والحمَّام الذي بخبان الذي يقال له: غيل الحرضة ، وكان غيلاً قليلاً يخرج من أكمة عالية وحولها أحواض متفجرة فيها الحمَّام، فكان إلى هذا الشهر وانفتح من ذلك الموضع ماء واسع كثير وسار في الوادي لا يعهد مثله من قوته، ثم نقص بعد تمام خروجه من احتباسه وكبس الحمام وتلك الأحواض التي كانت وزالها، ثم انقطع خروجه بالمرة، ولم يبق إلا الغيل المعتاد من تحته، وهذا الوادي والمناحي يصير إلى بلاد لحج ثم الساحل إلى البحر.
وفي ليلة سادس عشر خسفت القمر في برج[226/ب] العقرب بنصف الليل وكان الخسوف قدر ثلثها، فالحكمة لله في ذلك .
[227/أ]وأنشد هذه القصيدة هذه الأيام الفقيه الأديب علي بن صالح بن أبي الرجال ، أو بعض أصناه ، يقول فيها في شأن أحمد بن الحسن:
لا تحسبن وللزمان عجائب

إن الخليفة صادق لا يكذب
فلقد نزلت بسوحه إذ قادني
طوعاً إليه لسوء حظي أشعب
أسعى إليه على الجهالة سعي من

