ومن عجائب الدنيا وكون الملك يعطيه الله من يشاء أنه كان مع الشيخ ابن مجزب قبل أن يهبه لشرف الإسلام حراثاً يلحق البقر وَيتْلِم المال، إن في ذلك لمعتبر.
وفي هذا الوقت أقبلت جراد من جهة الشام، فمرت بصنعاء وحضور والبون، وهبطت إلى جهات وادي سُرْدُد ، وتبعها جراد آخر وفي أذنابها مكتوب........ والله أعلم بحكمته.
وفي هذا الوقت مال بعض قبائل البَرَويَّة إلى محمد بن الإمام، وقالوا: إنهم يسوقون زكاتهم إلى قصر صنعاء، فجعل لهم خطاً مثلما قالوه، فتغير خاطر أحمد بن محمد ، وأرسل عسكر إلى بلدهم فوصلوا شكاة على محمد بن الإمام، فلم يسع محمد بن الإمام إلا ترك ما كان أهمَّ به، واعتذر بأنهم الذين طلبوا ذلك منه[91/ب]، وبعد ثمانية أيام وجاء أمر الإمام بأنهم يسوقون على العادة، وأن ما أُخذ من الأدب يرده العسكر لأهل البروية، فصالحهم أحمد بن محمد واستطاب نفوسهم، وأنهم يبقون على عادتهم، وجعل لهم الوفاء بما كان لهم وزيادة لمشائخهم، فلم تطب نفوسهم.
وفي العشر الآخرة من ربيع الأول وقع بين الحَدَا بعضهم البعض قتال بسبب فرقة على مرعى، فراح جماعة قتلاً قيل: سبعة أنفار.
وأعمال الحجرية سكنت، وأما الزَّريقة الذي الحذر منهم، فهربوا كما سبق.
وعلي بن الإمام وصل إلى يفرس بقي بعض الأيام، واتفق هو ومحمد بن أحمد، وعاد إلى تعز ثم إلى إب، ومحمد بن أحمد عاد إلى المنصورة.
وفي غرة شهر ربيع الآخر وصل حضرة الإمام بضوران خواجا هندي، أمير المراكب التي تصل من بندر سرات، ومعه من الخدم جماعات قدر خمسين نفراً، فوصل إلى الإمام وأعطاه هدية من البزوز الهندية، فأجازه فيها ثم وصل إلى أحمد بن الحسن وهو بالغراس، فدخل صنعاء المذكور في خمسين نفراً من الخدم، في هيئة غريبة، لم يعلم بمثلها في العصور القديمة، وهو أنه يسير في محمل يحمله أربعة رجال، ويسيرون به على الجنوب، عند دخوله صنعاء وخروجه إلى شعوب[92/ب]، وأهل صنعاء يتفرجون على هذه الحالة الغريبة العجيبة. وأهدى لأحمد بن الحسن أيضاً هدية، ولعل الحامل له على ذلك فترة الشراء في بندر المخا، كما يعتاد فيما مضى، فأراد إنفاق البضاعة على هذه الصفة، وإلا فإنه يخرج في المواسم الأولة إلى المخا، ويرجع بعد بيعه فيما مضى، ولما قيل له: كان الأولى لك عدم الإتعاب لهؤلاء الذين يحملونك، أجاب: بأنهم إنجريز كفار لم يسلموا فهم يستحقون ذلك، فلو أنهم أسلموا لما أتعبوا ولخليو.
ووصل عقب المذكور تركي إلى عند الإمام ومعه جماعة الخدم حول عشرين عبداً، وهو من الحبشة مهدية.
وأخبرني الشيخ العارف محمد كزبر الدمشقي، وهو ثقة من أهل العلم على مذهب الحنابلة وصل إلى صنعاء اليمن بحقيقة سفر السلطان وتجهيزه على الفرنج في العام الماضي، وما انتهى إليه أمره، فقال من لسانه وخطابه: أن هذه البلاد[93/أ] التي قصدها السلطان، وحصل فيها الخلاف في هذا الزمان في أطراف الروم شمالاً، وأنه ليس بجهات مالطة، فإن مالطة بعد استفتاح السلطان لها وعلى قلعتها في التاريخ السابق سنة تسع وسبعين وألف استمرت في مملكته، ولم يحصل بعد ذلك فيها خلل على عسكره ورتبه، وأن هذه بلاد أخرى مشرقة عن تلك الجهة المغربة.
