وفي نصف شهر شوال سار حسين بن المتوكل بعد إرسال أخيه له من السودة غارة على حسين بن حسن، لما كثرت كتبه في استمداد الغارة، وما قد جرى من الحرب بينه وبين أهل تلك الجهة، وأنه صار في الحوزة، وأنه إذا لم تصله غارة نافعة لم يكن له فيهم طاقة، فسار المذكور وفرح به، إذ ناله في عوده إلى ضوران، وبقي فيه، ويعتذر بأنه ينتظر العسكر إذا وصلوا إليه. وأمر محمد بن المتوكل عسكر الحيمة بلحوقه والعزم معه، وغيره من مقادمته أمرهم بالغارة. فأما حسين بن المهدي وإخوته فصاروا مترددين في إعانة عمهم لما حصل منه من المحاربة على جانب بلادهم بأبين ولحج، فهم صاروا بين الإقدام والإحجام، وحسين بن حسن تجشم المفاتحة لهذه الجهة والمغالبة في الوقت الذي ما ينبغي فيه تحريك الفتنة.
وهو صار كما قال ابن المقرب في ديوانه:
والمرء يسعى بلا رهط ولا جدة
كالسهم يرمى بلا ريش ولا عقب
مع أن حسين بن حسن قد صار بين عدوين له بلاد يافع وما إليها، وابن أخيه محمد بن أحمد بن الحسن صاحب المنصورة، فهو إما بها وإلا عليها، وقد وقع الحربان: الأول في أبين ولحج وتحريق سوقه، والآخر هذا الذي قد وقع في يافع بينه وبين قبيلته، وما أثمر له نفعاً بل هو صار عليه نقصاً[27/أ]. ووصلت كتب أخرى من حسين بن حسن إلى محمد بن المتوكل وإلى أحمد بن محمد بالمعاجلة بالغارة، فإنه لما تقدم من رداع مغيراً على أصحابه الذين احتازوا بأطراف يافع لمسجد النور إلى الحَلَقة ، وتعذر عليه النفوذ والعبور والصعود إلى جبل يافع، وبقي كالمحاصر في الحلقة وأصحابه في غاية الحوزة والضرورة، فتثاقلت الغواير. وكانت قلوبهم مختلفة، وأحوالهم غير مؤتلفة، والرؤساء يقولون وما لهم من مصلحة في هذه الحركة، فإن البلاد تلك لحسين بن حسن متوجهة وضررها ونفعها له، مع ما كان منه أولاً من الدعوة، فصاروا يظهرون الحركة ويأمرون الناس بالسعي والحركة، وكل أحد متثاقل فيها، ورؤساؤهم يعتذرون بعدم المعاجلة لأجل حضورهم. والعسكر يعتذرون بعدم تسليم حاجاتهم، وكل منهم يحب ظهور العذر لِيُعذر، فصاروا على هذا الحال مدة الشهر. وحسين بن حسن مشغول بالخلاص من تلك الأقفاص، حيث لم يتم منهم الغارات، ولعلها تكون معه آخرها كما جرى مع عسكر السلطنة من الهزيمة من الحلقة والقتال في نجد السَّلف والانتهاب والفعلة الجسيمة، لأن هذه البلاد اليافعية جبال[27/ب] منيعة، إذ هي أطراف البلاد اليمانية، لا تتم اليد عليها إلا بتأكيد أمورها وسكون الأمر الشاغر لدولة صاحب اليمن فيها، ليكون ظهيراً لولاتها. وأما مع تفرق مملكة اليمن، والاشتجار فيه هذا الزمن، فهو لا يتم لهم فيه قوة الأثر، كما جرى فيما سبق لمن مضى وغبر.
