وفي القعدة غزا الشيخ ابن شعفل إلى قعطبة فانتهبها وأخذ ما في أسواقها، وقال: قد هو أولى بنهبها؛ لأنها في حدود بلاده، و هو يخشى من غزو يافع إليها، فيستأثروا بها عليه وأصحابه، وأن الدولة قد صارت[33/ب] مفترقة وقد حصل ما حصل من خلاف قبائل يافع، وأخرجوا عنها حسين بن حسن. وحكى الراوي أن هذه الدار التي حرقت وشلتها النار بمن فيها، كما ذكر، كان عمرها حسين بن حسن واعتنى بها في أحسن أماكن تلك القرية وأرفعها، وجعلها ملتقى فيما بين رداع وبين تلك البلاد، لما يحتاج إليه وما يساق من المصالح من البلاد عليه. وكان فيها يومئذٍ دراهم وحبوب ومدافن ودقيق، حرق جميع ذلك، وما بقى من المدافن انتهبه قبائل الرصاص وغيرهم، وصارت تلك الدار خراباً كما وقع في بلاد يافع من خراب بيت الوالي مسمار وخراب بيوته التي كانت على المال الذي له ولحسين بن الحسن مما اكتسبوه من الأبنان، وغيرها من الأطيان، وراح على حسين بن حسن أكثر ما جمعه من الخزائن والبلاد، ولم يبق معه إلا ما في رداع، وهو فيه على وجل من أن يحصل غزوه من قبائل الرصاص لقربهم، فإنه لم يبق بينه وبينهم إلا مسافة اليوم.
قال الراوي: وكان الحريق عقب وصول أصحاب حسين من الحرب الذي جرى خارج الزهراء وقد أقبلوا إلى حسين بن المتوكل ومعهم بعض شيء من رؤوس القتلى، وانتظار الجمالة وتعاشير الوصلة، فكان الأمر العظيم[34/أ] الحريق حال هذه الوصلة على حين غفلة بسبب الفتائل حال دخولهم الدار وهم يطفونها في الجدار، فكان الحريق ذلك الحال فصدمهم هذا. وكان وصول حسين بن حسن أيضاً حال ما جرى، فكان سبب انكسار نفوسهم الجميع، واختذالهم السريع، ولم يبق لنفوسهم ثقة ولا رغبة بالبقاء في هذه البلدة وساروا منهزمين إلى رداع، مضربين عن ما وراءهم، مبتلدين مما هالهم، وقال بعضهم لبعض: ما بقى فينا لهذا اتساع.
وفي غرة هذا الشهر أطلق علي بن المتوكل الأسرى الذين كانوا عند علي بن المتوكل من أصحاب محمد بن المهدي، وكان جرى لهم من الإهانة ما لا مزيد عليه، فإنهم بعد الحرب الذي حصل معهم قد كان أمَّنهم علي، ثم إن أصحابه سلبوهم سلاحهم ولباسهم، وبقوا عراة، لم يبق إلا ما ستر عورتهم وزنجروا بعضهم وحبسوا البعض، وبقوا في الحبس إلى هذا التأريخ وأخرجهم، ومحمد بن المهدي ما زال محمد بن المتوكل يراسل إليه المرة بعد المرة ويكاتبه، حتى انصرم هذه الأيام جواباته بأنه لا يدخل تحت الطاعة إلا بشرط عزل علي بن المتوكل عن الولاية، ولكنه لا يقدر عليه[34/ب] صنوه، ورتب المراتب، وقوى بيت الفقيه ابن عجيل بولده حسن وجملة من العسكر، وكذلك زبيد. ولوَّم على محمد بن المتوكل في تولية علي بن أحمد صاحب صعدة لجبل صبر، وقال كيف هذا؟ وجبل صبر في حوزة بلدي، وجنب المنصورة عندي، هذا محال أن يتصرف فيه عمال علي وهو تحتي، مع أن علياً قد معه جميع الشام، مع ما انضم إليه من جبل رازح في تلك الأيام.
وصارت الأمور بين محمد ومحمد مشتجرة مختلفة، وصار أمره من ذلك في حيرة، مع قلة المدخول معه من البلاد، لاستيلا محمد بن المهدي على محاسن اليمن الأسفل، وللقطع التي قطعها لمعارضيه في اليمن الأعلى مع قلة محصوله. وقد أنفق خزائن والده وصار الآن يطلب من التجار قرضة، والتجار تعبوا من طلبه، وقالوا: يشق عليهم مطالبته، ولما رأوه من تفرق محاسن اليمن مع غيره، فمن أين يقضيهم إن تمت قرضته؟ ولما تقاصرت عليه الأموال والبذل في الجوامك والرجال هرب كثير من أهل الحيمة الذين كان جهزهم إلى ذمار، فمنهم من رجع بلاده، ومنهم من نزل إلى اليمن الأسفل عند محمد بن أحمد لملازمته، لمَّا بلغهم الوفاء لأصحابه.