قال: وكانت لهم قلعة مرتفعة فيها الأبنية المحكمة تسمى قلعة عمارية، فلما قصد إليها السلطان وعساكره وبواتره ومدافعه ومكاحله بقى السلطان رداً للعساكر قدر مسافة ثلاثة أيام، وتقدمت عساكره لقتال الفرنج الطغام، فاحاطوا بها جميع جهاتها وقتلوا من حولها، واحتفروا تحتها سراديب، وشحنوها[93/ب] من البارود كثيراً مما يحملها، ثم جعلوا فيه النار، فاحتملت القلعة بمن فهيا وقلبتهم من أعاليها، ودخلوها بالسيف قتلوا من بقى فيها، وأمر بخراب ما بقى منها، فخربوها جميعاً، وعاد السلطان إلى محله وتخت مملكته بالروم إلى اسطنبول ، وجعل في حدود تلك البلاد التي استفتحها سبعة من الباشات أمرهم بحفظ تلك الأطراف، وأنهم يلحقون من بقي من الفرنج إلى باب اسكندر ، ومهد البلاد وكسر شوكة الفرنج الكفرة بالسيف الباتر الحاد، وعباد الصليب والإلحاد. وكان رجوعه وعوده في شهر رجب من السنة الماضية، وهو الآن غير مشغول بشيء من الحروب في تلك الجهات النائية، وذكر المذكور أنه[94/أ] ربما كان بلغكم تجهيزه إلى اليمن العام الأول، وإنما شغله هذا الحادث من الخلاف من الفرنج، فالله أعلم ما يكون من الأمر في المستقبل.
وفي هذا الشهر توفي صلاح نصار في بلدة الظَّهْرَيْن من حجة، وكان تاجراً كبيراً وحصل معه التأثر والمرض والألم من حال انكسرت الجلبة عليه في البحر، وراح عليه من المال ما يقابل حول ثلاثين ألفاً من القروش، وما لحقه من الخسارة في صافي البن العام الماضي بسبب الهَجْوة وتحارقه في الغرائر وعفنه لشحنه قبل جفافه ويبسه، فلم يصل إلى جدة إلا وقد بطل بسببه، والمال الذي معه له وللسيد علي بن حسين جحاف والي حجة، وكان قد تضرر منه كثير من الزرعة والمتسببين، من أجل أنه كان يجمع الصافي بالصَّلبة في المخازين، فإذا وصل تجار الشام[94/ب] إليها وشرع البيع والشراء فيها باع من الواصلين بناقص بعض شيء مما باعه سائر الناس، لوسعة ما معه لأجل الترغيب أن يشتروا ما قد جمعه، فيشترون منه جميع ما قد معه، ويتركون الشراء من الزرعة وسائر المتسببين، ثم يشترون ويستغنون، فبعد ذلك يبقى حق الزراع مُتَخمناً، لا يجدون من يشتري منهم ولا يبذل ثمناً وهو يشق بهم عوده إلى بلادهم، فيتحكم فيهم ابن نصار في الثمن، ويشتري به منهم بدون ما باعه، ويخزنه في السمسرة ينتظر لمن يصل من التجار من الشام، هذا كان دأبه وحاله في بيعه وشرائه، وهذا منه خداع للمسلمين، فكان الواجب عليه أن يعرض البضاعة من جملة غيره، ويبيع معهم[95/أ] من غير أن يستميلهم ويجرهم إليه ويطمعهم، بل يبيع من طرف ماله، ويشارك غيره، وما جرى به السعر مع طرح البضاعة، فالله المسعِّر، وليس له أن يتحجَّرهم، بل عليه الرعاية للمسلمين، والاشتراك مع غيره من البائعين المشترين، فلهذا السبب ما زال الواصلين بالبن من الصافي إلى الصلبة يدعون عليه.
