتفاع مكانة الدولة القاسمية وخوف القبائل ورهبتها من هذه الدولة التي لم توجد أي قوة منافسة لها تستطيع إيقاف توسعها وبسط سيطرتها، لذلك وجدت بعض هذه المناطق أنه لا بد أن تعلن ولاءها لهذه الدولة سلماً. أما من رفض ذلك ودخل في حرب معها، فقد اضطر أن يعلن ولاءه لها بالقوة، كما سبق أن رأينا.

وكانت سياسة الإمام المتوكل وأبناء إخوته التوسعية سياسة حكيمة، إذ حرصوا على إخضاع كل منطقة على حدة ابتداءً من عدن التي كانت تعد ذات أهمية اقتصادية كبيرة. وبعد ذلك المناطق القريبة من حدود الدولة القاسمية مثل الشعيب وبني أرض، ثم ما تلاها من المناطق والتي أهمها يافع إلى أن وصلت إلى حضرموت. ووصلت سلطتها إلى الشحر، أهم موانئ حضرموت، ثم إلى ظفار التي على حدود عُمان. وبذلك أصبحت الدولة القاسمية في عهد الإمام المتوكل تضم اليمن بكامله.
ولكن الأسئلة التي تطرح نفسها هي: هل استطاعت هذه الدولة أن تحافظ على قوتها وازدهارها؟ هل استطاعت أن تحكم المناطق التي أدخلت تحت سلطتها بنفس القوة التي كانت عليه عند الاستيلاء عليها؟ كيف استطاعت أن تفرض هيبتها على سائر المناطق القريبة والبعيدة؟

ثانياً: الاستقرار ومحاولة فرض سلطة الدولة على اليمن الموحد
لقد عمل الإمام المتوكل إسماعيل جاهداً على فرض هيبة الدولة وسلطتها على كافة المناطق اليمنية سواءً التي كانت تابعة للدولة القاسمية منذ عهد أخيه الإمام المؤيد، أم في المناطق التي أُدخلت في عهده سلماً أو حرباً.
وقد أسهب كثير من المؤرخين المعاصرين له واللاحقين في شرح أوضاع الأمن والاستقرار التي شهدتها البلاد في عهده، وكذلك الازدهار الاقتصادي والثقافي، وانتشار المدارس العلمية والإنفاق عليها من قبل الدولة، خاصة في الفترة الأولى من توليه الإمامة حتى بداية الثمانينات. كما اهتم هؤلاء المؤرخون بذكر صفات الإمام المتوكل وأخلاقه وحلمه، وغزارة علمه. وأن تلك الصفات كانت من العوامل المساعدة في وصول اليمن إلى ما وصلت إليه من الازدهار.
لقد شهدت البلاد في معظم حكم الإمام المتوكل على الله إسماعيل الذي امتد ثلاثاً وثلاثين عاماً حقبة من الاستقرار السياسي والازدهار الثقافي والاقتصادي لا نظير لها في تاريخ اليمن الحديث.
فها هو يحيى بن الحسين على الرغم من أنه يعتبر من المؤرخين القلائل الذين انتقدوا جوانباً من سياسة الإمام المتوكل، غير أنه لا يتردد بين الحين والآخر من أن يذكر إيجابياته، وبأن عصره أكثر العصور أمناً واستقراراً فنجده مثلاً يقول: "وكان في مدته أحوال الناس ساكنة في غالب وقته، لم تحصل له معارضة في أمره".
وقد عبَّر ابن عامر عما تتمتع به شخصية الإمام المتوكل من هيبة وقدرة على توحيد اليمن، وإخضاعها بأكملها تحت سيطرته، فيقول: "جمع أكثر البلاد، ودان له المشرق والمغرب. وخطب له في أقصى شرق اليمن حضرموت والشحر وظفار ... وهادته الملوك، واعتقدت به. وعلى الجملة فقطر اليمن من نجد إلى بندر عدن تحت قلمه، ومن ظفار والشحر إلى بندر الحية كذلك".

