فأما التفرق على هذه الصفة معهم خلل عليهم وعلى المسلمين، أما عليهم فقد يخرج إلى غيرهم بسبب تفرقهم أما من اليمن أو من السلطنة، ويحصل أيضاً كثرة الشقاق فيما بينهم، وتغلبات جهات اليمن بسببهم، وأما على غيرهم فما يحصل من المفسدين من الفساد والتغلب وعدم الأمان، ولكن لله في كل وقت شأن، والأمر لله تعالى في جميع الأوقات والأحيان.
وجاء خبر دعوة السيد محمد بن علي الغرباني صاحب برط، وجاء معه خبر دعوة للسيد أحمد بن إبراهيم المؤيدي، واستولى أولاد عبد الله بن الإمام القاسم على قصر ذمار وانتهبوه، وانتهب عسكر علي بن المتوكل سوق جبلة، وقطعوا طريق اليمن إلى سُمَارة ، وحصل بين حسن بن محمد بن أحمد المؤيدي وبين السيد جعفر الجرموزي بالعدين فتنة، وقتل نفوس على سبب المملكة، يريد السيد حسن أن يتولى البلاد كما كان عليه والده، وحصل بصعدة انتهاب من العسكر الذين بها ومن أهل سحار دخلوها من دوائرها، فراح كثير من الحوانيت قريب المائتين انتهبوها، وعلي بن المتوكل لما سار إلى تعز استولى على خزانة الشيخ راجح متوليها، وكان الشيخ راجح يومئذٍ في بيته بلاد ضوران.
ووصل كتاب من قاسم صاحب شهارة إلى أحمد بن حسن يذكر فيه أنه غير[125/ب] كامل لشروط الإمامة، وغير صالح للزعامة، واحتج عليه بأنه دعا إلى الرضا، وأنه لم يرض به، وكان قد خطب القاضي أحمد بن أبي الرجال بمنبر صنعاء لأحمد بن الحسن بأنه دعا الرضا وهو الرضا مع أن قاسم بن المؤيد أيضاً كانت دعوته إلى الرضا ولكن هو عند نفسه الرضا، والله تعالى يقول: {فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى } وأحمدبن الحسن أجاب عليه بأن الأولى الاجتماع، وذكر ما قد سبق من دعوته بحضور جماعة من العلماء والأعيان والأتباع، وما أحسن قول المتنبي حيث يقول:
ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة
بين الرجال ولو كانوا ذوي رحم
وقال أيضاً:
ما كل من رام المعالي ناقداً
فيها ولا كل الرجال فحول
وحسين بن المتوكل إسماعيل بن القاسم بضوران، فصرف فيما عنده من الخزانة وأعطى منها جماعة، وتغير بسبب ذلك خاطر صنوه محمد بن الإمام؛ لكونه الوصي والمسند إليه في الخزانة الكلام، وخزائن الإمام مفرقة في ضوران وصنعاء والسودة وشهارة، بحيث أن منها ما أخذه بعض من يتعلق بهم على كثرتها، فإنه أخذ الفقيه حسين الجملولي صندوقاً ذهباً وهو نسب ابن الإمام ومن أصهاره، ولما حازه في يده وفرح بأخذه سرق عليه من يده، وهكذا أرزاق الحرام ممحوقة، كما قال الله تعالى :{يَمْحَقُ الله الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ } ووصلت كتب صاحب حجة[126/أ] السيد علي بن الحسين بن جحاف إلى أحمد بن الحسن، وأرسل له بدفعة وأرسل ببعضها إلى قاسم بن المؤيد يتقي بذلك أمره.
وخرب في هذا الشهر بيت بصنعاء قريب مسجد عقيل، فهلك فيه أهله قدر أربعة أنفس، وخرب بيت آخر في بير العزب من بيوت اليهود فهلك فيه أهله، ومن جملتهم معلمهم في التوراة.
وفي ضوران خرب بيت على سبعة أنفار، فهلكوا جميعهم، وخرب من البيوت والحدرات كثير لقوة المطر الذي وقع في الرابع الأول، ورخصت أكثر المجلوبات مثل السمن والغنم وغيرها، فلله الحمد.
وأجاب قاسم مع بلاد الأهنوم بلاد وادعة والشرف وظفير حجة وعفار وظليمة إجابة غير كاملة سوى الأهنوم فإنهم مخلصون، واشتبه على كثير من الناس أمرهم وتفرقهم، وكل منهم توقف على البلاد التي أجابته، وتصرف في الأوامر والنواهي بالاستقلال، يدَّعي الإمامة، ونفوذ الكلام والزعامة.
