ومنها: أن الخيار للمشتري مدة معلومة، إذا انتفع به في مدة الخيار يكون من الربا الحرام، وهذا خلاف الإجماع. ومنها: أن الغروس التي يغرسها الأجير يملكها صاحب الأرض، يعني إذا كان لا بأمر من المالك بل الأجير غرسها في مال صاحب الأرض، وهذا خلاف الإجماع.
ومنها: أن الكلا لا يمنع طالبه من ملك الغير على وجه لا يضر، وهو خلاف الإجماع.
ومنها: أمره لولاته وحكامه وقضاته بإرجاع الزوجة إذا طلقها الزوج ثلاثاً بلفظ واحد متتابعا، وإن كان مذهبه التحريم أمره بإرجاعها، وهذا خلاف الإجماع؛ لأن الملتزم للمذهب لا يجوز له الإنتقال عنه.
ومنها: أن المشتري إذا اشترى لنفسه في عقد الشراء وكانوا شركاء قبل القسمة أنه يكون المشتري للجميع من الشركاء، وهذا خلاف الإجماع، فإنه لمن وقع العقد له وعليه إن استهلكه في الثمن على الشركاء غرامة مثله فقط[117/ب].
ومكن أولاده في الولايات، وأجاز لهم التصرفات، فأحمد بشهارة وبلادها جميعاً، وحسن برازح وتهامة، ومحمد بصنعاء، وعلي باليمن الأسفل، وحسين بحضرته متولياً لبلاد آنس، متصرفاً بما شاء.
وذكر في وصية له لأولاده ما لفظه: (وأوصيكم أيها الأولاد ذكركم وأنثاكم وسائر قرابتي، وسائر بني هاشم أن تجتنبوا الزكاة ولا تأكلوا منها شيئاً، ولو أكلتم الشجر فإن الذي خلقكم هو الذي يرزقكم، ولا تفعلوا كما يفعل كثير من الناس من التمسك بالشبه في ذلك. وابتغوا من فضل الله ولا يحملكم التقيد بالسكون في البيوت على ذلك، فاطلبوا الرزق من فضل الله، وتنقلوا ولا تتخذوا السؤال حرفة، فبئست الحرفة هي، وإنها معينة على الفقر، ولكن اطلبوا الرزق الحلال بإحياء الأموال، وإن أمكن أن تجعلوا لكم نواباً في البيع والشراء فهو حسن نافع، وإن لم يكن إلا بأنفسكم فافعلوا، فلأن يؤجِّر أحدكم نفسه خيرٌ له من أن يأكل الحرام). انتهى ما ذكره المتوكل.
وكلامه صدق وحق لا شك فيه، وكان في نفسه لا يأكل الزكاة، يقتصر بخاصته على تجنبها مما[118/أ] يصل إليه من النذور والهدايا ومستغلات الصوافي، وكانت حالته في ذلك حسنة، إلا أنه لو كملها بالعدل باليمن الأسفل في مطالبه وجور ولاته الجور المفرط، وأزال عنه الشبهة في تكفيرهم بالجبر والتشبيه الذي لا يقولون به ولا يلتزمونه، لكان كاملاً بأوصاف الخيرات جامعاً للأحوال السنيات، لكنه قصر في النظر، وقلد في الأصول والأثر، ولم يعرف بحقائق أقوال أهل الخلاف وتفاصيل محققي علماء السنة، ليعرف بذلك أقوالهم البينة، كما عرفه غيره من الأئمة، والله أعلم.
وله وصية أخرى ذكر فيها أن كتبه على كثرتها كان وقفها وصية، ثم رجع عنها، ثم رجع إلى أنها للمصالح، وأوصى بأن جميع ما في مخازين بيت المال لبيت المال من النقد والسلاح والخيل والعبيد، إلا ما هو يختص به لنفسه، وقد بينه، ولولا طول وصيته هذه لذكرتها هنا، وفيها شهادة السيد محمد بن صلاح الجحافي وعز الدين القاصر والوصي ولده محمد، تاريخها جمادى الأخرى سنة 1087هـ. ومحمد بن المتوكل قسم كتب والده بين ورثته من فيها رسم والده، والباقي بقت تحت يده لبيت المال.
وفي وصية أخرى لولده محمد بن أمير المؤمنين لما ولاَّه بلاد ضوران ما لفظه: (واترك الإكثار من المتعلقين الذين همهم الدنيا، ويكفيك القيام بأهل الحصين، فإنهم عدة إن شاء الله، واستصلحهم بالرغبة والرهبة، وأحبب حبيبك هوناً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، فلعل الحبيب لا يدوم حبه وما أكثر ذلك فيمن محبته لأجل الدنيا، ولعل البغيض يكون حبيباً، وما أكثر فيمن كان بغضه لأجل الدنيا، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وأكثر من ذكر الله).
