وجاء الخبر يوم العيد أن أحمد بن المؤيد صنو القاسم أجاش القبائل، ونَكَّفهم وأرسل إلى بلادهم، وغزا إلى خمر، فأحاط بالدار التي فيها حسين بن محمد بن أحمد، ومنع عنهم الماء، فاحتازوا قدر يوم ورموا إلى أولئك، أصابوا أربعة أو خمسة ثم اضطروا إلى الخروج لعدم الماء، فطلب حسين بن محمد ومن معه الأمان والخروج عن ذلك المكان فوضع لهم الأمان، وسلَّموا له الدار[154/ب] بما فيه من المال، وسار حسين بن محمد إلى حَمِدة ، وكتب إلى والده وإلى أحمد بن الحسن. ولما دخل أحمد بن المؤيد تصرف في الطعامات الجميع وأنفقها على نفسه ومن معه من العسكر والقبائل، كأنه لا رحامة بينهم ولا صداقة، فإن أحمد بن المؤيد أخته زوجة محمد بن أحمد في الدار، حصل معها الفزع وتعذر عليها الفرار، ولله قول الشاعر:
ونهاية الدنيا وغاية أهلها
مُلْك يزول وستر قومٍ يهتك
فلا قوة إلا بالله من هذه الأفعال.
وعند ذلك جهز محمد بن أحمد جماعة غارة قبل أن يشعر بخروج ولده، فوصلوا إلى نقيل عَجِيْب ، ولقاهم الحسين، فعادوا معه، وأحمد بن الحسن هو الذي حمله على الخروج من الغراس والمبادرة بالارتحال بالناس، ثم سار إلى ذيفان يوم السبت سادس شهر شوال، وسار معه محمد بن أحمد بن القاسم وخيم في ذيفان هذه الأيام[155/أ]، فلما وصل إليه أقبلت قبائل البون مواجهة.
وأرسل محمد بن الإمام إلى صنوه حسن الشيخ العارف جعفر بن علي تاج الدين إلى مبين بدراهم.
وفي هذه الأيام ارتفعت الأسعار بسبب ضعف الثمرة، وأكل الجراد لها بالمرة، لم يبق إلا القليل في بعض الجهات، فبلغ القدح البر إلى أربعة والشعير إلى حرفين ومائة واشتدت الحاجة مع الكافة، فالحكمة لله تعالى فيما شاء وأراده.
واجتمع على الناس عُسرين الغلاء وهذه الفتنة، فالله يرحم العباد.
وفي أول شهر شوال منها رجع زحل في آخر برج الثور بالمشاهدة له، كان قد حاذى الثريا ثم رجع عنها إلى الورى.
وفي هذه الأيام أرسل القاسم بن الإمام رتبة من العسكر[155/ب] إلى رأس نقيل عجيب لحفظه وَرَدَّ من وصله، وكثر العسكر إلى حجة من جايش القبائل، وأحمد بن الحسن تقدم من ذيفان إلى الماجلين، وكان قد أرسل يوم العيد بدراهم ومصروف لأهل شهارة ولقاسم بمثل ذلك وكسوة، وهم في طرفي نقيض، يريد أن لها عندهم أثر في التقريب، وهم إنما صاروا يستعينون بذلك على ما هم بصدده والاهتمام به، وصار في هذا الجوع كلما وصل إليهم استغاثوا به، فلقد حصل معهم من المعونة بذلك وبما نهبوه من قصر خمر ما لا يزيد عليه، حتى بلغ القدح بخمر عند خروج الطعامات بدون الحرف كل قدح بعد أن كان بثلاثة، فجاء الجمع والتعب من أحمد بن الحسن ومحمد بن أحمد للناس، وأن هذا من العجائب، ومما يستغرب من الغرائب [156/أ]فكان هذا كما قال ابن المقرب:
والبخل خير من الإحسان في نفر
أبرُّهم لك من أغرى ومن شتما
واضع الجود في أعداء نعمته
كمودع الذيب في برية غنما
وزاد أحمد بن الحسن عزز بمكاتبة ظناً منه أنه يؤثر؛ لأجل نهضته والمقاربة، فكان جوابه المعاتبة والشدة في المخاطبة.