وفي هذه الأيام شهر شوال أرسل القاسم بن محمد المؤيد رسله لقبض زبيد وبيت الفقيه ابن عجيل وما إليه حسبما ولاه إياه محمد بن المتوكل، وفيها الرتب من قبل محمد بن المهدي، فردوهم، وقالوا: البلاد لغيرهم، فرجعوا بخفي حنين وقالوا: الأمر قد برم بليل، وساروا ولم يحصل لهم ما قصدوا، ولله قول المقرب الشاعر في ديوانه:
فيا أيها الساعي ليدرك مجده
أفق إن هذا السعي منك اضلال
ودع عنك ما لا تستطيع فقد ترى
مساعي ما لا تطيق ليس تنال
ولله قول المقرب الشاعر:
ومن لم يدبر أمره ذو بصيرة
بكته عن قريب ثواكله
وكم من همام ضيع الحزم فالتقت
عليه عداه بالردى ودخائله
وصار يغريهم ويقوي أمرهم محمد بن مهدي بإتمامهم الخلاف على حسين بن حسن، وأنهم لا يخافون، فإنه لا يجد حسين ما يدفعهم، كما قال الأول :
مصائب قوم لقوم فوائد
والسيد زيد بن جحاف الذي كان متولياً لزبيد ذهب عليه ما كان يستقطعه من بلاده هذه، فصار[28/أ] عاضاً على يده، حائراً في توسع نفقاته والمتعلقين معه وتوسعه في بيته وكثرة إمائه وعبيده، فإنه كان سراريه أربعاً وعشرين جارية من غير الخدم. فلما ذهبت هذه البلاد بعد أن كان حظه من المتوكل فيها الإبعاد، وعلم أن ذلك الحال الأول قد صار إلى نفاد، إذ كانت تلك البلاد نصف محصولها فأكثر له من غير مطالبة ولا محاسبة، مع ما كان إليها غيرها له، فهبط حاله الذي كان فيها وزال، والدنيا تقلب من حال إلى حال.
[هذه الأيام بشهر شوال أرسل القاسم بن المؤيد رسله لقبض زبيد وبيت الفقيه ابن عجيل وما إليه حسبما ولاه إياها محمد بن المتوكل، وفيها الرتب من قبل المهدي فردهم، وقالوا: البلاد لغيرهم، فرجعوا بخفي حنين ولم يحصل لهم ما قصدوا، ولله قول المقرب الشاعر:
فيا أيها الساعي ليدرك مجده
أفق إن هذا السعي منك ضلال
ودع عنك ما لا تستطيع فقد ترى
مساعي ما لا تطيق ليس تنال]
وفي هذه الأيام كثر الوفد إلى محمد بن المهدي ممن يريد الملازمة في العسكر، مع حاجة السنة مع أصحاب والده الأولين الذين كانوا في الغراس ومن القبائل المستجدين، فسار من بلاد برط جماعة كثيرة لازموه واستعدوا من الجامكية، لضعف بلادهم ومن غيرهم.
وأرسل هذه الأيام زيادة في رتب بيت الفقيه ابن عجيل[28/ب] وزبيد، وسار إليه صنوه إبراهيم ومعه جماعة من أصحاب والده، وتنافر هو وصنوه حسين، وخرج من الغراس يريد اليمن الأسفل.
ومحمد بن المتوكل رحل من السودة إلى صنعاء، فدخلها عند شروق الشمس يوم الأربعاء سادس وعشرين شهر شوال، والشمس حالة في برج العقرب في آخر شهر تشرين الأول، والله أعلم.
وفي هذا الشهر استولى محمد بن المهدي على العينة التي من قبل حسين بن حسن في أبين، وهو السيد الحبشي ومن معه وأدخلهم المنصورة.
وفي هذا الشهر لما ضاقت على حسين بن حسن الأمور، وصار في الحلقة طرف بلاد يافع الرعينيين تحت العقبة ، وتعذر عليه النفوذ إلى صعود الجبل لإنقاذ من فيه من الرتبة، وبلغه ما جرى من تجمع القبائل اليافعية، ومن انضم إليهم من البلاد المشرقية، وأنهم استولوا على أصحابه وولده وحازوهم في دورهم، ولم يبق لهم من أنفسهم مخرجاً وحار في إنقاذهم، فاضطر إلى إرسال الشيخ ابن هرهرة -وكان عنده في الحضرة- بالسعي باستخراج ولده وتخلية بلادهم لهم، فسار كما أمره وأخرج ولده عنهم، وبقي في الحلقة ينتظر الغارة. وما زال يكاتب إلى محمد بن المتوكل بالإنقاذ [29/أ]له، وهو ما قد استقر أمره إلا في هذه البلاد العليا فإن اليمن الأسفل كله محكوم عليه من محمد بن المهدي، فبقي في محارة كلامه أن اجتمع له أحد مع حسين بن حسن حتى من صاحب اليمن الأسفل لا ينقلب إلى البلاد التي تحته، فصار بين الإقدام والإحجام بالغارة والناس مستبقون الحركة مع الغلاء في الأسعار وما يحتاجونه.