وفي وصية أخرى له إلى أولاده يقول فيها ما لفظه: (وأوصيهم بإصلاح ذات البين، فإنه أفضل من عامة الصلاة والصيام، كما جاء بذلك الأثر، قال الله تعالى:{فَاتَّقُوا الله وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ } ولا يتم ذلك إلا بالاحتمال والصبر، والتغاضي من كثير والعفو، والله يأخذ بنواصيهم ويتولى إعانتهم)، آمين.
[118/ب] وكانت هذه الأعوام التي قد مضت في أكثر زمانه من الشدة العظيمة وشح الأمطار، وغلاء الأسعار، تصديقاً لحديث الصحيحين عنه÷ إنه قال: ((لا توكي فيوكى عليك )).
وكانت قد جارت ولاته في اليمن الأسفل الجور العظيم، والبلاء الذي نالهم الجسيم مثل بلاد العدين وبلاد بُرع وبلاد تعز وجبل صبر ، بحيث فقر منهم جماعات كثيرة، ورحل منهم من رحل إلى الجهات النائية البعيدة، ولم يرعوي المذكور لشكوى الشاكين، ولا رحمهم وتعطف عليهم بحيث بقوا للشكوى سنين.
وفي الحديث عنه÷ كما في أبي داود: ((ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء))[119/أ] وكان لو أنه لم يرض بما زاده الولاة في هذه الجهة من الزيادات، وأمرهم على ما كان من المقررات والعادات، لكان فيه العدل التام، والسلامة من الآثام.
ولما عرف حاله الولاة باستراحته بالتوفير في الدفعات، جاروا على الرعايا في المطالبات، وفرضوا الزيادات، ولفقوا فيها التلفيقات وساعدهم فيما يذكرونه من الزيادات، فحصل بسببه الجور من هذا الباب. ولقد حكى من يعرف زمن الأتراك أنه عرض رجل من أهل سوق صنعاء على سنان باشا زيادة بالنصف على الأسواق فقال له سنان: من أين هذه الزيادة تجيء بها، إنما تكون من ظلم الرقاب وأمر بحبسه وتأديبه، والله يتجاوز عنه ويرحمه.
ولما وصل خبر وفاته إلى صنعاء، وكان قد أمر أولاده بالتهيؤ إلى الحادث الذي حدث بصعدة وتلك البلاد الأقصى، والناس غير راغبين إلى السفر لما نالهم من التقصيرات فيما مر من الملازمين، فضلاً عن القاصين، سكنت تلك الأمور وقرت، واشتغل بغيرها، فكان من محمد ابن الإمام أنه كتب إلى أحمد بن الحسن تعزية وذكر له أنه يصلح دخوله صنعاء للخوض فيمن يصلح للمسلمين، وما يكون عليه[119/ب] البناء هذا الحين، فالله يصلح أمور المسلمين، ويختار لهم ما فيه الخير، فإنهم إن اجتمعوا على الصلاح ولم يتبعوا هوى أنفسهم ومحبة الرياسة وآثروا صلاح المسلمين كما هو الواجب عليهم صلحت الأمور لهم وللناس، وإن تفرقوا وتنازعوا كان الأمر كما قال الله تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا } وكان الضرر والفساد عليهم وعلى المسلمين، والله يتداركهم إلى صلاح ذات البين.
وكان قبره في رأس جبل ضوران، وكان المذكور كثير التشديد في التكفير بالإلزام في مسائل أصول الدين، وشبهته في عدم إنصاف المظلومين من أهل اليمن الأسفل هو هذا، مع أنهم لا يلتزمون ما ألزمهم، ولا يقول أحد من أهل السنة بالجبر والتشبيه[120/أ] بالجملة في جميع كتبهم، يعرف ذلك، من عرف منهم، وقد روجع بمثل ذلك فلم يرجع. وكانت جواباته كلها بمحل النزاع، كما ذكرناه فيما سبق، في جواب السيد العارف أحمد بن علي الشامي ، وفي جوابه للقاضي عبد القادر المحيرسي ، وقد أجبنا على أقواله وعارضناها بالأدلة، ولكن لما عرفنا عدم قبوله بها لم نراجعه فيها، وطوينا خافيها وباديها. وكان في زمانه قد أهدى إلى صاحب الهند نسخة التهذيب في التفسير للحاكم المحسن بن كرامة المعتزلي، وهو في قدر ثمانية أجزاء، يريد يدعوه إلى مذهب الاعتزال، فأرسل إلى المتوكل هدية إليه بتفسير ابن الخطيب الرازي في عشرين جزءاً؛ لأن فيه الردود على المعتزلة ومناقضة أقوالهم.