وأقطع أحمد بن الحسن يحيى بن حسين بن المؤيد بالله ولاية يَرِيْم وما حولها من البلاد لمطالبته له وملاحقته لشدة رغبته إلى الولاية والعلو والرياسة؛ لأجل ما قاساه من التضرر بعدم توليته في زمن المتوكل، فما زال من ذلك التاريخ بعد وفاة عمه علي بن المؤيد صاحب صنعاء يتعرض للولاية، والمتوكل أعرض عنه، ولم يساعد رأيه، فلم يستقر به قرار، وما زال في الحركات والأسفار إلى مكة يعتذر بالحج المرة بعد المرة، ومرة يقول" يدخل العراق، ويجاور مشهد علي [156/ب] ومرة يقول يريد الدعوة فلم يجبه أحد إلى ما طلب، وكان آخر أمره دخوله بلاد عفار، ثم خروجه عنه إلى صعدة ونيته كانت بدخوله مكة، حتى وقع موت الإمام، فعاد وسكن وحصل له أمنيته من الولاية والرياسة واطمأن. واحمد بن الحسن أحب التركيز به على بني المؤيد بالله؛ لأنه منهم.
ومحمد بن الإمام وحسين بن حسن وعلي بن الإمام اتفق رأيهم الجميع أنهم ينتظرون ما يكون بين الرجلين ومن يغلب منهم الآخر ولا يشاركون في الحضور في الحرب؛ لأنه إنما أقام أحمد بن الحسن إقامة حسبة لا إمامة تامة، هذا قول محمد بن الإمام، وأن الإمام ليس له أن يغزو إلي غير جهته التي أطاعته، كما قرره علماء الإسلام، فلذلك تباعد المذكور إلى ضوران، وترك ذلك[157/أ] المرام.
ونزل من شهارة علي بن قاسم بن المؤيد بالله أرسله والده إلى الأمروخ من بلاد الشرف، سكن فيه وكتب إلى أصحاب أحمد بن الحسن: بأنه لا يجوز لكم الإقدام إلى هذه البلاد، وأنكم إن طلبتم من القاسم من البلاد ما أردتم فعل لكم مطلوبكم وولاَّكم. وكان قد وصل أمر من أحمد بن الحسن بالتوجه إلى حجة والقصد لتلك الجهة، ثم كان خلاله وصول كتاب من محمد بن الإمام إليهم أنه قد أرسل صنوه حسين بن الإمام إلى شهارة للخوض في الصلح، فلا يفتح شيء حتى يعود الجواب، وكان قد أرسل علي بن أحمد بن الحسن الخياطي بجماعة عسكر رتبة في وعيلة طرف بلاد لاعة غربي مسور فوق بلاد هربة من حجة، فكتب إليه عبد الله بن أحمد[157/ب] من حورة انه يرتفع من وعيلة، فلم يسعده إلى قوله، ولم يلتفت إلى أمره ثم إنه توعده إن لم يخرج عنها، فكتب إلى حضرة علي بن أحمد وهو بنواحي الصلبة يطلب منه زيادة في العسكر والمادة، فأرسلوا إلى ذلك المكان رتبة قوية، وأرسل الأمير عبد القادر أيضاً إلى شَهمة السيد يحيى بن إبراهيم في جماعة لحفظ أطراف بلاد لاعة، وأرسلوا الفقيه محمد بن نجم الدين في صلح خمسة أيام آخرها يوم الأربعاء عاشر شهر شوال، بينما تعود الجوابات من السيدين أحمد وقاسم، وأرسل علي بن المهدي أحمد بن الحسن من الصلبة رتبة إلى الطور . وبلغ خبر الاشتجار بين النقيب ابن جلا الأهنومي وبين المحبشي في بلاد[158/أ] الضحي من تهامة، لأن المحبشي اعتزى إلى أحمد بن الحسن وابن جلا إلى القاسم بن المؤيد، وصاروا متراكزين هنالك.