أما الحبسي فيذكر كيفية قدرته على نشر الأمن والاستقرار في البلاد فيقول: "الحق والشرع، وانتشار الأمن في جهات لا يقدر عليها في العادة ملوك اليمن والحجاز. وامتداد ذلك في جميع أقطار اليمن".
كذلك بعض المؤرخين المستشرقين وصفوا عصر الإمام المتوكل بأنه أزهى العصور، فها هو (سرجنت) يقول: إن فترة حكم الإمام المتوكل على الله البالغة 33 سنة تعتبر ألمع عصر في فترات حكم الأئمة الزيديين. وأوصلت معالم امتداد لمنطقة سيطرتهم إلى أبعد حدودها.
وعقب الانتصارات التي حققتها الدولة في المناطق التي كانت خارجة عن سلطتها أصبحت مهابة الجانب لدى القبائل المختلفة، بفضل سياسة الإمام المتوكل، فيقول الحسين بن ناصر المهلا: "استوثق له اليمن بأسره من البحر إلى مكة. وارتعدت لهيبته الأقطار البعيدة، وكاتبه ملوكها وهادوه".
وبعد أن تمكن الإمام المتوكل من توحيد اليمن، حرص على فرض هيبة الدولة عن طريق تطبيق الشريعة الإسلامية سواء عن طريق الولاة والعمال الذين كان يعينهم الإمام، أو عن طريق القضاة والحكام الذين انتشروا في كل المناطق، وعُينوا من قبل الإمام أيضاً. فنجد يحيى بن الحسين سنة (1080ه‍/ 1669م) يهتم بذكر تطبيق الشريعة الإسلامية بدلاً مما عُرف بالطاغوت، فيقول: "وفي هذه المدة ظهرت أحكام الشريعة في أكثر بلاد اليمن، بل في جميعه في السهل والجبل. وعُرضت كتب الطواغيت والمنع في الأسواق. وصلَّب بها المجلدون، فلله الحمد على ذلك".
ومن البديهي أن انتشار الأمن والاستقرار السياسي الذي عاشته الدولة في هذه الفترة قد ساعد على الازدهار الاقتصادي. وقد عبر الإمام الشوكاني عن ذلك بقوله: "ولم ير الناس أحسن من دولته في الأمن والدعة والخصب والبركة. وما زالت الرعايا معه في نعمة، والبلاد جميعها مجبورة كثيرة الخيرات. وكثرت أموال الرعايا. وكل أحد آمن على ما في يده، لعلمه بأن الإمام سيمنعه عدله عن أن يتعرض لشيء من ماله".

وبغض النظر عن بعض سنوات الجفاف التي تعرضت لها البلاد، نجد أن معظم عهد الإمام المتوكل كانت فيه الأوضاع الاقتصادية مزدهرة ومستقرة، إذا ما قورنت بمن جاء بعده من الأئمة. وكان ثمة حركة تجارية نشطة ازدهرت وتطورت بشكل ملحوظ. وعلى حد تعبير (سرجنت): كان المتوكل مهتماً كثيراً بشؤون الرعية. وفي أيامه كانت الطرق مؤمنة، والأسعار رخيصة. ولا يقوم أحد بظلم أحد من الآخرين، حتى ولو كان الآخرون من الكفار، فبالتالي أتى التجار من كل البلدان.
ونتيجة للاستقرار الأمني والازدهار الاقتصادي، فقد ازدهرت الحياة الثقافية والفكرية، حيث تمتع اليمن بنهضة علمية واضحة المعالم. ومما زاد من ازدهار الحياة العلمية أن الإمام المتوكل إسماعيل كان آخر الأئمة المجتهدين، فيصفه ابن عامر بأنه كان شبيهاً بالأئمة السابقين في السبق، حاز العلوم جميعاً، وبلغ رتبة الاجتهاد في أقرب وقت من عمره.
وتوفرت العوامل الأساسية لازدهار الحياة العلمية في عهد المتوكل، فزاد عدد المدارس، ومن ثم زاد عدد طلبة العلم والعلماء. وكان الإمام المتوكل يصرف على الطلبة والعلماء ما يحتاجونه من طعام، ويوفر لهم المأوى. كما حرص على عقد العديد من المجالس العلمية، التي كان يجري فيها المناقشات والمناظرات، ليس بين علماء المذهب الزيدي فحسب، بل بينهم وبين علماء الشافعية، أو بينهم ومن كان يفد إلى اليمن من العلماء من الأقطار الإسلامية المختلفة.
كما أن ثمة عامل مهم ساعد على ذلك الازدهار وهو تواصل نهج المدرسة الزيدية في الاجتهاد، ورفض مقولة: إقفال باب الاجتهاد. وكان الإمام المتوكل وإخوته كمعاصريهم تلاميد تلك المدرسة.

