وبذا التوبة والأنفال قاما

ورسول الله أضحى مخبراً

إنهم خير مكاناً ومقاما

وعلي الفضل والى برضا

ورعا الأصحاب حباً واحتشاما

وكذاك الآل من بعدهما
حفظوا الود وما قالوا أثاما

أخذوا الأخبار عنهم حجة

ولدين الله عدَّوهم إماما

قد أمرنا بالدعاء منا لهم

حيث جئنا بعدهم عاماً فعاما

عرف الحق من استهدى به

وعن الحق تعاما من تعاما

يا رسول الله في جاهك ما

نحمل الكلَّ إذا خفنا القياما

يا رسول الله مالي شافع

غيركم يرجى إذا خفت الخصاما

يا رسول الله يا من قد غدا

لكرام الرسل ذخراً وختاما

فصلوا حبلي بكم يا سادتي

واجبروا كسري فتعذيبي ملاما

واصلوني واقبلوا عذري فقد

أحرق البين فؤادي المستهاما

تمت كما وجدت.

كتب الفقير إلى الله عبد الرحمن بن محمد الحيمي ، لطف الله به هذه الأبيات الرقيقة الرائعة، والمعاني البديعة الفائقة، وكان السبب في إنشائها أن قائلها رضي الله عنه وشكر مساعيه، وأعانه على حسن مقاصده الحسنة بما يؤمله من مراضيه أراد الحج سنة خمس[214/أ] وخمسين بعد الألف على قدم التحديد، فعاقه عائق عن ذلك القصد الذي يحبه ويريده. هذا وقد كان عزم إلى محروس كوكبان، فسلم الأمر لما قضاه الكريم المنان، وأقام بمحروس كوكبان لطلب العلم الشريف، وقاطعاً شكية إلى الله وإلى جده رسول الله÷ يطلب منهما الإعانة على ذلك المقصد العالي المنيف فجلب بحمد الله كل الحظ، وما ذاك إلا لحسن النية والمقصد، أقام الله حقها في هذه الجهة اليمنية وعظم شأنها في المدينة المشرفة المحمية، حتى أنه ذكر السيد الجليل العلم النبيل هادي بن محمد الحمزي النزيل في الحرم النبوي، المجاور للقبر المنير المصطفوي إنها خطيب الحظ الأكبر الفخيم، وحصلت كرامة يطول شرحها: {ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } وما ذلك إلا لسلامة صدر منشيها من العصبية والسلوك منا للسنة الحنفية النبوية، فسلك فيها طريقة آبائه الأئمة الهادين، وتبع فيها ما سنَّه سلفه الأبرار الصادقين، مبايناً للغلو في المحبة والتعصب، مجانباً للحقد والغل على أصحاب جده البررة الكرام غاية التجنب ممتثلاً ما أمر به الكريم الرحمن في قوله عز من قائل: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِْيمَانِ } منتهياً عن الغل الذي أرشد إليه القرآن العظيم في قوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ولما اطَّلع عليها الشيخ العلامة الأوحد الصمصامة إمام حرم المدينة المشرفة، ونزيل تلك الربوع

الزاهرة المكرمة تشكر للسيد تلك المساعي الحميدة[214/ب] والمقاصد المباركة الرشيدة، وقال: مثل هذا السيد لا يجهل شرفه وقدره ولا ينكر فضله وفخره، وأمر الشيخ العلامة الأديب الألمعي والفقيه الفهامة المحقق الأريب، اللوذعي عبد الواحد الدوقي ، حفظ الله ذاته وأبقى حياته بالجواب على السيد فخر الدين، فقال ممتثلاً، وشرع وأنشد وأبدع شعراً:
جرد الصب من الحب حساما

وبه وفى من الفضل المقاما

وصريح الحق إذ لاح له

لم يخف رداً ولا يخشى ملاما

نصر الدين بقولٍ أبلجٍ

خذل الله به من قد تعاما

أظهر الله به حجته

وأزال الشك عنه والظلاما

حبه من عالم من فضله

قد أقام الوزن منه فاستقاما

ثم أمضى صارماً من قوله

قطع الخصم ولم يبق اختصاما

يا لقومي هل رأيتم فاضلاً

أنصف الحق من النفس وداما

ليس إلاَّ هاشمي بطلٌ
لوذعي خير من طال وقاما

إنه من فتية خالصة
وبها المجد تعالى وتساما

من بني عبد مناف قد نفى

شبهة الجهل لزوماً والتزاما

وأتاه بالنصح منه قيما

ليس فيه عوج شأن الكلاما

قد تولاه ألمعي بالتقى
زاد في تلك علواً واحتراما

لم يزل فينا شريفاً قدوة
يهدي الله به ثم إماما

مترض عن صحاب سبقوا
جعل الله لهم أبداً قداماً
صدقَّ القرآن في آياته

بالرضى عنهم وللأعداء أضاما [215/أ]