[35/أ] وقد كان بعض مشائخ يافع مثل الشيخ ابن هرهرة وغيره كتبوا إلى محمد وهو بالسودة التجرم من الوالي مسمار، وأنهم ما وقع بينهم وبينه إلا بسبب تعديه عليهم وجوره، وكل ذلك تبريداً لمحمد عن مادة وتغوير غارة، حتى يتم له ما تم مما بنوا عليه في شأنه، وشكوا عليه ما سار من الزوائد على بلادهم في المطالب الكثيرة، وأنهم لا يصبرون على ذلك الوالي ولا يرتضونه، وطلبوا منه عزله وعزل حسين بن حسن معه، ثم أنهم أبرموا الأمر وأجمعوا على إخراج الوالي والحرب لمن غوره حسين بن حسن وأصدقوا، فوقع الذي وقع. ولقد انتهبوا محطة حسين بن حسن في الحلقة، لم يبقوا فيها شيئاً، وسوروا البيوت وأخذوا الخيام والسلاح. وكان جملة الواقع في الحلقة حربين اثنين الأول: كان فيه القتال العظيم، وقتل من يافع بالبنادق نحو السبعين والآخر: كانت الحملة من يافع الشديدة، والوقعة العظيمة. وكان خرج أصحاب حسين بن حسن وهو معهم للقتال لأول القوم، فقتل أكثر الخيل وبيرق الخيالة وانتهبوا المظلة والراية وجميع المحطة، وراح من أصحابه نحو خمسين نفراً، فطلب حسين بن حسن الأمان عند ذلك، وخرج عنها مكسوراً، وطاساته وطبوله مجفية ، وقتل[35/ب] من أصحاب حسين بن حسن كثير، قيل: أن جملة القتل من يافع ومن أصحاب حسين بن حسن نحو المائتين، من غير المصاويب والحريق الذي اتفق في الزهراء.
ولما وقع هذا الحادث العظيم وانكسار حسين بن حسن على هذه الصفة وزوال خزائنه والحريق الذي وقع عقبه سقط في يده وانكسرت نفسه، وأما يافع فإنهم جمعوا بلادهم، وأنفذوا كلامهم، وتقوت قلوبهم.
ولما كان نصف شهر القعدة الحرام، وتحقق ابن شعفل ما وقع من هذه القضايا على التمام، وهو في مساقط بلاد يافع مما يلي بلاد قعطبة وأبين، قال: ونحن نغزي قعطبة ونجيش عليها للنهبة، فقصدها وانتهبها، وهرب أهلها بعد أن راحت عليهم أموالهم من سوقها وبيوتها، وكشفوا حريمها، ولم يأمنوا سكونها، خصوصاً ما قاربها من البلاد، بعدما شاهدوا الواقع فيها كبلاد مُرَيْس والعثارب وغيرها، حتى بلغ الهارب عنهم من البلاد بعد أن خشيت من قصدهم وفعلهم فيهم مثلما فعلوا في قعطبة.
ومحمد بن أحمد صاحب المنصورة أرسل بعض زيادة من جنده إلى عدن لحفظه، خشية من أن يصول عليه أهل يافع؛ لأن بلادهم قُرْبه. ومحمد بن المتوكل بصنعاء صار يرسل ما وصله من العسكر إلى نواحي ذمار ورداع على ضعف همة وقل مادة؛ لأن البلاد قد صارت مفرقة وأكثر البلاد المحصلة مع ابن المهدي محفوظة، وفرحت هذه القبائل بما جرى في هذه الدولة من الفرقة[36/أ].
وفي هذا الوقت وهو خامس وعشرين شهر القعدة الحرام وصل كتاب من العولقي يذكر فيه أنه ناوٍ على الأمر الماضي، وأنه لم يكن منه مع هذا الخلاف، والواقع من يافع والرصاص تعدي، فأمر محمد بن المتوكل بإشاعة البشارة، والظفر والتنصير بالنيران لذلك.
