قال الراوي: فيحتمل أن يكون من قبيل حديثه من الجان، لأنه كان يقول: إنه مخدوم وإنه سيحضرهم، والحكمة لله، فإنه قد ورد في قوله تعالى: كـ{الذِي يَتَخَبَطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } أن الصرع أحد أنواعه من قبل الجان، ومنهم من يموت من ذلك، وأحد أنواعه ألم من قبيل البخار، والتخلية قد تحصل لمن أراد الله، كما قال تعالى في سياق الحفظة من الملائكة:{ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ الله } .
{وَإذَا أرَادَ الله بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ } ، ونسأل الله العافية والكفاية. وهذا أحد الأشياء الذي ينبغي ترك تعاطي طلب الاستخدام بالرقى[2/ب]، فإن ذلك يحتاج إلى كمال شروط التقوى، لتكون اليد قاهرة وشروط الولاية والعصمة عسرة، نسأل الله الثبات على السنة. وكان المذكور مع هذا يحكم بالقضاء، ويتولى فصل الشجارات لمن إليه أتى، من غير ولاية له من المتوكل ولا من بعده، وقال مرة لمن سأله عن ذلك وكيف تقضي من غير ولاية؟ فقال: إنه لا يحتاج إليها، فإن ولايته من الله تعالى.
وفي هذه الأيام اتفق أن رجلاً رقد النهار بجامع صنعاء، فخرج حنش من الحيات يسعى في المسجد حتى دخل سروال ذلك النائم، فقال الذين رأوه: دعوه لا تحركوه لئلا يضره ولا تنبهوه، ثم خرج من سرواله لما لم يجد منفذاً، والرجل نائم، فلما قام من نومه أخبروه بالقصة، فحمد الله على السلامة.

وفي شهر صفر جَدَّ المهدي أحمد بن الحسن بإخراج اليهود من اليمن، وأرسل عليهم مترسَّمين ومتقاضين لهم ومخرجين، فخرج يهود صنعاء وجميع بلادها ما بين شهارة وسمارة، ونزلوا إلى جنوب موزع، حسبما أمرهم بأهليهم وأولادهم. وكان نزولهم إلى هذا المحل بمشورة محمد بن المتوكل، فإنه لما عرض أحمد بن حسن عليه الكلام في حديثهم، وكان محمد بن المتوكل غير راض بإخراجهم، ورأى أن المهدي قد أصر على إخراجهم أشار بأنه إذا كان ولا بد فإلى أطراف اليمن كبلاد السواحل، ولم يعرف أن ذلك لا يتم لهم لتفرق معايشهم في أرض اليمن لحرفهم وأشغالهم، واجتماعهم في محل واحد لا يحصل نَفَاق لمهرهم وصناعاتهم[3/أ] ونفعهم وانتفاعهم، فكان أرادوا بالخروج إلى سواحل تهامة في الجهة الغربية مما يلي بلاد المَهْجَم والكدر ، فمنع أهلها عنهم وقالوا: عليهم ضرر بتضيق مراعيهم وحقوقهم وبلادهم، وأن ذلك لا يتم لهم، فعدلوا إلى تهامة الجنوبية بنواحي بلاد موزع. وتضرر أهل البلاد منهم، وهم أيضاً تضرروا لعدم تمام نَفَاق معايشهم، فرجع أكثرهم إلى حيث كانوا، والقليل منهم تفرقوا في اليمن الأسفل وقرُّوا. وكان قد باعوا بيوتهم بصنعاء وغيرها بنصف قيمتها إلا اليسير منها، وكان بعض من اشتراها قد خربها وباع مؤنتها وحجارها وأخشابها. ولما تفرق اليهود كما ذُكِر كتب أحمد بن الحسن إلى صاحب أوسة بسواحل الحبشة أنهم يخرجون إلى جهاته وله جزيتهم، فأبى ذلك، وأجاب على المهدي أن البلاد للسلطان، فأمر لهم في السكون حيث كانوا، فمنهم من رجع إلى تلك البلد التي كان فيها، ومنهم إلى قريبها. ويهود صنعاء عمروا لهم غرب بير العزب خارج صنعاء ديماً وبيوتاً في أطراف أصلاب كانت بجانب الوقف استأجروا أرضها وعمروها.
وضرب أحمد بن الحسن ضربة جديدة فيها بعض أخلاص مع صغر البقشة، حتى بلغ الصرف لأجلها القرش بأربعة.