شهر الفضل بنص المصطفى

وبآيات لمن رام اعتصاما

حج خصماً بحجاج قاطع

وعلى ذلك برهاناً أقاما

فأدمه يا إلهي للورى

واعطه ذلك برهاناً أقاماً

وابقه فينا إماماً سننا

ثم زد ذاك وبلغه المراما

واغنه لهبات ليرى

ما بقى في مثلها عاماً فعاما

ليقم بالفضل فينا منصفا

وبعدلٍ مستوٍ يرعى الذماما

إن هذا فاطمي علم
عالم للفضل قد صار ختاما

من بني حيدرة أسد الوغا

وبه الهيجاء هاجت ثم عاما

بحرها المظلم في تيارها
وأثار النقع بل أسقى الحماما

سيد من سادة بل سند

شيد المجد وما قال لماما

خير من قال ومن صال ومن

نال فخراً يمناً منها وشاما

يا له من عصبة منصورة
وسيف الحق ما أبقى خصاما

أيدوا بالسنة الغراء ما

بعدها رسم أمن سما وساما

ثم كانوا حيث قال المجتبى

وعلى ما كانت الصحب قياما

لم يسموا أهلها إلا لما

تابعوا فيه بها الرسل الكراما

ليس فينا فرقة ناجية
غير من تابع منا واستقاما
سنة الهادي بذا قاطعة
إن من تابع لم يلق أثاما

وكتاب الله أعلا حجة
بل هو الوثقى فلم يخش انفصاما

إنه سفن النجا كلا ولا
بعده قط نجاة والتزاما

ما لأقوام رضوا من أمرهم

كل ما لائم خرقاً لا التآما

جهلوا ذلك أم هم علموا

فعمو أزيد واصطماما وانبكاما
فانظروا أهل بما جرى ونصرو

أودعوا من بعد ما جاء اهتماما

هل نفى فضلهم كلا ولا
عرف الحق الذي للصحب داما
واسألوهم هل لهم من سند
وإلا ما كان هذا وعلاما

فارض يا رب عن الصحب.......

..........ترضى عنهم واخز اللئاما
وعن الخبر الذي ما شأنه

غير ما أولاه سادة عظاما

وصلاة الله تغشى أحمداً
خير من أولاهم طراً وداماً

وعلى آل كرام حفظوا
جدهم في صحبه ثم احتكاما

وعلى الصحب ومن تابعهم

صل يا رب صلاة وسلاما

[216/أ] تمت كما وجدت. والحمد لله رب العالمين

وفي هذه الأيام وصل اعتراض في صورة سؤال بعث به العماني إلى ولي الأمر باليمن، يذكر فيه أن القهوة لا ينبغي استعمالها، وأنها حرام عنده، محتجاً أن فيها شبهة بالإدارة بأعمال الخمر، وأنها مسكرة، وأن بعض الشافعية حال خروجها أفتى بتحريمها، هذا محصول اعتراضه وسؤاله. وهو اعتراض باطل، وسؤال عاطل، خالف فيه إجماع العلماء وأهل السنة وغيرهم، ولم يكن فيها من أدلة التحريم شيء، لا إسكار ولا غيره، فإنها من جملة الطيبات التي تضمنها قوله تعالى:{لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ } وقوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى الله الْكَذِبَ} والأمر واضح فيها، لا ينبغي التطويل في دلالتها، وأما الإدارة فليس بمجرد حجة في التحريم فقد يدار الماء للشرب، وقد يدار شرب اللبن كما ثبت في شمائل النبي÷ أنه كان يديره على يمينه. وعلى الجملة: إن القول بالتحريم من الجهل الذي لا يخفى. مع أن العماني كان الأولى له نهي نفسه من قطع الطريق في سواحل بلاده إلى اليمن، وفي البحر بحيث أنه تعدى إلى سواحل اليمن وانتهب من أموال المسلمين[216/ب] ما لا يزال في هذه السنين، حتى كان سببه ذهاب أموال عظيمة على تجار من بلاد الحسا وبلاد العجم والهند وغيرها، بحيث أنه قطع مسيرة البن إلى تلك الجهات في هذه السنة والتي بعدها، ولم يخرج فيها من بلاد العجم والحسا أحد بسببه، وقطع الطريق أعظم شيء في التحريم فلو نهى نفسه أولاً عن ذلك لكان هو الأولى له، والله الهادي إلى سواء الطريق.
وقطع أيضاً طريق البصرة وتجارها إلى بلاد الهند واليمن، والله يسلط سلطان الإسلام ابن عثمان على زواله ودماره، فإنه صار من المفسدين في الأرض بغير الحق، مع بدعته التي هو فيها من اعتقاد مذهب الإباضية من الخوارج الردية.