وأخبر من حضر الوقعة ببلاد يافع: أنه لما وقع أولاً مع مسمار ما وقع من الاشتجار بينه وبين الشيخ ابن العفيف ، وكان قد جار عليهم في مطالبهم مع ما كان سبق معهم، فاستولوا على مسمار، وحازوه في بعض تلك الديار، وقتلوا من أصحابه سبعة أنفار، وراح من أهل يافع أكثر بالبنادق من داخل الدار، ثم أنهم عقروا عليه أشجار البن التي كانت معه، وخربوا محاميه ودياره، ونهبوا جميع ما معه من سلاح وغيره. فلما أغار ولد حسين بن حسن بمن معه من العسكر وكانوا نحو سبعمائة أقبلت يافع كالجراد وقد تعاقدوا على الحملة عليهم إلى البيوت التي سكنوها في مسجد النور، ولا يبالوا بالرصاص ولا بمن قتل من الناس.
قال: فحملوا عليهم إلى البيوت، ودخلوا عليهم من حافاتها، وتماسكوا بالأيدي طعناً وضرباً، ولم يبالوا بمن قد راح بالبنادق منهم، حملة عنترية ، ووقعة عظيمة غضنفرية [29/ب]. ولم يبق إلا البيت الذي فيه ابن حسين بن حسن لا غير، وصاروا تحت أيديهم، وفي قبضتهم، ولم تنفعهم البنادق التي معهم، لأنهم لكثرتهم طفحوا على عددهم، ولم يبالوا بمن قتل بها منهم.
قال الراوي: وانكشف الحرب والقتل من يافع بالبنادق حال حملتهم قدر خمسين قتيلاً ومن العسكر دونهم، هذا صفة الواقع الذي جرى بينهم.
ثم خرج ولد حسين بن حسن برفاقة الشيخ ابن هرهرة، كما سبق ذكره، إلى حضرة والده وهو بالحلقة، وأخرجوهم من يافع لا يألون على شيء إلا السلامة لمن بقي منهم. وحسين بن حسن أيضاً في الحلقة محوزاً، وهي حد تحت عقبة يافع وهو طرفه، ومنها ابتداء بلاد الرصاص ونجده، وصار حسين بن حسن يستغيث بالغارة الكتاب بعد الكتاب إلى محمد بن المتوكل، وقد خالفت جميع البلاد اليافعية وما خلفها من البلاد الحضرمية من نجد السلف إلى أقصى حضرموت وخلف، ورجعت هذه البلاد لأهلها وسلاطينها ومشائخها، وتعقب ذلك خلاف بلاد الرصاص، وانتهبوا البيوت في البيضاء ، وما فيه لحسين بن حسن أيضاً[30/أ].
وفي هذه الأيام أنشأ السيد زيد بن محمد بن حسن بن القاسم قصائد عظيمة، وأشعار بليغة، ورقائق لطيفة، مع تضمينها المعاني القويمة التي لا يدركها إلا من قد مارس في الفكرة وكثر في المطالعة. فما هي إلا منحة له عجيبة، وحالة في هذا الزمان غريبة، على ما هو عليه من صغر السن فإنه أنشأ مثل هذه القصائد وهو في نحو عشرين سنة من يوم ولادته، إذ مات والده وما قد تم ختانه وإعذاره، وإنما ختن بعده، ووالده مات سنة تسع وسبعين كما سبق، وبلغ هذا السن وقد أحرز علم العربية، وقرأ العلوم النحوية، وقرئ عليه فيها، ومما أنشأه من القصائد قوله:
نحوكم قلبي المعنى جنحا
فلذا لوم عذولي قبحا
آح كم أشكو تباريح الهوى
وزماناً للقا ما سمحا
ورقيباً قد غدى يرقبني
في الهوى قد نلت منه البرحا
آح من دمع غزير هامل
كلما مر بخدي جرحا
آح من نار بقلبي أحرقت
وزنادٍ لفؤادي قدحا
آح من صد وهجر وقلا
حره في وسط قلبي لفحا
وإذا عرض لي في حبهم
عاذل أعرضت عنه أن لحا
يا أحبابي ومن ذكراهم
كلما مر بسمع شرح
وأعيدوا لي أياماً مضت
خصنا الله فيها بالمنحا [30/ب]
فاذكرونا كذكرنا لكم
رب ذكر قرب من نزح
ووصال قد حلا لي مثلما
قد حلا يعقب........... ملحا
وغيرها من القصائد كثيرة مع صغر سنه وحداثته، فما ذاك إلا منحة وعطية قل من يدركها، فلذلك توجه ذكرها، والإشارة إليها، وقد جمع قصائده في ديوان.
