[9/أ]وفي هذه الأيام بشهر الحجة الحرام حصل بقدرة الله تعالى زلزلة في بلاد ثلا وبلاد عفار واتصلت إلى بلاد همدان، فالقدرة لله تعالى فيها، وكانت بالثلث الآخر من الليل، وآخره شيء يسير بنواحي الرحبة والغراس منها.
وفي آخر شهر الحجة مات الشيخ راجح متولي بلاد همدان، ولاَّه المهدي بعد وفاة الحرة، وكان قبل ذلك متولياً في زمان المتوكل لبلاد تعز وجبل صبر ، وكان المذكور جائراً طالما شكاه أهل جبل صبر إلى المتوكل، فلم يشكهم ولم ينصفهم بعزله، ولا حط عنهم ما زاده من المطالب، وقرره، وضَعُفوا وركُّوا كثيراً للجور فيهم، وشاجرهم وأخذ كثيراً من أموالهم بأبخس الأثمان، ثم قضى الله وفاته بصنعاء بعد طلوعه من عدن، مما عليه للمهدي من مال البندر، وأصله من بني الكينعي، جنوبي جبل ضوران وغربي ذمار.
وفي هذه الأيام اتفق أن رجلاً من أهل الشرف لما رأى القاسم صاحب شهارة يكثر الآداب بالدراهم على كل من شكاه من الآداب بحق أو باطل، ويصادق قول الناقل، فكتب إليه شكوى من مسعود أنه قال: يأكل عليه من عنبه ويغيره، فأرسل بأدب عليه قدر عشرة حروف، فوصل إلى البلد فلم يجد واحداً اسمه مسعوداً غير كلب، قال ذلك الناقل إنما هو أراده، وقال لقاسم: أنا أردت بهذا...... تكفوا عن تصديق الناقلين.

ودخلت سنة اثنتين وتسعين وألف
في أول محرمها جاءت أخبار الحجاج بأن الحج كان مباركاً على العادة، وأن السلطان أرسل بدراهم واسعة في تنفيذ العين الزرقاء المباركة عين مكة إلى وادي فاطمة، ثم تُجَرُّ إلى بندر جدة.
وفي محرمها وصل الخبر مع الحجاج بنو عضبَّبة أن حال مرورهم السراة وبنو حبيب الذين بجوار جبال [9/ب] بلاد صبيا ومساقط جبال الحشر لقوهم هاربين طالعين جبل السراة، وذكروا أن أصحاب المهدي قصدوهم إلى بلادهم، فاستأصلوا ......... وهربوا عنها. وكان ولد المهدي هو رئيس القوم قد استقر أولاً بدرب ملوح ما بين صبيا وبينهم، ثم تقدم عليهم، فهربوا عن بلادهم إلى جبال السراة.
وفي هذه الأيام قرر المهدي الجزية على اليهود، الذين كان حرج عليهم وشردهم وأراد إخراجهم، فلمالم يستقر لهم القرار في البلاد الموزعية وعادوا متفرقين في البر لطلب المعيشة أهملهم هذه المدة، وراحت عنهم الجزية حول سنة، بسبب تنقلهم من جهة إلى جهة وعدم طلبه للجزية، ثم قررها عليهم هذه المدة، فاستأنفوا العمارة لهم والشراء والكراء للمساكن في القرى، كل رجع إلى محله أو ما يقرب منه، ويهود صنعاء قال: يعمروا لهم جنوبي بير العزب خارج صنعاء، فعمروا لهم بيوتاً هنالك.