وفي هذه الأيام اطلَّع علي بن أحمد بن القاسم صاحب صعدة على كتاب بلاغة بخط الفقيه حسن المتميز، الذي كان وكيلاً للمتوكل على الله إسماعيل على مخازين بيت المال بصعدة يذكر فيه إلى المتوكل أموراً كثيرة على علي بن أحمد، فطلب علي بن أحمد المتميز إلى حضرته وقال له: هذا خطك؟ فقال: نعم.، فقال له: ما حملك على هذا الذي نقلته إلى المتوكل وكشفته؟ فقال الفقيه: الغيرة عليكم يا أهل البيت، فأمر بحبسه في الحال ونهبه فنهبوه في الديوان، وخرج إلى الحبس، وهو عريان وكبله بالحديد، ثم أنه تشفع فيه من تشفع بإطلاقه، فأطلقه ولم يقر بالفقيه قرار، ووصل إلى صنعاء بقي فيها مدة من الزمان فوق السنة، ثم إنه عاد إلى بلاده، وكان المذكور من المشيرين على المتوكل بعزل علي عن صعدة وتولية ولده الحسن، فلم يُقدر الله ذلك، وحال بينه موت المتوكل.
[217/أ] وفي آخر شهر رجب منها رأيت حجارة مكتوباً فيها كتابة خلقة ما لفظه: محمد بن إبراهيم بهذا اللفظ، فقلت: لا يعلم أحد بهذا الإسم من المشهورين إلا السلطان محمد بن إبراهيم بن عثمان.
وفي هذه الأيام كتب القاسم بن محمد بن المؤيد صاحب شهارة إلى محمد بن المتوكل أنه يطلب له من صنوه أحمد بن المتوكل ولاية بلاد عذر، ما كفته بلاد الشرف، فذكر لصنوه أحمد ذلك، فلم يسعد.
وفي هذه الأيام بشهر جمادى الثاني خرج أحمد بن المتوكل إلى عند المهدي يطلب منه ولاية حجة، وخرج معه صنوه محمد بن المتوكل فلم يسعد المهدي إلى ذلك، فجعل له محمد بن المتوكل من بلاده بلاد ثلا، وما اكتفى ببلاد عفار والسودة وعذر، ولذلك طلب أحمد بن محمد بن الحسن زيادة بلاد إلى بلاده، فلم يسعد المهدي إلى مطلبه لكنه زاد له دراهم من حضرته.

