وأما قتل النفوس في زمان المتوكل فهي عندي من أقرب القرب، فإذا أنكر على من قتل علي بين يدي رسول الله صلى الله[139/ب] عليه وآله وسلم يوم بدر وأحد، وفتح خيبر والخندق ويوم حنين أنكر عليَّ بمن قتلت يوم أبين ويوم نجد السَّلف ، ويوم يافع ويوم بَحْران بحضرموت، وأرجو أن يبلغني الله ما بلغه بعد دعوتي هذه من القتل يوم الجمل وأيام صفين ويوم النهروان. وأما أمر الفلوس وإني امتنعت من أمر الإمام، فلو نطق المعترض بالحق لما قال هكذا، وإنما راجعته أشد المراجعة رحمة مني، لضعف رعيته؛ لأنهم ضجوا من كسرها وتعبوا تعباً شديداً، فلما لم يتراجع لي نفذت أمره والأمر ظاهر ويكفيك إنما مات حتى أمرني بالتجهيز إلى شام صعدة كما علمت، وجعلني أمير أمرائه الذين أمر بتجهيزهم، وفوضني تفويضاً كاملاً، وولاَّني بلاد خولان، والحرجة فهل هذا الفعل لعصيان مني أو لطاعة له؟ ووصلني خبر موته وأنا بأول مرحلة متجهزاً في طاعته. وأما أمر الحطروم وقاسم سبحة، فالحطروم لم يعاملني مدة حياته، وأما قاسم سبحة فهو عميلي الآن، وطلع بأشياء من المخا، أكثرها صارت إلينا فلو كان فقيراً كما ذكر لما طلع بشيء، وعملتي له وغيره مثل عملة سائر الناس إن وجدوا قضوا وإن لم يجدوا صبر الغريم، وأنت كذلك بلا شك،وهذا دأب الناس في هذا الزمان وغيره. ومات مولانا المؤيد بالله ودَيْنه يفيق على أربعين ألف قرش، فهل ذلك قادح في إمامته؟! وأما ذكر[140/أ] القتيل الذي أراد الفتنة بين العسكر فلم يقع من ذلك شيء، ولو يقع من أحد من الناس الآن إرادة إثارة الفتنة بين العسكر لقتلته، فإنه روى لي إمامنا المتوكل على الله وحي الصنو محمد رحمه الله أن الإمام القاسم كان يقول: من قال يا حاشداه أو يا بكيلاه فقد حل قتله، فإنه من الساعين في الأرض فساداً، ومذهبي في ذلك مذهبه، وأما ذكر الخزايا والبلايا على مختلفها، عدا من ذكر قتل جارية
وكسر يد أخرى، وجعل بيت مختص بالغناء لا يدخله أحد فلو تأدبت بما أدب الله عباده من قوله تعالى: {وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } وذكر من قول الله في قصة الإفك والجامع الافتراء وقوله: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } وقوله÷: ((لا تتبعوا عورات المسلمين ))، وقول أمير المؤمنين: (من عرف من أخيه وثيقة فلا يسمعن فيه أقاويل الرجال)، والله أعلم.
انتهى الأصل من القاسم والجواب من أحمد، وفي كل من الأصل والجواب قوة وضعف، والرجوع إلى قوله تعالى: {قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} هو الأولى في ذلك، كما ذكر بعض الفقهاء أنه بقي حائراً في هذه الأحوال مهتماً بها في بعض الأيام والليالي، فرأى في المنام أنه يقول: النفس علينا من ذاك الإمام من هؤلاء السادة، فتليت عليه الآية، والله أعلم.
وجه القوة والضعف في هذين الكتابين، أما كتاب القاسم فمنه قوله: أن الباغي يضمن الدم بالإجماع، ولم يبلغنا أنه ودى دية ولا تخلص، فهذه مسألة خلاف بين العلماء، منهم من لم يوجب الدية، فلو قال على قول من قال بوجوب ذلك[140/ب]، ومنه قوله: وكذلك النفوس التي قتلت في زمن حي المتوكل على الله بغير حقها، فما قتل في الحروب مع المتوكل للبغاة، ومن امتنع من تأدية الزكاة، بعد استقرار إمامة المتوكل، فهي ساقطة بإجماع العلماء.