ومما اتفق أن رجلاً يقول أنه شريف، أصل جده من المغرب الجوان، وأن والده سكن الحجاز، وأنه انتقل إلى اليمن، وأنه سكن في بُرع ثم صنعاء ثم كوكبان،[10/أ] ويسأل من التأريخ وقال: أن جده ذكر الشرجي في الطبقات بعد أن ذكر أنه مات بالمغرب وقال: اسمه إبراهيم، ولا أصل له، لأن الشرجي إنما يذكر في طبقاته من كان باليمن الأسفل لا غيرهم. وقال المذكور: أنه يعرف تأريخ الشيخ حسين الأهدل ، فقلت له: نعم التأريخ له مشهور، وله غيره من المصنفات مثل شرح (دعاء أبي حربة ) ، فقال لي المذكور: ليس شرح دعاء أبي حربة له بل لغيره، فعرفت جهله. ثم قال: والشيخ حسين الأهدل سيد، قلنا: نعم، يذكر مثل ذلك، وقد أشار في ترجمة جده أنهم سادة، ثم قال: والشيخ أحمد الرفاعي العراقي المشهور سيد وهو -بضم الراء- وكل من كان بضم الراء فهو سيد، ومن كان بالكسر فهو غير سيد، فقلت له: المذكور قد ترجم له ابن خلكان في تأريخه، فضبطه فقال:لم يضبطه ابن خلكان، فعرفت جهل المذكور، وأنه يجادل بالباطل، فإن ابن خلكان ضبط الشيخ أحمد الرفاعي بالكسر للراء، ولم يذكر أنه سيد.
ورأيت رجلاً وخبره مُطلِّب في أبواب كثير من الناس بالتسبيح، وعلى جنبه إزار وسبحة طويلة، وتارة يقول: أنهم فقهاء، وتارة يقول: أنهم أشراف، وتارة يطلب عند سفر الحاج فيقول حجاج ، وكل هذا كذب منه وتارة يقول: هو من بلاد القبلة وتارة[10/ب] من بلاد آنس، وطلَّب مرة فقلت له: ما بالكم تقولون مرة أنتم أشراف ومرة فقهاء ومرة حجاج ومرة من بلاد كذا ومرة من بلاد كذا، الكذب لا ينبغي لكم، فاستحى وتوارى، وأجاب صاحبه بأن: لعله غيرنا.

وجاء الخبر مع الحجاج الواصلين الآخرين بآخر شهر محرم يذكرون أنه كان آخر الحجة والحجاج في هذه الرحلة، فانصب مطر غزير في جبال مكة، فلما رآه الناس شدوا جمالهم يريدون الهرب من السيول، لما رأوا الجبال تنصب إلى أعالي مكة، فانحدرت السيول من كل جانب، ولم تمهلهم، فحمل السيل كثيراً من الناس والجمال والأحمال، ودخل السيل المسجد الحرام، حمل من كان فيه وبلغ إلى باب الكعبة وتراجع السيل فيه وكبس إليه كبساً كثيراً وخرب من جوانب الحوانيت بعضاً ومن البيوت كثيراً في المسجد الحرام كبساً كثيراً، وعم المطر جبال مكة وكثيراً من الحجاز، وبلغ إلى القنفذة، وكان ذلك آخر شهر كانون وهو مطر الوقوف والربيع. وضرب مما يلي الغادي وخصوصاً الشبيكة وخرج السيل من العمرة، وكان خروج الحجاج على حالة شاقة، فأهل اليمن خرجوا إلى الناحية الجنوبية وشاهدوا السيل وهم في وجل عظيم بعد من راح منهم وعليهم، وباتوا خارج مكة، والشامي يقال: أنه كان قد خرج إلى جوار وادي فاطمة ، وأما المصري فدارت عليهم الدائرة وتعثكلوا بمكة، وحمل منهم وعليهم.
[11/أ] وفي عاشر شهر صفر وصل الخبر من عند إبراهيم بن المهدي من كلامه يذكر أن آل حبيب الذين يقربون جهات صبيا في حواز الجبال من شرقيها قد واجهوا وأصمتوا، وارتفع إبراهيم عنهم بجامع صنعاء، وحث الناس على إجابته وصحة إمامته، ورضاه به، ثم بعد ذلك نقض ما كان أبرمه، وأعلن فيه إلى إبطاله وندمه على ما سبق له من بيعته، وأظهر لكثير من خاصته كراهة ما تحمله، وأنه ليس بأهل لذلك، ولا يصلح لمنصب الإمامة، وتحمل الزعامة، في أقوال كثيرة، نعلم منها عدم كمال تحرير البصيرة، والتخليط والمجازفة، واتباع هوى النفوس، ولهوى النفوس سريرة لا تُعلم.