وفي هذا الشهر تم بناء مسجد النهرين بصنعاء، عمارة عظيمة، ومطاهر واسعة؛ لأجل ما ظهر من تسريجه كما مضى تاريخه، ظهر لأهل المدينة بركته، وكان مسجداً صغيراً وله مطاهر قليلة، والمعتني بذلك جيرانه، وأعانهم بالبعض ناظر الوقف. وهذا المسجد الذي في بطن وادي صنعاء قريب باب السبحة.
وفي هذا الشهر اشتجر حسن بن المتوكل، وقاسم بن المؤيد على سوق أحدثه قاسم بمساقط بلاد الشرف بتهامة، فأراد حسن خرابه، فأرسل المهدي من يطوفه، وأنه إذا كان قديماً بقي على حاله. وكذلك أحدث حسين بن حسن صنو المهدي سوقاً في الحرشة، فأمره صنوه المهدي بإزالته، فامتنع[217/ب] وقال: إنه لم يحصل منه تغيير في بلاده فيتركه على حاله، فتغير المذكور من ذلك ورد تحويل حول به عليه من المعتاد لأهل جبل ضوران ورتبته، وأهم بالتقدم عليه، فعند ذلك طلب المهدي من صنوه الحسين الاتفاق والوصول، فلم يسعد إلى ذلك، وما زال يواعده ويماطله، فأهم المهدي التقرب إلى جهته، فإن وصل وإلا تقدم عليه إلى حضرته، والكتب ما زالت بينهما وبين ولده محمد بن أحمد صاحب المنصورة، وهم يواعدونه ويماطلونه ويعتذرونه، وإنهم يخطبون له ويمضون سِّكَته، لكنه يترك لهم بلادهم وحالهم.
واتفق في شمسان بني عكاب أن جماعة ساقوا الدبا من وادي الصلبة، فطلعت إلى مال أخرى، فلقتهم حُرْمَة رجمت أحدهم فسقط ميتاً لوقوعها في رأسه ثم رجمت آخر كذلك، وبقي الثالث منهم حمل على الحرمة قتلها، فسقط القود بها.
وفي هذه الأيام ظهر سَبْعٌ أخاف الحميان للذرة بجوار جبل نقم وسعوان، وهو أكبر من الضبع في حجم الصعب ، وله عقيق كعقيق البعير الصغير، فقيل: إنه السمع وقيل: السبسب والله أعلم.
[218/أ] وفي هذه المدة حصلت نفضة في الناس، بحيث يعم المرض بعض البيوت، فلا يجدون من يصنع لهم الطعام، وقد يصنعه لهم رجالهم ثم يمرضون، ويقوم الأولون، ومنهم من يقضي عليه أجله، وكان هذا في فصل الخريف.

وفي نصف شعبان ظهرت الجراد من تهامة، وهي التي أثرت فيها الواصلة من عمان كما مضى ذكرها، فأخذت على طريقها مواضع، وحضر كثير من الناس في مثل جهة المغارب، وسلم عنها اليمن الأعلى والمشارق، وصلحت الثمار في أكثر اليمن لولا حصول النقص بالحضر بسبب الجراد، وخلف في أطراف المشرق كَنِهْم والجوف وبرط، فبلغ الشعير إلى ثلاثين بقشة وحرف، والبر إلى حرفين.
وفي هذا الشهر سار علي بن أحمد صاحب صعدة إلى نجران لاستخلاص المطالب، فتلقاه أهله بالحرب، فراح من أصحابه سبعة ومن أهل البلاد أربعة، ومنعوه عن دخول بلادهم، وأخذ وجه المحاصر منهم في التزام بعض شيء من المال، وجعلوا معه رهائن وعاد صعدة. وكان قد استجاش بجماعة من ذي محمد من برط، فلما عاد صعدة وهم معه قتل واحد منهم بباب صعدة، فطلبوا من علي بن أحمد أن يرسل معهم عسكر عينة لقتل واحد من سحار بصاحبهم، فأرسل وقتلوا واحداً لا يعلم أنه القاتل، فلا قوة إلا بالله، بل قتلوه في باب بلده من كبارهم، وكان هذه المعونة من علي بن أحمد من الأفعال العظيمة والموافقة للجاهلية، وإطراح الأحكام الشرعية، وإنما كان عليه أن يقول لبرط: لا أعينكم على الضلالة ومخالفة الشريعة، بل لكم ما تحكم به الشريعة من القسامة أو غيرها في صاحبكم، ولا[218/ب] يجوز أن أعينكم في باطلكم، وفتنة أخرى، بعدها شكوا جماعة إليه من قبائل بلاده بقتل حصل من قبيلة فقال لهم: اقتلوا واحداً منهم بصاحبكم، وهذا من الأحكام المخالفة للشريعة.
وفي شعبانها مات القاضي محمد بن أحمد الشظبي، كان المذكور له معرفة في الفقه، وكان حاكماً في مدة المؤيد بالله بكوكبان، وأول دولة المتوكل، ثم عزله وانتقل إلى صنعاء وقل سمعه، ولم يخرج آخر مدته من بيته، وكان حافظاً لكتب أجداده وأهله، وهو من جملة من أخذ على السيد محمد بن عز الدين المفتي بصنعاء في زمان دولة جعفر باشا.