صاد الغزال ولم تفته الأرنب
فنزلت في خيش الخزائن وفرها

تثني على شح النفوس وتطنب
وبحيث ربع الصدق قفر مجدب

واليمن معمورٌ حماه ومخصب

وعلى الخزائن سور مميز محكم

عال محل النجم منه أقرب

قد أحكموا بنيانه ولعله

عما قريب يضمحل ويخرب

فرمى الإله الجاهلية والحما

حيث الجهالة والضلال مطنب

بفواقر تدع الديار بلاقع

يضحي الغراب بها يصيح ويندب

ورمى الغراس وساكنيه بجمرة

تشفي البعيد ويشقى الأقرب

فلطال ما نزل الغني بسوحة

فصفت موارده وطاب المشرب

وإذا الفقير ثوى به مستجدياً

ضاقت مذاهبه وعز المطلب
وترى الغني لدى الخليفة مائس

غرثان يرتع في النعيم ويشرب
وأخا الخصاصة لا يزال مجلا

عنها يذاد كما يذاد الأجرب
يغضي على وخز القنا وفؤاده

يمشي على جمر الغضى يتقلب

وإذا تكون كريهة يدعى لها
وإذا يجاش الجيش يدعى جندب
فعلى الغراس وساكنيه وكل من

يأوي إليه من الأنام ويقرب

غضب من الله الغيور وفتنة

في كل آونة تجل وتصعب
بلد إذا ما رمت تعرف أهله

فإليك ما يبدو وما يتغيب
قاض يداهن والوزير معربد

والجند تفسد والخليفة يكذب

وإذا الخطيب رقى المنابر واضياً

نقض الوضوء بما يقول ويخطب

يدعو ويطنب عند ذكر إمامه

غلط الخطيب ومات فيما يطنب

ولسان حال الشرع يدعو للذي

يأتي إلى تلك البقاع ويقرب

يا طالباً للشرع غير مقصرٍ

تطوي المشارق تارة وتغرب

لا تطلبن الحق عند إمامكم

القول ما قالت سماة ومجزب

إن الإمام يقول ما قالا له

كالببغاء ولكل عبدٍ مذهب

ولديه أسفار تكاثر عدها

محبوسة في جلدها لا تقلب

ولربما أملا ومخف بعضها

لزعانف تقرأ عليه وتكتب

وتراخ يرخي الشدق فوق كتابه

كالبكر أزعجه همام مغضب

فلقد أقول لمن يشيَّد ذكرهم

ويطيل في مدح الأمير ويسهب

إقصر بفيك الترب إنك كاذب

والمرء إن يك مؤمناً لا يكذب

أيقول بهتانا ويشهد باطلاً

والله يكره ما يقول ويغضب

وتروم أن يصغي لقولك مؤمناً

لا أم للمصغي إليك ولا أب

فدع التطاول والتعصب للذي

تلهو بلحيته الجوار وتلعب

و......... بجارية لديه ألذ من

قراته لديك بل هي أطيبُ

ويكاد يتخذ الرجيع طعامه

ويغوص في أبوالهن ويشرب

وتراه يضحك للجوار مقهقهاً

مثل الغراب على الخنافس ينعب

ويبيت في علم النجوم مفكراً

وتراه منها خائفاً يترقب

ويقول تأخير النجوم حقيقة

وفعالها في العالمين مجرب

ومقاله في البعث مثل مقالهم

يرويه عنه شقيقه والأقرب

فلك يدور على شموس بعدها

في الأوج أقمار تنير وتغرب

ولذاك يعتقد الشريعة مظهراً

والرسل تهزل والرواة تكذب

[228/أ] فعلى القرامطة الأساس لأنهم

شهروا عقيدتهم وبان المذهب

يا صاحبي وللزمان نوادر

تأتي على مر الليالي وتذهب

لا غرو إن أضحى الجواد مضللاً

والقطر يحبس في السماء ويحجب

فلكم وكم من بدعة وافى بها

والله يأنف للعباد ويغضب

أيقول للتتن المباح جهالة

هذا حرام لا يباع ويشرب

ويبيح للذكر الحرير فلم ترد

أبدأ أما.......... لمن لا يرهب

ألا بدفع مضرة يعطى بها

ثبت الدراية في العلاج مجرب

وقضى بإخراج اليهود ولم يكن

إلا إلى بلد ألذ وأطيب

إن رام تطهير الجزيرة منهم

فعلام حلوا في ذمار وطنَّبوا

أو رام تخطئة الأئمة قبله

فالأمر أشنع والقضية أعجب

وإذا تطالب بالدليل وجدته

حيران في حب الضلالة يخطب

وإليك يا بدر الشريعة نفثة

للغيظ أنفذها الأديب المغضب

واعلم هديت وللزمان عجائب

والعمر يذهب والصحائف تكتب

إن المقام على الهوان هو الأذى

والرزق عادته يجيء ويذهب

فإلى متى جد الأكارم ناكص

والجهل يعمر والشريعة تخرب

أين الفرار من الديار فقد دنا

منها العذاب وأين أين المهرب

ولقد ذكرت البعض من أفعاله

وتركت منها الجم وهو المتعب

انتهت القصيدة للفقيه الشيخ الأديب علي بن أبي الرجال، ويشهد له والله إنه على دين الرافضة من الباطنية، ما جرى منه من البغي على الإمام المؤيد مرتين، وما جرى منه من قتل النفوس بيده ظلماً، ولم يتخلص مما يجب عن ذلك شرعاً، ومطله بالديون، وكذلك شعار يوم الغدير شعار الرافضة، وكتابته في بعض الضربة بما يتضمن الغلو في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، [228/ب]وإذا صح ما ذكره صاحب القصيدة هذه أن المذكور عقيدته عقيدة الباطنية في نفي البعث فهذه بلية عظيمة على من بايع هذا السيد، وقد تحملوا في أعناقهم آثامهم، فلا قوة إلا بالله.
وأما كونه رافضي في أصل الإمامة وأن النص في علي جلي فهو مصرح به، قائل به، معتقد معه متبجح بذلك، ولتهوره في اللذات الدنياوية وخصوصاً في النكاح، ويستعين على زيادة الباءة وتحريك المباضعة بأكل الزرنباد المشهور، ويأمر من يفعل له معجونه، وهو مشهور بقوة الإنعاظ، وتحريك الشهوة، وكثر المعاودة للنكاح لمن استعمله، حتى أنه مرة أعطى من البنايين شيئاً من معجونه؛ لأجل يتعجب على ما يحصل معه من تأثيره، فخرج عن البناء وأقل الحياء، ومثل هذا استعمال هذا المحرك للهوى لا يفعله إلا المسرف على نفسه. وقد نهى كثير من العلماء عن كثير من استعمال المحركات إلى مثل هذه الأدوية إلى زيادة الباءات؛ لأن ذلك يكون من طلب زيادة البلوى في التكليف، وقد يقع -والعياذ بالله- صاحبه في المحظورات والإنسان يود قمع ذلك.