ومن مجازفاته اختباط أقواله في النقول عن أهل السنة، فإني... رأيت له شرحاً على عقيدة المتوكل إسماعيل يذكر فيه أقوال علماء السنة والمعتزلة، واختلافها بنصوصها وألفاظها، ويحتج بها على أنها متفقة في المعنى مختلفة لفظاً، كما هو القول المعتدل، ثم نقض ذلك، وندم على ما هنالك، ورد ذلك الكلام إلى الإبطال، والترك لتلك الأقوال.
وكان قد ولاَّه المتوكل في أول دعوته لبلاد الروس ، ثم عزله آخر مدته. وكان قد بنى له محلاً ما بين عافش وبين سامك ، وسكنه آخر دولة المتوكل، وفي مدة أحمد بن الحسن، وله اختلاف إلى الروضة وصنعاء. وكثر في النساء، فتزوج أربعاً بالروضة وصنعاء وعافش، وشق به النفقات، واستثقل سؤاله الأمراء، ولم يمدوه إلا بدون[11/ب] ما يطلب ويهوى، فلأجل ذلك أقال نفسه من البيعة، وغضب في نفسه من تلك الحضرة. وظهر من ذلك أن الأعمال ليس فيها تحرير النية، وأنها دنياوية، وحراسة العمل أشد من العمل، والقلم حجة على من يحمله إن........ مع الهوى، بل يصونه ويتبع الهوى، والله الموفق.

ومن جملة اضطراب حاله وأقواله أنه بعض سنين حجِّه اتفق بالشيخ العارف البابلي أيام سكونه بمكة، فطلبه إجازة في الحديث، ففعل البابلي حال عزمه ورجوعه إلى بلاده جهات مصر، وأثنى عليه وعلى الحديث والسنة، كما سمعته منه غير مرة. ويكفيك بتحقق اضطراب حاله، ومناقضة أقواله ما علم عنه من التشديد حال قيام المهدي أحمد بن حسن، وتحريضه على نصرته، وتولي الرسائل بخطه إلى الجهات، والغلو فيه بكمال الشروط والصفات. وأن أحمد بن حسن الإمام الرضى المرتضى. وصنف أيضاً عند ذلك كتاباً في صحة إمامة المقلد، واحتج على من سأله وعلى غيره، وجدواجتهد في إعلان أمره، ثم ما كان بآخره من انحطاط ما عقده بأمسه، والرجوع إلى نقضه، فعرف من ذلك إنما هو الاتباع للهوى، وأن جميع ما يرسل به وصنفه من كتب إلا هوى، والله عند لسان كل قائل. وله أنه اعتدل عن ذلك الطور مثل غيره وجامل[12/أ] وترك ذلك الأمر وأعرض عنه، واتبع قول رسول الله÷: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )) وتكلم بما....... وماله لكان له فيه مندوحة، لكنه غلا غلو الروافض والخوارج، وتعدى الطور إلى التطور في الجانبين، والله أعلم بالسراير، وإنما قيام أحمد بن الحسن على التحقيق من باب الإمارة والملك.......... في سائر الجهات، وخرجوا من الغلبة على رأي أهل السنة رضي الله عنهم في اتباع المصلحة وسكون الدهماء. وأما كمال الشروط فمن ورائها........... ومع اتفاق الزمان بمعارضيه إن اتفق لهم بعض الشروط واختل الآخر، فلأجل ذلك كان ذلك هو الذي سكن الدهماء. ويولي الله ملكه من يشاء، والله الموفق.