وفي هذه الأيام وصل الخبر من الهند أنه خالف ولد السلطان على أبيه، واستعان بالإنجريز من النصارى وسيواجي على والده السلطان، فوقعت بينهم حروب شديدة، وفتنة عريضة طويلة.
وفي هذه الأيام رجع رسول أحمد بن الحسن من بلاد المهري وهو السيد أحمد القطابري، الذي كان أرسله قبيل موته إلى المهري صاحب جزيرة سقطرى وسواحل بحرها ما بين الشحر وظفار بأنه يؤهب الضيافة وأنه يأتي بالإرتحال إلى بلاد العماني لاستفتاحه، فسبق الأجل عن ذلك الأمل، مع أنه كان يجري على اليمن المشقة، لأجل طول المسافة البرية، وعدم إدراكهم للأعمال البحرية ومع ما عرف من حال أحمد بن الحسن من تضييع من معه كما فعل عند دخول حضرموت[31/أ].
وفي سلخ شهر شوال منها لما خرج أصحاب حسين بن حسن من يافع الداخلي برفاقة ابن هرهرة، واجتمعوا بحسين بن حسن بالحلقة اجتمعت يافع وقالوا: نقصد حسين بن حسن ونخرجه من حدود بلادنا. والحلقة هي حد بلاد يافع، فتعاقدوا جميعاً على القتال كالمعاقدة الأولى، وقالوا: نحمل عليهم للقتال بأجمعنا، ولا نبالي بالبنادق، وأن من سقط منها ندعسه بأرجلنا، ونلاحمهم بالسلاح، ويروح من راح؛ فقصدوهم على هذه الإشارة والنية، وسلوا سلاحهم وفتئت رؤوسهم، واختلجت للقتال أجسامهم وقصدوهم. فكانت حملة عظيمة، ووقعة جسيمة، وقتل من الجانبين مقتلة شديدة بعد أن خرجت الخيل التي لحسين للمقاتلة والطعان بالرماح والمصاولة، وبنادق حسين تحميهم من الحلقة لمن حمل عليهم، والتحم القتال، وطال النزال ثم انقضى الحرب الأول على هذه المقتلة. وكان القتل في يافع أكثر في هذه المرة، ثم لما أصبح الصباح وظهر ولاح قصدوهم بزيادة قد جمعوها، ووفرة فيهم قد لقوها، منهم من يقول سبعة آلاف ومنهم من يقول أكثر، ولفوا عليهم وأحاطوا بهم إحاطة الهالة بالقمر فكهلوهم . وانتهبت[31/ب] بيرق الخيالة بعد قتله وجماعة معه، وقتلوا فيهم أكثر من خرج من الحلقة عليهم، ثم انكسروا واحتازوا فيها، ولم يبق لهم طاقة على مقاتلتهم لكثرة جمعهم وعدم وصول غارة لحسين بن الحسن تعينهم، فلما أيس عن القدرة عليهم خاطب في الخروج عنهم وطلب الأمان، فبذل له الشيخ ابن العفيف، وهو يومئذٍ رأسهم والمتبوع فيهم. وخرج من الحلقة مكسوراً مهضوماً في الليل خشية من قبائل الرصاص؛ لأن قد صاروا في الطريق بعد إظهار الخلاف حتى وصل إلى الزهراء حد بلاد بني الرصاص، وكان قد وقع حرب ما بين الزهراء وبين نجد السلف بينهم وبين الغارة التي كانت وصلت إلى الزهراء من قبل صاحب صنعاء. وكان أيضاً بعد ذلك الحرب الذي جرى قد وقع ما هو أعظم منه من الموجب للخذلان، وعدم تمام الغارة التي كانوا قد أرادوها لحسين بن الحسن من الحريق