[126/ب] واتفق أن غريباً من الذين يطلبون الصدقة أنشأ معه مديحة يقول فيه:
وأما قاسم بشهارة قد نشر
وأحمد حسن تعب من ذاك الخبر
فأعجب حيث لم تنطق العامة إلا بذلك، مما يتعجب منه، فلله الأمر من قبل ومن بعد.
وسار محمد بن المتوكل إلى جهة ذمار يريد الإصلاح فيما بين حسين بن حسن وبين وصنوه أحمد بن الحسن، وأنه يدخل في البيعة فاتفقوا في مَنْقَذة ورجع حسين إلى بلاده رداع، ولم يسعد في البيعة، إلا أنه قال: لا يحصل منه خلل بل يسكن في بلاده. ومحمد بن المتوكل سار ضوران، ثم عاد صنعاء.
وأرسل أحمد بن الحسن يحيى بن الحاج أحمد إلى شهارة، حضرة قاسم بن المؤيد الداعي بها، يخوض في أمره، ويصلح شأنه، ويحيى بن حسين بن المؤيد وصل كتابه إلى أحمد بن الحسن صدره من عيان، ورجع من صعدة.
وجاء الخبر بأن السيد يحيى بن إبراهيم بن جحاف وصل الجمعة برسم قاسم والدعاء له، وكان في الجمعة الأولى متوقفاً عنها، إلا أنه لم يطلع إلى شهارة.
ولما وصل الحاج العلامة يحيى بن أحمد الأسدي إلى حضرة أحمد بن الحسن يقال: أنه كان رسولاً من قاسم، أو مريداً للصلح، وطلب المناظرة، فأجاب عليه أحمد بن الحسن بجواب وعاد إليه للمخابرة والمصالحة، وطوى ذكر المناظرة.
وعلى الجملة[127/أ] أن أحوال الناس صارت مضطربة، وأقوالهم مختلفة، هذا محمد بن الإمام بعد المبايعة يضطرب كلامه، وهذا محمد بن أحمد كذلك، والسيد حسين بن صلاح ، والفقيه حسين بن يحيى حنش بايعوا بعد أن كان امتنعوا أولاً، قيل: إنها بيعة اضطرار لقاسم بن الإمام، وقيل: لم يبايعوا وأنه عذرهم عنها، وإنما دخلوا تحت أمره ونهيه اضطراراً، والسيد يحيى بن أحمد الشرفي وصل جوابه من الشرف بإجابة دعوة قاسم من جملة تلك الجهة، وكذلك أحمد بن المتوكل لم يبايع، غير أنه دخل تحت الأمر اضطراراً.
وجاء كتاب من أحمد بن المؤيد ويذكر أنه أجاب إلى أخيه القاسم، وكذلك رتبة ضوران وبلاد الشَرَف والأَهْنُوم وسُفْيان والعُصَيْمَات ووادَعَة وحَجَة وظُلَيْمَة وسادة حبور، والسيد يحيى بن أحمد الشرفي، وأنه الخطيب يوم الجمعة بشهارة، وحث الناس على المناصرة لقاسم.
وحصلت فرقة بين بلاد خِيَار فيما بينهم على سبب سوق الدبا من الجراد، لما أحله بعضهم إلى أموال البعض، فاقتتلوا راح من الفريقين تسعة أنفار.
والحرب الذي جرى فيما بين السيد حسن بن محمد بن أحمد المؤيدي في العُدَين راح فيه سبعة أنفار من الجانبين[127/ب]، ويحيى بن حسين خرج من صَعْدة مطروداً، قيل: نفره علي بن أحمد عنها؛ لأجل أن منازعة حصلت منه له فيها، وقيل: خرج بنفسه؛ لما رأى ما جرى فيها من الإنتهاب، وركة الأمر والنهي لصاحبها، وكان قد طلب إلى حضرة علي بن أحمد على وجه القهر بجماعة عسكر، فخرج هارباً على مشقة نالته من ذلك الأمر، وإنما تنجى ببعض قبائل آل عَمَّار، وكان يريد علي بن أحمد البيعة منه في القيام الجديد، فأباها يحيى بن حسين، فهذا سبب خروجه عنها.
وعلى الجملة أن حال هذه الدعوات المنازعة المنهي عنها والتفرق الذي هو عين الاختلاف، ودرجهم فيما بينهم متقاربة بعد تعذر الاجتهاد معهم، فلو أنهم جمعوا كلمتهم على أحدهم وسلم الناس من الفتن، وإن حصل النقص بالمنصب الكامل الشروط، فأما إذا[128/أ] أصروا على هذا النزاع والاختلاف وشبوا الفتنة فيما بينهم فيا لها من مصيبة عليهم وعلى المسلمين، نعوذ بالله من ذلك. وبعد ذلك أمورهم إن الفتنة استمرت بينهم إلى نقص وخلل عليهم وتقوية لخروجها عنهم إلى غيرهم، وقد يطمع فيها غيرهم.
