ودخلت سنة تسع وثمانين وألف
استهلت بالثلاثاء، والأسعار في الشدة والغلاء: القدح الحنطة بسبعة حروف، والذرة بخمسة، والشعير بأربعة[201/ب] والشبكة التبن بسبعة، والرطل السمن بستين بقشة، واستوى هذا السعر في جميع اليمن، إلا أنه قد ينقص حرفاً ويرجع إليه.
ووصل بعض شيء من الطعام من بلاد الحبشة، لما بلغهم الغلاء، فدخل إلى اللحية وغيرها واستمر هذا السعر إلى آخر هذه السنة، إلا أنه استقر من بعد على الثلاثة الحروف للشعير، والذرة إلى أربعة، والبر إلى خمسة؛ وسبب ذلك قلة أمطار الخريف، فكانت ثمرة الصراب ضعيفة.
وفي خامس هذا الشهر وصلت كتب الحجاج إلى اليمن يخبرون بأن الحج كان مباركاً، وأن السعر الكيلة المكية بعشرة كبار مصري، والخارج من الشام ومصر والعراق العادة، والشامي أقوى من المصري والعراقي. وخرجت أوامر من السلطان إلى الشريف بركات أنه يخرج من مكة، ويكون استقراره بالحجاز؛ لأجل قبائل عنزة، فخرج عن مكة بعد أن أراد الاعتذار، فلم يعذره، وأخرج أهله وحريمه وخزائنه وأكثر عساكره، وجاء الخبر بعد ذلك بأن الزوار وافقوهم في المدينة، وحصل مع الشريف أوهام من ذلك الأمر بالخروج من مكة، وإن كان ظاهره لإصلاح الطرق، لكنه كان العادة لوالي مكة الاستقرار بها، ويكفيه غيره في تلك الجهة.
وجاء خبر وفاة الوزير الأعظم للسلطان بالروم وأقيم آخر في مقامه، ولما بلغ محمد بن سليمان الذي كان انتصب بمكة بتصريف المقررات، وكان المولي له ذلك الوزير خرج عنها إلى المدينة النبوية، ولعله يرجع بلاده، إذ هو من بلاد فاس بالغرب الجوان، وهو من أهل العلم والعرفان.
وفي هذا الشهر طلع السيد جعفر بن مطهر الجرموزي متولي العدين، واطلع معه حمولة للمهدي قريب ثمانين حملاً، وطلع في أثره جماعة من مشائخ العدين يشكون على المهدي من كثرة المطالب، فاستبقى المهدي جعفر عنده وزلجهم.

واشتد الغلاء في الأسعار والقحط في بلاد عمان لأجل الجراد، وضعف الثمار.
وفي آخر نهار السبت سادس وعشرين شهر محرم عند الغروب توفي بدر الدين الأمير محمد بن أحمد بن القاسم بوطنه ومحل ولايته الروضة، قبلي صنعاء، ودفن بها عند جامعها الذي من مآثر والده . وكان علته ورم برأسه وقروح ظهرت بوجهه، وكان ابتداء علته من الطريق حال رجوعه مع المهدي من الجهات الشامية، وكان دخوله صنعاء[202/أ] عقب وصوله تكلفاً منه، ثم لما عاد إلى الروضة انقطع مريضاً، وأقعد في داره أليماً، وانطفئ ملكه، وتحول أمره، بعد أن كان لهجاً في الولاية، وطامعاً في الزيادة، لما كان معه من البلاد الأولة، لتمكين الرياسة، فغلبت عليه الأقدار ولم يظفر من مقصده إلا بمخالفة إرادته، فإنه كان طالب أحمد بن الحسن أول إمرته وقيامه في ولاية حجة، فوضع له ولاية، واستراح بذلك بعض الاستراحة، وحسب أن ذلك هو البغية المقصودة، والحاجة المطالب فيها المرغوبة، وموانع الأقدار تعمل في عدم الهناء بذلك الذي صار. وأول حاسد له ومعاند أخوه عبد الله بن أحمد بن القاسم الذي من جهة صعدة، فإنه لما عانده أخوه علي بن أحمد وغلبه على أمره واستضعفه ومنعه أيس عن ولاية في الشام، ولم يبق له طوالع الأمل إلا فيما كان قد عرفه من حال قيامه مع صاحب شهارة وصهارته له. وكان صاحب شهارة تلك الأيام قد بعثه في مقادمته رئيساً إلى حورة بحجة، فلما انعكست على قاسم أموره، ولم يتم لها مقصوده، كما سبق ذكره، وصل عبد الله بن أحمد مواجهاً[202/ب] إلى المهدي بعد فتحه لشهارة كما تقدم إلى ذكره الإشارة. وكان قد نظر إلى حجة، وعرفها هذه المدة، مع تهالكه في الولاية والرياسة، فما زال يعمل الحيلة والتزويف للمهدي في أن يبعثه إلى عمل في حجة، فاتفق من المقدور أن ساعده أحمد بن الحسن المهدي على العزم إلى تلك الجهة، وأنه يمنع صنوه محمد بن أحمد عن إمتداد اليد، لا يكون له منها إلا ما عينه، وقيل: بل محمد بن