وأما كتاب أحمد بن الحسن في جوابه: إن كنت فعلت هذه الأفعال في وقت إمام صادق لله فيما أمر ونهى ذي شكيمة وعزيمة معروفة وصلابة ظاهرة، ورجعت إليه، ومضت مدة مديدة وأنا عنده وبين يديه، وختم آخر عمره بأن ولاَّني بلاد وصاب، وكان لي مجللاً معظماً، إلى آخر ما ذكره، فهذا ليس بجواب على السؤال والاعتراض، وطلب المخلص منه ما جرى من تلك الأفعال، فإن سكوت ذلك الإمام عما جرى من تلك الأفعال وما مضى من تلك الأعمال ليس بحجة في سقوط الحقوق للعباد، فإن حقه قد أخذه منه قسراً وقهراً، وأسره وأمنه، وبقي حق العباد متى طالبوه في رقبته، هذا ضروري لا يخفي أهل البصائر، ومنهم المطالب له، ومنهم الخائف له عن مطالبته، فليس بحجة ما قاله تسقط الأمور اللازمة له.
وأما ولاية وصاب له فهو كان قبل أن يخرج عليه إلى الحوادث، فإنه كان وضع له ولاية وصاب، فلم يقبل ذلك منه، وسار مغاضباً من ذمَرْمَرْ إلى ذمار عند صنوه، ثم دخل وصاب، وتقدم على عُتمة يحارب السيد مطهر واليها من قبل الإمام المؤيد، وجرى ما جرى.
وأما تزويجه المؤيد لبنته، فليس بحجة؛ لأن رضا الولي يكفي في ذلك ، وقد غلط أحمد بن صالح بن أبي الرجال في رسالته، حيث قال: إن المؤيد والمتوكل زوجا من لا يحل تزويجه بإجماع العترة، كيف؟ وهو عند هذا مصرح بتصويب فعله في خروجه على المؤيد بالله، فإنه ذكر الثقة أنه سمعه يقول: ولم يجازي المؤيد فيما فعله معنا، وقد كان روى رجل من أصحابه أنه ذكر أحمد بن الحسن ما جرى معه في الخروج على عمه المؤيد ومحاربته، وذكر أن سببه إنعام والده عليه، وبره له، فتاقت نفسه إلى ما كان ألفه وليس فيه غير ذلك.
وأما تأخير قوله إلى هذا الوقت، فعذره ما يترتب عليه من الأحكام للرياسة العامة للإسلام، بخلاف قبل ذلك في مدة الأئمة السابقين، فالعهدة عليهم، وأما خطه بما ذكر في كتابه ففيه حجة عليه، كما ذكره.
وأما قياسه على من قتل بين يدي رسول الله÷ يوم بدر وأحد، فلعل قاسماً أراد مما قتله في غير القتال للبغاة على الإمام[141/أ] وذكره للقياس على من قتل بين يدي رسول الله÷ لا حجة فيه؛ لأن ذلك جهاد كفار بين يدي نبي من الأنبياء، فأين هذا من هذا؟ والله المستعان.
وأما الفلوس التي ذكرها فإنه استمر فيها إلى أن توفي الإمام، ولعله قصد المراجعة في ذلك، كما ذكره، والانتظار فيها حتى ينظر ما ينتهي إليه قول الإمام، كما ذكره، وفيه ما فيه. وأما المطل بالديون فالأمر ظاهر مشهور عنه ضرورة، ولقد شكى عليَّ يتيم قماط في الغنم أنه مات والده وعليه دين ما أوفاه أحمد بن الحسن ولا سلم إليه إلا مائة حرف من أصل تسعمائة حرف وأكثر، ومضت أعوام وهو يطالب أبوه حتى مات أبوه، وكذلك شهد معه على قوله بعض قرابته، وقالوا: نشفع لهم بتعريف إلى أحمد بن الحسن، فقلت لهم: روحوا إلى قاضيه عبد الواسع، وهو لا يترك ما يجب عليه. ومطل حسن الطحم في ألف قرش صار يدَّعيها عليه، ولم يحصل شيء له وأيس منه، وغيرهم كثير.
وأما قوله: إن وجدوا قضوا وإن لم يجدوا صبر الغريم، فمخالف للإجماع في الأغنياء مع الجدة، وأنه لا يستثنى له إلا ما يستثنى للمفلس، وأنت ليس بمفلس بل واجد، والخزائن مملوءة معك بالضرورة.
وأما الاحتجاج بالمؤيد أنه مات وعليه ذلك القدر، فاتفاق موته أنه استدان قبل القضاء في عامه وفي قدر مهلته، وأما المطل الطويل والخارج عن التأجيل فحرام قطعاً.