وسارت كتب محمد بن علي الغرباني الذي سكن برط يدعو الناس إليه، ويخبر أنه قد دعا إلى نفسه وتلقب بالمهدي، فكان المتلقب بالمهدي هو وأحمد بن الحسن، اتفقا في عصر واحد بهذا اللقب.
وممن لقب المنصور علي بن أحمد وقاسم، وتلقب أحمد المؤيدي بالهادي، وكذلك حسين بن حسن تلقب بالواثق، شل لك يا شلال، ولم يتفق ذلك قبلهم لأحد، وجاء في كتب صاحب صعدة أحمد بن إبراهيم المؤيدي في كتبه بالآية، وهي قوله تعالى: {يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ ........... وَمَنْ لاَ يُجِبْ دَاعِي الله فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ}، وهذه الآية إنما هي في النبي÷، وليست لغيره من سائر الناس، فهذا تحريف لكتاب الله.
[128/ب] وفي يوم الأحد ثامن وعشرين شهر جمادى الآخرة وصل جواب أحمد بن الحسن من قاسم بن المؤيد، الذي سار مع يحيى بن الحاج ، فيه محاججة على مساوي، وعتب على ما جرى من المبايعة، وثلب لمن بايع أحمد بن الحسن من السادة والقضاة وسائر المبايعين من الملازمين، فتغير أحمد بن الحسن[129/أ] من كلامه وخطابه.
وحسن بن الإمام خرج عن رازح إلى تهامة، لا لموجب بل حصل معه فشل وجبن كثير، وإلا فإنه قد صار في قلعة حصينة رأس جبل رازح، بين السحاب والعسكر، وأهل البلاد بين يديه، والمخازين معه مملؤة من الحبوب وغيرها، وعلي بن أحمد بعيد عنها، فترجح له انسل عنها من غير محاصرة له ولا حرب، ونزل تهامة إلى أبي عريش، فلما بلغ علي بن أحمد ذلك فرح بها، وأرسل ولده إليها، وقبضوا ما فيها ونهب العسكر أثاثه وحوائجه، وتصرفوا في قصره وخزانته، واستولى على بلاد رازح جميعها.
وكان بهذا الأمر عاقبته إلى الحرب فيما بينهم، ويكون حدوده حدود الحروب التي جرت فيما بين الإمام القاسم وبين محمد باشا؛ لأنه كان إلى الإمام القاسم إلى حدود عفار، فكانت الحروب في أطراف هذه البلاد، وفي خمر ووادعة، فالله يكفي المسلمين شر مضلات الفتن، ولله قول الشاعر حيث يقول:
دع المقادير تجري في أعنتها
واصبر فليس لها صبر على حالِ
ما بين نومة عين وانتباهتها
يحول الدهر من حال إلى حالِ
يوماً تراك خسيس الحال ترفعه
إلى السماء ويوماً تخفض العالِ
وقول الآخر :
ما اختلف الليل وما دار النهار وما
دارت نجوم السماء في الفلك
إلا لنقل النعيم من ملك
إذا انقضى ملكه إلى ملك
والسيد أحمد بن إبراهيم تحول من بلده إلى قُرَاظ؛ لأن الناس مال أكثرهم[129/ب] إلى علي بن أحمد في جهات صعدة، وفرغت له تلك البلاد قاطبة، وانفرد فيها أمره ونهيه:
هذا على ناقوسه
وهذا على جبل يصيح
كل يصحح دينه
يا ليت شعري ما الصحيح
وما هي إلا نيات أهوية، وحالات غير مرضية، قد بنوا على ارتكاب ما نهى الله عنه من التنازع والاختلاف، وترك النظر في التسكين والإنصاف.
ووصل السيد حسن بن محمد بن أحمد بن الإمام محسن المؤيدي من العدين، لما نزلت ولاية أحمد بن حسن لجعفر الجرموزي وتوليته، وأبقاه على حالته، وكان ظن حسن أنها تنتقل إليه.
وبلغت الإجابة لقاسم إلى عمران وإلى ذيبين، فكان أول تحريك أن أرسل أحمد بن الحسن فقيهاً وأمره بالخطبة في بلاد ذيبين، فلم يحضر الجمعة أهل البلاد، وقالوا: في أعناقهم بيعة قاسم بن الإمام.