وتزخر كتب تراجم عصر المتوكل بالكثير من أعلام الفقه والفكر والأدب والتاريخ والسياسة، الذي ترك معظمهم مؤلفات ومصنفات تُذَكِّر بعصر الازدهار للثقافة العربية الإسلامية الكلاسيكية مع جدة في الاجتهاد، وتجديد الفكر. وإذا شارك معظم أولئك في علوم وفنون علمية وأدبية عدة، فقد انخرط بعضهم أيضاً في عمل الادارة الرسمية للمتوكل من قضاء وكتابة، وقيادة وولاية (عُمال) أو سفارة.
ولم يكن يضيق صدر الإمام المتوكل بالمخالفين له في الرأي أو الاجتهاد الفقهي، وحتى السياسي فلم يتخذ موقفاً عدائياً من المعارضين له، فنجد مثلاً العلامة الجلال رغم انتقاده للمتوكل، وبعث له برسالة انتقادية عنيفة لما بلغه مسلك الشدة في قتال بعض قوات جيشه مع قبائل يافع، سماها: (براءة الذمة في نصيحة الأئمة)، إلاّ أن الإمام المتوكل كان يجله غاية الإجلال. وكذلك العالم والمؤرخ يحيى بن الحسين كان في معظم الأحيان ينتقد سياسة عمه المتوكل المالية في مناطق اليمن الأسفل، عن طريق الرسائل التي كان يرسلها إليه، غير أنه كان يحترمه ولم يكن يضيق صدره من تلك الانتقادات، وكان يجيب على رسائل يحيى بن الحسين مبرراً سياسته تلك.
وتتجسد سياسة الإمام المتوكل في العفو والتسامح من خلال إحدى وصاياه لأولاده قبل وفاته، حيث يقول ما لفظه: "وأوصيهم بإصلاح ذات البين، فإنه أفضل من عامة الصلاة والصيام، كما جاء بذلك الأثر. ولا يتم ذلك إلاّ بالاحتمال والصبر، والتغاضي من كثير، والعفو".
كما أنه لم يتعرض للقاضي عبد القادر المحيرسي بأذى، رغم أنه أفتى بأن الاعانة التي فرضها الإمام على الناس غير واجبة عليهم؛ لأن الخزائن فيها ما يغني عنها، ونتيجة لهذه الفتوى امتنع بعض أهالي الشاحذية-التي كان المحيرسي قاضياً عليها-عن تسليم ما فرضه الإمام. ولم يعزله المتوكل عن القضاء في هذه المنطقة.

وعلى إثر ذلك الانتعاش الذي شهدته الدولة القاسمية، وتلك الانتصارات التي حققتها في ضم أجزاء اليمن تحت سيطرتها رأى الإمام المتوكل أن يتوسع في خارج اليمن، وعلى وجه التحديد في الحجاز وعُمان والحبشة.
لقد كان المتوكل بين الحين والآخر تراوده أحلام الاستيلاء على بلاد الحجاز، وطرد العثمانيين منه، فما أن يسمع عن وجود خلل فيه حتى يفكر في ذلك، عن طريق الرسائل التي كان يرسلها إلى أشراف الحجاز يدعوهم للإعتزاء إليه، ودفع الزكاة له. أو إرسال الجيوش للاستيلاء عليها من يد العثمانيين. غير أن من كان يستشيرهم كانوا ينصحونه بعدم التفكير في ذلك، لقوة الدولة العثمانية، وأنها لن تسمح بخروج الحجاز من يدها لأهميته الدينية، وأيضاً لأسباب خاصة باليمن، منها أنه يتعرض للكثير من التمردات والمعارضات والدعوات. "وأن الكثير من أهله كامنة فيهم طلب الرئاسات".
ولم تقتصر رغبة الإمام في دخول الحجاز فحسب، بل إنه-كما ذكر يحيى بن الحسين- في سنة (1065ه‍/1655م) رأى أن يرسل جنوده وخيوله إلى الحبشة، وتحدث للمقربين إليه بشأن ذلك. ومما دفعه إلى التفكير في ذلك على حد تعبير يحيى بن الحسين القصائد التي نظمها القاضي حسين بن أحمد الحيمي، بعد عودته من الحبشة، إثر الرسالة التي بعثها الإمام المتوكل إليها بقيادته.
كما نجد الإمام يفكر في السيطرة على عُمان، فيذكر يحيى بن الحسين بأن الإمام وابن أخيه أحمد بن الحسن كانوا قد رأوا إرسال جنودهم عن طريق نجران، ثم إلى الحسا والبحرين وبلاد عُمان أو البصرة. كان هذا التفكير إثر رسالة بعث بها الشاه عباس الصفوي، يقترح فيها على الإمام أن يتعاونوا على أهل عُمان، للاستيلاء على بلادهم. غير أن الكثير من خاصته أشاروا عليه بعدم المجازفة، وعدم إجابة الشاه عباس إلى ذلك. فعدل الإمام عن ذلك.