وكان يوم ثانيها وهو يوم الأحد، وطلب أحمد بن الحسن قضاة صنعاء، ومحمد بن أحمد صاحب الروضة، ومحمد بن الإمام، وأحمد بن محمد ، فساروا الجميع، وكان مضمون طلب المذكور لمن ذكر أنهم يحضرون للنظر فيمن يقوم بهذا الأمر، وكان محمد بن الإمام قد ذكر إليه في كتاب التعزية أنه يدخل صنعاء، ويجتمع هو وإياه وسائر القضاة والأشراف للنظر فيمن يصلح لهذا الأمر، ويقوم بأمانة أهل العصر، فكان جواب أحمد بن الحسن بأن الاجتماع يكون بالغراس، وأنه يصل إليه وكافة القضاة وأعيان الناس، فخرج المذكور إلى الغراس وكافة القضاة والأشراف مثل القاضي علي بن جابر الهبل قاضي صنعاء، والقاضي محمد بن علي العنسي، والقاضي محمد بن علي قيس الثلائي ، وهو كان غير راض، لكنه لزمه المحضر، فكان قريب القهر، والقاضي أحمد بن صالح بن أبي الرجال ، والسيد غوث الدين بن يحيى، والسيد عبد الله الكبسي ، هؤلاء أعيان علماء الوقت في صنعاء، وانضم إليهم القاضي عبد الواسع قاضي أحمد بن الحسن، فكان المجلس الأول في الحضرة العامة النظر فيمن يصلح للمسلمين[121/أ ويقوم بأمرهم في هذا الحين، فأوجم الحاضرون، ثم تكلم فيهم السيد عبد الله الكبسي بأن أولى قائم أحمد بن الحسن، بعد أن تكلم أولاً محمد بن الإمام، وكان كلامه أن أمر الإمامة عظيم لا يدخله إلا من علم نفسه الكمال، وأن هذا -يريد أحمد بن الحسن- الأكبر سناً، من علم أنه يصلح نصبه اتبعناه، وإن علم من نفسه الكمال نصبناه وقدمناه، ثم تكلم الحسن بن الحاج أحمد الأسدي من بيت أحسابة ومن أعوانه فقال: لا يصلح لها غير أحمد بن الحسن، لأنه المجرب للأمور وله الصيت في البلاد النائية كما هو مشهور وبه مذكور، وتكلم محمد بن أحمد بن القاسم فقال: قد تقدم صنوه علي بن أحمد في جهات الشام، ولا ينبغي العجلة حتى يجتمع الكلام ولا تكون كبيعة أبي بكر فلتة، فتغير أحمد بن الحسن من قوله، وقال:
إنما حمل الإمام المتوكل على دعوته انتصاب والدك أحمد بن القاسم، وإلا فكان تاركاً لذلك حتى يحصل الاجتماع، فعند ذلك انصرم[121/ب] المجلس الأول على هذا لا غيره.
ثم إنه جعل لهم مجلساً خاصاً لمحمد بن الإمام، ومحمد بن أحمد، وأحمد بن محمد، والقضاة، وأبرموا الأمر على العقد لأحمد بن الحسن بشرط عدم قيام أصلح منه وأعلم، فإن قام من هو كامل الشروط تنحى له، وعرق الشجرة إذا قد غرس لم يمكن نزعه إلا بتعب، ثم بايعوا الجميع، وكان أول مبايع لأحمد بن الحسن محمد بن الإمام، بذلك الشرط والكلام، ثم محمد بن أحمد، ثم القاضي محمد بن علي العنسي، ثم سائر القضاة من الحاضرين، فمنهم من شرط الشرط، ومنهم من لم يشرط، وأما القاضي أحمد بن صالح أبي الرجال فإنه اعتقد إمامته، قال أنه يقول بإمامة المقلد، وخطب أول جمعة له وقال: هو الرضا، وبعض من راجعه أجاب عليه بأن المتوكل إسماعيل كان مقلداً، وأن الاجتهاد قد تعذر، ثم خرج بعد ذلك إلى الديوان العام، بايعه سائر أصحابه من العسكر ومن عنده له الإحسان والإنعام، وكتب الولايات لمحمد بن الإمام وغيره من أقاربه وسائر ولاته وإلى صنوه[122/أ] حسين بن الحسن، وكتب إلى سائر أولاد إخوته بشهارة وإلى علي بن أحمد صاحب صعدة وإلى حسن بن الإمام صاحب جبل رازح وصاحب كوكبان .
