ولما سكن محمد بن المتوكل ببرط أقبلت إليه قبائل برط بالضيافة من الغنم، ولم يحمل الناس بلادهم بل طلعت القوافل من ورائهم، وارتفع السعر في برط بلغ القدح إلى ستة حروف والعلف ارتفع ثمنه، ونال الناس المشقة فيه، إلا أن محمد بن المتوكل بذل لهم، والقاضي علي بن محمد بن علي بن قاسم البرطي توفي ببرط، وأصله من قضاة عَنْس ، وإنما جدودهم من زمان المنصور عبد الله بن حمزة نقيلة في جهات عيان، كانوا في المدينة لما خربت في مدة الإمام القاسم، تفرق أهلها فطلع جده علي بن قاسم إلى برط، سكنوه من ذلك التاريخ في زمان محمد باشا فمال قبائل برط إليهم، وسلموا إليهم زكاتهم، وكان غير مبايع لأحمد بن الحسن، واستمر على ذلك مدته حتى مات بعد اتفاقه بمحمد بن الإمام إلى عيان، وكانت وفاته بشهر رجب ومحمد بن المتوكل يومئذٍ هنالك عندهم.
وفي هذا الشهر قطع المهدي رأس اثنين من الحرامية بمحطته في بير الدرج بالرحبة، وذلك بسبب قتلهما لرجل في المنزل من بلاد سُمَارَة وأخذ ما معه.
وفي نصف رجب توفي الحكيم الطبيب محمد لطفي بن الأمير الحرار، كان بمدينة صنعاء من الحكماء العارفين[233/ب] بالطب وعلى يديه يقع الشفاء، وكان عارفاً بأنواع العلل وأسمائها، والمعاجين ومجموعاتها.
وفي هذه الأيام بشعبان لما بلغ علي بن أحمد صاحب صعدة حركة محمد بن الإمام بالعود إلى بلاد عيان، وزال عنه الأوهام، وصل إلى عيان بقي نحو ثلاثة أربعة أيام، ثم رجع بلاده صعدة.

وفي نصف شعبان خرج محمد بن المتوكل من عيان وعاد إلى صنعاء، بعد صلاح تلك الجهة، وقبض جميع ما راح من النهب من سفيان ومن برط وأكدوا عليهم الأيمان، وولَّى في قصر عيان والياً وجعل معه عينة من العسكر إذا صبروا على الاستمرار في ذلك المكان، واستمر الدولة على الوفاء بمالهم من السبار كما كان أول الزمان في مدة السلطان، وكانت أيام السلطنة صالحة والدولة عليها حاكمة، حتى خربت وزال عنها الولاة، فما زال يحصل فيها ما يحصل، فلا قوة إلا بالله، وصار حالهم فيها كما قال الشاعر :
خلا لك الجو فبيضي واصفري

ونقري ما شئت أن تنقري

ولا يكاد يصلح إلا باستمرار الدولة فيها وعمارة المدينة إذا حصل لها كما كانت أولاً، فأما بلاد برط العليا فلا مصلحة فيها ولا طريق هناك يحتاج إليها، والله يصلح البلاد. رأيت مرسوماً سلطانياً تأريخه سنة عشر وألف للشيخ قاسم من آل سليمان والشيخ فلحان من أهل عيان بالأمان لهم والضمان والوعيد لمن تعدَّى عليهم من سفيان.
وأما الداعي السيد محمد بن علي الغرباني فبعد اتفاقه بمحمد بن المتوكل وضيافته له وصار على حاله في دعوته وعلامة اسمه ولقبه، وكان بعض أهل برط قد تبرى من جيرته وسكونه مثل الشيخ الذي يقال له: أبو عروف وأصحابه، ولكنه سكن عند أنسابه الردسة .