وكان تحويل السنة ثالث ربيع الأول هذا بدخول الشمس أول درجة ....... والزهرة في الشمس، والقمر في الحمل، وكذا عطارد وزحل في السرطان، والمشتري في الجوزاء، والمريخ بالسنبلة، وجاء في ذلك والبلاد اليمانية صاحية من المطر أجمعه، من اليمن الأعلى والأسفل والمغرب وتهامة. والسعر ارتفع والوقت وقت الصيف، آخر شهر آذار، فلله الحكمة. بلغ القدح يومئذ البر ثلاثة أحرف[12/ب] والذرة بحرفين، وفي المغارب بأكثر، والشعير بسبعين كبيراً. والغنم غالية، الرأس أصبح يبتاع بثمن الأضحية، والسمن الرطل بستين بقشة، فلله في ذلك حكمة.
وفي شهر ربيع الأول وصل إلى حضرة المهدي بالغراس حسين بن عبد القادر صاحب كوكبان شاكياً من أبيه وأخيه على سبب الوزارة لأبيه عبد القادر بعد موت أخيه علي بن عبد القادر في الشهر الماضي، وكان صنوه هو أخوه من أبيه وأمه، فلما عين الأمير عبد القادر أخاه حسناً، وكان لأنه أكبر من حسين في السن تغير خاطر حسين، لكونه أقرب إلى أخيه علي؛ لأجل أنه من الأم والأب، فاشتجروا. فلما وصل إلى حضرة أحمد بن الحسن غاضباً زجره المهدي، وقال: الأمر على ما فعله والدك، وعليه فالأمر والولاية له، والحق للأكبر في السن، فلا يصلح منك مخالفته، وزلجه في بعض أصحابه من خاصة خدمه، واستبقى عنده من وصل معه وقال: سر إلى والدك فرداً، وكان قد كتب والده بسبب عزمه إلى المهدي، فحصل الرضى بذلك والسكون.
[13/أ] وفي غرة شهر ربيع الأول وصل إبراهيم بن المهدي ومن معه من تهامة وكان متأثراً بمرض، ووصل معه جماعة من مشائخ بني حبيب وواجهوا، وقرروا بينهم وبين أهل صبيا بعدم الفساد والتقدير والسلوك على الطريق المرضي.

وفي هذه الأيام خرج السيد محمد الغرباني من برط لأجل ما ناله من الجوع فيه والقحط إلى البلاد الشامية، فبلغ إلى قراض، ونجع كثير من برط وخلت فيه قرى واشتتوا في الآفاق بعضهم في بلاد صعدة وبعضهم في بلاد صنعاء وضوران وبعضهم بقي في بلاده. ومع هذا صار السيد الغرباني يدعو الناس في تلك البلاد إلى جانبه والخروج معه، فلم يرفع أحد منهم لكلامه رأساً، وأعرضوا عنه.
وفي عاشر هذا الشهر انتهبت سفيان قافلة بالعمشية قرب عيان وهي سائرة إلى جهات صعدة، فيها دراهم وبز وبضاعة خارجة من صنعاء أكثرها لشُماة من الذين يبيعون الخيل ولغيرهم من التجار، فقاتلهم أهل القافلة ودافعوهم بمجهودهم حتى قتلوا منهم رجلاً وهزموهم، فانعطفوا عليهم وجمعوا معهم غيرهم[13/ب] وأخرجوا عليهم البنادق ورموهم، فقتلوا منهم سبعة أو ثمانية، وصالوا على الحمولة انتهبوها أجمع دراهمها وبزها ومصاويب في آخرين، وفعلوا فعلة عظيمة، فلا قوة إلا بالله. فلما بلغ أحمد بن الحسن وهو بالغراس أرسل في الحال ولده إسحاق بمن حضر في المقام، وأمر محمد بن المتوكل بالتجهيز، فأرسل ولده القاسم بجماعة عسكر. وقد كان وصل إلى عيان أحمد بن المؤيد من وادعة واستقر بعيان، ثم خرج صاحب خمر في الأثر وهو حسين بن محمد بن أحمد بمن معه واجتمع الجميع بعيان، وكثر العسكر فيه حتى بلغوا إلى نحو ألفين، وتقدم حسين بن محمد بن أحمد وإسحاق وقاسم إلى البلاد، فخربوا فيها قرية الحرمة وقرية الحيفة ، وانتهبوها أجمع. وهربت سفيان إلى وادي مذاب ، وبعضهم في أطراف بلادهم، فلما بلغ أحمد بن الحسن أن هؤلاء الذين هربوا جاؤوا مذاب -ووادي مذاب قريب بلاد ظفار- خرج من الغراس بنفسه يوم الخميس تاسع ربيع الثاني ملتقياً لهم خشية من بني أسد لا يأووهم لأنهم من سفيان، ولما بلغوا إلى الملتقى -بين مذاب ووادي هران - حطوا فيه واجتمع معهم بنو نوف من دهمة وسكنوه. وأحمد بن الحسن لما وصل صلبة ظفار -ما بين ظفار