وفي يوم الثلاثاء سلخ شهر جمادى الآخرة منها دخل محمد بن أحمد بن الحسين إلى دار أحمد بن الحسن لموعد بينهما في طلب[130/أ] ولاية، فتأخر الأذن له في درج داره، فخرج المذكور وطلع بيت رَدَمْ ولحقه أصحابه، ثم إن أحمد بن الحسن لحق له للعود، وكان وعده في الولاية، ويقول: لا ينبغي في ذلك العجلة، لرفع التهمة بالبيعة، فإنه قد يقال كانت في مقابل زيادة ولاية، ولئلا يناظر غيره.
والأمور عجيبة فإنه كغيره ممن شرطها في دعوة الإمام المتوكل الأيام السابقة، وهو من جملتهم والله يصلح المسلمين، قال بعض من سمع من خواصه: أن سبب هذا منه أنه لما كان قد طلب من أحمد بن الحسن زيادة ولاية على بلاده الأولة، وأن أحمد بن الحسن كان وعده ثم طال مطله، وكان وصل عند ذلك جواب من قاسم بن المؤيد بأنه قد ولاه بلاد أبيه جميعاً، عرضه على أحمد بن الحسن ظاناً نجاز الوعد، وأن هذا الكتاب محركاً له في ذلك الأمر، فعاود لذلك، ثم حصل من صاحب الباب الداخلي صاحب الحجرة والدرجة التحيير له في بابه لاستئذانه، فكان سبباً في إزعاجه.
والحسن بن المتوكل بايع للمهدي أحمد بن الحسن وبنى على الوصول إلى حضرته، فلما وصل قريب الصلبة لقاه أولاد النقيب سعيد المجزبي بخط بأيديهم من المهدي إليه أن يرد لهم ما أخذه من مراكب والدهم التي أخذها عليهم، فتحامق من ذلك، وقال: هذا أول فائدة من المهدي يقصد قاسم صاحب شهارة ترك بيعة هذا، فسار إلى شهارة، وبايع القاسم ثانياً بعد البيعة الأولة التي لأحمد بن الحسن، ثم نزل إلى حبور، ثم أمره قاسم بالعزم إلى حصن مبين بحجة ليكون رداً للرتبة الذي أرسلهم إلى الصلبة، فسار إليه.
وظهرت دبا واسعة حتى دخلت من داير صنعاء من سوائل نقم، وطلعت إلى سطوح البيوت في القطيع، ودخلت قصر صنعاء[130/ب] وانتشرت في كثير من الجهات اليمانية في بلاد الظاهر والجوف في بلاد صنعاء وبلاد الحيمة والعرشي وبني مطر وسائر الجهات، وشرعت في أكل الزراعة، فضرت مع كثرتها، فلله الأمر، والجراد الكثيرة التي انتشرت في الأغلب تكون للفتن المنفتحة.
وأحمد بن حسن ومحمد بن أحمد اجتمعوا على بعث السياق إلى خمر، ليكون موضع المطرح على شهارة، إما أن قاسم يسلم الأمر وإلا فتحوا الحرب، وأحمد بن محمد كان جواب أحمد بن حسن على مطلبه بأنه لا تولية هذه الساعة غير ما معه من ولاية حضور من أول، إلا أنه يعُد لعسكره كل شهر من جملة أصحابه، ثم إنه جعل له بلاد حفاش ومِلْحَان ، وكان واليها قد مال إلى قاسم بن المؤيد، فهرب عنها، والله أعلم ما يتم منها. وحمل جميع ما قد جمع إلى قاسم، وأما والي حفاش فوصل إلى صنعاء.
وأولاد حسن بن الإمام وصل بهم من صعدة عبد الله بن أحمد وأدخلهم شهارة، وخلصت الشام لعلي بن أحمد:
خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقري
ويقال: إن حسن بن الإمام بلغ إلى كمران وهو حيران، فلله الأمر من قبل ومن بعد[131/أ] مع أن علي بن أحمد يده ضعيفة في بلاد الشام؛ لأنه إنما صار يراشي القبائل، ويستعين بهم على هذه الأفعال والعمايل، ولم تكن له قوة قاهرة عليهم، ولذلك حصل النهب في صعدة منهم، وكل ذلك في صحايفه والمشارك فيما ينشأ، لا هو ضبط البلاد، ولا هو خلاَّها لغيره من الولاة يصلحها ويزيل عنها الفساد. وزاد مع ذلك ادعى أنه إمام، فتضرر كثير من المتسببين والتجار الذين بصعدة من دولته، وإنما مال إليه وأحبه في الغالب المفسدون المتمردون من أهل جهته، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وفي غرة شهر رجب منها غزا السيد محمد الغرباني الداعي ببرط إلى سفال الجوف، فوقع المدافعة لهم وقتل جماعة من برط وانهزم أصحاب السيد ولزم منهم ملازيم، ودفع الله شرهم، والسيد هرب معهم ورجع بخفي حنين، لم يظفر بما قصده.