وكانت هذه البيعة عشية الأحد سابع شهر جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين بعد العشاء ليلة الإثنين، والطالع الحمل، وسرير الملك الجدي، خال عن النحوس في وسط السماء، والمريخ وزحل كانت في الثور بوطنه، ومسكنه الغراس بحارة قلعة حصن ذمرمر.
وفي هذه الأيام استمرت الأمطار الغزيرة المتصلة في فصل الخريف، وعمت جميع اليمن، وأقبلت الزرائع، واخضرت البلاد والبقائع، إلا أن الجراد أخذتها، ولم تتم ثمرتها كما تأتي، ولو تمت لبلغ السعر إلى خمسة عشر بقشة، لصلاحها وقوة تحملها.
وصاحب كوكبان كان حال بلوغه الخبر في شبام، ثم أمر حال وصول الخبر بالطلوع إلى قلعة كوكبان بأهله وخزانته وخاصته، وكان شرعت صنعاء تقلق ظناً أن محمد بن الإمام يبايع، وأنه إذا بويع له يحصل ما يحصل من أحمد بن الحسن[122/ب]، فحصل المعقول من محمد بن الإمام، بعد أن كان طلبه للبيعة من يريد التفريق بين المسلمين والعجلة وإثارة الفتنة، فوقى الله شر ذلك، وسكنت الأمور في هذا الوقت ببلاد صنعاء، والله أعلم ما يكون من أهل شهارة وصعدة.
وأرسل محمد بن الإمام للحيمة وغيرهم، فأخروا الوصول لحضورهم وقالوا: لا يكون إلا عند معرفة من يستقر لهذه الأمور، ويتفق عليه الجمهور، ومما شرطه في البيعة القاضي محمد بن علي قيس الثلائي القرب من الناس، وترك الاحتجاب والإيناس، وتسليم الديون اللازمة في المشتريات، وتقريب أهل الفضل وتبعيد غيرهم من الأجناس، وعزل الجَوَرة من الولاة في اليمن الأسفل، هذا ما بلغ به الخبر، ولم نحضر ذلك المقام، ولم نشاهد فيه الكلام.
وأكثر من بالغ في المبايعة الفقيه أحمد بن صالح بن أبي الرجال، وأعلن بالخطبة على المنبر بصنعاء والغراس، وكان هو أول من خطب وحرض، ولما انعقد هذا العقد اختلف الناس، فقال كثير من العامة والخاصة: أحمد بن حسن غير كامل لشروط الإمامة من العلم التام، وإنما هذا ملك وسلطنة، وبعضهم يقول: هذا صحيح، إلا أنه نصب للمصلحة لجمع الكلمة وتسكين الدهماء والفتنة؛ لأنه إذا قام غيره حصلت الفتنة، لما بيده[123/أ] من العساكر والخزائن، والنظر في المصالح ودرء المفاسد أمر مهم، مع أن سائر المترشحين لها من السادات الغالب عليهم أيضاً عدم كمال شروطها، فكان هذا الرجل ترجيحه مع كبر سنه في آل القاسم أولى بها.
ومنهم من قال: هذا كله يجيء على قواعد أهل السنة، من ترجيح المصلحة مع خشية الفتنة، ولكن العقد عند أهل السنة لمجرد المصلحة غير معتبر، وإنما المصلحة إذا غلب وقهر، أو كان والياً وفي نزعه تقع ثائرة فتنة، فأما العقد ابتداءاً لمجرد المصلحة عندهم فلا يعتبر بها، بل قد قال في البحر: الإجماع على أنه لا يعقد له لمجرد المصلحة، ولكن هنا خشية ثائرة الفتنة حاصل، مع عقدها لغيره، وحصول مفسدة عظيمة وفتنة جسيمة، ودرء المفسدة أولى من جلب المصلحة، كما ذكره العلماء، فهو كنزعه عن التولية، ومنهم من قال: إنما هذا على قول من قال بإمامة المقلد، وقد قال به الدواري من المتأخرين، لكنه مسبوق بالإجماع على اشتراط الاجتهاد، ومن قال بجواب خُلوُّ الزمان عن المجتهد، كما هو قول بعض أهل السنة، فلم يجعلوا القيام عند تعذره قيام إمامة تامة، بل حسبة وملك وسلطنه، وظاهر أهل الزمان الأغلب أنهم في مقام التقليد، فالمقصود قيام أمثل مقلد ....... المنصب لجمع كلمتهم إن اجتمعوا.