وفي هذا الشهر أمر محمد بن المتوكل بالضربة بصنعاء، وربما أنه كَفَّر عن يمينه التي كان حلفها، ورسم أن يكون صرف القرش بثلاثة حروف ونصف، فتضرر الناس من هذا النقص بهذه العشرين البقشة في كل قرش لما يحصل على بعضهم من الخسران.
وأما ضربة محمد بن المهدي فكانت ضربته متقدمة على هذه، من حال انتصابه للأمر بجهته، ولم يرسم رسماً في صرفها، فكانت باليمن ضربتان: ضربة في اليمن الأعلى، وضربة في الأسفل.
وفي يوم الثلاثاء ثامن وعشرين هذا الشهر خرج عبد الله بن يحيى بن محمد بن الحسن بن القاسم إلى جهة قعطبة، أمره محمد بن المتوكل لما طلب حسين بن محمد بن أحمد ذلك، فإنه استقر هذه المدة بعد عزمه في دمت ، واستقر قاسم بن المتوكل بمن معه في رداع تقوية لمن فيه، واتفق خروجه من صنعاء عقب العصر، والطالع الذنب في برج الحوت، وكذلك اتفق خروج حسين بن المتوكل قبله كما سبق في هذا الوقت وقت العصر والطالع الذنب في برج الحوت، وكذلك اتفق[36/ب] الحريق في الزهراء بدار حسين بن حسن وقت العصر والطالع الذنب في حال وصول حسين بن حسن منهزماً من يافع هذا الوقت، وهذا من عجائب الاتفاق في طوالع الذنب لذلك مما لا يكاد يتفق مثله، والقدرة لله تعالى.
وفي هذا الشهر وصل الخبر بأن قبائل الصبيحة والحواشب الذين بجوار جبال يافع وأطراف بلاد عدن وأبين قصدوا إلى لحج، فانتهبوا في أطرافها وأخافوا طرقها، فأرسل صاحب المنصورة ولده وجماعة عسكر معه، فحازوهم ولم يقدر أحد للخروج من البيوت لشدة محاصرتهم. ثم إن صاحب المنصورة زاد بغارة أرسل نقيب العبيد وجماعة معه، فالتقوهم إلى الطريق، احتربوا هم وإياهم، فهزموهم وظفروا بهم وانتهبوهم وقتلوا من قتلوا منهم، ووقعت بالنقيب منهم جنايات، وعاد الباقون إلى المنصورة، ولم يقدروا على النفوذ إلى عند أصحابهم. ووقع أيضاً في خلال هذا غزوة من ابن شعفل في طريق الدمنة انتهب فيها هو والقبائل الذين يقال لهم: الجحافل ، وهم الذين كان يقع منهم الخلاف آخر دولة بني رسول في تلك الجهات، كما ذكره المؤرخون. ومحمد بن أحمد بن الحسن ما أمكنه الخروج بنفسه إلى بلاد هذه القبائل خشية من قبائل الحجرية لا يخالفون بعده، فصار في حيرة وكتب عند ذلك إلى محمد بن المتوكل. وأرسل كاتبه أخص الناس به أنه يتفق به ويحضر الحكام والعلماء والقضاة، وتقام الشريعة فيما ادعاه، فأجاب عليه ابن المتوكل أن هذا هو المراد.
[37/أ]وفي أول شهر الحجة وصل السيد ناصر الديلمي رسول من عند محمد بن المهدي بكتاب إلى محمد بن المتوكل، يقول فيه: أن الاتفاق قد تعذر منه.
قال الراوي: وقد كان أولاً قال في كتابه الذي مع العيزري أنه يتفق هو وإياه والقضاة، ويحضر علي بن المتوكل وحسين صنوه، ويذكر بحضرتهم ما فيهم من الثلم والسيرة، ويحكم بذلك الحكام وما حكموا به كان العمل به، ثم ترجح له بعد عود جواب محمد بن المتوكل الترك لذلك، لما أشار عليه الناس أن هذا لا يكون منه إلا السبب للفتنة، والقضاة قد لا يحصل منهم ما يطابق الغرض مع التحشيد فلا يتم ذلك.
وزاد محمد بن المهدي في الرتب على زبيد وبيت الفقيه وولاَّهما، أما زبيد فجعل فيه ابن الغفاري، وبيت الفقيه آخر من أصحابه، وأمرهم بإخراج الولاة الأولين الذين كانوا من قبل السيد زيد بن علي جحاف، وقطع ما كان يجري إليه منها من غير دفعتها.