وظهر في هذا الوقت نقص بيع بني نصار وشراهم عما كان؛ لأجل ما انكسر فيه المذكور، ثم تفرقهم من بعده.
وفي هذا الشهر نَقّص أحمد بن الحسن في عُدد أصحابه وأجناده، وجعل لهم ثلاثة أحرف على السوية، فمنهم من ترك قبض ذلك، ومنهم من قبض إلا أن الحاضرين عنده الذين لا يفارقونه يلحق بتوفيتهم، فأما الغائبين فلم يزدهم على الثلاثة سواء قربوا منه بصنعاء أو بعدوا، وإنما قصر إلحاق التوفية لمن في ديوانه فقط لا يغيبون عنه، وقيل: إن ذلك بأمر الإمام له؛ لأنه يفعل ذلك، والمنكسر يحاسبه وقت الحساب ويقطع له البز بناقص ثلاثة أرباع، ويصح معهم الربع.
ووصل إلى الإمام هذا الشهر طالب العماني الذي يخرج[95/ب] في المدة الماضية بالأعبي من جهاته، وهو رسول من عمان إلى الإمام، لم يكن معه بضاعة؛ لأنه غير وقتها، وإنما يخرج متى سكن سير البحر في أواخر فصل الشتاء، والله أعلم.
وفي هذه الأيام اتَفَقْتُ بالحاج محمد بن أحمد كزبر الدمشقي الشامي الحنبلي، الواصل إلى صنعاء ببضاعة من جهات الشام، بعد أن حج إلى بيت الله الحرام، وزار النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، وكان قد وصل العام الماضي وتزوج في صنعاء بزوجة ثم لم يلبث العام الماضي أن عاد وتعوض من البن الصافي، وسار يؤم تلك النواحي، من طريق البحر، وحج بيت الله الحرام، ثم دخل مع المحمل الشامي، واتفق لبعض من أدخله من البضاعة من الصافي الانتهاب من الحرامية من بلاد عنزة غرب الحجاز، ثم لما دخل مع من دخل بعد ما حصل من الانتهاب استقر بوطنه دمشق إلى قريب الحج إلى بيت الله الحرام، وعاد مع الحج الشامي، فحج أيضاً هذا العام، وكان وصوله صنعاء في الشهر الماضي، يستقر فيها إلى موسم الحج، ثم يسافر، وكان وصوله[96/أ] ببعض شيء من بضاعة الشام، ثم يدخل بعوضه من الصافي هذا العام، حسبما ذكر لي، وله معرفة في العلم على مذهب أحمد بن حنبل، مذهب الحنابلة، واستنسخنا على كتاب له يسمى (منتهى الإرادات) في فقه الحنابلة.
قال: إنه المعتمد في جهاتهم، وعليه مدار الفتوى لأهل مذهبهم، فمما وصف لي المذكور أنه قد حج إلى هذا العام نحو خمسين حجة مع الزيارة، كون طريق الشامي على مدينة النبي÷، قال: ووالده في الحياة في قدر تسعين سنة، وذكر أن الشام عامر، وذكر المذكور أن الشام وغيره فيه الفواكه المثمرة، وأنه يكون في الخريف حاراً شديد الحرارة، ولا يقع فيه مطر، وإنما مطره يكون في الربيع في كانون وشباط، وأنه يشتد فيه البرد شدة قوية، وقد ينزل في الجبال بعض شيء من الثلج في تلك الأيام، وذكر المذكور أن فيه من الصحابة جماعات[96/ب]. وذكر المذكور أن المعتزلة الذين يختلطون بأهل السنة في جهة العراق هم الآن الإمامية الاثني عشرية؛ لأنهم في الأصول معتزلة وفي الإمامة اثني عشرية، وأما غيرهم فلا نعلم بأحد، وهو كما قال.
