وكتب إلى باشا سواكن بسواحل الحبشة يدعوه إلى الطاعة وهو عمر باشا، وهذا كله عين الخطأ، لامتناع من بحضرته عن تبليغه، وأراد الكتابة إلى مصر فلم يجد له رسولاً. وأحمد بن الحسن أقطع بلاد صعدة لعلي بن أحمد، فطاب بها خاطره، ورغب بسبب ذلك إلى جانبه، ولم تطب نفوس بلاد خولان بولايته؛ لأجل أنه كان جعل لهم خطوطاً برفع ما عليهم من المطالب أيام مخالفته على عمه إسماعيل، وقال لهم: أنتم عون على عمي المتوكل وجعلت لكم بالنصرة رفع المطالب عنكم في هذه المدة، فلما انقضت تلك الأمور الماضية ومات المتوكل وصارت الأمور إلى هذه الحالة الثانية طالبهم في الذي عليهم من أول من العادة، فأبوا عنها ولم يمتثلوا أمره فيها وشكاهم إلى المهدي، فطلبهم إلى رحبان وقال لهم: يسلمون ما عليهم من المطالب، ولا يخالفون علياً في شيء من المآرب، فقالوا: إذا لم يحصل منه الوفاء بما وقع، فليس لنا بولايته مطمع، ونولي بلادنا[185/أ] غيره، ونسلم ما علينا له، فبقي علي بن أحمد بذلك تاعباً. وأحمد بن الحسن صار مُعْرِضاً؛ لأجل ما عرف من علي من اتباع الهوى، وعدم مراعاته لما يصلح المسلمين فيما مضى، فبقي الأمر كذلك وليس عليه في التحقيق إلا أن يقول له: قد صارت البلاد الشامية الصعدية إليك، فخيرها وشرها عليك، وإلا تركت أمرها ومصالحها وأصلحناها.
وفي آخر شهر جمادى الأولى عادت الجراد التي كانت توجهت إلى اليمن الأسفل تؤم جهة القبلة من حيث جاءت أولاً، فضرت في هذه البلاد التي مرت بها في الزراعة، أكلت منها بعضها وهي نبات، وعند ذلك غلت الأسعار في الجهات لا سيما مع قل المطر في الخريف، فبلغ القدح بصنعاء أربعة حروف، والشعير إلى ثلاثة، وأما الذرة فمعدومة لأجل جراد العام الماضي، واشتدت الأزمة مع أهل اليمن الأسفل، ورحلوا إلى البلاد العليا، وخلت بالسحول قرى كثيرة، وصلبت أموال عديدة وعرضت بأبخس الأثمان، فلم يشترها أحد لعدم من بقي من الساكنين لإقامتها فلله الأمر. ومات في اليمن الأسفل عالم لا يحصون، بحيث أخبرني رجل[185/ب] أنه دخل بيتاً في قرية فوجد فيه سبعة موتى، قد ظهرت رائحتهم ونتنهم، ثم دخل مكان آخر فوجد رجلاً في آخر رمق وامرأة ميتة وطفل يرضع منها وقد هي ميتة، قال: فسأل ذلك الرجل ما شأنكم؟ فقال: الجوع وأمر الله الذي قضاه، قال: فاستعبرا وحمل الطفل إلى راعي غنم قد رآه فمكَّنه الطفل يرضعه من غنمه، وسار فارَّاً من الأمر الذي رآه وأفزعه. ووصف لي آخر من أهل جبلة وصفاً عجيباً وقال: ما قد رأينا مثل هذا الزمان في اليمن، خلت قرى وصلبت أموال ومات عالم لا يحصى، وفقر في الناس كثير وغني آخرون ممن معه من الحب.