ووصل هذه الأيام إلى صنعاء[234/أ] الشريف العارف إسماعيل بن إبراهيم الحنفي الحسيني، وذكر أن صنوه كاتب مع السلطان محمد بن إبراهيم بن عثمان سلطان الروم، وأنه وصل إلى زبيد هذا العام بعد الحج إلى بيت الله الحرام، ووضع بعض كتبه وديعة بزبيد، وطلع إلى هذه الجبال متنفساً، وراجعه من راجع فوجده عارفاً بعلوم العربية والمنطق والحديث وفقه الحنفية، واتفقت به غربي صنعاء، باحثته في فقه الحنفية، فوجدته عارفاً، وسألته عن قول الحنفية في الماء الكثير أنه عشرة أذرع في عشرة بذراع الكرباس، ما الكرباس؟ فقال: الكرباس: الثوب باللغة الفارسية، ومراده بالذراع الذي يذرع به الثوب، ومعه من الكتب الخبيصي ، حاملاً له على ظهره، ولم يكن معه أحد من الخدم، بل يدور في البلدان يسكن في المساجد، وكان سكونه حال وصوله إلى خارج صنعاء، سكن ببعض مساجد بير العزب، ولما طالع (المجموع الكبير) لزيد بن علي قال: ليس بين أبي حنيفة وبين زيد اختلاف إلا القليل في نحو اثني عشر مسألة.
وفي يوم الثلاثاء ثاني وعشرين شهر رجب وقع قران المريخ والزهرة ببرج العقرب.
ووقع في بلاد خولان صنعاء فتنة بين بني جبر وبني سِحَام ، وخصام أفضى إلى الحرب والقتال[234/ب].
وأمر المهدي السيد الحسن بن مطهر الجرموزي صاحب المخا بعمارة باب المندب والتحصين له، فشرع السيد في ذلك، وكان في ذلك المحل آثار خراب عمارة كانت من زمان بني زريع الذين كانوا ملوك عدن ثم خرب، وهو مجمع طريق التجار الذين يخرجون من البحر الكبير إلى حدود بلاد المخا.
وأهدى للملك الزاهر بعض الواصلين من أهل الهند عربة صروف على عجيل، ويجرها بقر من بقر الهند، وفيها حلي وتزويق في العربة وعناية، وكان أحمد بن الحسن يركب عليها وتجرها البقر في التماشي وهو فيها، ولما دخل صنعاء مرة لقوها له إلى خارج الباب وركبها.

وفي عشرين شهر شعبان انتقل أحمد بن الحسن من المحطة الأولى التي غربي بني الحارث إلى محطة أخرى، خيمها في مكان يقال له: بير زاهر من الرحبة، ولم يلبث أن انتقل بعد ذلك إلى الغراس مستقره، وقَوَّض جميع خيامه.
قال الواصلون من البلاد البرطية: لما وصل علي بن أحمد إلى عيان، ووافق محمد بن الإمام ومن معه من الأعيان جرى بين محمد بن الإمام وبينه المعاتبة، وكان المعاتب محمد بن المتوكل فيما جرى منه إلى والده تلك الأيام، ثم جرى ذكر مسألتين أوردها علي على محمد أحدهما: إطلاق جميع الكثرة على القلة يعد من المجاز، والأخرى قوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} فلم يتفق حضور جواب في المقام عند المسؤول بذلك وهو محمد بن الإمام، ولكن علي بن أحمد لم يكن في العربية بذاك، فإنه ادعى أن الممتنع ينصرف، ولا قائل به.
[230/أ] وأما السيد محمد بن علي الغرباني فإنه لما آن خروج محمد بن الإمام من برط أرسل بالحصان الذي كان قد عينه له يوم قدم إلى المراشي وآذنه بالارتحال، فأرجع إليه الحصان، وقال: إن له عذر بسبب تأثر معه عما كان وعد به في المقال، فعذره محمد بن الإمام وقال: لا تخرج عليه سواء صدق أو لا فيما تحدث به وقال، والمهدي لما وصل محمد بن الإمام كان ما يكره وصوله إليه، وذكر الواصلون أن السيد لم يكن في العلم كما يوصف، وإنما له بعض مشاركة في الفرائض يسيرة غير معتدة، أورد عليه بعض الحاضرين مسألة في النحو، فلم يجب عليها، واستبهم عليه إفادة السائل لحلها.
وأما الفقه فلم يكن له فيه معرفة ولا في الحديث ولا في السنة ولا في الأصول، والله أعلم.