وفي هذه الأيام حال وقوف الشمس ورجوعها زادت الأنهار، وغالت كثير من الأودية الغيول الخيرية مثل وادي سعوان قرب صنعاء اليمن فإنه ظهر غيله وسقى أمواله، وهو قد يخرج في غزر الأمطار، وينتفع به أهله في حال ذلك، لكنه لا يستمر ظهوره بل يخرج في أوقات.
ولما بلغ القاسم ومقادمته في حجة خروج أحمد بن الحسن ارتجفوا وقهقر عزمهم وتصميمهم الأول وانقبضوا وسقط في أيديهم.
[158/ب] وفي هذا الشهر توفي السيد يحيى بن إبراهيم صاحب عارضة كوكبان، كان مع صاحب كوكبان أميراً كبيراً، وله قطعة بلاد، وكان صاحب ثروة ورياسة، وكانت وفاته بمنابر تهامة في محل يقال له: الطور بجوار تهامة مما يلي جبال لاعة، وكان نزوله إلى هنالك مع علي بن أحمد بن الحسن، لأجل ما جرى من ابن جلا في تهامة من قبل القاسم، ومات جماعات في الطور لما فيه من الوباء الحاصل في الحقار بآجالهم.
وفي يوم الجمعة عقب الصلاة عشرين شهر شوال سار عبد الله بن يحيى والسيد صلاح بن محمد من المقضضة التي في بلاد الصيد بعد أن استقروا فيها قدر شهرين إلى بلاد بني جُبَر ، ونزلوا في مكان يقال له: العيانة، وصلَّوا فيها الجمعة، فلم يشعروا وهم كذلك حال الصلاة إلا بحضور الغزاة وهم: السيد إبراهيم بن حسين بن المؤيد بالله بمن معه من ذيبين والقبائل من عيال أسد والأهنوم ووادعة مجموعين، ورموا بالبنادق إليهم، ولم تأخذهم رحمة عليهم، فقتلوا منهم نقيباً وآخر معه وصوايب في آخرين، ثم إنهم دافعوا على أنفسهم وقاتلوهم، فقتلوا منهم قدر ستة ومصاويب، ثم انهزموا إلى ذيبين لما دنا عليهم الليل ورأوا من أصواب الحرب فيهم والمقتولين ما كانوا عنه غافلين.
وبلغ أحمد بن الحسن وهو بالماجلين هذه القضية بعد أن جاء تحقيقها من السيد عبد الله بن يحيى والسيد صلاح وطلبهم للمادة، فأرسل أحمد بن الحسن في الليل عقب العشاء بغارة نافعة من همدان، وساروا في الليل إلى تلك الوديان، فلما اجتمعوا بأصحابهم[159/أ] وتحققوا خبرهم وما جرى فيهم قصدوا إلى بلد ذيبين، لمناجزتهم في الحرب في ذلك الحين، فصابحوهم بكرة يوم السبت ثاني ذلك اليوم الذي جرى فيه ما جرى بالأمس، فلما عرف بنو أسد بوصول الغارة هربوا آخر ليلهم، وكان قد أرسل إليهم أحمد بن الحسن وبذل لهم بعض شيء. وبقي إبراهيم بن حسين بمن بقي من خاصته، واحتازوا في البيوت، ولم يبرزوا إلى الخروج عنها إلى الخبوت، وشنوا على الواصلين البنادق، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وفعلة جسيمة، وكان أكثر القتل في همدان، لما حملوا أول القوم في تلك الهضبان، يقال: إن قدرهم نحو ثلاثين أو أكثر للاختلاف في جملتهم، ثم غشيهم القوم ودخلوا البيوت، وعلوهم منها بالحتوف، وانتهبوا البلد لما حصل فيهم من الذي فيها، وقتلوا منهم نحو ثمانية وكفوا عنهم. وبقي إبراهيم بن حسين [159/ب] محتازاً في دار المشهد، فلما لم يبق له طاقة في هذه الحالة خاطب بالأمان وأنه يخرج إلى شهارة، فأمنوه وسار إليها وقد جرى ما جرى فيها، وأسروا جماعة حال الحرب من أولئك الفعالة، وأتوا بهم إلى الحضرة الأحمدية المهدية، فأطلق رقابهم وعفا عنهم وساروا بلادهم.
