وأما احتجاج السيد يحيى بن أحمد الشرفي بأنه[145/ب] وجب عليه إجابة قاسم بن الإمام لحديث روى عنه÷ أنه قال: ((من سمع واعيتنا أهل البيت فلم يجبها كبه الله على منخريه يوم القيامة ))، وهذا الحديث باطل موضوع، لا أصل له ولا يسند عليه تعويل ولا رجوع، وإن كان بعض الهدوية قد ذكره بالسند المقطوع فهو بناءاً على قبول المراسيل، ورواية المجاهيل، وهو مخالف لما عليه الجماهير، منهم ومن غيرهم من العلماء النحارير.
وجاء الخبر يومئذٍ في عاشر شهر شعبان بأن علي بن أحمد تفرقت عليه آراء قبائل الشام، ورفع كثير منهم رؤوسها واستخفوا بما يصدر منه من الأوامر والكلام فيها، فتضعف أمره ونهيه، وانكسرت نفسه وبقي في حيرة من هذا ولا سيما مع ميل بعض جهاته إلى إجابة قاسم، والمشي إليه بالعزم الجازم، وبعضهم إلى السيد أحمد بن إبراهيم المؤيدي، وبعض بلاد الشام عن بدء، وهكذا الأيام تلعب بالفتى وتتقلب فيها تارة على الوجه، وتارة على القفا، ولله قول الشاعر:
وما الدهر إلا مجنوناً بأهله

وما صاحب الحاجات إلا معذبا

فحدثته نفسه أن يترك ما عقده من الإمامة في أمسه، أو أنه يساير من بقي معه من القبائل، ويرضى بالحاصل منهم والزايل، والله أعلم ما ينتهي إليه حاله، وما يضطر إليه مآله.
ووصل في هذا التاريخ شكاة العدين الذين أضعفهم[146/أ] الجور والظلم لحسن. ظن بهم للإنصاف من هذا الآخر بعد مضي الإمام الأول الذي لم ينصفهم في شكواهم، وما جرى عليهم من الاسترسال في أموالهم، فلما وصلوا إلى أحمد بن الحسن صاحوا بالأصوات وقالوا: هل أنت ممن يزيل الجور والظلمات؟ وتخفف ما صار عليهم من المطالب المحدثات المخترعات؟ فأرسل أحمد بن الحسن على واليهم جعفر الجرموزي، ولا يُعرف ما إليه أمرهم ينتهي.

ووصل في أثرهم شكاة من بلاد قعار من واليهم الحاج عاطف أنه استأصل أموالهم بالظلم، فطُلِب إلى حضرة أحمد بن الحسن، واستقر هؤلاء السادة متباينين ومتفرقين غير مجتمعين ولا مؤتلفين لم يتَّضعُ أحدٌ منهم للثاني، ولم يسمع المكاتبات بعضهم لبعض ولا من قاصي ولا داني، وكل منهم ادعى الإمامة على هذه الصفة المذكورة والحالة، وخطب له في حضرته ومن أجابه، فكان حالهم كما يقول القائل :
وتفرقوا فرقاً وكل قبيلة

فيها أمير المؤمنين ومنبر

وكم سعى الوسائط في الصلاح فيما بينهم، واجتماع كلمتهم، فلم يقبل نصحهم ولا صلحهم لأمر قد علمه الله فيهم، وكان حالهم كما قال بعضهم: [146/ب]
ولا تصرفوها عن هواها وسؤلها

بعذلكم فالعذل يمنعها الصرفا

ولا تعتبوها فالعتاب يزيدها

هياماً ويسقيها مدام الهوى صرفا

ولله قول الشاعر حيث يقول:
واستيقظوا فالسيل قد بلغ الزبا

وعلت عواريه على العربان
وذروا التحاسد والتنافس بينكم

وكلاهما نزغ من الشيطان

واستعملوا الإنصاف واغضوا كاشحا

لفسادكم والضم لكل لسان

وتداركوا إصلاح ما افسدتموه

ما دمتم منه على الإمكان

فتحدثوا في لم شعثكم فما

الساعي لفرقة قومه بمعان

وقد أبلى أحمد بن الحسن في العتاب غاياته وأنذرهم بأنه لا يتركهم على مخالفاته، كما قال الشاعر:
لا تنكري عتبي عليك فإنه

جميل وشر الناس من لا نعاتبه
أعاتب من أهوى على قدر وده

ولا ود عندي للذي لا أعاتبه

ثم قال لسان حالهم:
فعزما فقد طالت مداراتنا للعدى
وطال بسوء العتب فينا ولوعها
فلا دار إلا حيث يهتضم العدى