المتوكل عرَّف أحمد بن الحسن في أن عبد الله بن أحمد تصلح ولايته لحجة ونظره على بعض منها لكون محمد بن أحمد استأصلها، ولا يدفعه إلا مثل ذلك الرجل كونه أخاه. وقيل: إن المهدي انثنى عن ولايتها لمحمد بن أحمد، وأن هذا صنوه أرسله مناصباً له، ومانعاً من تصرفه فيها، فأول ما جرى من المذكور وقد معه من الظفر والسرور، بالطمع في ولاية ذلك المخلاف المشهور أن قبل صاحب الدفعة لما سار بها إلى جهة محمد بن أحمد، ولم يتبع أمره، وأخذها عليه قبله، واستقر بمبين، واسترسل في الآداب وجرت اليد على الرعية، واليد القوية، فأوجسوا منه خيفة، وقالوا: هذا بلية، لما كانوا آلفين من السادة بني جحاف من البرارة، والمسايرة لهم على الصفة المعقولة، العادة الجارية معهم المقبولة[203/أ]فكان المذكور كذلك في تلك الجهة منهم يقول: إنه متولي، ومنهم من يقول: هو مأمور بأوامر، وأن الولاية باقية لابن جحاف، وهو الثابت، ولكنه زاحمه المذكور في سياسات البلاد والمشكى والآداب، فصارت بلاد حجة متشاجر فيها بين المذكور وبين واليها، وبعض إلى محمد بن أحمد منهارة أعمالها، مختلف أحوالها، متضرر من ذلك أهلها. وأحمد بن الحسن قد كرر الطلب لعبد الله بن أحمد المذكور وصار يواعده ويماطله.
وكان تحويل السنة الشمسية بدخول الشمس أول درجة الحمل في تاسع وعشرين شهر محرم، والمريخ والمشتري في برج الحوت، وزحل في الجوزاء، والزهرة وعطارد في الحمل، وكذا القمر.
وفي هذه الأيام بآخر شهر محرم انتهب في العمشية بعض القافلة الخارجة من صعدة، وتركوا الحديد والجلود، واشتغلوا بالحاصل والنقود، وهاجت تلك القبائل بين صعدة وشهارة من دهمي وسفياني وعصيمي، حتى حصل التخطف في البطنات وأطراف بلاد عذر وحول حصن شهارة، لمن يختلف إليها وفي طرقها من المارة.