وعلي بن الإمام المتوكل إسماعيل بن القاسم نزل من ذمار في شهر جمادى إلى اليمن، فاستقر بإب على ضعف اليمن الذي ينبغي الفرار منه فازداد مع أهله التضرر لما قد نالهم من الحاجة والخُلف في بلاده، ووصلوا إليه شكاة، وقالوا:[186/أ] المطالب متعذر جمعها لضعف البلاد وتفرق أهلها، فأمهل بعضهم إلى الثمرة، ولم يكن فيه إلا اليسير من الذرة، فلما وصلت الثمرة فرَّق عليهم المطالب، فسلم من معه منها شيئاً وهرب الآخرون عن اليمن، فلما رأى ذلك الحال، وعاد عليه البعض في مرتفعات الأموال، طلع منه إلى ذمار بعد أن كان جرت يده في اليمن الأسفل مع خُلْفه، فلم يحتمله أهله ورده وهم العدم له؛ لأنه أراد طلب ما قد جرى عليه من زمن والده، فكان مع كثرة المطالب يحتمله الناس لبركة اليمن، والخير الذي لا يزال فيه في أغلب الزمن، وكان طلوعه إلى ذمار في شهر شعبان.
وكان قد مات بيفرس في جمادى الأولى منها علي بن أحمد بن الحسن بن القاسم، وقبر في حوطة النقيب علي، وزال عن صنوه محمد بن أحمد صاحب الحجرية ماكان يخشاه من صنوه، فإنه كان أنفق جميع ما عنده، وتغيرت أحوال قرية يفرس وخرب فيها ما خرب.
قال الراوي: بسبب ما كثر فيها من الفساد من أهلها، والراوي من أهل اليمن من بني الكاظمي من أهل إب قال: وكذلك اليمن الأسفل الذي وقع فيه الحطمة والموت والرحلة إنه اجتمع عليهم الجور والفساد، لعدم الغيرة منهم والقدرة على الدفع عن حرمهم وبيوتهم من عساكر الدولة، فإنهم ينزلون بيوتهم ويختلطون بحريمهم وأولادهم، ويقع ما يقع من الفساد وعدم قدرتهم، وضعفهم عن الدفع وضعف أهلهم، وترك الصلاة الواجبة لله، فلا حول ولا قوة إلا بالله[186/ب].
ومحمد بن أحمد بن القاسم عاد من خمر إلى عمران بالبون، فسكن في دار له هنالك، ووصل إليه متعينات بلاد حجة وذلك جميع الدفعة، وتصرف في بلاد كحلان، واستمدت يده في المشاكي إلى بلاد عفار، وفتح عند ذلك دار الضرب، فتعب من ذلك محمد بن المتوكل، واستثقل أمره، وكتب إلى المهدي أن ضريبة عمران كثر فيها الغش وأن الأولى رفعها. وأودع محمد بن المتوكل إلى محمد بن أحمد بذلك، وأنه ينبغي إزالة ما هنالك، فلم يسعد محمد بن أحمد، وأجاب: بأن الأمر قد تغير عن الوقت الأول وقد زال الأمر وانتقل، وأن الضرايب إذا زالت كلها أزلناها، وما المخصص لنا دون غيرنا في إزالتها، ولكن ضريبة عمران لا سيما بآخرها حصل فيها غش كبير بسبب أن محمد بن أحمد يقبض من التجار الحصة التي للدولة على الضريبة قروشاً ثم يتركهم يضربون على ما شاءوا فلذلك غشوها لأكثر من نصفها من النحاس.
وأحمد بن الحسن هذه المدة برحبان ما زال يتحدث بالتقدم إلى البلاد النجدية، أو إلى الجهات الحسائية والمكية والحجازية ويقول: إن في بعض الملاحم التي أظهرها الإمام القاسم في دولته وأنه يملك إلى عَقَبة مصر الثالث من ولده، وربما كتب إلى محمد بن المتوكل بهذه النية[187/أ] وما هو عليه من الهمة العلية، فأجمع الناس عاقلهم وجاهلهم أن التعدي عن اليمن إلى غيره، ومفاتحات بلاد السلطنة عين الخلل في عواقبه. وأن السلطان قد صار في مزيد قوة في هذا الزمان على ما كان فقد يؤدي تحريك تلك الجهات إلى تحريكه، والعزم والالتفاف إلى تخريجه.
