السادة العلماء الأخيار، زادهم الله صلاحاً وفلاحاً وسلام الله عليهم ورحمة الله وبركاته ومرضاته، وبعد: فإني أحمد الله الذي لا إله سواه، وأصلي وأسلم على نبي الله وآله، وأعرِّفكم أني قد وصلت إلى هذه الجهة أريد جمع الكلمة وتمام الألفة، وكان الصنو قاسم قد طلب مني أن أجمع جماعة من السادة والفقهاء أهل العلم ليحكموا بيننا بما يريهم الله، أسْعدته لذلك طلباً لحقن الدماء، وسكون الدهماء، واقتداء برسول الله في قبوله صلح الحديبية على غيظ من أصحابه، وبأمير المؤمنين، لما طلب منه معاوية التحكيم بعد أن قال علي: كلمة حق يراد بها باطل، فلما رأوا أن في ذلك حقن دماء وسكون دهما أجاب وإن كنت وكان صنوي -أصلحه الله- ليس فينا من هو كقريش أهل مكة ولا كمعاوية وأهل الشام وكان الأجل لوصول العلماء إلى خمر بعد العيد، فما وصل ذلك الوقت إلا وبلغ أن الصنو أصلحه الله كتب إلى القبائل يستنهضهم عليَّ، وأمر أهل هذه الجهات أن لا تجلب إلى هذه المحطة التي أنا فيها شيء، مع إيهامات توجب تخطفاً في الطرقات[172/أ] وحسبنا الله من هذه الأفعال الموصلة إلى المقاطعات. وما أجر هذا الأمر منه على ما أراه إلا التسرع منه إلى ما يوجب سفك دماء محترمة ونهب أموال معظمة، فإن الهجر هذا رتبة، وفيه أموال لأهله ولأهل صعدة إذا أثار الصنو الفتنة توجهت إليه عينه، وكان أمره كأمر ذيبين، وكأني به يرسل عينة إلى حبور، فيكون فيه ماكان في الصلبة، ثم يقول نهبت أموالاً وسفكت الدماء، ولا ينظر من المسبب لذلك، فإن قد أجابني من صعدة إلى حضرموت، وما زال يكتب إلى الناس ويقول ما يقول حتى كادت الأمور تنهار، وجهز على غير نظر ولا اختيار، فنهضت وكان ما كان إلى الآن، وبقي في نفسي هؤلاء الأهنوم فإنهم أهل سوابق عظيمة، فيجب عليكم مناصحة أخي هذا أن يتقي الله في هذه النبذة التي مالت إليه، فإني أكبر منه سناً، وأشهر كلمة، وأكثر إجابة ورأياً وخبرة، والعلم إن أراد أن

يختبر فله الاختبار، انتهى.
أخبرني القاضي أحمد بن علي العنسي وهو من المائلين إلى القاسم قال: سأل أحمد بن الحسن سائل في الخطيب يوم الجمعة إذا قهقه، فقال يتوضأ قال وقال له السيد عبد الله بن محمد الكبسي: أن فتوى جاءت إلى أحمد بن الحسن في دين لازم لغريمه، وليس معه إلا أطيان، قال: فأجاب: نظرة إلى ميسرة، فقال له السيد: هذا خلاف الإجماع، فإن الواجب مع المطالبة، ثم يقطع له من ماله ولا يبقى له إلا ما يبقى للمفلس. والقاسم ذكر أنه سُئل في أصول الفقه في بحث العموم، فلم يجد عنده السائل فيه معرفة. ويقال: أن له بعض شيء في الفقه، والله أعلم بحقيقة ذلك، ومتحمل هذه الزعامة إن أراد كمال لشروط الإمامة لا بد له من المعرفة الكاملة في مسائل الفقه وخلاف العلماء، وأما مجرد دعوى الاجتهاد، وأنه يقول كذا أو يقول فلان كيفما ما اتفق وظهر له ولم يرسخ قدمه في الفقه مجازفة ظاهرة[172/ب]. ورأيت فتوى له في أن امرأة باعت في مرض موتها من مالها بغبن في حجة، فهل ينفذ؟ أجاب بأن البيع لا يصح مع الغبن، وهذا غلط فاحش على جميع الأقوال، أما ما على قول الهادوية والحنفية فلأن الوصية بالحج والبيع تنفذ في مرض الموت من الثلث، وفي الغبن من الثلث أيضاً، وأما على قول الشافعية وغيرهم حيث قالو: بأن الحج من رأس المال فينفذ في الغبن من الثلث، وأما قيمة المثل فينفذ من رأس المال.
أخبرني بعض السادة أن المهدي أفتى بأن الفقير إذا حج قبل الاستطاعة لا يصح حجه وعليه الحج وهو خلاف الإجماع.