وقوله: من قال: يا حاشداه أو يا بكيلاه فإنه يقتل لأنه مفسد، فهو قول باطل؛ لأن المفسد في الأرض لا بد أن يكون قد قتل، وإلا لم يجز عنه قتله أصلاً، فلا حجة فيه بل التأديب له.
وأما إنكار قتل الجارية فقد اشتهر ذلك وصح، وهي جارية كانت لبنته، زوجة إسماعيل بن محمد بن أحمد بن القاسم بالروضة، وكذلك تواتر قتل أفراد في المدة السابقة بالضرب بالدبوس، كالذي قتل بعد صلاة العيد في باب شعوب لما رمى إلى الداير للنصع بعد منعه له وخالفه، فالتخلص واجب عليه من جميع ذلك، والله يغفر ويرحم.
هذا في المجمع على لزومه من غير المختلف فيه، مما جرى في بغيه على المؤيد بالله مرتين في الحوادث ونقيل الشيم.
[141/ب] وكذلك أجاب على السيد يحيى بن أحمد الشرفي أحمد بن صالح بن أبي الرجال لما ذكر وصف قاسم بطهارة المنشأ، فقال أبي الرجال: التعريض بغيره -يريد أحمد بن الحسن- لا يحل، فإن العصمة منتفية عن الجميع، وقال: إذا كثرت السيئات وتاب كثرت الحسنات، ثم ساق ذلك، ولكن يقال: التوبة من حقوق العباد لا بد من شرطها التخلص وإرضاء الخصوم، فالأمر مشكلاً.
ومن عجائب هذا القاضي أحمد بن صالح بن أبي الرجال أنه أكثر الذب والنضال عن أحمد بن الحسن، وأول من خطب، ثم انقلب بآخرة في أول سنة1089هـ راجعاً إلى الهجو والذم، فإنه قال: ما أعظم مما وقع منا -مخاطباً نفسه- من مبايعة أحمد بن حسن رجل غير صالح، وسخط حالته لما أرجع من بابه مراراً لما وصل إلى جنابه، وبقي أكثر وقته في عَافِش ، وله بعض اتصال بعيال المتوكل، فلا قوة إلا بالله، بعد أن كان هو أول من خطب ومدح وعظَّم المهدي، بحيث أنه لم يكتف بخطبه وجواباته، بل جعل كراسة مستقلة في المسلمين في تصحيحه لدعوة أحمد بن الحسن، وذكر أعيان من عقدها له من السادة والقضاة وغيرهم عقد اجتماع محضرهم بالغراس، ولقد ذكر كاتب الأحرف فيها وكذب عليَّ فيها، فإني لم أحضر محضرهم، ولا بايعت بيعتهم.
وفي آخر شهر رجب وصلت رسالة من السيد أحمد بن إبراهيم المؤيدي الملقب ابن حورية، من أولها قوله: وبعد فيقول العبد الفقير إلى مولاه الهادي إلى الحق المبين أمير المؤمنين أحمد بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد بن عز الدين بن علي بن الحسين بن أمير المؤمنين عز الدين بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن المؤيد وفقه الله، حتى قال: ومن دين الله الواجب وحقه الواضح الواجب أن أوجب على الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ينصبوا إماماً عادلاً لإقامة الحدود والجهاد والجمعات، وتأمين الطرقات، ودفع المظالم من غير فرق بين قوي وضعيف، ووضع الحقوق في مواضعها في الثمانية الأصناف، وشرط الفقير أن يكون غير هاشمي، والتسوية، وفي نهج البلاغة: وجوب القسم بالسوية، ثم قال: ولما رأى رسم الدين قد عفى، وعلم أن هؤلاء الذين دعوا مع فرض الكمال واجتماع الشروط المعتبرة فيهم ظاهر الاختلال، لا يسيرون إلاَّ هذه السيرة، ولا يميلون إلا نحو هذه العادة الماضية التي تخاف في السكوت عليها في مضي الأخذ بالجريرة، فإنا رأينا المسكين محروماً،والضعيف مدحوضاً ومظلوماً، والفقراء من بني هاشم وغيرهم لا يجدون في أكثر الأوقات ما يسد جوعهم ويستر عورتهم، وصارت حصتهم من الفيء والمصالح دولاً، وقد تكلمنا في الماضي فلم يلتفت إلى أقوالنا[142/أ] ولم يعول على شيء من أعمالنا، كذلك رأينا الأخذ من الرعية غير متوقف على كتاب ولا سنة، قال: فلما رأينا الأمر هكذا وجب عليه القيام بأمر الله، والدعاء إليَّ أو من هو أصلح علماً وعملاً وزهداً وورعاً، وبقية الشروط المعتبرة، إلى آخر ما ذكره، مما محصوله هذا ونحوه. وقال: حررت تاسع عشر شهر رجب الأصب سنة سبع وثمانين وألف. فلم يرفع لهذه الرسالة أحد رأساً، ولا تلقاها أحد بقبول، ولا ظهر لها عند الناس نفوذ؛ لأن صاحبها كان مناقضاً لما فيها، فإنه ما زال يفد إلى الحضرة المتوكلية مسترفداً وطالباً من الحطام المالية