وجاء في مختصر بعض المطالب من جفر الإمام أبي طالب ذكر أحمد بن الحسن بعد دولة الإمام إسماعيل. وخرج السيد علي بن حسين المسوري من صنعاء إلى خولان مباعداً نفسه وهارباً عن مبايعة أحمد بن الحسن[123/ب]. وخرج أيضاً خارج يقال له: السيد ناصر الدين من بلاد آنس وزعم أن الخل حرام، أن أصله الخمر، وأن البقول كالفجل والكراث حرام، وأن تقبيل اليد حرام، وغير ذلك من البدع في الإسلام، ولعله يعتقد دين الخوارج من إبطال سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فانتظم في جملة الدجالين الذين يحرمون ما أحل الله ويحلون ما حرم الله، ولكن لم يجبه أحد إلى دعواه، ولم يمل أحد من المسلمين إلى هواه، واضمحل أمره وزال خدعه.
وجاء الخبر بأن القاسم بن محمد المؤيد بالله ابن القاسم دعا إلى نفسه بشهارة، وأجابه الأهنوم وغيره من تلك البلاد.
وكذلك خبر آخر أن حسين بن حسن دعا إلى نفسه في بلاد ولايته بجهة رداع، فالأول أجابه الأهنوم وغالب أهل شهارة، ولم يجبه أحمد بن الإمام المتوكل،ولكن كانت الغلبة لقاسم، فلما طلبه البيعة[124/أ] امتنع منها وخط جانبه مجازاة له بما كان يصدر من عدم الرعايات لآل المؤيد من المذكور ولما كان يحصل من التقصيرات، وهكذا الأيام والليالي تأتيك بالغرائب المعجبات، والثاني بايعه أصحابه، وكتب كل إلى سائر الجهات الرسالات. وظاهر هذا إنما هو إمارة ورياسات، فأما كمال الإمامات فإن شروطها كالمنتفيات في جميع من ادعاها هذه الأوقات، والله يجمع كلمة المسلمين على واحد ويدفع التعصبات والتفرقات.
وكان عقد قاسم لبيعته بشهارة يوم الإثنين ثامن شهر جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وألف، وبايعه السيد يحيى بن أحمد الشرفي ، والسيد يحيى بن إبراهيم ، وصنوه إسماعيل بن جحاف الحبوري، وكذلك زاد لحق لما وصل إلى شهارة القاضي محمد بن علي قيس الثلائي، بعد أن كان بايع لأحمد بن الحسن، والسيد علي بن صلاح الضلعي العلوي صاحب ضلع الأشمور ، هؤلاء الذين بايعوا قاسم من الأعيان، ودعوا الناس إلى إجابته وتحريم مخالفته، وجعل السيد يحيى الشرفي بيعته في ورقة طويلة أطنب في مدحه وتزكيته ووصفه، حتى قال: إن موافقه سعيد ومقتدي، ومخالفه شقي وباغ،وكل ذلك منه وهو في بيته بالشرف، لم يصل إلى شهارة، بل مكاتبة، وقد هؤلاء إلى الآن أربعة دعاة مع علي المتقدم في الجهات الصعديات، والله أعلم بالزيادات، وما تنتهي إليه معهم الحالات، وهذا قد جرى كما جرى مع أولاد مطهر بن شرف الدين من الاختلافات، وعدم الإنصافات والاجتماعات، بل زاد هؤلاء عليهم بدعوى الإمامات[124/ب] فإنهم إنما بسطوا على ما تحت أيديهم من الجهات، وما لهم من الولايات، من غير دعا الإمامة إلى أنفسهم، فكانوا بهذا الاعتبار أَعْقَل من اللاحقين بهم، فإن الإمامة لا يدعيها إلا من أحرز نصاب الاجتهاد فيها، وإلا فليس ذلك إلا من قبيل السلطنة لمن غلب، والأمر كما قال صاحب الحماسة من قول المساور بن هند بن زهير ، من العرب، حيث يقول شعراً:
لما رأيتُ الناس هرَّوا فِتنةً
عَمْياءَ توقَّد نارُها وَتَسعَّرُ
وَتَشعَّبوا شُعَباً فكل جزيرةٍ
فيها أمير المؤمنين ومِنْبَرُ
[125/أ] وكان لقب أحمد بن الحسن المهدي، ولقب علي بن أحمد المنصور، ولقب حسين بن حسن الواثق، ولقب القاسم بن محمد بن المؤيد المنصور، فأعجب لهذا التفرق بينهم، وكان لو جمعوا قولهم على أحدهم بجمع أمرهم، لكان الأصلح لهم، وتكون حسنة معهم.