ولا عز إلا حيث يبدو خضوعها

فجردوا الهمة على كشف القناع، والتهيؤ للحرب والوقاع، ذاك من تلك الجهة، وهذا من هذه الجهة، وكان أول باديهم أن أرسلوا الحسين بن محمد بن أحمد إلى خمر، كما سبق ذكره، يوم الخميس نصف شعبان.
[147/أ] وفي يوم السبت سابع عشر شهر شعبان وصل مشائخ الحيمة إلى حضرة محمد بن الإمام، فاستلقاهم بالتجليل والإعظام، ومن أفرادهم من سار إلى شهارة عند قاسم بن الإمام.
وفي هذه الأيام ظهر في البحر المقابل للمخاء جلاّب انكشفت فيها طعام وصل من سواحل الحبشة، لما بلغهم الجراد باليمن وارتفاع السعر.
وفي عشرين شهر شعبان غزا السيد محمد بن علي الغرباني الساكن ببرط بجماعة معه من أهل برط إلى حصن الزاهر بالجوف، فدخل جانباً منه، ووقع بينهم القتال فقتل من برط من كبارهم إثنان، وصوايب كثيرة من الجانبين، وانهزموا وأخرجوهم من الحصن بعد أن كان دخلوا.
ولما بلغ أحمد بن الحسن ذلك الحادث بعث[147/ب] إليه غارة بجماعة من العسكر، فساروا وقد عاد أولئك النفر.
وأرسل قاسم بن المؤيد إلى مبين بحجة جماعة عسكر، ومعهم فقيه من بني الغفاري ولد أحمد هادي، وأمرهم بسياق الطعام من مدافن مبين إلى شهارة للحاجة إلى الطعام ومن معه في هذه الأيام، لعدم الثمرة بسبب الجراد وغلاء الأسعار، فشرع المذكور في السياق، وتضرر السيد علي بن حسين جحاف متولي حجة، وحصل معه بسبب ذلك المشقة.
وفي هذه الأيام بهذا التاريخ في يوم الإثنين عشرين شهرشعبان خرج إبراهيم بن حسين من شهارة بأمر قاسم له إلى جهات ذيبين، ومعه من العسكر عينة.
وأحمد بن حسن لماّ كان قد أمر ابن خليل باللحوق إلى خمر بلغه عند ذلك هذا الأمر، فاسترجعهم[148/أ] وبنى على التجهيز والتأكد، وتحركت عليه الأمور الساكنة والتأكيد، واختل عليه الأمر الذي كان يظنه، فإنه كان قال: ما يظن أن أحداً يخالفه أو يخرج عن أمره.

وعند هذا انتبه أحمد بن الحسن عرف أن الدهر يتقلص، وأن الأوقات قد تنغص، وأيس عن رجوع أحد من هؤلاء الدعاة المعارضين له إلى طاعته، والإصرار منهم على مخالفته ومنابذته، تعب باطن خاطره وكثر الشاغل معه، غير أنه مراعي لجانب بعض من اتباعه لما شرطوا عليه في إجابته وبيعته، وهو محمد بن الإمام وغيره، فإنه شرط أن تكون السيرة سيرة الحسبة، فلا يبدي بالغزو، وعامة الناس وخاصة أصحابه ما زالوا يحرضونه على الغزو وهو عند نفسه ليس بمحتسب، فوافق قولهم ما يهواه.
[148/ب] وفي يوم الثلاثاء سابع وعشرين شهر شعبان جهز المهدي أحمد بن الحسن الشيخ زيد بن خليل الهمداني إلى عمران، وأمر محمد بن أحمد بتجهيز من عنده من غير توان.
وجهز عبد الله بن يحيى بن محمد بن الحسن ، ومعه جماعة من الأعيان إلى جهة بلاد ذيبين، فسار الجميع إلى تلك الجهة التي إليها أمروا، فوصل عبد الله بن يحيى إلى المقضضة من بلاد الصَيَد وبها استقروا، ووصل ابن خليل إلى عمران، وسبب هذه الحركة وصول إبراهيم بن حسين إلى ذيبين، كما سبق ذكره، ووصول حسن بن حسين إلى العر، ومحمد بن الإمام جهز إلى حصن ثلاء ابن ناجي لحفظه عن دخوله والتقدم على أهله؛ لأنهم أظهروا الميل إلى إجابة السيد قاسم، ووجه عقبه أحمد بن الحسن أيضاً ولده علي بن أحمد بجماعة من العسكر فمروا ثلاء ثم نزلوا وادي لاعة يريدون الصلبة وحجة.