العظيم، والأمر الشديد الهائل الجسيم، وذلك أنه كان حسين بن المتوكل وأكثر أصحابه الذين ساروا معه نزلوا في دار هنالك لحسين بن الحسن. وكان قد وضع في سفال هذه الدار أحمال[32/أ] من البارود وبقت مطروحة في غرائرها وبعضها في مخزان فيها، فكثر الداخل والخارج من عسكر حسين بن المتوكل، والواصل منهم يصل إليها والفتايل مع بعضهم ملصاة ومنهم من يحكها في دهليز الدار بعد تعشريته، فلكثرة الناس وأكثرهم لا يعرفون ما في تلك الغرائر الملقاة فلم يحاذروا أحداً منهم عن شرار النار والفتايل ونحوها من الداخل والمار، فلعله في علم الله، اتصل من ذلك شيء من النار إلى أحد تلك الغرائر البارود فاشتل شلة واحدة، ونفض الدار نفضة هائلة بمن فيه من السادة والفقهاء والعسكر في ضوء النهار، أوان العصر عند أن صارت الشمس للإصفرار، على حين غفلة من أولئك الذين فيها، فكانت أعظم مصيبة وقعت عليهم بها. فقيل: أن جملة الذي حرق بالنار خمسمائة من سادة وفقهاء وعسكر وخدام، ومنهم سادة بني عامر وحسين بن المتوكل حرق أيضاً، وخرج من جانب من الدار، وقد علق به شيء من النار[32/ب] فكان هذا الأمر العظيم......... من هذا الحريق هو الموجب لخروج حسين بن حسن من الحلقة، وطلب التأمين...... ومن الإدبار. والعلم السابق الذي سبق في هذا الأمر الذي فيهم صار أنهم وضعوا بأيديهم ما هو سبب إلى حتفهم وهلاكهم من البارود بأسفل الدار، مما يحاذره الناس ولا يضعوه قربهم ولا تحتهم لجميع الملوك في الأقطار لكنها {لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } وكيف يحاذر من دون البارود كوضع الأعلاف آحاد الزراع فإنهم يضعونه في مكان مفرد خشية من شرر النار، فأما البارود فهو أعظم في المحاذرة وأبعد في المجاورة، ولكن إذا حضر القدر عمي البصر، وقد يكون ذلك بحكمة الله عقوبة فيما جرى من حريق أصحاب حسين بن حسن لمن في أبين.
وهذه الحروب التي جرت من يافع ما قد جرى مثلها من القبائل؛ لأنهم حملوا على البنادق والرصاص، ولم يبالوا بمن رمى وفات.
وإنما تقع الحملات مع الملوك الكبار الذين يسوقون العساكر بالحملات، بالسيوف المرهفات، وبذل المال والأعطيات، وقد جرى من يافع نحو هذا مع عسكر السلطنة في مدة الوزير حسن لما خالفوا عليه وقتلوا الأمير أحمد واليهم وأخرجوه وهزموا الغارة التي وصلت والأمراء الذين بلغوا إلى نجد السلف وانتهبوهم، وبعد ذلك تركهم الباشا حسن ومن بعده ولم يتعرضوا لهم في جميع مدتهم مع ما اشتغلوا به من الغزوات التي جرت معهم.
وعند ذلك في عاشر[33/أ] القعدة أمر المؤيد محمد بن المتوكل أولاد المهدي بالعزم إلى بلاد ذمار، فسار إسحاق بن المهدي وحسين بن محمد بن أحمد صاحب الروضة واجتمعوا بذمار، وأمرهم أن يكون بقاهم في تلك الجهات، فساروا يوم السبت حادي عشر شهر القعدة. وكان قد طلب من حسين بن المهدي دراهم من الخزانة التي خلَّفها المهدي، فأجاب حسين أن والده أوصى بديون عليه كثيرة في ذمته لبيت المال وهي تستغرق أكثرها، وإذا بقي اليسير منها فالحاجة إليها. ولما وصل حسين بن حسن إلى الزهراء، لم يلبث فيها وتقدم إلى محل قراره ووطنه وبيوته برداع، وكذلك من بقي من أصحاب حسين بن المتوكل بعد الحريق الذي حصل معهم، وفرغت جميع البلاد المشرقية لأهلها وزالت دولته عنها.
وبقت المحاذرة للمؤيد صاحب صنعاء من محمد بن المهدي صاحب المنصورة ومن المشرق لا يحصل في رداع مع حسين بن حسن قضية، لقربه من بلادهم، فلذلك أرسل هؤلاء إلى ذمار يبقون فيه مما يجي من الجانبين.