وفي هذه الأيام قبيل عيد عرفة وصل جواب الرصاص، لما كان طلبه محمد بن المتوكل منه بالطاعة وترك الخلاف إلى محمد بن المتوكل، يذكر له: أن حسين بن حسن قد خرج من بلاد يافع ومن بلادنا ولم نتعرضه في طريقه، بل خرج محملاً ومن الآن ما بقي إلى بلادنا سبيل في مطلبة ولا زكاة ولا شيء مما كان[37/ب] فلا يصل إلينا أحد، ومن وصل دافعناه وأخرجناه؛ لأنه صار يحصل من الولاة الجور في البلاد، وأما إذا مطلبكم الخطبة فعلناها لكم، وأن الولاية لنا في بلادنا.
وفي هذا الشهر الماضي كان ابتداء دخول زحل في برج الأسد من المثلثة النارية، وهو علامة للحروب وغلبة بعض الدولة على بعض، وتجددات كما ذكره أبو معشر والفارسي في أحكامهما وغيرهما، وقد اتفق باليمن، فإنه كان عند حلوله فيه الحروب باليمن وظهور دولة المؤيد والحسن بن القاسم، ثم دخوله في الأسد حروب جرت في اليمن، واستناد بلاد يافع للمتوكل وحضرموت، ثم هذه الأيام استرجاع يافع لبلادهم والحروب التي اتفقت منهم، وزحل يومئذٍ في آخر السرطان، ودخوله الأسد في حال الحرب، واستيلائهم على حسين بن حسن. وقبل ذلك أول قيام الإمام القاسم وما وقع من الحروب، وقبل ذلك ما وقع فيما بين أولاد مطهر واستيلاء السلطنة عليهم، وقبل ذلك خروج الوزير الأعظم وحروب مطهر، وقبل ذلك استفتاح الزمر ويكون بعض ذلك أقوى في الإنفلات من بعض، كمثل هذا الوقت؛ لأنه اقترن بتمام المائة. وقد جرب بأن على رأس كل مائة أحوال مستجدة، واقترن أيضاً بالنيزك العظيم، وبمقارنة المشتري بزحل في ذلك البرج وغير ذلك، والقدرة لله تعالى في كل أمر، والله أعلم. [38/أ]وقبل ذلك زوال دولة الجراكسة في مصر باستيلاء ابن عثمان عليها، وزوال دولة بني طاهر باليمن، وملك الإمام شرف الدين لليمن، وهلم جراء.
وفي هذه الأيام بعث علي بن المتوكل بجماعة عسكر من تعز إلى مدينة إب يسكنون فيها لحفظها لما بلغه انتهاب قعطبة وخلاف ابن شعفل وتلك الجهة. وكان قد تخوفت بلاد بعدان منهم، لا يحصل إلى بلادهم دخولهم، وخالف هذه الأيام بلاد الشعر وألصوا في بلادهم النيران، وسبب هذا الخلاف هو الاختلاف فيما بين محمد بن المهدي ومحمد بن المتوكل مع ما كان يجري فيهم من الجور من الولاة في المطالب والاعتساف.
ووصل كتاب من حسين بن محمد بن أحمد إلى محمد بن المتوكل يطلب الجوامك للعسكر، وأنهم صاروا في الحاجة إلى الصُّرف، فبقي محمد حائراً في ذلك، مع كثرة المخروج لهم من غير مدخول يقوم بهم، وصارت التوافي معه من خزانة أبيه.
وعلي بن المتوكل صار في تعز كالمحبوس، وظهر عليه الملل والبؤس، وعلم أنه إذا خرج عنه دخله ابن المهدي ولم يتركه، وكثرت عليه الجوامك، وتضنك أهل تعز وسائر بلاده من المطالب مع غلا الأسعار التي عمت، فبقي الجميع في مشقة عظيمة، وأما محمد بن المهدي فهو متنفس؛ لأن خيرة البلاد المحصلة [38/ب]تحت يده فلم يكن معه مثلما مع هؤلاء من المشقة، والمدخول من الدفعات لا تزال مستمرة.