وفي نصف صفرها وقع مطر جود على جبل نقم، فنزل سيل عظيم إلى شعوب، من وادي فروة ، فعمه جميعاً، ودفن غيل الروضة القديم الذي يخرج من الصفاء، ودفن سائر الغيول، وخرب في شعوب بعض بيوته التي[203/ب] في الحافة مما لا يعتاد خرابه، وكان هذا بفصل الصيف، وصلح بسببه ثمرة الذرة في جميع اليمن، وشرع السعر ينحط، بعد أن كان قد بلغ القدح أربعة حروف.
وفي هذا الشهر حصل شجار بين أهل الديون وبين التجار، لما طالبهم أهلها امتنعوا عنها بسبب فتوى أحمد بن الحسن لهم بإنظارهم إلى ثمارهم وغلاتهم، وأدب المهدي المطالبين من التجار، وأجبرهم على الانتظار، وأمر القضاة بأنهم يحكمون بذلك عليهم، ويجرونه فيهم. وكان القاضي محمد بن علي قيس من الجارين على قول العلماء الماضين من وجوب التسليم مع المطالبة للميسرين، وأن النظار إنما هو للفقراء المعسرين، فأمر ببيع العروض مما كان حاضراً للغريم، إما شراه الغريم أو شرى شيئاً من مال المدين بالتقويم، أو باعه في ذلك اللازم من الدين، فتحامق عليه المهدي أحمد بن الحسن وطلبه إلى صنعاء. وكان القاضي قد أرسل إليه برسالة فيها حجج العلماء، مثل الحديث الذي[204/أ] رواه الحاكم والدار قطني والبيهقي عن أبي بن كعب بن مالك أن النبي÷: ((حجر على معاذ ماله وباعه في دين كان عليه)) ونحوه. فكان جواب المهدي: أنه أرسل عليه وعذره عن القضاء، وهذه مسألة ما أحد قد قال بها قبل هذا المذكور، واستنكر ذلك جميع علماء عصره، إلا إن الرجل ملك يريد إمرار قوله كيفما كان، وبعض من لا معرفة معه من الفقهاء قال: إن السبب نزول الآية كما ذكر الواحدي يقضي بقول المهدي، فإنه قال عن الكلبي ، وهو محمد بن السائب الكلبي بعد نزول آية الربا، قالت بنو عمروا بن عمير لبني المغيرة: هاتوا رؤوس أموالنا ولكم الربا ندعه لكم، فقالت بنو المغيرة: نحن اليوم أهل عسرة، فأخروا لنا إلى أن ندرك الثمرة فأبوا أن يؤخروها،

فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ } فالرواي الكلبي، وهو ضعيف الرواية، ثم إنه مخالف لما رواه غيره، فإنه روى السيوطي في تفسيره عن كثير من المفسرين والحفاظ أنها نزلت في الربا، ولم يذكر مثل قول الكلبي أصلاً، ثم إن العُسْرة في اللغة: الفقر، والقرآن عربي، فكيف يصح قول الكلبي مع مخالفة العربية؟ ثم فعل النبي÷ ببيعه في مال معاذ لدينه وغير ذلك من الدلائل. ثم إن قد روى بعض العلماء أن هذه المسألة إجماعية أن من معه عروضاً أو عقاراً وجب تسليمها في الدين مع المطالبة بثمن مثلها، كما ذكره النووي في منهاجه وغيره، وقد روى الإجماع صاحب البحر .
وفي الحديث عنه÷ كما في الصحيحين: ((مطل الغني ظلم )) . ولهذا الاشتباه مع المهدي أحمد بن الحسن[204/ب] كان أصل الشبهة معه في مطل الديون التي في ذمته لكثير من المسلمين، فكم في ذمته لهم وكم وكم!، وكانوا يشكون على مخدومه المتوكل إسماعيل، فلم يقدر أن يؤثر فيه بأمره له، فاجتمعت عليه ديون كثيرة أيام دولة المتوكل وأيامه، والمطل ظلم، فلا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وله شبهة في المطل أيضاً أخرى بأنه قال لبعض المطالبين له: أنا مشتري لبيت المال، فلا يلزمني لكم شيء، فانظر هذه الغفلة العجيبة، فإنه يقال له: إذا كنت ولي بيت المال فهو لازم لك القضاء منه، وإلا فلِمَ تشتري ذلك؟ والوكيل قد قالوا: إنه يتعلق به الحقوق فيما اشترى لموكله، فما فائدة هذه الأعذار التي لا تجدي ولا تنفع! ولكن الرجل قد أعجب برأيه، فتراه يتساهل أمر العلم، ويدخل نفسه فيه، ويتشبه بتدريس أهل الدنيا الذين يحابوه على سببها ويميلون إلى هواه لأجلها، ويصدرونه ويأخذون عنه وهم في الباطن يعتقدون أنه ليس كذلك، إلا أنهم لما رأوا تأثير ذلك إلى بذله لهم من الدنيا وضعوا عنده الكذب، وقد جاءت أحاديث أن آخر الزمان يجري مثل هذا الكذب عند الملوك، وأنه يكثر الجهل ويكثر أبناء الدنيا، والواضعين للكذب عند الملوك للتوصل إليها، والله يوفقنا إلى رضا رب العالمين، إلا أن المهدي المذكور لو كان اكتفى بما قد أصر عليه في نفسه، ويترك معاملة الناس للناس ويَكِل الأمر إلى الشريعة الجارية عند الحكام. وفي حديث رواه الطبراني والبزار عن سمرة قال: قال رسول الله÷: ((سترون قبل أن تقوم الساعة أشياء تستنكرونها عظاماً يقولون هل كناحدثنا بهذا الحديث))، وأخرج ابن أبي شيبة عن عبادة بن الصامت عنه÷ قال: ((سيكون عليكم أمراء يؤثرونكم بما تعرفون ويعملون ما تنكرون وينكرون عليكم فليس لأولئك عليكم طاعة)) [205/أ]. وهو أيضاً من أوائل مصير المعروف منكراً والمنكر معروفاً؛ لأن قضاء الدين للغريم من المعروف ومطله من المنكر، وهنا قد انقلب حكمه، فصدق÷. وأخرج البيهقي وابن عساكر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله÷: ((سيكون بعدي خلفاء يعملون بما يعلمون ويفعلون بما يؤمرون وسيكون بعدهم خلفاء يعملون بما لا يعلمون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن أنكر عليهم برئ ومن أمسك يده سلم ولكن من رضى وبايع)) انتهى. وجعل في ذلك رسالة