والكسوات الهندية كل عام ويسير بها إلى بلاده، وكان مع ذلك مقطعاً إقطاع أبيه من قبله بلاد العشة وما إليها في سباره وأصحابه، وهي من عين الزكاة التي نهى عنها وقال بتحريمها، وناقض ما ذكره من الاستيثار والمساواة، فإنه استأثر بإقطاعه عن غيره من فقراء بني هاشم وغيره من الفقراء من أهل جهته، فكان أمره لنفسه بالمعروف ونهيه عن منكره أَقْدَم وأحرى، فإنه يقول الله تعالى: { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} ومرفوعات اليمن أكثرها زكاة قد حصلت البلوى بها لأكثر الخلف من الأغنياء وبني هاشم، وعزة الشروط في الفقراء الجائعين، ولا يخلو منهم من يصير إليه منها ما يصير، على أن المطالب التي ليست بزكاة كثيرة تصير إلى بعض بني هاشم والأغنياء منها جانباً، وهم في ذلك وغيرهم على سوى.
وأما الأخذ من الرعية بالمطالب الكثيرة فكلامه حق، خصوصاً باليمن الأسفل مما هو لا شك من متنكر على الماضي والمستقبل، وأما القسم بالسوية ففيه الخلاف بين العلماء.
[142/ب] وهذه الرسالة سببها لما بلغه أن عقدهم كان مشروطاً للرضا والصالح لها ففرح السيد بهذا الشرط، وكان ذريعة له في إقامة الحجة والفرض، وقالت نفسه: عسى يتأتى هذا، وكذلك قاسم بن المؤيد صار يحتج عليهم بهذا، والأمر فيه اختلاف كثير واضطراب شديد، الكل منهم بين طرفي النقيض، والحال بينهم العجيب المستفيض، مما يتعجب منه.
وفي هذه المدة التي مرت بعد موت المتوكل من هؤلاء السادة المتعارضين لم يرفع أحد منهم مظلمة ولا مطلبه زائدة، ولا عزل والٍ جائر، ولا إصلاح خلل حاصل[143/أ] بل الأمور على ما كانت عليه في العدين وبلاد جبل صبر، وبلاد بُرَع وقُعار من الزوايد التي زادها الولاة الذين كان شكوهم، والولاة أولئك أبقوهم.
ولقد انكشف لمحمد بن الإمام لما وصل ضوران من الخزائن التي لا تنحصر بعدد، ولا يوقف فيه على حد من الذهب الأحمر والقروش والنقد، فعجب يحيى جباري قاضي الإمام من ذلك وقال: ما كنت أظن أن في خزائن الإمام هذه الممالك. يريد فما الوجه للمطالب والجور في اليمن الأسفل؟ ولا حاجة هنالك على من يقول بجواز المعونات في الهُدَن فكيف لمن منعها؟ إلا عند الحاجات وعدم المكن، وهو يقال للقاضي ففي شهارة والسودة وصنعاء غير ذلك من النقديات، والله أعلم لمن تصير تلك المجموعات.
وما دار على أكثرها ثلاث سنين إلا قد راح منها الجزيل في فتنة شهارة، ثم في الجوع الحاصل بعدها والغلاء في الأسعار بسبب الجراد، فإنه احتاج محمد بن الإمام إلى كثير منها، وتمزق بعضها مع حسين بن المتوكل وبعضها مع غيره من المتصرفين، حتى أن منها ما سرقها بعض الخدم[143/ب].
وكانت الخطب في شهارة متضمنة للحث للجهاد للبغاة الخارجين عليهم مع زيادة في الاستحداد، ويذكرون الآيات النازلة في قتال المشركين، وفي وقت الأنبياء عليهم السلام الماضين، وما عرفوا فيمن نزلت الآيات، ولا من تضمنه تلك الصفات المتلوات، كأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه، وأن هذا من الغلو في الدين الذي نهى الله عنه، واقطع من عنده من الرؤساء ولا يأت وعدهم بها، وجعل بأيديهم الخطوط فيها من أرض اليمن وهو لا يمر خطه فيها، لكن أراد الترغيب لهم يعدهم ويمنيهم،وجعل لكل من وصل من الرعايا خطوط الجبريات.