وفي هذه الأيام وقع سؤال بحبور في كتابة الترضية على الصحابة رضي الله عنهم كيف تكون فيمن خرج على علي بن أبي طالب كمعاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة وأشباههم فيمن كتبها من الشافعية في الأصل على مذهبهم؟ وكان الناسخ لا يروي مقالهم، فأجاب السيد يحيى بن إبراهيم بن جحاف: أنها تكتب من الأصل على حالها حكاية لقول المصنف ولا ينبغي تغييرها، وأجاب صنوه إسماعيل بن يحيى جحاف بحذفها[3/ب]. والجواب الأول هو الصواب؛ لأن كتابة ما لم يكتبه المصنف أو حذفه من الكذب عليه والتحريف لكلامه وتغيير قصده ومراده؛ لأن المصنِّف إنما يضاف إلى مصنفه، فلا يغير مقصوده وما قرره، والله أعلم.
وفي شهر صفر وقع فيما بين أهل صبيا وبني حبيب من القبائل التي حولها مما يلي الجبال شرقيها، وذلك أن السيد صاحب صبيا غزا بعض صرومهم فيها، فانتهبهم وسار بمواشيهم، فتغاور القبائل وصاحت عليهم، فتبعوهم، فوقع بينهم مقتلة، راح من الأشراف جماعة، واستردوا حقهم منهم، ثم صالوا من بعد على أطراف صبيا قصاصاً بما جرى معهم على زعمهم، فلم يقدر الشريف إلى دفعهم لركة يده، فكتب إلى المهدي أحمد بن الحسن بالإمداد لهم، فكان أَهَمَّ،ثم ترك ذلك ووعدهم.
وفي هذا الشهر وصل إلى صنعاء جماعة من عساكر السلطنة الذين كانوا مع الباشا علي، الذي سكن في اللُّحَيةَ بعد أن عزم الباشا وبقي بعضهم فيها، فلما وصلوا باب السبحة وقفهم والي المدينة حتى يستأذن لهم، ثم دخلوا صنعاء وهم قدر ثلاثين نفراً بسلاحهم وبنادقهم، ثم خرجوا إلى حضرة المهدي الغراس.
وفي يوم السبت تاسع وعشرين شهر صفر أكسفت الشمس على مضي سبع ساعات أو ست في برج الحمل، وكان المنكسف منها يسيراً بحيث لم يدرك كسوفها[4/أ] أكثر الناس، وصُلي لها صلاة الكسوف بالروضة لمشاهدتهم لها، ولم يُصَلِّ لها في صنعاء لاتفاق سحاب حجبها.

وخرج يومئذ محمد بن المتوكل إلى الغراس، ووصل يومئذٍ محمد بن المهدي صاحب المنصورة التي باليمن الأسفل بعد تكرر الاستدعاء له من والده وكثرة المواعدة له، فكان وصوله صنعاء نصف ربيع الأول. وكان خروجه من المنصورة وهو في غمرة التردد وتقديم رجل وتأخير أخرى، وسار إلى السواحل الجنوبية والبلاد التهامية ما بين عدن وموزع، ثم عاد إلى قعطبة، ثم طلع إلى الجهة الرداعية وافق عمه حسين بن الحسن، ثم تقدم إلى حضرة والده، وكان المتوسط والساعي بينه وبينه محمد بن المتوكل، وجعلوا له بلاد حيس، وكانت في ولاية السيد زيد بن علي جحاف. ولم يلبث عند والده بالغراس إلا دون الشهر وعاد إلى بلاده، إذ كان قد رحل من البلاد العليا بجميع أهله وأولاده. وأطلق والده يده في الأوامر والنواهي باليمن الأسفل في إنصاف الشاكي. ووالده المهدي خرج عقبه من الغراس يوم الإثنين رابع عشر شهر ربيع الثاني إلى الشَرَفة ما بين بني حشيش وبين بلاد نهم، فاتفق وصول نهم وهم يضربون الريح تجاه أصحابهم[4/ب] فمنعهم بنو حشيش من ضرب الريح في بلادهم، كما هو عادة القبائل منهم، وقالوا: يدخلون بغير طاسة ، فحصلت بينهم الفرقة، ولولا دخول خيل أحمد بن الحسن لفك الفتنة لحصل ما حصل منهم من المحنة. وعقر حصان السيد صلاح الديلمي بضربة، فلما اتفق هذا منهم تثاقل المهدي فوقهم وخطط عليهم الحاضرين بالأقوات حتى حصل الضرر معهم، ثم خرج عن بلدهم بعد مرور أيام.
وفي خلال ذلك وصل رتبة جبل ضوران شكاة من حسين بن المتوكل وما نالهم منه من التقصير فيهم، فطلب حسين إلى صنعاء وعوتب في ذلك الذي جرى، وخصوصاً مع أجرة يده في بلاده واعتلاقه، ولوم على محمد صنوه، ولا تأثير له معه، فبقي بعض المدة بصنعاء حول نصف سنة، ثم عاد إلى ضوران على ما يعتاده من البلاد، وكان حسين هذا يسمر في الليل طويلاً وينوم آخره، فيثقله النوم حتى تفوت عليه صلاة الفجر في بعض أيامه.