ووجه أحمد بن محمد بن حسين إلى الصلبة وحفظ بلاد ملحان وحفاش، فسار الجميع إلى حيث أُمروا به، وكانت طريق أحمد بن محمد من الأهْجِر والمحْويت ، والأمير عبد القادر كان وصل إلى بلاده من قبل قاسم بن المؤيد بعض أصحابه، [149/أ] فمنهم من وصل إلى مسور، ومنهم إلى بيت عِذَاقة ، ومنهم إلى الطويلة ، فجهز الأمير إلى مسور السيد صلاح بن يحيى بن أحمد سند في جماعة من العسكر، للسكون في مسور، وحفظه عن أحد يصل إليه، فقبضه وطرد من قد وصله، فسار الجميع إلى هنالك، وأزالوا من وصل من أولئك.
وعبد الله بن أحمد بن القاسم لما وصل من صعدة إلى شهارة بأولاد حسن بن المتوكل سكن وبايع القاسم، ويحيى بن حسين بن المؤيد وصل إلى أحمد بن الحسن إلى الغراس، وباين عمه القاسم، ولم يدخل شهارة لما خرج من صعدة، فكان حالهم كما قال الشاعر:
سارت مشرِّقة وسرت مغرِّباً

شتان ما بين مشرِّق ومغرِّب

وفي هذا الشهر بالعشر الأولى منه وصل القاسم بن محمد بن أحمد بن القاسم من عند صنوه علي بن أحمد صاحب صعدة بجواب الرسالة، وأنه داخل في الجماعة، ومجيب لأحمد بن الحسن على كل حاله. فاغتاظ صاحب شهارة من ذلك، وضاق صدره، وعيل صبره، وكَلَّ جهده فيما قد عاناه من الناس، وطلبه، فلم يجبه غير أهل[149/ب] بلده ومن بقربه، بعد أن كانت طارت كتبه إلى جميع النواحي، وفيها من التخطية والخط في جانب من لم يدخل في أمره ونهيه وإجابته.
ولما كثرت الكتب إلى صنعاء والرسل خرج عليها المهدي، ومنع عن كل من وصل بها، فتقالل أمرها، وسكن كثرة ما كان يصل منها.

وفي يوم الإثنين ثالث رمضان سار محمد بن الإمام إلى ضوران، يعتذر بتنفيذ وصايا الإمام وافتقاد بيوت أبيه، وحفظ المخازين عن تصرفات أخيه، ويباعد نفسه عن المخارج إلى جهات شهارة بعروض الشك معه في الأحوال، ومحبة أن يكون انتظامها بواسطة غيره، والداخل في الأمر غير معذور، لكن المهدي أحمد بن الحسن ربما يعذره لجلالة قدره عنده، وكونه القائم ببيعته أول أمره، واعتذر المذكور بأنه ما كان يظن أنه يؤدي إلى التفرق والمحذور، وأنه أما إذا أدى إلى الشرور والحروب فحاله يكره ذلك، وأحمد بن الحسن المهدي ذكر له أن بعد ابتداهم في المخارج، وإرسال[150/أ] جنودهم في المشارق والمغارب ليس بعده ترك ملاقاتهم.
ووصل كتاب من السيد يحيى بن إبراهيم من جحاف إلى من قرأه من الناس فيه تعظيم الاختلاف، وما يجري بسببه من الفساد وعدم الصلاح والائتلاف، وانتهاك الحرمات، ولاوح السيد بل صرح بأنه كان يجب أن يبقى السيد قاسم بشهارة على حالة الإمامة، والمهدي على حاله، وأنه قد كان يوسف الداعي والقاسم بن علي العياني كذلك أيامهم.
وهذا قول غير صحيح، واحتجاج غير مليح، لأن انتصاب قائمين في قطر واحد مع تقارب الديار، لم يقل به أحد من العلماء، ولا يتم به صلاح المسلمين، فإن الأهواء للناس مختلفة، وطباع البشر غير مجتمعة، مع طعن هذا في هذا وكل يدعي أنه الإمام المحق[150/ب]، وإنما ذلك يتم لو لم يتسمَّوا بالإمامة ويجعلوها حسبة، وأنهم في درجة، فكل يبقى متصرفاً على جهاته وحوزته، غير قاصد لجهة غير ولايته.
وفي هذه الأيام سار أهل الغصيرة من بلاد خمر إلى حضرة قاسم صاحب شهارة وبايعوه وسلموا إليه واجباتهم، فأرسل عليهم المهدي ومحمد بن أحمد والي البلاد من أول بأدب.
ووصلت يومئذٍ هدية من حضرموت وكتاب إلى المهدي وأنهم إليه منتمون.