وكتب محمد بن المتوكل إليه بمثل هذا الرأي، وأن الناس كافة غير منخرطين، مع ضعف اليمن أيضاً في هذه السنين، وتعقب ذلك أن تفالت أصحابه من حضرته، وانسلوا من حوزته، فلم يبق عنده برحبان غير خاصته، ونفسه غير مائلة إلى غير -مشورته حتى أنه بلغه في خلال ذل تحرك الشريف بركات، أو طلوعه إلى جهات بلاد نجد وأمور من جهات السلطان متوهات، انقلب المذكور راجعاً إلى عيان، أطراف بلاد سفيان في شعبان، واستقر به رمضان، وفترت تلك النيات واضمحلت تلك الإرادات، واجتمع عنده في العيد قبائل سفيان في العصيمات، ووصل إليه صاحب صعدة.
ومحمد بن أحمد[187/ب] سار من عمران إلى خمر، وكان عنده في عيان بجميع من تعلق به ومن حضر، وأردفه أحمد بن المؤيد عيَّد بعيان معه.
وفي هذه المدة حصل اختلاف النظر في بلاد يريم التي ولاَّها أحمد بن الحسن، يحيى بن حسين بن المؤيد بالله، فإن علي بن المتوكل وحسين بن حسن وحسين بن المتوكل جرت أيديهم فيها، وكل واحد منهم شارك فيها. وتغير خاطر يحيى بن حسين بن المؤيد، ولم يصل إليه من مطالبها إلا بعضها، واختلف النظر أيضاً في بلاد عفار بين أحمد بن المتوكل صاحب السودة وبين محمد بن أحمد، وكذلك بين قاسم صاحب شهارة وبين صاحب السودة، حتى أنه خرب بسبب ذلك بيت في الهجر من الأهنوم لما حصل اختلاف بين عسكر أحمد بن المتوكل وبين عسكر قاسم صاحب شهارة.
وكان قد أرسل أحمد بن الحسن من رحبان ابن أخيه عبد الله بن أحمد بن القاسم إلى حجة، فسار إليها فرحاً مسروراً طامعاً في ولايتها، مؤملاً لها، واستقر[188/أ] بمبين عند واليها السيد علي بن حسين بن جحاف، والله أعلم.
ومحمد بن أحمد صنوه كان عزمه من عمران لما بلغه وصول صنوه إلى حجة، كما سبق ذكره.
وفي غرة شهر شعبان منها وصلت كتب أحمد بن حسن إلى محمد بن المتوكل صاحب صنعاء يذكر له فيها أنه رأى أن اليهود كثرت ضريبتهم المشبهة على دار الضرب، وفيها نحاس كثير وغش وكثر منهم بيع الخمر من المسلمين وأعمال السحر، وأنه قد رأى إخراجهم من جزيرة العرب لما ثبت في الحديث عنه÷ أنه قال: ((أخرجوا اليهود من جزيرة العرب )) ، وأنه مع هذا الذي رآه لا يستغني عن استمداد الرأي في مثل ذلك، فعرض محمد بن المتوكل الكتاب على جماعة من الحاضرين، فأجاب الفقيه أحمد بن صالح بن أبي الرجال بأن الرأي إخراجهم عن جزيرة العرب، ولا يبقى منهم أحد، وصنف في ذلك كراسة كل حججها مقلوبة معلولة، ووافقه يحيى جباري قاضي ذمار، فاستحسن إخراجهم، مصانعة مسايرة للمهدي ويحيى بن حسين بن المؤيد كثر في تحريض المهدي بإخراجهم.
وقال القاضي محمد بن قيس: الأمر كذلك، وأنه لا ذمة لهم في اليمن وليس من مساكنهم، لكنه يجب عليكم تأمينهم وحفظهم من تخطفات القبائل إلى مأمنهم؛ لقوله تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} وأجاب القاضي محمد بن علي العنسي بأنه (يخرج المفسد لا غيره).