وبهذا صار سراري هذا المذكور أحمد بن الحسن ثلاثمائة جارية ما بين سودا وبيضاء، مما لا يفعله إلا من تهور في اللذات والشهوات، والوصايف معه مثلهن، بلغ عددهن فوق عدد ما كان مع الصليحي من الباطنية الذي كان ملك اليمن في المدة الماضية، ويلبسهن لباس الرجال[229/أ] بالأزينة الحرير والقوايق القطيفة كلباس الصبيان، والبريمات على أحقاوهن ويجعل المخازين معهن وأعداد الدراهم بأيديهن، ويجتمع لغير واحدة منهن، يتنقل معهن مجتمعات ومتفرقات، ويجعل على رؤوسهن كالعمامة التركية وسطها مفروق، ولا يتهور في اللذات ويتبع النفس هواها إلا من أمن عقباها، والتشبه بالرجال حرام. ولقد أخبرني بعض الثقات أنه مرة حضر في الكشك ، فوصل إليه خواجا ببريمات من ذهب وفضة فشراها جميعاً بتقويم دلاَّل طلبه، فقومها بثلاثة آلاف قرش وأدخلها بيته.
وفي هذه الأيام بآخر شهر ربيعها الأول وصلت أول المراكب الهندية إلى المخا فتلقاهم العمانيون، رسموا عليهم وعشروهم في باب المندب، واستقروا فيه وصاروا يجولون حواليه.
وفي نصف ربيع الآخر وصل كتاب منهم إلى أصحابهم من التجار الذين بلغوا إلى صنعاء ومن جملتهم مملوك لأميرهم صار يشتري من السفياني، ومضمون الكتاب المبادرة بالنزول فقد آن السفر معهم. فلما بلغ المهدي طلب التجار ومملوك العماني وعاتبهم في الذي صار يجري من أصحابهم وقطع الطريق ومحق السواحل اليمانية، فأجابوا بأن هذا ليس لهم فيه سعاية وإنما هم متسببون. فكتب المهدي إلى صاحب عمان بمعاتبته والتلويم عليه في ذلك وأن كل من قد وصل إلى سواحل البنادر اليمانية من مسلم وكافر من الفرنج، فقد صار في أمانه، وأنه إن لم يترك أفعاله قصده وناجزه.

وفي هذه الأيام بتاسع وعشرين شهر ربيع الآخر اتفق قران بين زحل والزهرة في برج الجوزاء، ووصل مع بعض حاج اليمن تقويم لبعض المنجمين من بلاد[229/ب] مصر يذكر فيه تقويم هذه السنة، وأنه يحصل في اليمن فتنة، ولم أقف على تقويمه، لكنه كان في برج السنبلة المريخ والقمر.
قال أبو مَعْشَر في تحاويله: إذا كان المريخ بالسنبلة دل على كثرة القتال والحروب بناحية الجنوب، وسقوط بعض الأشراف عن مراتبهم مع فساد الهوى ويبوسته. ومثله ذكر ابن حبيب في تحاويله، فقال: إذا كان المريخ في طالع السنبلة دل على كثرة الحروب تلك السنة، وزحل في الجوزاء كثرة الجيوش ومغازيهم وإفسادهم تلك السنة. وقد كان في السنة الأولى في هذا البرج أعني زحل، لكنه كسره تربيع المشتري وغيره، والمشتري في الحوت غزارة المطر في أول الربيع السنوي مع فساد المطر للزروع والثمر، والقمر في السنبلة سلامة الناس والحيوان ورخص الدواب وكثرة المطر والطعام والثمار والزروع، وكون كسوف القمر وقع في العقرب فحرك كسوفها في السنة السابقة في برجه السابق، وهو طالع اليمن دل على تحريك شواهد المريخ بالسنبلة، والله أعلم[230/أ].
وفي هذا الشهر خرج مركبان من الواصلة من الهند إلى المخا، فرآهم العمانيون، فلحقوهم، فمال أهل المركبين إلى الساحل يريدون الخروج إليه والتقرب، وكان فيه أخلاط من المسلمين والفرنج، فنجوا عنهما إلى الساحل، وتكسر أحد المركبين بما فيه من المال في البحر بسبب مصاككته بساحل البر، وسلم أهلها وهربوا عنهما، وانتهب العمانيون المركب الآخر جميع ما فيه من البضاعة، ونالتهم بسبب ذلك الخسارة، ثم تبعهم آخر الموسم المراكب السلطانية الهندية ومعها أخلاط فواعدوهم بتسليم العشر فسلموا إليهم بعض شيء ثم ساروا إلى المخا، فلم يتعرضوهم إلا بعض مراكب لحقتهم فرموا عليها من المخا وأسلمومهم .