وأخبرني بعض السادة أنه وقف على كتاب إلى أحمد بن الحسن من بعض الناس يقول فيه: إنها وصلت فتوى منكم وعليها علامتكم في مسألة واحدة مختلفة فيها خمسة أجوبة ينقض بعضها بعضاً، وهذا تخليط منكم ومن أهل حضرتكم، وصار الحال كما قال تعالى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاَقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ } ، قال: فتغير المهدي من ذلك، وسألته هل له معرفة؟ وكيف القراءة معه في شرح التجريد ، فقال: مجرد حضور وما رأينا هناك شيئاً من العلم إلا مجرد الحضور.

وأخبرني بعض الفقهاء الثقات أنه سأله سائل وهو بحضرته في مال ابتاع بقروش والصرف يوم البيع بثلاثة أحرف، وجاء شافع يشفع والصرف من أربعة أحرف، فأجاب: الشفعة قد بطلت، قال: وغير ذلك من المسائل يكفي فيها الإشارة، قال: وهو مع هذا مصرح بالاجتهاد، وسائر الدعاة المعارضين له بينهم وبين الاجتهاد مسافات ومراحل، ولو أنهم اعترفوا بأنهم منتصبون للاحتساب ولصلاح المسلمين وجمع كلمتهم[173/أ] لكان الأولى منهم، وأن العلم والجوابات ما عرفوا أجابوا فيه، وما لم يكن لديهم معرفته أحالوه على غيرهم من القضاة والحكام من المتفرغين للعلم، فإن عهدة العلم وثيقة، وعراه شديدة، وما كان عليهم لو اعترفوا وتواضعوا وصدقوا واتبعوا حالة العلماء الذين: {صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} . ولم يزكوا أنفسهم اتباعاً لقول الله تعالى: {فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى} ولم يدعوا العلم الكامل، اتباعاً لقول الله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} فما رأينا حالات العلماء من العارفين إلا إظهار القصور، وعدم دعواهم الكمال اتباعاً لقول الله تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } وماذا عليهم لو قالوا بذلك، وقالوا: إذا سُئلوا ولم يعلموا لا نعلم وماذا عليهم لو قالوا: نحن قمنا لصلاح المسلمين وصلاح ذات البين، وما علمناه قلناه، وما لم نعلم أحلناه، لكن لما كان المذهب الهادوي والزيدي لا ينصبون إلا من كان إماماً عالماً مرجوعاً إليه، وعلموا أنهم إذا لم يدّعوا ذلك لم يجابوا إليه، احتاجوا إلى الدعوى لذلك؛ لأجل يجابوا إلى ما هنالك بخلاف سائر المذاهب، فإنهم وإن كانوا قائلين بشروط الإمام الكامل، لكنهم إذا غلب غير الكامل قرروه، لأجل مصلحة الإسلام، وسكون الدهماء، ولا يتسمون بالإمامة بل