وفي هذه الأيام بشهر ربيع زاد المهدي في دفعة بلاد حجة قدر ألفين حتى أوفاها إلى السبعة، وكانت من قبل أربعة، فدخل فيها السيد علي بن حسين والي حجة، ورفع أحمد بن الحسن عن بلاد حجة مع هذه الزيادة[5/أ] زائد الربع، وكذا زَيَّد على والي ريمة السيد إبراهيم بن علي بن جحاف، وأزيلت يده عن ولايتها وتولاها حسن ناجي من الكلبيين، ودفع إلى محمد بن المتوكل كل شهر ستة آلاف بعد أن كان يدفع السيد إبراهيم ثلاثة.
وأزيلت يد السيد زيد عن ولاية بيت الفقيه بعد حيس، ولم يبق مع السيد زيد إلا بلاد زبيد، والسيد قد توسع كثيراً في بيوته وجواريه وخدامه، فحصل معه ومع بني جحاف ما حصل من الشدة والضرر هذه المدة. وكذلك تقاصرت أحوال تقاريرهم في بلاد حبور وما يعتادونه من سباراتهم ، وكذلك بلاد شهارة حتى رحل كثير من أهل شهارة عنها من الذين كانوا في الأصل من غيرها، والدنيا تقلب بأهلها، وفيها عبر لمن اعتبر فيها.

وفي سابع وعشرين شهر ربيع الآخر كان خروج المهدي من الشَرَفَة، بعد أن لبث فيها قدر نصف شهر، وجاءت طريقه إلى بلاد سنحان من خلف جبل نقم، ثم خرج إلى سوق الجمعة ثم إلى ثوبان ، ووصل إليه صنوه حسين من رداع والتقوا في ذلك المكان. وقبض المهدي جماعة من أهل المشرق من المتشاجرين، وضرب في أعناقهم الزناجير، وحصل في مروره هذا على بلاد بني بهلول ومسور معرة مع ضعف بلادهم هذه المدة، وطاف المهدي وادي نيعة، ولم يستقر فيها لأنها وبيَّة[5/ب]، وفيها حيات كثيرة، وكان وصول صنوه إلى ثوبان يوم الخميس ثالث وعشرين شهر جمادى الأولى، ولم يتلفق بينهم كلام في شأن إرادة المهدي بدخوله معه إلى صنعاء، واعتذر عن ذلك المجرى، ثم سار حسين إلى ذمار واعداً له باللحوق. وأحمد بن الحسن سار إلى زيلة يكْلاَ وانتظره فيها، ثم وصل إليه صنوه حسين إليها، وأصدق الإعتذار وأن دخول صنعاء يشق عليه النفقات واللوازم فيها، فعذره يومئذٍ ومنها تفرقا، فرجع حسين إلى بلاد رداع، وأحمد بن الحسن دخل صنعاء ثم خرج الغراس مستقره.
وفي هذه الأيام ظهر في أيدي الناس.........
وفي هذه الأيام وافقني رجل من جند السلطان الذين طلعوا من اللحية، فذكر انه أسلم بالمصوع، ثم دخل مكة وحج وزار النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقرأ القرآن، ثم دخل الروم، ثم خرج مع الباشا علي، فلما عزم الباشا بعد أن استقر باللحية قدر ستة عشر شهراً، سنة وأربعة أشهر طلع صنعاء.
قال: وكان خيَّالاً معه حصان مات عليه في الطريق عند طلوعه حولي بلاد المحويت، ومعه زوجته وأولاده، وكان تأهل بالحبشة، وإنما رحل الروم برأسه.
قال: وبقى عند حسين بن المتوكل[6/أ] من أصحاب الباشا الأتراك قدر سبعين نفراً من غير الذين رجعوا مع الباشا علي، ووصف قوة السلطان محمد بن إبراهيم بن عثمان هذا الأوان، وكثرة استفتاحه في بلاد الفرنج النصارى، واستيلائه على بلاد مالطة وبلاد الجريد وغيرها.