مزخرفة بالباطل والحجج التي لا صحة لها ولا معنى، وكيف وضعها؟ منها: أنه احتج بأخبار موضوعة فيها مثل الحديث الذي قال:إنه جاء في الحديث الصحيح: ((إذا ضيق الأغنياء على الفقراء أذن الله بهلاك القرى )) بعد أن زعم أن سبب الغلاء والقحط هو إلحاح التجار في المقتضى من أهل الدين. ومن الحجج الضعيفة المعلومة التي لم يعرف بها المسكين أنه جعل مطالبة أهل الدين للغريم وبيعه لماله من بيع المضطر الذي نهى النبي÷ عنه، وقال عن أبي داود قال: خطبنا علي فقال: ((سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر فيه على ما في يده ويبايع المضطرون ولم يؤمروا بذلك)).

فهذا لا أصل له، وهو حديث مقلوب محرف مزيد في آخره ما ليس فيه، وإنما الحديث على غير هذا اللفظ. وقال في رسالته هذه محتج على غيره، وهو حجة على نفسه بقوله تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } قال: فبادروا بالرجوع إلى الله بالتوبة الصادقة والإقلاع عن المعاصي والتخلص عن المظالم لله وللعباد، فهذا حجة عليه بتخلصه من المظالم التي عليه، وما جرى منه سابقاً من البغي على الإمام المؤيد والقتول واستهلاك خزانة والده جميعاً ولا صار ما هو لبيت مال إلى الإمام، ولا صار ما هو ملك للورثة، وما هو مطالب فيه أيضاً من الديون من كثير من التجار ولم يسلمها لهم، وكذلك مطالب بأشياء من الجنايات التي صدرت منه[205/ب] في بغيه بغير حق وتهوره من بعد ذلك في بيوت الأموال، فإن مصروف بيوته في الشهر على ما روى أربعة آلاف حرف من غير الطعام والكسوات، ولو كان جزءاً يسيراً لكان بيت المال يحتمله في خاصتة، فأما هذا القدر فما قد اتفق لأحد قبله ولا يتفق لأحد بعده في ملوك اليمن: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} . وذكر في رسالته هذه في التتن التشديد على ولاته وقضاته في تحريم بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء، وقال: ما لم يمتثل رفعوه إلينا، وسيرى من لم يمتثل سيف الإنتقام بأيدينا التي هي قادرة وشدة شكيمتها لدين الله القاهرة، فهذا من الجهل حيث أوجب فيمن باع الشيء بأكثر من سعر يومه يستوجب القتل، مع إجماع العلماء أنه لا يستوجب ذلك في الربا المجمع عليه المتفق وإنما يضرب ويؤدب، فكيف هذه المسألة! وهي بيع الشيء بأكثر من سعر يومه الذي في الحقيقة القائل بأنها من الربا مخالف للإجماع إن لم يقل به غير الهادي، وإجماع كافة العلماء أنها ليست من الربا. ثم ذكر التتن فقال: التتن من المضار في الأبدان،