وفي تاسع شهر ربيع الآخر وصلت هدية إلى محمد بن المتوكل من علي باشا ، صدرها من جهات البحر، وذكر في خطه الولد السيد محمد بن المتوكل إسماعيل هذا لفظه، ولم يلبث رسوله وهو تركي ومعه خمسة من الخدامين إلا نحو ثمانية أيام وزلجه بمكافأة هديته.
وفي نصف شهر ربيع الآخر جد المهدي على التجهيز إلى البلاد الشامية البرطية، وقد كان وطاقاته في الرحبة لها مدة في مكان يسمى بير الدرج[230/ب] بحدود بني الحارث وهمدان مما يلي قاع الرقة من الجهة الشرقية، فجهز محمد بن المتوكل وأحمد بن محمد وولده حسين بن المهدي وغيرهم وساروا طريق البون، فساروا في هذا التاريخ إلى عيان سكنوا فيه بعض المدة وهم يكاتبون إلى برط بالوصول بمشائخها وقاضيها، والسيد محمد الغرباني الذي فيها، ووصول الناهبين منها. فوصل المشائخ بضيافة والقاضي علي العنسي معهم، ولم يصل السيد محمد، ووصلوا بأعواض الطاعات القدر الذي عليهم، وقالوا: النصف هو مع سفيان، ثم شدد عليهم محمد بن المتوكل في وصول الفاعلين، فقالوا: لا قدرة لهم عليهم، لأنهم قبائل لا يقدر يحكم أحد على أحد منهم إلا بالمعروف، وأنهم يسعون جهدهم، ثم ذكر لهم الدخول إلى بلادهم، فاعتذروا بضعفها، وأنها لا تحملهم، خصوصاً هذه المدة لخلفها، فلم يعذر عن الوصول إليها، وقال: إنه أمره بذلك المهدي. ثم رحل إلى رأس وادي المراشي وحط فيه، ووصل يومئذٍ إلى حضرته السيد محمد الغرباني، ثم تقدم محمد بن المتوكل ومن معه، وبقت المحطة في مكانها، سكن ببرط قدر شهر. ومات وهم هنالك القاضي علي بن قاسم العنسي الذي كان[231/أ] فيها، ويميل القبائل إلى قوله ويسلمون له زكاتهم، ويتحاكمون فيما شجر بينهم إليه في بعض أعمالهم، ثم خرج عنها ونزل إلى عيان في أول شهر شعبان. ووصل طلاب المهدي له بالعود، ووصل إلى عيان عقب نزوله إليه صاحب صعدة علي بن أحمد، لبث قدر ثلاثة أيام أربعة أيام وعاد بلاده. وعاد محمد بن

المتوكل وجميع من معه في نصف شعبان، وكان قد حصل أيام سكونهم هنالك جنايتان من سفيان على حطابين وجناية أخرى على عسكر كانوا هاربين فقتلوا واحداً منهم، وجنايات أخرى في الباقين.
وفي الشهر الماضي كان استأذن قاسم بن المؤيد صاحب شهارة المهدي في قبض زكاة بلاد عذر أيام سكونه في قرن الوعر، فأذن وقبضها، فلما بلغ أحمد بن المتوكل، وهو واليها أرسل من حضرته وهو بالسودة عينة من عسكر لقبضها، وأنه لا يحتسب بما سلموه إلى قاسم منها، فسلَّم من سلَّم وامتنع من امتنع، وتضرروا من تسليم زكاتين. ثم إن أحمد بن المتوكل خرج من السودة للقيا صنوه إلى البون حال عزمه إلى تلك الجهة العيانية، في الشهر الماضي في ربيع، ثم تقدم إلى حضرة المهدي، وحال وصوله أصابه البرسام وسقط على فراشه لا يقوم من مرقده، ومات في يوم الأربعاء لعشرين[231/ب] خلت من شهر جمادى الأولى بالروضة وقبر فيها، وكان أصحابه الذين يطلبون الزكاة في عذر ما قد أتموها فنفّس الله على من لم قد سلَّم بتركها.
وظهرت هذا التاريخ جراد في اليمن، وكان المطر أول الخريف قليلاً.
وفي هذا الشهر وصل كتاب من صاحب عدن الشيخ راجح بأنه وصل إلى سواحل عدن مركب من ............ ، فأرسلوا أهله إليه أنه يرسل إليهم في الليل جماعة من أعيان العسكر يدعون بينهم قصد عمان لهم وهم لا يشعرون بمن فيه من التضمين معهم، فسار جماعة كما طلبوه في الليل، واتصلوا بهم ودخلوه، فلما أصبح الصباح ولاح أقبل العمانيون إلى المركب يجرونه بالكلاليب ، فخرج فيهم الذين داخله بالقتال والسلاح، والرمي بالبنادق والكفاح، فأخذوا منهم خمسة وعشرين رجلاً وانكسر الباقون وسلم المركب بمن فيه ودخل عدن، ولما عرف العمانيون أنهم لا قدرة لهم على عدن، وقرب عليهم وقت السفر، وطلعت الثريا فجراً من المشرق عادوا بلادهم.