[188/ب] وأودع محمد بن المتوكل إلى كاتب الأحرف ما ترونه في هذا؟ فقلت للرسول: ما أقول بشيء غير ما قال العلماء السابقون والعلماء المحققون: فهذه المسألة قد فرغوا عنها وقرروها في كتبهم وحرروها، فلا ينبغي منا قول يخالف ذلك، وهذا كتاب (البحر) أجمع كتاب في الخلاف، وأقوال العلماء في آخره في السير يقول فيه: أن المراد بجزيرة العرب، هو الحجاز لا غيره وإن مراد النبي÷ بالجزيرة لحديث آخر رواه البيهقي وغيره أنه قال÷: ((أخرجوا اليهود من الحجاز )) وأن قوله في الحديث: أخرجوا اليهود من جزيرة العرب من تسمية البعض باسم الكل، من المجاز المرسل.
فأجاب محمد بن المتوكل على أحمد بن الحسن المهدي: أن الحاضرين بصنعاء اختلفوا في ذلك، فمنهم من قال: يخرجون ومنهم من قال لا وجه لإخراجهم، وإن من صدر منه ضريبة وغش وبيع خمر وجب تأديبه.
ثم جاء أمر منه بعد ذلك بأنه تُخَرب جميع الكنائس، فأخرب في البون على طريقه لما عاد ما أخرب، وكذلك أخرب ولاته باليمن الأسفل بعضاً من الكنائس وأمر بإخراب كنيسة صنعاء ، فراجع عليها محمد بن المتوكل، وقال: هي قديمة غير محدثة ووجد في سيرة صنعاء للرازي أنها من زمان النبي÷، وذكر أنها قبلي المدينة قريب الباب، وأنها التي نزل بها وبر بن يخنس الصحابي الذي أرسله النبي÷ على أبي الأسود العنسي الكذاب ، وذكر الرازي في تاريخه الكنيسة الأخرى التي كانت للنصارى، وأنها خراب بقي منها عقود، ولعلها التي كانت في القليس ، وكنيسة اليهود غيرها في الربع القبلي من المدينة يلي الضرب، باقيه الآن، والله أعلم ما يتم من أمر أحمد بن الحسن فيها.
وخربت كنائس كوكبان وشبام وتلك الجهة، وروي عن الفقيه أحمد بن أبي الرجال أنه ذكر أن القاضي زكريا من علماء الشافعية قرر وجوب إخراجهم من جزيرة العرب، وهو كذب من أحمد بن صالح على القاضي زكريا، فإننا رأينا مصنفاته في شرح الروض ، وشرح مختصر المنهاج له أن الإخراج مختص بالحجاز لا غيره، كما يقول سائر الشافعية والعلماء.
والعلماء جميعاً مقررون الحنفية والشافعية والحنابلة في كتبهم أن الأمر من النبي÷ بإخراجهم إنما[189/أ] هو من الحجاز، وقد أخرجهم عمر امتثالاً لأمر النبي÷ لا غيره، ولم يخالف في ذلك إلا المالكية فقالوا: يخرجون من جميع اليمن. وأما قول القاضي محمد بن قيس بأنه لا ذمة لهم ولا عهد فمصادم لما في سيرة ابن هشام بمعاهدتهم في كتاب عمرو بن حزم إلى اليمن وكتاب معاذ بن جبل لما أرسلهما النبي÷، والكفار مما ينبغي إبعادهم وتفسيرهم، إلا أن الذمم بعد عقدها لا يخفى ما في نقضها؛ ولأن ظلم أهل الذمة سبب إلى زوال الدولة، كما ذكره ابن هشام في السيرة وغيره عن النبي÷.
وعلى الجملة فإن المتورع في هذه المسألة لا يجيب بلا ولا بنعم؛ لأن ولاية الكفار منقطعة عن المسلمين فلا يكونن ظهيراً للمجرمين، وإنما حكينا حكاية ما قاله العلماء الماضين في العهد لا غير ذلك، ولذلك لما طلبنا نقد في جواب القاضي أحمد بن صالح في رسالته كان الجواب معلوماً، لكنا تركناه تورعاً، وقلنا: أقوال العلماء ظاهرة، فقلدوهم وأفعلوا فيهم ما ذكره العلماء في أمرهم.