وذكر المذكور أن سعد بن زيد بن محسن الذي كان والياً بمكة الأيام الأولة، وجرى عليه ما جرى من التخويف والإزالة لقاهم في شهر القعدة من السنة الماضية بدومة الجندل في حدود تبوك ، قريب الشام، وأطراف بلاد بني لام، وأنه وافق الباشا حسين حال خروجه بعد استئذانه وأمانه، وأنه أخذ رأيه في القصد إلى الأبواب السلطانية، فقال له: لا بأس عليك، فمر وأتم النية والقصد، فسار المذكور وصنوه أحمد صحبته والآغا زالفقار التركي الذي كان معه، وجماعة من خاصته ومماليكه نحو الثلاثين، وأعطاه بعض شيء من المصروف، وكذلك أمير حاج الشام أعانه ببعض شيء، لما شكا من الضرورة نحو خمسين[97/أ] أحمر، ومن أمير الشامي في قدر عشرين أحمر.
وأخبر المذكور أن هذا الباشا حسين هو باشا مدينة دمشق وبلادها، وعليه جميع أعمالها، خرج إلى مكة مع المحمل الشامي بقوته مع الأمير للحج؛ لأجل ما جرى من النهب من الحرامية والبدوان العام الماضي.
قال: وهو غير حسين باشا الذي خرج الأيام السابقة حال إزالة سعد بن زيد عن مكة، كما مضى خبره، فإن ذلك كان خروجه من حضرة السلطان لذلك الشأن، وأن الهزيمة والقتل الذي وقع العام الماضي في أصحابه، وأن الذي فات حول ثمانية آلاف من المسلمين، قال: وسببه أن الوزير الأعظم كتب إليه أنه يتوقف في مكان عينة من أطراف بلاد الفرنج حتى يأتيه رأيه، ثم إنه حصل إليه القصد من الفرنج، واجتمعوا في جهاتهم، ورجعوا بأجمعهم، فحصل ما حصل[97/ب] وانهزم عن ذلك المحل، وأن السلطان لما بلغه ذلك الحادث تغير واحتمل بنفسه، كما مضى ذكره، وأهم بقتل حسين باشا؛ لأجل اهتزامه، فشفع فيه جماعات من الأعيان والباشات، فترك قتله، وعدل إلى حبسه.
قال: وجملة وزراء السلطان سبعة، وأن أعلاهم في الدرجة الوزير الأعظم وأنه الآن يسمى أحمد، له بعض مشاركة في فقه أبي حنيفة وعلم النحو والأدب، قال: والباشا بمصر الآن له حول سنة وعزل عنها الأول في العام الماضي، وأن السلطان زاد في عساكر بغداد العام الماضي بمثل النصف، فإن عسكر المعتادة قدر اثني عشر ألف، فزاد مثل ذلك، وعوض الأولين غيرهم، فكانوا الآن قدر أربعة وعشرين ألفاً.
قال: وبلاد فاس من أرض المغرب مالكية، وهم في الولاية إلى الأشراف الإدريسية، وكذلك بلاد التكرور فيها أشراف فاطمية، قال: وفي الشام جماعات[98/أ] من الصحابة كأبي الدرداء وغيره مزور مشهور.
وأما قبر معاوية فمختلف فيه غير متيقن، وأن قبر يزيد بن معاوية قد صار مهملاً مهاناً، لا يلتفت أحد إليه، بحيث ذكر أنه قد يطرح عليه بعض الأوساخ، وذكر انتظام عمل مكة، وأن السلطان جعل المشارفة فيها للشيخ العلامة محمد بن سليمان المالكي الفاسي المغربي في النظر على مقرراتها وما يصل إليها وقسمتها، ووضع كل شيء في مصرفه، فانتظمت أمورها، وإن كان حصل، مع الأشراف ما حصل فلم يسعهم إلا الامتثال في كل ما فعل. وذكر المذكور مزيد قوة يد السلطان محمد بن إبراهيم بن عثمان، وامتداد يده في كثير من بلاد الفرنج هذا الزمان، وذكر أن في بعض أطراف الشام باطنية زنادقة، من بواقي القرامطة الردية، إلا أنهم مدوخون عن إظهار قبائحهم بدولة السلطان، وأما فيما بينهم فهم عليه يتركون صيام رمضان[98/ب] ويستحلون الحرام، ويعتقدون تناسخ الأرواح، وينفون البعث، قاتلهم الله، وكأنهم من طائفة الباطنية الغلاة. وذكر أن من دمشق إلى محل السلطان قدر أربعين يوماً براً.