وفي [232/أ]آخر هذا الشهر أرسل صاحب المخا بجماعة نحو العشرة من عساكر السلطنة، وقالوا: إنهم هربوا من بندر جدة، وكان جملتهم نحو الخمسين، فبعضهم سكن بالمخا، وبعضهم كان مريضاً، ثم تفرقوا.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشر شهر جمادى الأولى وصل كتاب من حسن بن المتوكل من بندر اللحية يذكر فيه أنه دخل إليها علي باشا ومعه أصحابه من العسكر نحو ثلاثمائة بنادقية، ومعه صنجق ونوبة، وقال: إنه كان متولياً في الحبشة، عُزل فسكن في اللحية، وأنزلوه في سمسرة الفرضة . قال الرسول بالكتاب أنه كان وصوله حاضراً، ووصف هذا الوصف وقال: إنه أول كتب يوم الخميس، وهو في البحر بالاستئذان وأنه هارب، فأذن له حسن ولم يعرف أن معه هذا الجمع.
قال: وكان دخوله إلى اللحية عقب صلاة الجمعة، ثامن شهر جمادى الأولى.
وفي هذه الأيام بعد تسمير كنيسة اليهود، كما سبق، فتحت الكنيسة، وأخرج ما لليهود فيها، من الكتب والتوراة، وأراق الخمر الذي كان في مخزان لها يباع مع اليهود[232/ب] في مصالحها، وأمر بخروج اليهود، فخرجوا عنها إرسالاً، وباعوا ما ابتاع من بيوتهم، وخربوا منها ما لم يبتاع وباعوا خشبها وأحجارها، وجعل الكنيسة مسجداً ورفع سقفها؛ لأنها كانت نزلت في الأرض كثيراً لقدمها، ومحرابها إلى بيت المقدس لم ينحرف عن القبلة؛ لأن بيت المقدس مقابل للكعبة، وأدبهم بالآداب من الدراهم، فساروا إلى موزع. واليهود أكثرهم الذين كانوا بها نزلوا إلى بلاد ذمار واليمن الأسفل، وأمرهم بالسكون في بلاد موزع، وكانت هذه الكنيسة قديمة من قبل النبوة. ومقابرهم غربي صنعاء بقدر نصف ميل من باب السبحة غربي الأعناب التي هنالك في القاع الغربي يدل على قدمهم وكونهم من اليهود الذين قررهم النبي÷ في اليمن وأمر معاذ بن جبل بأخذ الجزية منهم، كما في سيرة ابن هشام.

وفي هذا التاريخ أمر أحمد بن الحسن بالتحريج في التتن، وأن الناس لا يشربونه، ورسم على المتسببين الذين يبيعون فيه، فتضرروا بذلك، وقالوا له: تذهب أموالهم فيه وهي جزيله، فإنه حصر الذي بصنعاء من التتن مع التجار ما قيمته قدر مائة ألف، وأرسل إلى اليمن الأسفل يأمرهم بأنه لا يغرس فيه ولا ينبت، والنقص على بيت المال حاصل؛ لأن بعض دفعات اليمن ومحصوله من التتن، والله أعلم ما يتم من قوله فيه.
وجاء الشهر الثاني ونقص نصف الدفعات من أماكن مزارع التتن في مثل بلاد شَرْعب والدِمْنَة ووصاب وحفاش وملحان، فبقي المهدي حائراً من ذلك، وهو يسمى[233/أ] في كتب الطب الطباق، شجرة لا إسكار فيها ولا شيء مما يقضي بتحريمها، لكنها مكروهة فقط؛ لكونها مجرد دخان يقل الانتفاع بها، ولكنها ماكانت تستعمل الزمان القديم بشرب الدخان منها، بل استعمالها بالأدوية بالسفوفات والمعاجين.
وفي هذه الأيام وقع بَرَد كبار في حيز حجة والعبال، وُزِنت كل بَرَدَة ستة أرطال.
وضرب الملك الزاهر ضربة جديدة مثل البقش الأولة وأصغر، إلا أنها كانت أقل خلطاً من النحاس.

61 / 94
ع
En
A+
A-