بالسلطنة والإمارة، مع أن المتغلب منهم لا يدعي ما ليس في وسعه، ولا يعلم به بل يَكِلْ ما تعلق بالشريعة إلى القضاة والحكام، والله يرحم الجميع، ويختم بالخير، ويصلح أمور المسلمين.
[173/ب] وكثير من الذي نصب أحمد بن الحسن قالوا: ما نصبناه إلا حسبة لا إمامة، والسيد محمد بن علي الغرباني الذي دعا أفتى في مسألة المحتاج أنه يبيع مال الوقف الذي على الذرية ولا قائل به، فأراد الذي اشتراه التخلص فسألني وقال: البائع فقير فكيف في ثمن المال الذي سلمه؟ فأجبت عليه أنه يستغل هذا المال المشترى وبحسب قدر قسام الشرك المعتاد في الجهة، حتى يستوفي الثمن ثم يعيده على البائع الموقوف عليه، فقال: إنه سيفعل ذلك.
ووصل ولد السيد مبارك بن شبير، وكان بتهامة ساكناً، فلما وصل إلى وادي جيزان يريد القصد لأحمد بن الحسن انتهب في ذلك المكان، وذلك بأمر من صاحب شهارة، فإنه كتب إلى بلاد العصيمات وبرط وسفيان أنهم ينتهبون من وجدوه قاصداً إلى أحمد بن الحسن.
وفي نصف هذا الشهر أرسل أحمد بن الحسن من المحطة شرقي شهارة إلى حاشف جنوبها مما يلي بلاد ظليمة.
وفي هذه الأيام لما قل على علي بن المتوكل المحصول من اليمن الأسفل لخُلْفه وشداد أهله سار إلى ضوران، أخذ من خزائنه بعض شيء من المال، فلما بلغ صنوه محمد بن المتوكل ذلك تغير منه كونه وصي والده، وقال: لِمَ يأخذ ذلك من غير إذنه؟ ولم يلبث أن عاد إلى ذمار بها، وتصرف منها.
وفي تاسع عشر شهر محرم كان تحويل السنة ودخول الشمس أول درجة في برج الحمل، وزحل[174/أ] في الجوزاء راجعاً، ورجوعه هذا استمر من شهر رمضان والمشتري في الدلو والزهرة والمريخ فيه أيضاً، والذنب في الثور، والرأس في القوس وكذا القمر، هذا على حساب المتأخرين، وأما على حساب المتقدمين فتتقدم برج من هذا، والزهرة راجعة يومئذٍ وهي ستقارن المريخ والشمس في شهر صفر قران آخر، وكانت الزهرة قد قارنت المريخ، كما سبق ذكره.

وفي شهر محرم منها وصل كتاب تعزية من أبي العرب سلطان بن سيف بن مالك اليعربي، صاحب بلاد عمان إلى محمد بن المتوكل في والده، مضمونه أنه لما بلغه وفاة والده صدَّره، وذكر فيه أنه بلغه قيامه في مرتبة والده، وأنه استخلف خليفته، ووصَّى في أصحابه الذين يخرجون بالبضائع العمانية بالرعاية، فأجاب عليه محمد بن المتوكل بجواب التعزية، وذكر له أن الأمر صار إلى أحمد بن الحسن.
وكام يوم الثلاثاء عشرين شهر الحجة قد وصل كتاب المهدي أحمد بن الحسن إلى محمد بن الإمام، ووصل عقبه يوم الخميس كتاب قاسم وفي طيه كتاب من السيد يحيى بن أحمد الشرفي، والكل اختار ما اتفق من اجتماع القضاة بالرحبة ما بين شهارة وبيت القابعي، وأن الحاضر من أصحاب قاسم السيد يحيى بن إبراهيم بن جحاف وصنوه إسماعيل ومحمد قيس، ومن قبل أحمد بن الحسن القاضي يحيى جباري الذماري والقاضي علي بن جابر الهبل، ومحمد بن إبراهيم السحولي الخطيب بصنعاء، وكان ابتدء قول الحاضرين من أهل شهارة طلب الصلح في هذه الساعة، واما الخلع فمتعذر فيه المقالة[174/ب] وأنه يبقى كل من السيدين إمام في جهته التي قد أجابته، فلم يجبهم إلى ذلك قضاة أحمد بن الحسن، وحصل بين جباري وبين السيد يحيى بن إبراهيم جحاف هدار وخصام، ثم افترقوا على غير تمام شيء، فكان حالهم كما يقال:
إن القضاة تجمعوا