وكان المباشر لأكثر القتل بالرمي إبراهيم بن حسين ونقيب من وادعة، واشتهر عن إبراهيم بن حسين أنه ممن يعتمد الشراب بشهارة، وأنه قد ظهر عليه السكر غير مرة، وأرسل المهدي أحمد بن الحسن حينئذٍ بيوم الأحد بلقاً وعسكراً إلى بلاد الكِلْبيَّين شرقي بلاد خمر، وهو سار من الماجلين يوم الإثنين، وجاءت طريقه ما بين حمدة وبين نقيل عجيب طالعاً إلى بلاد خمر، فلم يشعر أحمد بن المؤيد إلا بدخول أحمد بن الحسن إلى بلد يشيع غربي خمر، ورأى خيامه ووطاقاته وبلغه وصول العسكر إلى الكلبيين من شرقيه، فبقي حائر الفكر في أمره وكيف يكون عمله، وسقط في يده، ودارت عليه دوائر محنة، مع مواجهة مشائخ وادعة إلى أحمد بن الحسن ووصولهم إليه عند وصوله، فلم يسعه عند ذلك إلا يذكر ما قال الله تعالى: {قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وخرج صبح يوم الأربعاء إلى الحضرة الأحمدية للمواجهة، وتسليم الأمر وعدم المنازعة، بعد أن كان قد أنهى في مناصبته أوامره، وكان قد رتب نقيل عجيب برتبة ورتب فوق حمدة رتبة وعينة، فانقشعت جميع هذه الرتب عند طلوع المذكور من الطريق الوسطى، وحصل معهم الريب.
وبقي قاسم في شهارة يشاهد هو والأهنوم ما كان أشار عليه أهل النصائح، ووقع فيما حذروه منه لعدم استنصاحه النصائح[160/ب]. وخرجت عينة من العسكر الذين بعمران ودخلوا الخدْرَة ، فأحاطوا برتبة المضلعة من خلفها، وطلعوا إلى الهجر ببني قطيل، وأشرفوا على رأس الجبل المطل على كحلان والمعازب، فهرب بعض رتبة العرة في الأشمور حينئذٍ وكذلك المضلعة، وواجهت بلاد كحلان وغيرها من تلك الجهة.
ووصل محمد بن الإمام من ضوران إلى صنعاء يوم الإثنين ثالث وعشرين شهر شوال وصنوه على أمره بالسكون بمدينة ذمار، وفرحان عاد من شهارة إلى حضرة أحمد بن الحسن وأمره بالعزم لموسم الحج إلى بيت الله الحرام، على مقتضى عادته، وأمر محمد بن الإمام بزلاجه.
وكان قد وصل السيد أحمد بن إبراهيم المؤيدي الذي كان دعا في بني جماعة بشام صعدة إلى شهارة، وابن جلا صاحب حسن ابن المتوكل سكن في بيت الفقيه [161/أ] [و] الزيدية بتهامة، معتزياً إلى جناب القاسم صاحب شهارة، وخرج عند وصول المحبشي من بلاد الضحي وتلك الجهة، وسار إلى بيته بجبلة، وساق ابن جلا من تهامة الطعامات إلى شهارة، فلما عرف بذلك الذين بالصلبة قصدوا إلى طريقهم في بلاد بني قَيْس مساقط حجة، فمنعوهم وانتهبوا عليهم، فانقطع السياق حينئذٍ من تهامة إلى شهارة، فحصل التضرر معهم، وكان قد أرسل أحمد بن الحسن إلى تلك الجهة السيد حسين بن معل، وجاب طريق ضوران وبلاد آنس.
ووصل خبر بأن الهياثم في بلاد مشرق رداع دخلوا إلى حصن دَثِينة ، وقتلوا من رتبته نفرين، واستولوا على جملته، فتغير حسين بن حسن؛ لأنها موجهة إليه، وفي حوزته، وفسح أحمد بن الحسن للشيخ الهيثمي بالعزم إلى جهاته.
ودار هذا الوقت الغلاء في الأسعار مع الأمطار في فصل الشتاء، والله يفيض [161/ب[على] المسلمين بالخير الشامل برحمته.