ومن القبائح المفسدة والمانعة عن الأديان، واجتناب ذلك واجب، فمن يرجع إلينا ويعول في أمر دينه علينا فليترك ذلك ولا يقاربه، فمن لم يمتثل فقد برئ منا وبرئنا منه، انتهى.
فانظر وأعجب من هذاّ فإني لما ذكرت له ما وجه تحريم التتن فلم يجد حجة، فقلت له: مكروه، ولا دلالة على التحريم، فقال : نعم مكروه.
[206/أ] وفي هذا الشهر بعث الملك المهدي كتباً إلى اليمن الأسفل بأن التتن يترك إطلاعه إلى البلاد العليا، وأنه يرجح التحريم لتلك الشجرة المباحة التي توهم فيها من توهم ممن يعرف المعرفة التامة، فما كاد يتم به أمره كل التمام، ولا امتثل له أحد فيما أمر به ورام؛ لأن الحلال بين، والحرام بين، والله غالب على أمره، لا يمكن أحد أن ينفذ أمره في المخالفة لإجماع الإسلام، والأقوال الشاذة شاذة تضمحل فيها الأحكام.
وفي هذه المدة بشهر صفر ما زال التخليط في البلاد الشامية في طرقها وعدم انتظام أمور ولاتها وأمرها ونهيها، وتفرغ الحرامية للنهب، خصوصاً العصيمات، ومن إليهم من أهل الحرامات، فاستباحوا تلك الجهات. والقاسم عند ذلك صاحب شهارة أظهر بعض ما كان عليه من دعوته وعلامته إلى من كان يجيبه من أهل نصرته، فيكتب إليهم بالمنصور، وأما إلى غيرهم فبالقاسم، ومن كان بايعه أوأجابه لا يسميه إلا بالمنصور.

وحجة ظهر فيها تغلب عبد الله بن أحمد، وامتنع عن الوصول إلى المهدي. وزيد بن علي بن يحيى بن المؤيد لما استقر بظفير حجة أمر ونهى، وأدب وتصرف في مخازين الوقف لمن شاء، وقبض من زكاة أهل الظفير ومخلافه، وتصدر فيه للمشكى. واتفق هو والقاضي مهدي ووافق غرضه، لما كان حصل مع القاضي من أهل[206/ب] الظفير من الحاصل الماضي، فحصل مع مشائخ الظفير التضرر من ذلك الأمر الصادر، ومازال عنهم من المصالح في الزمن الغابر؛ لأن مثل الأداب اليسيرة كان النظر لهم فيها في بلدهم، وما استحسنوا مخالفة المذكور بمنعهم، ثم بعد ذلك لما كثَّر أهل الظفير الشكوى به أرسل له المهدي من يطلعه، فطلع إلى حضرته، سكن عنده حول سنة، ثم زلجه وشرط عليه أن لا يحصل منه تعرض إلى ما لا يعنيه.
وفي هذه الأيام تفوَّه المهدي بأن البلاد قد تقسمت مع عيال المتوكل، والأمر كذلك، ومحمد بن المتوكل وأخوته لا يسمحون بشيء يفوت عنها، بل قد زاد لعلي بلاد تعز، وهم إذا انتقص عليهم شيء لم يسامحوه ولو أدى إلى الخلاف عليه عندهم، كما أنه مع والدهم لو نقص عليه مما وضع له المتوكل شيئاً خالف عليه، فكان ذلك من عجائب الدنيا والتعارض فيما بينهما، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
[207/أ] وفي ليلة سادس عشر شهر ربيع الأول خسفت القمر طلعت خاسفة بالرأس في برج العقرب بحمرة، طمستها جميعاً، ثم تعقب الحمرة سواد، فالحكمة لله، وقيل: إنها أكسفت عقب طلوعها بسرعة بنحو درجة.

57 / 94
ع
En
A+
A-