يريدون صلحاً أحمدا

قصدوا عن ذاك المقام

وعنه تفرقوا ولم يحمد

ولم يحضر من قضاة شهارة الفقيه حسين بن حنش ولا السيد حسين بن صلاح. والسيد يحيى بن أحمد الشرفي كتابه كان مضمونه صحة إمامة القاسم عنده وعند ابن حجاف وقيس وإسماعيل، وبعثوا برسائل الجهات بحكم أولئك الحكام بإمامة قاسم، فتغير محمد بن الإمام من ذلك، وطلب قضاة صنعاء يكتبون أن الذي صح عنده وعندهم إمامة أحمد، وأرسلوا بذلك إليه، وكتاب آخر إلى القبائل وقام وقعد. وكان قد طلب القاسم عقد صلح مدة معلومة ويبقى على الإمامة[175/أ]، فلم يجب إلى ذلك، ونبح عند ذلك نابحه، وهو أن محمد بن أحمد بن الحسن بن القاسم تصرف في موزع واستولى عليه في أوامره ونواهيه ومرجوعاته، وقال: هو يحتاج إليه ولا يرضى بمصيره إلى غيره ولا يسامح فيه، وظهرت التربشات، فنعوذ بالله من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
ووصل أول الحجاج على قلتهم إلى اليمن، وكان وصولهم متأخراً عن عادتهم، فلم يصل المُخِفِّون منهم إلا خامس وعشرين شهر الحجة والعادة يصلون العاشور وقبله، فسألت حاجاً منهم فقال: كان الحج مباركاً، وقف الناس الجمعة، وأقواهم الشامي ثم بعده المصري ثم العراقي، قال: وخرج مع الشامي ولد الشريف بركات، وأنه كان دخل العام الماضي وخرج هذا العام بكسوة لوالده وتقريرات يده[175/ب]، وخرج أمير مع المحمل الشامي وكان الشامي معتمدهما لكونه من باب السلطان، وفرحان ساروا وهو بمكة ما كان قد خرج عنها،وكان دخولهم من طريق تهامة مع فرحان لأجل قلتهم هذا العام، وضعف حج اليماني عن سائر الزمان، قال: وكانوا في نية العود مع فرحان من طريق تهامة لأجل قلتهم عن العادة، فانتظروه، ثم لمّا طال انتظارهم اضطروا إلى السير وحدهم من طريق السراة معتادهم متوكلين على الله، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ } فاجتمعوا نحو خمسة وعشرين نفراً، ومروا طريق السراة، فلم ينلهم مكروه، إلا أنه تأخر وصولهم.

قال: وكان سعر مكة مرتفعاً، بلغت الكيلة إلى ستة عشر بقشة مصري، وأما الأعلاف والحشيش والكلأ فخير كثير وكذلك اللحوم، بسبب جراد ظهرت في الحجاز ومصر فارتفع السعر، بلغ الإرْدَب بمصر إلى ثلاثة قروش، وهو يأتي اثني عشر قدحاً حساب كل قدح بحرف بدراهم اليمن؛ لأن القرش بلغ إلى أربعة حروف في الصرف.
وانتقل أحمد بن الحسن من محطة مور إلى حاشف. وجاء الخبر بأن أحمد بن المؤيد توجه إلى وادعة، وكان نزوله يوم الجمعة ثامن وعشرين شهر محرم من شهارة، وتأهب أحمد بن الحسن للقياه، فعرج عن الوصول إليه وسار من طريق وادعة ومعه نحو ثلاثمائة، ووصل إلى قرية السوق الحض ودخل بيته الذي فيها له، فالتقاه أهل وادعة جميعاً، ودخل مدخلاً عظيماً وأكثرهم أو كلهم مائلاً إليه، وهو مظهر للمباينة، غير مقترف لأهل تلك الطائفة، وذكر أهل بلاد وادعة أنهم مائلون إلى القاسم لقرب جنابه إليهم، وبشاشته بهم، وكذلك بلاد الأهنوم مثلهم أو فوقهم، وأن أحمد بن الحسن تحرك يومئذ وبنى على مقابلتهم بالحرب، وكذلك محمد بن أحمد قد بنى على ذلك، وكذلك العساكر الذين بحجة، وانفتحت يومئذٍ بينهم المباينات، وانتهت بينهم المخاطبات، وعاد القضاة الذين ساروا إلى أماكنهم بعد ذلك.
[176/أ] وأظهر أصحاب القاسم بن المؤيد بأن محمد بن أحمد بن الحسن صاحب الحجرية كاتب إلى القاسم صاحب شهارة، وكذلك حسين بن حسن وأنه في شهارة أشاع البشارة، وضرب بالحرانى للإشاعة، فأرسل محمد بن الإمام السيد محمد بن حسن بن حميد الدين إلى حسين بن الحسن -إذ هو أخوه من قبل الأم- عسى أنه يرجع إلى أخيه أحمد بن الحسن للمساعدة، ويطلب منه ترك المشاققة.