قال: وهو يقرب لصاحب الحبشة الذي كان وصل إليه القاضي حسن الحيمي أيام المتوكل، الذي أرسله في الأيام السابقة، وأنه حال وصوله وهو هنالك قبل أن يسلم، وخرج من بلاده محبة في الإسلام. وأن ملك الحبشة العليا في جبالها من النصارى كان محباً للإسلام، لكنه لم يقدر على إظهاره خوفاً من النصارى أهل بلاده، وأنه كان في الباطن مسلماً، ومات على الإسلام، هذا خبره الذي أخبر به.
وفي هذه الأيام ظهر في أيدي الناس ذهب أحمر، ضربة الدينار، ووزنه وزنه ، ولكن رسمه مخالف، فيه: بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلا بالله، توكلت على الله، وداخلها الله حق ناصر الحق المبين، وفي الجانب الثاني: أحد وتسعين وألف، ضرب بحضرة أو .... حاطها الله، هذا لفظه، ولم يصرح باسم الضارب على هذا، ولم يعرف من ضاربه أصلاً، ولكن خروجه مع موسم الهند وظهوره من المخا، وقيل: إنه فهم ضربة فاس وهو في المغرب الجوان صاحبه الشريف الإدريسي، وعنده معدن الذهب الشريفي الذي يضرب منه في مصر، وهو هناك أمير مستقل شريف مالك، يهادي السلطان، والسلطان له أكثر المغرب الجوان كتونس وجزيرة الأندلس.
[6/ب] وفي شهر ربيع الآخر هذا لما دخل أول المراكب الهندية إلى بندر المخا دافع الفرنج بآخرهم في أطراف باب المندب قدر مركبين من مني بار ثم عادوا، وكان مرادهم بمراكب أهل عمان، إلا أنهم فاتوا عليهم.
ووصل رجل خواجا من الرافضة الاثني عشرية إلى حضرة المهدي، أعطاه من الهدايا وجازاه فيها، وعاد إلى بلاده.

وفي يوم السبت خامس وعشرين شهر جمادى الأولى مات القاضي العارف أحمد بن يحيى السحولي بصنعاء، وكان له معرفة بالفقه ومشاركة يسيرة بالنحو، وكان خطيباً بجامع الروضة، ويتولى بعض الأشياء في القضاء بعد أن كان أمره المتوكل بعد وفاة صنوه حسين قاضي صنعاء، فاعتذر عنه، وكان يتولى الأمور الخفيفة لا غيرها، وكان نشوءه وقراءته في زمان محمد باشا، وهو يعرف جعفر فمن بعده. وقبر جنب إخوته إبراهيم وحسين بالمحاريق، خارج باب اليمن.
وفي شهر جمادى الثاني غزت دهمة إلى الجوف، ولم يتم لهم النهب[7/أ] بل دفعهم الجوف، ثم أرسل المهدي الجوف لدفعهم، فجاءوا وقد هربوا. وكتب المهدي إلى محمد بن المتوكل كيف هذا جرى من برط؟ بعدما قرره عليهم من المواثيق والعهود عند دخوله إليهم، فأجاب محمد: أن الذي جرى إنما هو في التعرض لطريق العمشية من صعدة وصنعاء، وأما غير ذلك فلم يذكره. واتفق أنه كان عند المهدي هذه الأيام جماعة من برط، فقبض من كل حبل واحداً وحبسهم حتى يعود ما أخذوه من الجوف؛ لأنهم عادوا إلى مكان آخر انتهبوه، فأعادوا بعضه، وبقوا في الحبس مدة.
وفي هذه الأيام ترسل القاضي أحمد بن صالح بن أبي الرجال إلى المهدي في شأن اليهود فيما جرى لبعضهم من الإنتهاب، وأنه لا ينبغي، فأجاب عليه المهدي: إنما ذكرتم لعله لتأخر المصروف، فصدرت حصة ثلاثة أشهر. والقاضي المذكور كثير التلون والآراء البعيدة والمناقضة، فإنه هو الذي حرض وشدد وترسل بإخراج اليهود من جزيرة العرب رسالة ثم ناقضها، كما ترى. كما قال شاعرهم :
يومٌ بحُزْوى ويوم بالعقيق ويـ

ـوم بالعُذَيب ويوم بالخُلَيْصَاء
واليهود قد............
[7/ب]وفي شعبان عادت النار بجبل سقار، التي كانت فيه العام، بقت مدة ثم زالت، والحكمة لله تعالى.