[131/ب]والجراد عمت بلاد القبلة وشهارة وأكلت زروعها جميعاً في سفيان والأهنوم ووادعة، فخيب الله أمل أهل شهارة في جمع الثمرة فيها، وتوجهت الجراد بعد ذلك إلى ظليمة وعذر وما إليها، ثم سارت منها إلى بلاد الشرف وعفار وحجة، ثم إلى لاعة، ثم حراز والحيمة وبلاد عتمة وآنس وضوران والسحول باليمن الأسفل، وانعطفت راجعة إلى بلاد ذمار، ثم إلى بلاد رداع، ودخلت المشرق، فلم تبق هذه الجراد في جميع هذه البلاد إلا اليسير، بحيث أكلت طفلاً، فطلع السعر في جميع هذه البلاد النصف في الزيادة على ما كان قبل مرورها: الشعير إلى خمسين والذرة إلى حرفين والبر إلى مائة بقشة وأكثر، وسلّم الله بلاد صنعاء، فتمت الثمرة، وحصدت قبل مرورها، إلا أن السعر ارتفع فيها كغيرها، وقد كان في الثمرة تجهز عظيم قربة الصراب، بحيث أن من كان معه من الحب من العام شاطه بأبخس الأثمان، وأقرضه لتفريغ المدافن والمخازن للثمرة الجديد، ثم انتشرت هذه الجراد، فندموا غاية الندم. وسائر الدبا في الجهات أكل جانباً وما قد احتمل، وأهل ذمار وفدوا إلى صنعاء بغنم باعوها واشتروا بها طعاماً، ولم يعهد أن أهل ذمار يشترون من صنعاء الطعام أصلاً، بل العكس في الرخص له وحين يغلا وينقص على صنعاء أسعاره في أكثر أوقاته، ولله الحكمة في صنعه وأحكامه.
وفي يوم الخميس سابع عشر شهر رجب[132/أ] خرج أحمد بن الحسن من صنعاء إلى الغراس، مظهراً للغضب على قاسم ابن الإمام ومن إليه من الناس، وعاتباً على من لم يقل بإمامته، وذكر لهم اجتهاده في العلم، فلا يعتقدون أنه على طريق الحسبة في إمرته، لما رأى في بعض الجوابات التي أرسل بها قاسم إليه ممن حضر حضرته، وأن في بعضها أنهم نظروا في قيام المذكور من باب الصلاحية على جهة الحسبة وجمع كلمة المسلمين.والمذكور إذا وردت عليه الفتاوى لا يجيب في شيء منها بل يتركها أو يحيلها على من يجيب فيها ثم يضع علامته عليها، وقد يجيب في شيء منها كيف اتفق الجواب. والقاسم بن المؤيد وصل إليه بعض الفقهاء من جهات صعدة لخبرته والنظر في معرفته، فلم يجد عنده في الأصول معرفة، ولا قدر يجيب عليه فيه بالحقيقة، بل وهم في مسألة العموم، وقال: إنه قطعي، ولم يظهر عنده التفاصيل فرجع المذكور هو وآخر معه وامتنعوا من بيعته وقالوا: (تسمع بالمعيدي خير من أن تراه)، والظاهر أن بعد قيام هذه الدعوات لا تنحسم إلا بحكم قاهر[132/ب] للخصمين، وإنما ينبغي السعي للمعترفين في الصلح إن علم أنهم يدخلون فيه أو ظن وإلا فالترك لذلك أولى، ولا يجب غيره لمن عرف بتفرق الأهواء. ألا ترى أن أحكام الشريعة لا تتم إلا بيد منفذة لها، وهي الدرجة العلياء! فكيف ولا يد منفذة هناك وإنما هي فرقة! ولذلك أن التحكيم الذي حصل بين علي ومعاوية بعد الفرقة لم يتم له، وبطل أمره، وغيره قد جرى مع الأئمة، فإنهم يتناظرون ولا يرجعون في الغالب إلى ترك ما يطلبون،ومنهم من يرجع ببذل شيء من الدنيا.
وقد طلب قاسم بن المؤيد المناظرة أولاً والتحكيم، وينفذ تمامه بعد الفرقة والمراكزة، إلا أن يحصل مع أحدهم غلبة وقهر له أو بذل لما يطلبه.