وفي يوم الثلاثاء ثالث شهر صفر وصل الخبر إلى صنعاء بمواجهة بلاد ظليمة، وعند ذلك جهز القاسم من شهارة إبراهيم بن حسين بن المؤيد الذي كان خرج أولاً إلى ذيبين إلى مساقط الأهنوم ليحفظه ويفاتح أن أمكنه، فبلغ إلى موضع يقال له الأبرق ، ما بين الأهنوم وظليمة، وهو من أطوار بلاد ظليمة فوق سوق الثلوث، فجهز أحمد بن الحسن عليه جماعة من عساكره، فردوه إلى بعض القرى من معاقله، واستدعى أحمد بن الحسن أحمد بن محمد من الصلبة بمن معه، فطلع منها طريق وادي لاعة، ثم طلع إلى الطويلة وخرج إلى حبابة غربي كوكبان، ونفذ إلى عمران، وسار إلى حيث طلعه[176/ب] هذا الأوان، وعرج عن طريق حجة، وإلا فهي كانت قريبة؛ لأجل ما فيها من الرتب من قبل القاسم الوثيقة، وكان قد أراد أولاً أنه يطلع الظفير، فمنع أهله دخوله، وقالوا هم إلى القاسم لا يخالفونه.
وفي ليلة الجمعة سادس شهر صفر توفي الشيخ المقام عامر بن صلاح الصايدي، بداره بصنعاء اليمن، وقد كبر سنه، وكف بصره آخر مدته، فبقي في بيته كذلك حتى توفي.
وهذا المذكور كان من أصحاب شرف الإسلام الحسن بن القاسم ومن أمرائه، وكان له عنده وجاهة مدته، وكان المذكور ظاهر الصلاح متنزهاً عن دخول الأسواق، وكان نادرة في وقته؛ لأن من كان مثله يدخل الأسواق من الأمراء خالفهم، وكان له عبادة سيما آخر مدته رحمه الله تعالى.

وفي يوم السبت سابع شهر صفر وصل الخبر إلى صنعاء بأنه وقع حربٌ شديد بين إبراهيم بن حسين بن المؤيد وبين أصحاب أحمد بن الحسن، فقتل من الجانبين كثير، وظفروا به ولزموه أسيراً، وعند ذلك طلع أحمد بن الحسن الأهنوم، وتسور تلك البلاد بجيوشه، ومن عليهم من بعض قراه وبيوته، فأمر أحمد بن الحسن بإخراب تلك البيوت التي وقع منها الرمي بعد الحملة عليهم والقهر، فخربها وحرق بعضها، فلما رأى ذلك الأهنوم أقبل إليه كثير منهم مواجهين فأمنهم، وطلع إلى نجد بني حمرة، غربي شهارة، وهو وسط الأهنوم، وهو مجمع الطرق القريبة من شهارة[177/أ] واختلف في خبر القتلى، فقيل: قدر ثلاثين نفراً ومن أصحاب أحمد بن الحسن ستة أنفار، قالوا: وسبب قلة القتل في أصحاب أحمد بن الحسن أنهم حملوا عليهم وترَّسوا بِشِمَال مبلولة بالماء، فكانت الرصاص إذا وقعت في الشِمَال تطفي ويبطل فعلها، كذا يروى، وأسروا كثيراً من الأسرى.
وجاء الخبر يومئذٍ بأن محمد بن أحمد بن الحسن صاحب الحجرية لما خالف على والده ومال عن جانبه أمر عليه ولده علي بن أحمد بن الحسن بأنه يتوجه من تهامة إلى جهاته فسار حتى بلغ إلى نواحي تعز ويفرس، وعند ذلك انسل أكثر أصحاب محمد بن أحمد بن الحسن وتفرقوا، وكان قد وصل إليهم كتاب من المهدي يحذرهم من إعانة ولده في أمره لهم ونهيه، والذين معه هم من عسكره، وعليهم نظره، فخافوا وتفرقوا، وبعد تفرقهم وعدم الميل إلى رأي محمد بن أحمد وإقبال أخيه علي بن أحمد سقط في يده، وندم على ما جرى منه، وترك ما كان أراده.
وفي يوم الإثنين تاسع شهر صفر وصل الخبر إلى صنعاء بأن القاسم يريد أن يواجه [177/ب].

52 / 94
ع
En
A+
A-