وفي هذه الأيام بشهر شعبان أرسل المهدي أحمد بن الحسن رسالة فيها عقيدته، وقال الخطيب يخطب بها يوم الجمعة، وخطب بمثلها بالغراس حضرته، فخطب بها الفقيه محمد السحولي عقب الصلاة يذكر فيها عقيدة الهادي، فعجب فقهاء الهدوية منها، وقالوا: هذا من تعريف المعروف، لا حاجة إليه، فإن الفقهاء الهدوية يعرفونها، وظن بعضهم أنه ربما رفع لمن ....... بعقيدة الرافضة، كما سبق من قصيدة الفقيه علي بن أبي الرجال، ولكنه صار يعظم يوم الغدير، ولم يعرف في عقيدة الهدوية، والله أعلم بحاله، لكنه قيل: أن أول من أبدعه المتوكل وهو بحبور، أعني يوم الغدير.
وفي هذا الشهر أظهر المهدي التجهيز إلى بلاد صبيا، معونة لصاحبه في غزو بلاد بني حبيب؛ لأجل ما قد كان وقع منهم أول السنة، كما تقدم ذكره، وطلب محمد بن المتوكل لأجل ذلك وأمره به، فلم يطابق رأي محمد بن المتوكل ما ذكره له، ولكنه لما لم يحسن في مخالفة أمره، قال: هذا شهر رمضان داخل لا يصلح فيه حركة، ويكون هذا من بعد إن شاء الله فساعده. ولما عاد محمد إلى الجراف ودخل من حضرة المهدي من الغراس طالبه العسكر في الجامكية والحساب، فاستحمق عليهم وأخذ الجريدة لضربهم لما في نفسه، وعند هذا فتح[8/أ] المهدي العدد لعسكره ووعدهم بالحركة لعقب العيد من غير مخالفة. ووصل إلى حضرته أحمد بن المؤيد من بلاد وادعة بمن معه من بلاد الظاهر ، لما حصل بينه وبين صنوه القاسم صاحب شهارة التشاجر والتنافر، ويطلب من المهدي أن تكون جميع وادعة إليه مع غيرها، فوعده بذلك وطابق غرضه، لمنافرته لصنوه القاسم؛ لأجل ما يحصل من ركة شوكته.

ولما كان غرة شهر القعدة الحرام جهز ولده حسين بن المهدي وصنوه إبراهيم إلى تهامة، فساروا، وجمع معهم من العسكر نحو ألفين، وأمر بني عمه وولده صاحب المنصورة كل واحد منهم بعينة، فبعث كل واحد منهم مائتين، وساروا غرة الشهر المذكور. واقترن حال خروجهم ظهور نجم الذنب من المشرق وقت السحر، فبقي نحو سبعة أيام، ثم طلع إلى قرينه نجم آخر، كان بينهما نحو المنزلة، فلما قاربه لم يبق إلا نحو ذراع، بينه وبينه أسفل النور وهو الذنب الذي بالأعلى إلى الأسفل وتباعد عنه به وسلب ذلك الذنب من الأعلى ثم غرب، فبقى في الغروب بقية الشهر، ثم ظهر من المغرب غرة شهر الحجة بذنب[8/ب] عظيم وشعاع كبير جسيم معتدل نحو الشام، وكان أصل ابتدائه بالمشرق ببرج العقرب، ثم قطع القوس في الغيبة، وظهر من المغرب في آخر برج الجدي، ثم ارتفع وظهر من أسفله النجم، ودخل برج الدلو ثم الحوت واضمحل في آخر الحوت في أول محرم من السنة الآتية، فالحكمة لله والقدرة له، وهال الناس ما رأوه من ذلك.
ولما سار أولاد المهدي بمن معهم طريق بلاد الظاهر وبلاد عذر والهجر، ثم خرجوا إلى عقبة القيرة ووادي جيزان ثم تهامة طريق الحاج، إلى أن بلغوا إلى أبي عريش وصبيا واستقروا بها، وكانوا مجتمعين هم والحجاج، فترجح لحسين النفوذ للحج وبقي هنالك بالعسكر صنوه إبراهيم. وأمر المهدي بالسياق من جوار جبال حراز ومساقط لاعة وحجة والشرف ومن غرابيها إلى هنالك، لضعف تهامة الشامية هذه السنة، وقبائل بني حبيب ترفعوا إلى جبال الحشر وشعابها.
واشتد الجوع يومئذٍ ببلاد برط من دهمة، ونجعوا وتفرقوا بعضهم إلى بلاد صعدة وبعضهم إلى بلاد صنعاء، وخلت في بلادهم قرى، تعجيل عقوبة لهم بإضرارهم بطرق المسلمين.

63 / 94
ع
En
A+
A-