وفي يوم الأحد عاشر شهر رمضان منها مات الفقيه العارف علي بن محمد بن سلامة بصنعاء، كان المذكور في المدة السابقة ملازماً للآغا عبد الله المعافا صاحب السودة بشظب، وكان متى نزل عبدالله المعافا متنزهاً إلى بساتينه التي بجوار السودة عند الغيل الذي كان له هناك قوة في ماجله، ويحصل بينهم المزاح والدعاب، ويحصل منه لهم الإعجاب، ثم إنه حصَّل العلم من بعد تلك الأيام، وكرع فيه بعد زوال دولة ابن المعافا وما جرى عليه من الباشا. ولما زالت دولة حيدر باشا من صنعاء، وصارت ولايتها إلى علي بن المؤيد بالله فيما مضى تعلق به ولازمه في كتابة الإنشاء، وكان [235/ب]بارعاً في الكتابة، سريع الجري للقلم مع الوقاعة ، فكان قد أخذ في العلم على جماعة من مشائخه، وكان مشاركاً في علم العربية والأصول، وله أيضاً مشاركة في الفقه إلا أنه كان طارحاً لنفسه متواضعاً، بحيث يقضي حاجته من السوق بيده، وكان قليل المراجعة في العلم إذا درسه أو قرئ عليه، بحيث القارئ عليه إذا قرأ لا يستفيد منه إلا مجرد السماع دون المراجعة والأبحاث والمناقشة فلا يحوم حولها ولا يستفيد منه طالبها. وكان مع ذلك قليل التصدر للتدريس، وكان قد أخذ في علم الحديث على الفقيه عبد الهادي القويعي الحضرمي الشافعي، ولكنه مع ذلك كما روى عنه كان جارودياً، فلا قوة إلا بالله العلي العظيم، وكان ظن مخايله خلاف ذلك لأمرين:

أحدهما: كونه كان ملازماً للأمير عبد الله المعافا، الأمر الثاني: أخذه في بعض علم الحديث، وله من التصانيف (شرح الفصول) في أصول الفقه، شرح نقل لا شرح نظر؛ لأن الرجل كان نقالاً لا نظاراً، وله مختصر في علم اللطيف، وله سيرة للإمامين القاسم بن محمد وولده المؤيد في جزئين ، وله شرح على (الأزهار)، تحصيل حاصل نقله من شرحه المعروف، ولم يكن في مصنفاته فائدة، ومن جملة ما رأيته في (شرح الفصول) في باب الإجماع تخطئة الإمام يحيى والإمام المهدي أحمد بن يحيى في قولهم بأن حكم أبي بكر في فدك صحيح، وأن قولهم هذا مخالف لإجماع أهل البيت وإنهما مسبوقان بالإجماع، وهذا قول ساقط باطل فإنه لا إجماع بل قول زيد بن علي ظاهر في تصحيح ذلك وهو إمام الزيدية، وقائل: بأن الإمامة في قريش يعرف ذلك من عرف، لكن الفقيه علي المذكور حمله الميل إلى مذهب الجارودية. ومن غرائبه أنه سأله سائل عن كفارات وصية معه يدله إلى من يصرفها فقال له:[236/أ] اصرفها في بني هاشم، فإنهم أحق بها، وهذا مخالف لنصوص العلماء؛ لأن الفقراء من بني هاشم تحرم عليهم الزكاة والكفارات باتفاق العلماء، بحيث أن السائل لم يعمل بقوله؛ لأنه حنفي المذهب، وقال لي السائل: إنه قال له عند جوابه اصرفها كذلك ولا تقل لأحد أني قلت لك به، ولا دليل له عليه، بل ذلك من رأيه الذي لا يلتفت إليه استناداً منه إلى أن فقراء بني هاشم في ضرورة فهم أحق، ولكن لا تحقق الضرورة معهم، فإن من قال بجوازها للضرورة حيث تحققت معهم، مع أن الجمهور على خلافه.
وفي هذا العام حصل في الموسم الهندي حركة في البيع والشراء بالمخا، حتى راح الآخر بلا شيء من التجار، ونقص فيه سعر الذهب عن العادة، قالوا: ما يأخذوا الحرف الأحمر إلا بقرشين إلا ثمن.