ونزل هذه الأيام بصنعاء ثلج من السماء في فصل الشتاء عند رجوع الشمس، أصبح على الأرض مفروشاً، وعلى ساحاتها مبسوطاً كالملح المدقوق، فإذا حمت الشمس ماع وقل ما يتفق فيها، فلذلك يؤرخ ذكره لندوره، وأما محل عادته فهو جبل قاهر حضور، يقع فيه كثير من السنين.
وجاء الخبر عاشر شهر القعدة بأن أحمد بن الحسن تقدم إلى جهة شهارة فبات في غربان ثم سار إلى البطنة اليوم الثاني ودخل وادي أقَرَ المعروف ببيت القابعي. وكان خروجه من خمر يوم الإثنين ثامن القعدة ودخوله بيت القابعي يوم الأربعاء. وظهر الخبر من المهدي أن القاسم إن نزل من شهارة فهو المقصود وسكنت الحالة، وإن لم طلع شهارة، فإن واجه فهو المطلوب وإن حاربوا تحاربوا، والمحطة التي كانت بذيبين من أصحاب المهدي لحقت[162/أ] إلى بيت القابعي، فكان جملة الذين بحضرته حول سبعة آلاف وقيل أكثر.
والسيد أحمد بن إبراهيم المؤيدي عزم من حضرة القاسم يومئذٍ، وأحمد بن الحسن في غربان، وولاه القاسم بن المؤيد جبل رازح ولاية ما لها أصل ولا صحة؛ لأن أمرها والحكم فيها إلى علي بن أحمد يومئذٍ، لتغلبه عليها بعد خروج حسن بن المتوكل عنها.
وفي هذه الأيام أرسل القاسم إلى الشَّاهِل بالشرف جماعة من القبائل الأهنومية، ومن معه من غيرهم من البلاد الشامية، فدخلوا إليه وكشفوا أهل البلد ودخلوا بيوتهم قهراً عليهم من أشراف وغيرهم، ولم يسلم إلا بيت السيد يحيى بن أحمد الشرفي فكان ذلك أعظم حادث على بلد الشاهل، وسبب دخولهم إليه[162/ب] وإرسال القاسم عليه أنه بلغ القاسم بن المؤيد أن محطة الصلبة تريد الطلوع إلى الشاهل؛ لأجل الإستيلا على الشرف بالأمر القاهر، فأرسل هؤلاء إليه لحفظه وإصلاحه وما هو في التحقيق إلا لإفساده وهتكه؛ لأن سبب ما صار يرسل من الرتب يحصل فيها الحرب، فتقع على البلد الذي فيها الضرر والنهب فما هذه الأفعال من صلاح الإسلام، ولا من الرحمة لهم والدفع عنهم، ولكن بعد دخول أحمد بن الحسن بيت القابعي لم يبق لهم تابعي، والعجب من السيد يحيى بن أحمد الشرفي الشاهلي ما يذكر إنكار والده على مرجان شاوش في مدة دولة أولاد مطهر، فاذكر أن أصحابه دخلوا [163/أ] بيوت الشرايف في الشرف، وأن سبب ذلك كان قيام السيد علي العالم والسيد علي العابد لإنكار ذلك المنكر، وأنه جهز عليهم عساكر السلطنة فطردوهم ولم يثمر فعلهم، فكيف رضى السيد يحيى بن أحمد الشرفي من صاحبه القاسم بهذا؟ فالحق لا يحابى مع تشدده في الأمر للناس بفعل الواجب، وإلا فكان من كلمة الحق التي يراد بها الباطل، مع أن السيد صار يشدد ويحرج في تحريم التتن الذي لا دليل صحيح على قوله، فكيف ترك الواجب بالإجماع وتعاطى ما لا يقول به من عرف العلم بزعمه ووسعة الباع. وكان يجب عليه أن يقول لهم: اذكروا لقاسم يخرج لكم الخيام لتسكنوا فيها وتتركوا بيوت أهلها، كما هو قاعدة عساكر السلطنة، والأئمة أولى بفعل الخير والمحسنة: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} وحسن بن المتوكل بعد أن بلغه