وهران- بادر بالقصد لهم بعد أن جاؤوه الدليل عليهم والجاسوس، فغزاهم إلى محلهم ، وقد كان ابن وارع شيخ بني أسد أراد إيواءهم فحبسه المهدي وتهدده، ثم استحر القتال[14/أ] في هذه الغزوة. وكان من جملة القتلى ابن سننان السفياني الحاكم بالطاغوت لسفيان المرجوع إليه معهم في الطغيان. وكان قد اجتمع بهم في ذلك المكان من بني نوف جماعة وانحازوا في وادي مذاب، فواقعهم المهدي غازياً من صلبة ظفار إلى ذلك المكان، صابحهم بالدليل، وقدم مقدمة من نهم لأجل يشاغلوهم عن النفور وليظنوا أن الغازي لهم منهم، فلما شرع ذلك فيما بينهم واستحر القتال معهم انصبت عليهم الخيل تحاوشهم، وباشر القتال المهدي بنفسه، وأراد واحد منهم أن يزرقه بعوده، فسلمه الله منه.
قيل: التقاه بيده ياقوت إسماعيل وقيل: أخطأه، ثم عطف عليه أحمد بن الحسن وياقوت إسماعيل فضربوه بالسيوف، وأذاقوه الحتوف، ثم لم يسعهم إلا الهرب في الجبال، والتسور للآكام، وتركوا ما معهم وأولادهم وحريمهم، فمنع المهدي عن حريمهم وأولادهم، وحوزهم إلى شعب هناك وأباح انتهاب ما تركوه من حوائجهم، فوجدوا كثيراً من البز الذي انتهبوه على أصله، فضمه معه، وقال لمن حضره من عرف بالذي له أخذه، ووجد سلب الذي قتلوه أيضاً فيها، فأرجعه إلى أهله. وكان جملة القتلى منهم اثني عشر نفراً، قطعت رؤوسهم، وحملت إلى المحطة معهم، وقتل من أصحاب المهدي نفران وعبد للسماوي لما تحير بشداد حماره وانفرد قليلاً في الوادي عن أصحابه، فانصب[14/ب] عليه جماعة قطعوه أوصالاً بالخناجر، ومثلوا به.

وفي شهر ربيع الثاني هذا بآخره ترجح لجماعة من أهل برط من ذي محمد منهم ولد الشيخ قاسم البرطي شيخهم، وهبطوا إلى الجبل الأسود، الحد ما بين سفيان وبين العصيمات، وترصدوا هنالك للمارة، فجاء الرسيسة إلى عيان يخبرون بأنهم صاروا كامنين لمن مضى في الطريق للانتهاب، لما أمنوا جانب سفيان، فأرسل الحسين بن محمد جماعة مسافرين، وأرسل خيلاً كميناً في جانب آخر فقال: انظروا ما يفعلوا بالمسافرين، وكونوا في أثرهم سائرين، حتى تباشروهم عند تعديهم. فلما رأى أولئك الحرامية المارة في الطريق وهي آمنة وجدوهم للسلب فدافعوا عن أنفسهم بينما وصلت الخيل إليهم، فقبضوا عليهم وكفتوهم وضربوهم وأسروهم إلى بين يدي حسين بن محمد بن أحمد، ووجدوا ابن الشيخ البرطي معهم. وكان أبوه الشيخ قاسم عند أحمد بن المؤيد يسبهم، فقال: هذا ولدك مع هؤلاء كيف ترضوا بهذا؟ فقال: هو مغير شعوره والجهل معه أوقعه في ذلك، ثم أمر بهم الحسين بن محمد إلى حضرة المهدي جميعاً، فأوثق عليهم وحبسهم وقال لهم[15/أ]:كنا نظن فيكم غير هذا يا برط. واعلم أن هذه القبائل التي حفت بلاد عيان الغالب عليهم الشرارة من قديم الزمان، ولا يزال منهم التعدي في الطرق والسرق من غير خوف ومراقبة لله لغلبة الشيطان، ولكن كانت مدينة عيان ودولها في قديم الزمان معللة بمثل هذا الطغيان؛ لأن الجاهل لا يزال يشاهد الدولة قريبة آمنة فيقل منه العدوان. وأما هذا الزمان فلخراب عيان وعدم قرار دولة فيه ولا إقامة شريعة كثر فيه منهم الطغيان، وهذا العمل في سفيان إذا لم يتعقبه دولة بعيان مستمرة فالفساد عائد إلى أصله، والله يصلح البلاد والعباد.

64 / 94
ع
En
A+
A-