وفي النصف الآخر من شهر رمضان ظهرت نار عظيمة في الجبل المقابل للمخا في البحر تلتهب وترمي بالشرر إلى البحر وتصعد في السماء كالمنارة العظيمة، يرونها كذلك في الليل من الجبال اليمانية البعيدة كجبال وصاب وغيرها وفي النهار يرون دخانها كالسحاب، وظهر في خلالها نتن في البحر بسبب موت كثير من الحوت المقارب من الجبل، لما حصل من حرة وهجها وقذف البحر بشيء منها إلى ساحل المخا، وحصل في المخا زلازل شديدة ثم تعقبه حريق حرق فيه النصف فأكثر. وركب السيد حسن [236/ب]، الوالي عليه في البحر بأهله وأولاده، وفات عليه من المنقولات بالنار كثير وعلى غيره من الساكنين، والنار يومئذٍ في الجبل المقابل للمخا باقية، يقال للجبل: سُقار- بضم السين المهملة ثم قاف ثم راء- مشهور هنالك، حتى إذا كان أول شوالها نزل عليها مطر من السماء أطفأها وزال بسببه لهبها واضمحل أمرها، فلله الحكمة فيما يشاء.
وقد كان اتفق من النار نار عظيمة في الجبال السبعة بين كمران ودَهْلَك ، كان يرى من جبال سردد كحفاش وملحان وفي النهار يرى دخانها كالسحاب وذلك في المائة الثامنة ، وكان بعدها ما حصل من الفناء العظيم باليمن المشهور، نسأل الله العفو والعافية.
وكذلك ظهور النار التي ظهرت قرب المدينة بالحجاز التي كان وعد بها النبي÷، كانت تأكل الحجر ولا تأكل الشجر، وحصل عقبها فتنة التتار المشهورة.
ورأى في شهر رمضان كثير من الناس السماء منشقة وخرج منها نور أضاءت له الأرض، هكذا رواه من رآها كذلك من الثقات وذلك في العشر الآخرة من رمضان، ولعلها ليلة القدر؛ لأنه قد روي أنها قد تظهر كذلك، والله أعلم.

وفي آخر رمضان[237/أ] وصل كتاب من الشريف بركات إلى المهدي، يذكر فيه أنه بلغ خروج كثير من باب السلطان هذا العام، فكان كما قال، امتلأت مكة من عساكر السلطان أيام الموسم، وذلك أنه حج كثير من الكبراء والأمراء وبعض خاصة السلطان من أولاده وبعض الوزراء والأمراء والأعيان.
وفي يوم الخميس ثاني عشر شهر شوال توفي السيد الشريف العارف غوث الدين بن يحيى بن غوث الدين بن مطهر بن الإمام شرف الدين بمدينة صنعاء، كان سكونه ومستقره بها من دولة السلطنة، وكان عارفاً بالعربية، ومشاركة في غيرها، قرأ على الفقيه عبد الرحمن الحيمي وعلى السيد محمد بن عز الدين المفتي المؤيدي، وعلى الفقيه أحمد بن سعيد الهبل ، وكان قد لقي كثيراً من العلماء الأولين مثل السيد صلاح الحاضري السراجي، والقاضي إبراهيم السحولي وغيرهما، والرجل كان حسن الطريقة إلا أنه دخل عليه آخر مدته عقيدة الجارودية، فلا قوة إلا بالله.
وفي هذا الشهر هرب جماعة من العبيد الخيالة من أصحاب المهدي إلى عند صنوه حسين صاحب رداع، وقال: ما كساهم المهدي في عيد رمضان، ولا عدَّ لهم جوامكهم.
وفي شهر القعدة وصل جواب[237/ب] المهدي من العماني إلى عدن ثم إلى حضرته، ولم يعرف ما لفظ جوابه إلا رواية أنه قال: عساكره مأمورة بالكفار من الفرنج والبانيان، أينما وجدوهم في البحر أخذوهم، ولم يأمرهم بتعدي إلى بنادر اليمن كما أجاب به على المتوكل.
ووصل خبر في هذا الشهر حصول قضية بالمدينة المشرفة فرقة بين عساكر السلطنة، راح فيها جماعة، وقتل فيها حاكم الشريعة، فطلبهم باشا مصر وقتل بعضهم ومحى الباقون من الدفتر ونكل بهم، وأبدلهم بغيرهم.
ودخل المهدي صنعاء في شهر الحجة عقب العيد، وبقي قدر نصف شهر وأراد جمع قاسم بن المؤيد وصنوه حسين وولده محمد، فاعتذر الجميع وقالوا: يلزمهم نفقات ولا موجب، فعاد الغراس.