ووصل الشيخ جعفر الذي أرسله محمد بن المتوكل إلى السودة بالدراهم التي كانت في خزانة أبيه مجموعة، فوصل بها إلى ولده محمد بصنعاء.
وفي هذه الأيام اشتدت الأزمة والغلاء ببلاد الأهنوم، ولولا سياق حصن مبين من بلاد حجة إلى قاسم لما وجد شيئاً، فإنه قد كان أرسل قدر ألف نفر رتبة في مبين وحجة، وبقي السياق إلى شهارة هذه المدة منها ومن الشرف.
وفي سادس عشر رمضان وصل الخبر بدخول أحمد بن محمد إلى حفاش واستقراره بالضفتين ، واتفق قتل واحد من عسكره على سبب الخِطَاط، في بعض بيوت البلاد.
وفي هذه الأيام جهز المهدي ولده علي بن أحمد بن الحسن إلى ثلا، فدخل ثلا وسكن بحصنه، وأصحابه بالمدينة؛ لأجل أنه بلغه ميلهم إلى صاحب شهارة، ثم توجه نازلاً إلى بلاد الصلبة، بعد أن نزل أيضاً صاحب كوكبان إلى قراضة . وكان القاسم قد رتب[151/أ] في الصلبة رتبة قوية، فسارت عليه الأجناد الأحمدية والتقت من حفاش أحمد بن محمد، ومن قراضة صاحب كوكبان عبد القادر بن الناصر، ومن بلاد علي بن أحمد بجنودهم وعساكرهم وقصدوا إلى الصلبة.

وكان صاحب شهارة قد أرسل ولده إسماعيل بعساكر معه من الأهنوم ومن ظليمة، وقد كان اسماعيل بن قاسم في حبور، فسار إلى حجة، ودخل حصن مبين بحجة، وكان دخوله يوم الأحد ثالث وعشرين شهر رمضان، وتقاربت جنود المهدي إلى الصلبة[151/ب]، فأول داخل إليها أحمد بن محمد بن الحسين نزل من حفاش بعد دخوله إليه واستقراره بعض أيام فيه، فلما وصلها راسل إلى رتبتها، وكان بعضهم في بيوت بني قُطَيْل فوق سوقها، وبعضهم في سوقها، وهم قدر مائة نفر، منهم قدر ستين نفراً في بيوت بني قطيل والباقي بسوقها، فراسلهم أحمد بن محمد بالإجابة وعدم المخالفة، وأنهم يريدون دخول الصلبة، وكان رئيسهم النقيب أبو راوية من ظليمة، يقول في جوابه: لا يمكن الدخول، ولا يصدر منا مواجهة ولا وصول. وكان من جملتهم جماعة من أهل الحيمة ومن الشرف، فواجه أهل الحيمة، وأهل الشرف هربوا بلادهم، وثبت النقيب وأصحابه من ظليمة والأهنوم فكان قدرهم في بيوت بني قطيل قدر ستين نفراً، ولما كان جوابهم كذلك تقدم أول أصحاب أحمد بن محمد في الطريق يريدون[152/أ] دخول الصلبة، فدفع الرتبة إليهم البنادق، فأصابوا منهم جماعة، ثم تلازم الحرب في يوم الأربعاء سادس وعشرين شهر رمضان من أول شروق الشمس إلى قريب آخر النهار، ووصل عند ذلك جنود كوكبان، وعلي بن أحمد بن الحسن، وحسن بن محمد بن أحمد بن القاسم وهم الجميع حول أربعة آلاف، ولفوا عليهم من جميع الجهات على البيوت والسوق، فاستولوا عليهم وقتلوا منهم أكثرهم.