وفي هذه الأيام زاد جور ناظر وقف صنعاء الفقيه يحيى بن حسين السحولي الذي فيها، وكثر من تأجير مفاسح سككها والفاضل من عريص أسواقها، وأمرهما بالبناء فيها واستغلالها، مع الإجماع أنه لا يجوز التعرض إلى شيء من ذلك، وأنها لمصالح المسلمين مشروعة، ولا حق فيها لوقف ولا غيره من الأمور المبتدعة، حتى بلغ به الحال أن سد بعض السكك النافذة بالكلية، وبناها للوقف صبولاً وبعضها أجَّرها وباعها. وصار يوهم الحكام والعوام وهم بين مجوز له فيما فعله من الأعمال، لعدم الشجار له من غيره وبين مجوز له فعله، وأمره مع علمه ببطلانه أو جهله بغروره وعدم كمال عرفانه، بحيث أن والده كان يستنكر ما يفعله النظار من التساهل في هذه الأعمال، وقال: لا يد مع الوقف في ذلك، وإنما صار يكتبونه في الوقف ظلماً بغير حق، فلا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وفي هذه المدة اتفقت نادرة عجيبة وهي أن بعض الفقهاء من بني النحوي اشترى بقرة، فحفت من السير، فترجح له أن استأجر لها جملاً، وفرش عليها تحتها وحملها، فأنشأ أحمد بن علي الشارح هذه الأبيات متعجباً:
أمحمد كيف القضية
والقضايا لم تزل
قالوا اشتريت تبيعة
تشكو برجليها خلل
فرثيت أنت لحالها
فربطتها فوق الجمل
[39/أ]وحملته ما لم يكن
قدماً إلى صنعاء جمل
وعقلته كرهاً لذاك
وكان يهرب لو عقل
لكن تأمل نائب القـ
ـاضي فخاف من الهبل
فدنى لحمله عارة
بين المطايا وامتثل
وتنفس الصعداء وقال
بذلك القول المثل
من خصمه القاضي فيكفـ
ـيه التصبر والخجل
هذا وقد سلم البويزل
في الشوارع والحللل
من صولة الصبيان
للعجب المؤثر للزجل
ولما اطلع عليها بعض السادة قال:
إن يستطع تقميطها
فبقمطها العقدة تحل
ويدهنها أدهن رجلها
منها نعم العمل
ولربما وعسى عسى
نحوي من النحوي الأمل
واحفظ مقامتها لها
ودع الأغاني والغزل
ومن ابتغاك ملامة
قل لست أسمع من عذل
انتهى.
ودخلت سنة ثلاث وتسعين وألف
استهلت بالسبت، والشمس بالجدي بآخر كانون الأول، وفيه في أول يوم من محرم وصلت كتب الحجاج من مكة المشرفة بأن الحج كان مباركاً، وأن اليماني كان ضعيفاً، والأسعار متوسطة.
وأخبروا أنه اتفق للسيد محمد الغرباني حال الوصول إلى مكة، وكان قد ظهر أمره يدَّعي أنه المهدي، فقُبِض عليه بمكة، وكان أيضاً قد أظهر الدعاء من تحت الكعبة، ويدَّعي أنه المهدي المنتظر الذي يقوم آخر الزمان، والملاحم مطبقة على تأخيره عن هذا الزمان.
وفي هذا الشهر غزا صاحب صعدة علي بن أحمد إلىالقبائل الذي كان وقع منهم قطع طريق تهامة إلى جبل رازح، قريب النار فقتل منهم جماعة وانتهبهم.
وفي هذه الأيام أزمع محمد بن المتوكل على التحريك على محمد بن المهدي، فكتب إلى حسين بن محمد بن أحمد وإسحاق بن المهدي بأنهم يتقدمون إلى الدمنة وينتظرون ما يجري، وأنه سيكون في أثرهم إلى ذمار، وإنما يريد قربة تمام الشهر الحرام، فلا قوة إلا بالله، والأمر حري، كما قال الشاعر :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة .... على الحر من وقع الحسام المهند
ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة .... بين الرجال وإن كانوا ذوي رحم
مع قوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أنْ تُفْسِدُوا في الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أرْحَامَكُمْ} [40/أ].
ولكن الأمر كما جرى به العلم السابق والإرادة، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، والله يصلح ما فيه الصلاح.
وصار المؤيد هذه الأيام في حيرة عظيمة من جهة محمد صاحب المنصورة، وما من أمر يريد إبرامه هناك إلا انتقض.
ولو أنهم تقاسموا هذه البلاد وقال الأعلى لك أيها الأسفل ما قد ثبتت يدك عليه، ومع أنه إن والاه، فلا بد له من جعل تلك البلاد عطاه، ولم يبق الاشتجار إلا في مجرد العلامة واللقب، وأمرها سهل بالنظر إلى عاقبة الفرقة، وحصول الحرب والفتنة، ولكن الملك عقيم.