وفي هذا الشهر مات الفقيه عبد الله بن حسين بن يوسف بظفير حجة كان المذكور عارفاً بالنحو والتصريف، مدرساً فيهما، وأصله من حيز حجة، من بلد القذف ، ولكن والده دخل الظفير خوفاً من جانب عبد الرحيم أيام دولته بحجة، فخشي من فتنته وتسليطه، وأخرب بيته بعد دخوله الظفير.
وفي هذه الأيام بآخر شعبان طلع السيد حسن بن مطهر الجرموزي بحمولة من المخا إلى حضرة المهدي.
وفي رمضانها طلب أحمد بن الحسن جماعة من اليهود من صنعاء إلى الغراس، وأمرهم بالخروج من جزيرة العرب، وأنهم قد تراخوا بعد الأمر الأول، فطلبوا المهلة حتى يبيعوا من أموالهم، فأمهلهم خمسة أشهر.
وفي ليلة رابع عشر شهر رمضان خسفت القمر ببرج الثور، طمسها الخسوف جميعاً، وكان الخسوف بسواد ثم انقلب بحمرة، عكس الخسوف السابق، فإنه أوله كان بحمرة، فالحكمة لله تعالى.
[219/أ] وقد كان السرحي المنجم ذكر الكسوفين في هذه السنة عند تقويم أولها، كما وصف الواصف قبل حصول خسوفها، فاتفق كما ذكره فيها.
وفي آخر شهر رمضان وصل الخبر أنه وصل إلى جدة متسلم، وعزل الذي كان فيها، وأنه خرج صحبته قدر أربعة عشر مركباً فيها طعام من مصر، ولحق عقبها اثني عشر مركباً طعاماً أيضاً في شوال، وقووا جدة وزادوا في العسكر على العادة.
وفيها سرقت سرقة من بيت المتوكل بضوران، دراهم وسلاح وغيره، وفرحان اتَّهم جماعة، حبسهم وضرب بعضهم، فاعترف أحدهم، أرجع بعض شيء يسير من السلاح والباقي ذهب. وهم جماعة قد لهم أيام يستخرجون السرقة من طاقة مفتوحة ويردونها على حالها. وكان من جملة المتهمين من الملازمين في ضوران في جبل ضوران، فلما طلبه فرحان للضرب أمر الخادم بضربه، فحمل على الذين أرادوا قبضه، طعن أحدهم ومات من جنايته.
وطلع ثاني العيد علي بن المتوكل من اليمن الأسفل إلى صنعاء، ثم لم يلبث أن عاد إلى ضوران وتبعه صنوه محمد.

[219/ب] وفي آخر يوم من شهر شوال مات الأمير علي بن حسين الجوفي صاحب الزاهر، وكانت وفاته بصنعاء عقب طلوعه من الجوف، فقبر في حوطة جده المطهر ابن الشويع بخزيمة غربي صنعاء.
وفي شهر القعدة الحرام مات السيد العارف يحيى بن أحمد بن صلاح الشرفي في بيته بالشاهل من بلاد الشرف، كان المذكور له معرفة ومشاركة في بعض الفنون، وكان جارودياً على طريقة والده. وكان نظر أوقاف الشرف إليه. كان موته فجأة، وكان يحرم التتن، وفعل في تحريمه رسالة، وزعم أنه من الخبائث، واحتج بقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } ولا حجة له؛ لأن الخبائث دلالته مجملة، والمجمل لا يحتج به على شيء إلا بعد البيان، وقد بين النبي÷ الخبائث، وبعض البيان أيضاً في الكتاب العزيز مثل تحريم الميتة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع وكل مسكر ونحو ذلك، وبين تعالى الطيبات، ثم إن التتن لا تستخبثه النفس.
وفي هذا الشهر عاد حسن بن المتوكل من أبي عريش إلى الضحي وبيت الفقيه الزيدية بتهامة واستقر هنالك، ووقع بين أصحابه فرقة على سبب بندق عرفه رجل من الأهنوم وقال: هو له من النهبة التي وقعت فيها أيام الحرب الواقع بها، فحصل خصام بينه وبين الذي هي معه، وعصب مع أصحابه من الأهنوم.

59 / 94
ع
En
A+
A-