وزلج أحمد بن الحسن الشيخ منصر العولقي إلى بلاده وأرجعها[144/أ] إلى نظره، وقد كان له مدة عند حي الإمام المتوكل، منعه حسين بن الحسن عن إرجاعه، وكان ولَّى صنوه بلاده، وكانت طريقه الجوف، تجنب طريق رداع لأجل الحسين بن الحسن، وجهز أحمد بن الحسن يومئذٍ حسين بن محمد بن أحمد بن القاسم إلى خمر لحفظه.
وأرسل أحمد بن الحسن القاضي جعفر بن علي بن تاج الدين الظفيري للسعي في الصلاح، فسار إلى شهارة وذكر له الاجتماع وسكون الدهماء، وأنه إن أحب المناظرة فتصلح في أي مكان يليق بها. فلما وصل المذكور لم يقابل بقبول، وسمع خطبهم وما صاروا يأخذون في جانب أحمد بن الحسن ومن معه. وأجاب بتعذر الاجتماع في الأقوال، وأنه يدَّعي الكمال، وغيره في حيز الإهمال، والتخطئة لمن قال بانتصاب أحمد بن الحسن ومن إليه مال. وكان من المحرضين لقاسم السيد يحيى بن أحمد الشرفي[144/ب] فإن السيد يحيى بن أحمد الشرفي صح عنده إمامة قاسم، ولهذا قال في جوابه على قاسم لما بعث إليه الدعوة: وذكرتم ما اهتديتم إليه من الانتداب إلى ما ندب إليه سيد الأولين والآخرين من تحمل أعباء هذه المرتبة الجليلة، وذلك إظهار الدعوة إلى كتاب الله وسنة رسوله وإلى الرضا من آل محمد، فذلك الفضل من الله، ولأنت الرضا من أهل هذا البيت الطيب.
وقال في جواب أحمد بن الحسن بعد أن ذكر أول الكتاب ما لفظه: هذا والمرفوع إلى مقامه العظيم ما قد أحاط به علمه الكريم من تقدم دعوة من مولانا أمير المؤمنين القاسم بن أمير المؤمنين المؤيد بالله وجهها إلى جميع الجهات، فأسرع الناس جميعاً إلى إجابتها أفراداً وثنايا، وجاءنا خصوصاً منه كتاب يخبر بما اختاره، وبما أجمع عليه أهل شهارة من أهل الحل والعقد من تحمله للأعباء، وهو لما كنا عالمين بما هو عليه من طهارة المنشأ واستكمال الشرايط المعتبرة[145/أ] في ذلك الباب والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء لم نجد عذراً عند الله من التوقف عن إجابة دعوته،ولا دفعاً إلا الكون في جماعته مثل قوله÷: ((من سمع واعيتنا أهل البيت فلم يجبها كبه الله على منخريه في نار جهنم ))، ويقتضي هذا وجوب الإجابة إلى المبادرة مع انتفاء الأعذار المرخصة في التراخي، إذ الفاء للتعقيب، وهذا الكتاب من المذكور يخالف ما نقله كثير من العلماء الذين وصلوا إليه وأخبروا عن حاله فاتفقوا أنه ليس يكمل بالاجتهاد أصلاً وإنما له مسكة في الفقه، ولم يكن له في الأصول معرفة هكذا أخبرنا به جماعة من العلماء منهم السيد العارف عبد الله بن محمد الكبسي قال: وهو عارف بقراءته من قبل هذه المدة وتحصيله. وكذلك الشيخ القاضي الفقيه العارف جعفر بن علي الظفيري قال: الاجتهاد ما بلغه ولا حام حوله، وغيرهما، فقول السيد باستكمال الشرائط لعله يريد في العدالة والتقوى، ولعله يريد إلى إمامة المقلد على قول الدواري المسبوق قوله بالإجماع، وبهذا حكم أيضاً الفقيه أحمد بن صالح أبي الرجال بإمامة أحمد بن الحسن، وأن الرضا بني على مذهبه؛ لأنه يقول بإمامة المقلد، وحيث كانا مقلدين، فكان دعوة المتقدم أوجب على قول مذهبهما، ودعوة أحمد كانت متقدمة بيوم وليلة على دعوة قاسم، مع ضعف هذا القول ومخالفته للإجماع، والملك لله يؤتيه من يشاء.