قيل: جملة الفايت منهم قدر ستة وثلاثين نفراً، منهم النقيب أبو راوية الظليمي، والذي قتل من أصحاب المهدي أحمد بن الحسن قدر عشرة وصوايب في جماعات، وانتهب العسكر سوق الصلبة من الدراهم والبز، ولم يتركوا فيه لأحد ما يدخر، وأكثر النهب على البانيان الذين فيه؛ لأنهم ما رفعوا الذي معهم قبل الدخول إليه[152/ب] فراح مالهم وأسبابهم، وخرجوا منها فقراء لا يملكون شيئاً، وكان جماعات من التجار قد رفعوا أموالهم، قبل وقوع الحرب، فسلمت أموالهم فلا قوة إلا بالله.
وباع الناهبون الشقة بعشرين بقشة والثوب بنصف ثمنه، رزق الحرام حرام، لا هم انتفعوا به الانتفاع التام، ولا هم تركوه لأهله وسلموا من الآثام.
ووصل إلى صنعاء من ضوران يوم الجمعة ثامن وعشرين شهر رمضان حسين بن المتوكل بأصحابه وهم قدر أربعمائة ومن أصحاب والده، وخرج يوم ثاني إلى حضرة أحمد بن الحسن إلى الغراس وكان عيد الفطر بحضرته معه، فاظهر أن موجب وصوله أنه يريد السعي في الإصلاح، وانه كان برأي من صنوه محمد وحسين بن الحسن وعلي بن المتوكل لما اجتمعوا بذمار، وأنه يريد العزم إلى شهارة.
وظهر أن مضمون هذا الرأي أنهم الجميع يجتمعون ويختارون من يجمع عليه الحاضرون، فلم يعجب هذا الرأي أحمد بن الحسن.
[153/أ] وقيل: إنما اعتذر بذلك، وإلا فسيره مغضباً لصنوه لما منعه من التصرف في المخازين وضيق عليه وحمل من خزانة بيت المال بضوران من الدراهم كثيراً، وكان صنوه محمد يومئذٍ غائباً في ذمار، وسار بها من ضوران، وأن ميلته في الباطن إلى القاسم صاحب شهارة.

وفي يوم الثلاثاء ثاني يوم في شهر شوال خرج أحمد بن الحسن من الغراس إلى موضع يسمى الحِمَا طرف الرَّحَبَة ، وخيم فيه بالخيام، وجمع فيه القبائل من بني الحارث وبني حشيش، وحثهم على السير معه والارتحال مع من جمع من ذيبان وعيال عبد الله وهمدان، فاجتمع عنده خلق كثير. وحسين بن المتوكل فارقه من ذلك المقام، بقصد ما قاله من ذلك الكلام، وسار جهة شهارة. وكان قد وصل القاضي محمد قيس الثلائي من شهارة إلى حضرة أحمد بن الحسن ليلة العيد، واتفق وصوله عند وصول خبر الصلبة وما جرى فيها من الفعلة، فاستنكر ذلك القاضي، وكان قد أراد الصلح بين الرجلين، وأنه يكون القاسم إماماً في جهات شهارة والبلاد التي قد أجابته، ولا ضرر هناك في هذه الساعة كما هو مذهب الجارودية فإنهم صححوا الإمامة[153/ب] في العصر الواحد المتضايق لإثنين فأكثر، وهو قول باطل بحصول الاختلاف المؤدي إلى الفساد، فلم يسعد أحمد بن الحسن، وقال: إن هذا ما قد جرى مثله في أرض اليمن من السابقين، وهو مظنة التنازع والفتن (وسيفان في غمد لا يصلحان ولا يتفقان) في قطر واحد ولا يجتمعان، ولكن إذا أرد إقطاع تلك البلاد التي أجابته وتوليته والاعتزاء إلينا فعلنا ذلك وأجبنا، وكان يوم ثاني خروجه كما ذكرنا. وعند ذلك الحادث في حجة واجه أكثر بلاد حجة ووصل مشائخهم، وطلبوا الأمان على بلادهم، فهم في ذلك وقد وصل عبد الله بن أحمد بن القاسم من جهة القاسم بن محمد بعساكره خارجاً من السودة، فدخل إلى حَوْرَة ، فحصل مع أهل البلاد الخوف العظيم والوجل الجسيم؛ لأجل ما قد جرى منهم من المواجهة إلى جهة أصحاب أحمد بن الحسن[154/أ]، فعند ذلك سلموا الأمر وتوقفوا وعبدالله بن أحمد حجر عليهم، وغلق على بلادهم بسكونه في حَوْرَة، ولو كان أرادها عساكر أحمد بن الحسن بعد دخولهم الصلبة كانت البلدة مفرغة، إلا أنهم سكنوا عقب الحرب بالقرى حول الصلبة مثل المرواح والمحاضة.

49 / 94
ع
En
A+
A-