ولما طلعت الحمولة من المخا وجاءت طريق تهامة حتى خرجت إلى الهجر لقاها المهدي برحبان قبيل نزوله إلى عيان جماعة عسكر، لحفظها في طريق العمشية، فاتفق أنهم لما شدوا من حباشة تأخر العسكر للغداء في حباشة، فقصدها دهمة عند الضيق هنالك لما رأوها لا رفقة معها، فدافع عنها الجمالة وصاحت الصوايح حتى وصلت الغارة[189/ب]، وكان أحمد بن الحسن قد بلغه ذلك وهو في التمشية فقصد إلى العمشية، ثم تعقب خروجه إلى عيان واستقراره فيه.
وفي هذه المدة انقطع الفقيه أحمد بن عبد الله الجِرْبي في بيته بالروضة من منتزهات صنعاء وتزهد، ولم يقبل من الدولة عطاء، واكتفى بدرس القرآن والختم يهديها لمن أعطاه فيها، بحيث أنه مرة سرقت حوائجه وثيابه، فأرسل له صاحب الروضة بكسوة، فردها وصار يكتفي بالبلغة فيها، وقد كان قرأ في الفقه كتباً مثل: (شرح الأزهار) ، (والتذكرة) ، وكان له إمامة بعض المساجد، فترك ذلك كله، وصنوه الذي اعتراه الجذب، وخرج من صنعاء، ظهر هذه المدة أنه الذي سكن بجبل جُبَع ما بين حُفَاش والمحويت، وصار متوارياً هنالك، يتصل به جماعة، ويقبضون له الفتوحات والله أعلم.
[190/أ] وفي يوم السبت ثاني شهر شوال مات الشريف محمد بن عبد الله بن عامر بن علي بقصر صنعاء، كان في الدار التي فوق باب القصر الخارجي دار علي آغا بقصر المذكور، ساكناً بها هو وأبوه من وقت دخولهم صنعاء وخروج حيدر باشا عنها، وكان المذكور محترقاً جارودياً، يتحامل على صحابة المصطفى، ويأكل لحومهم بالأهواء، فلا قوة إلا بالله، استعار مني كتاب(الاستيعاب) للحافظ بن عبد البر ، فوضع في بعض هوامش الكتاب من الشتم ما يقشعر الجلد عنه، فطمسته وأزلته؛ لأنه كتبه من غير معرفة ولا احترام لكتب غيره وهو أعظم معصية، ثم طلب بعد ذلك عارية فلم أعره، لمحقه للكتب وتغيير مقاصد المصنفين، وما لا يحل ذكره من السب، وذكرت عند ذلك قول إسماعيل المقري في الروض في باب الوصايا: أن أجهل الناس من تعرض للصحابة بالسب[190/ب] مع أنه لم يكن له من المعرفة بدقائق العلم وحقائقه، وكان إذا اتفقت شيء من المسائل موجهاً إلى غيره عارضها بالوهم الباطل، والغلط العاطل، والخروج عن مقصد السائل، وكان عاطلاً عن غير معرفة المثالب والمناقب كما هو حال الإمامية وغلاة الشيعة فإنهم يجتهدون في تقول ما وجدوه من المثالب والمناقب، وما شجر بين الأوائل، هذا غاية مرماه، وصيده الذي كان يهواه.
ومرة اتفق أنه صلى بجنبي جماعة، فأحصر الإمام في الركعة الثانية، ففتح عليه فقلت له بعد تمام الصلاة: هذا فتح بعد تأدية الواجب على قول من قال بالفتح، وهو مفسد للصلاة، فقال: رحمته، فاعجب!.
ومرة قلت له: ما ينبغي سب الصحابة، فأجاب علي بقوله تعالى: {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا الله عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} فتجارى على تحريف القرآن كما ترى، وجعل الصحابة رضي الله عنهم ممن يدعون من دون الله بمثابة الكفار، فاستوحشت من عقيدته هذه، ونَفَرَتْ نفسي عنه، فلم أكالمه بعد ذلك إلا جواباً.