ومما لا شك فيه أن اطمئنان الإمام المتوكل لقوة دولته، والتفاف رجالها حوله، وإخلاصهم له، والاستقرار السياسي وما تبعه من ازدهار اقتصادي وعلمي، كل ذلك جعل الإمام المتوكل يفكر في التوسع خارج اليمن. فلو أنه كان يعاني من تفكك أو يشعر بضعف هذه الدولة لما راوده التفكير في ذلك البتة.
ولعلّ ما يؤيد ذلك أن من أتى بعده من الأئمة انشغلوا معظم فتراتهم في القضاء على منافسيهم على الإمامة، ومن الأسرة القاسمية نفسها. هذا إلى جانب التمردات وخروج بعض مناطق الأطراف عن سيطرة الدولة، لذلك لم نسمع عن تفكير للتوسع خارج اليمن في عهد من جاء بعده من الأئمة عدا أحمد بن الحسن كما سنرى لاحقاً.
وعلى الرغم من أن الإمام المتوكل لم ينفذ ما كان يطمح إليه من توسع خارج اليمن، غير أنه بين الحين والآخر كان يصل إليه وفود أو رسائل من الخارج يطلبون الدخول تحت سلطة الدولة القاسمية، من ذلك على سبيل المثال وصول رسالة من قبائل في حدود البصرة، وهم من بلاد الجميلي، سنة (1067ه‍/1665م) يذكرون فيها أنه بلغهم عدل الإمام المتوكل في اليمن، "وأنهم يودون الدخول في الطاعة في السر والعلن، وتسليم الزكاة إلى رسوله، والاعتزاء إليه في قليله وكثيره".
غير أنه لم يتم من ذلك شيء من الجهتين، لخوفهم من السلطان العثماني. "وبعد صاحب اليمن من تلك الأوطان". وفي منطقة (ينبع)، (تقع إلى الشمال من جدة)، تم في بعض مساجدها سنة (1069ه‍/1659م)، الخطبة للإمام المتوكل، غير أنها عدلت عن ذلك خوفاً من العثمانيين، وشريف مكة.

وفي حالات أخرى كان يفد إلى الإمام حُكام بعض المناطق المجاورة لليمن، لطلب المساعدة منه بالمال والسلاح، لأسباب كثيرة، لعل أهمها: اضطراب الأوضاع في مناطقهم، فها نحن نجد متولي (عتود). عبد الكريم بن باز. يتجه إلى الإمام المتوكل ومعه ثلاثين نفراً ليمده الإمام بالسلاح والمال، حتى يستطيع البقاء فيها، وإخضاع قبائلها، وتنفيذ أمر شريف مكة الذي ولاَّه عليها، فساعده الإمام، وأعطاه ما طلب، وعاد إلى (عتود) .
ليس ذلك فحسب، بل إنه كان يحدث بين الحين والآخر نزوح من المناطق المجاورة لليمن إلى داخلها، لعلمهم بالاستقرار الأمني والازدهار الاقتصادي فيه، فنجد في سنة (1082ه‍/1671م) نظراً للصراع بين الباشا حسن والشريف سعد في مكة ارتفعت الأسعار مما أدى إلى نزوح كثير من أهل مكة والمدينة إلى تهامة وزبيد وبيت الفقيه.
ومن التجسيدات الأخرى لطموح الإمام المتوكل بما له من دور كخليفة على المسلمين، ولكي يؤكد قوة دولته وازدهارها، فإنه في عام (1058ه‍/ 1648م) أصدر قراراً بتعيين أميراً للحجاج اليمنيين برفقة كتيبة من العسكر. وكان يرسل مع الأمير قدراً من النقود، عُرفت باسم (الصرة) لشريف مكة، الذي بدوره كان يوزع جزءاً منها للفقراء والمساكين في مكة. واستمر إرسال أمير الحج مع الصرة حتى سنة (1083ه‍/ 1672م)، ثم طلب الوالي العثماني والشريف بركات من الإمام المتوكل أن يدخل الحجاج من اليمن بدون أمير أو عسكر أو سلاح، فاضطر الإمام إلى إرسال الحجاج برفقة السيد محمد صلاح إلى منطقة (حلي) ويعود، كما كان عليه الوضع في عهد الإمام المؤيد.

7 / 94
ع
En
A+
A-