وفي هذا الشهر غزا برط إلى البراغشة من بلاد عذر، فقتلوا منهم ستة، وقتل من برط اثنان، وغزوا بعد ذلك إلى سفيان، وقالوا: ذلك الجميع لقتول بينهم.
وفي هذه الأيام ظهر مجنونان أحدهما: ادعى النبوة وأنه قد رفع عن الناس الصلاة والصيام، وأن السماء قد امتلأت من الصلاة والصيام، فلم يبق بها اتساع، والآخر قال: إنه يطلع السماء[238/أ] ومعه بيرق يسير به مع العسكر، وخرافات المجانين كثيرة، نسأل الله العفو والعافية.
وفي شهر الحجة منها مات محمد بن زيد بن محسن المكي ببيت الفقيه بتهامة؛ لأنه سكنه منذ خرج هارباً من مكة حال أن طرد سعد عنها، ولما مات طلع أصحابه إلى المهدي، وانضم إليهم بعض أولاد سعد بن زيد يطلبون السبار، ورأيت من أصحابهم من يطلب الصدقة في الأبواب.
وفي هذه الأيام أرسل المهدي إلى اليمن الأسفل أن الولاة الذين قد اكتسبوا فيه الأموال كالشيخ راجح وولده، والسيد جعفر الجرموزي صاحب العدين وغيرهم يسلمون الذي على ما لهم من المطالب، بعد معرفة ذرعه، فتضرر أولئك، وقالوا بأيديهم مراسيم وخبريات من المتوكل وغيره.
ووصل خبر في هذا الشهر بأن العماني سلطان بن مرشد توفي ببلاده، وأقيم بعض أولاده.

بهجة الزمن
في
تأريخ اليمن

ليحيى بن الحسين بن القاسم

الجزء الثالث

[1/ب]
الحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

ودخلت سنة إحدى وتسعين وألف
في محرمها جاء خبر الحاج أنه كان فيه كثرة وقوة، خلاف العادة السابقة، وأن القوة كانت للشامي، وفيه كثير من الأمراء والأعيان من الروم. وقيل: إن فيه كان حاجاً ولد السلطان محمد بن عثمان، وبلغ الناس في منى إلى وادي محسر ، واستغرق العسكر كثيراً من بيوت مكة، حتى بيت المتوكل الذي بمكة، كان شراه في المدة السابقة، وكان ينزل فيه الحاج فرحان في أيام سعد بن زيد. وأما الحاج اليماني فكان ضعيفاً إلى الغاية، وخرج حاج اليماني قبل عزم الركب الشامي والمصري، ولبث حاج الشامي والمصري زيادة على عام قبله بمكة، ثم ساروا بعد عزم اليماني.
وفي يوم السبت آخر شهر محرم مات القاضي أحمد بن جابر العيزري الأهنومي بمدينة صنعاء. كان المذكور له معرفة بفقه الهدوية، لا غيره من الفنون العلمية. وكان متنسكاً يتشبه بالصوفية، ويخدم نفسه من السوق بالحاجات السوقية، ويحملها بيده وعلى جنبه، وكان كثيراً من أيامه يخرج بطعام في جرابه ،ويطوف به في السكك يطعم منه من تبعه من الغرباء والكلاب، حتى أن الكلاب تتعلق بثيابه وهو يلقي لها ما تأكله، وكلما رأته كلاب المدينة تكاثرت عليه وتبعته، وسأله بعض السائلين كيف يصلي في ثيابه، وقد تنجست من الكلاب التي تعلق[2/أ] بأطرافه وأهدابه، فأجاب بأنه يطرح عباية حال صلاته ............. في المَصَر وغيره على رأي إمامه الهادي، وقد كان آخر أيام المتوكل إسماعيل بن القاسم أيضاً لا يصليها، قال: لتغير سيرته فيها، فتركها، وقبر بخزيمة جنب القاضي إبراهيم بن حسن العيزري ، وكان من آخر يوم الخميس ويوم الجمعة، ومات بكرة يوم السبت.
روي عن زوجته أنها قالت: كان يقول حال مرضه هذا وشدة ألمه مخاطباً: لِمَ تقتلوه؟ ولا يدري من يخاطب بذلك.

62 / 94
ع
En
A+
A-