وفي هذه السنة انحسر بحر صنعاء وقارب الرجوع إلى حالته الأولة قبل الردة،ونقصت الغيول المحدثة، ونزل سيل عظيم في الخريف من جبل الحِفا وحَدَّة إلى وادي صنعاء، فأخرب غيل خندقها الذي أحدثه الإمام ودفنه جميعاً، وكان هذا في خرابه رابع مرة، فتركوه، وأهملوه ولم يصلحوه، لمشقته وكثرة خرابه وتغيره.
وفي هذه الأيام قد كان توجه إلى جهة جدة بعض شيء من المراكب الهندية، فلما وصلت إلى حدود جازان تغيرت عليهم الريح فردتهم، وهاج عليهم البحر، فرجعوا إلى المخا، والسبب أن أيام الخريف من أوله يهيج البحر اليماني مدة قدر شهرين، فيعسر مروره بالجلاب، إلا على خطر، ثم يصلح[99/أ] بعد ذلك، ولكن لما تقارب على أهل الهند العود إلى بلادهم، وتضيق وقتهم دخلوا المخا، ولما رأوه من خسارة البيع فيه والشراء.
ووصل من الهند إلى حضرة الإمام أمير المراكب الهندية السراتية، وكان وصوله في محمل يحمله أربعة، ومعه قدر أربعين نفراً في الخدمة، واعتُرض عليه في ذلك، وأنه كان يجعل له محفة على شيء من الدواب، ويترك حمل الرجال وإتعابهم، فقال: هم كفار أسرى، ليسوا من المسلمين الأُجراء، ولم يلبث أن عاد إلى المخا، ليقارب سيرهم، وتوجه مراكبهم وشرى خيلاً من صنعاء، وبالغ في قيمتها أولاً، ثم كثر عرضها عليه، فنقص النصف في قيمتها.
وفي ثاني عشر شهر جمادى الأولى منها وصل السيد صلاح وزير أحمد بن الحسن من بلاد الحجرية، بعد أن لحق بعض الهاربين، وظفر بهم، وانتهب من إبلهم ومواشيهم، وقبض جماعة منهم، وصل بهم إلى حضرة محمد بن أحمد بن الحسن بالمنصورة فحبسهم.
[99/ب] وكان بجمادى الثاني وصل تركي إلى حضرة الإمام ثم إلى صنعاء، ولم يظهر منه خبر، بل قال: إنه خرج إلى سواكن ببشارة من السلطان، وأخبرني الثقة أن معه كتاباً من صاحب سواكن، اطلع عليه يتضمن إخباره بأن سعد بن زيد وصل إلى السلطان، ودخل في مذهب الحنفية، وأنه اعتذر عن سعايته في شأن حسن باشا، وأنه لم يكن منه فقبل السلطان عذره. ثم تعقبه تركي آخر خرج من اللحية قاصداً إلى حضرة الإمام، وظهر أنه رسول قاصد، فاتفق بالإمام وزلجه الإمام بسرعة وعاد إلى اللحية وركب بحراً، فمن قائل: أن معه كتاب من باشا مصر، ومن قائل: أن معه وصاية، ولعله من أجل هذه الأمور الجارية والأحوال الماضية، والله أعلم بحقائقها.
وروى لي بعض المطلعين على الأخبار أن المتوكل هذه الأيام أهم ببعث هدية إلى باب السلطان محمد بن عثمان؛ ليكون بسببها ترك ما عرفه من التحركات هذا الزمان، حتى أنه أشار عليه من أشار بأنه قد يراها السلطان عادة مستمرة إذا تركها، لم يترك طلبها، فلأجل ذلك تركها، لعلمه بعدم الوفاء بها.
واتفق عند ذلك وصول جماعة من أطراف بلاد عمان من المشرق على مطايا، فاخبروا الإمام أن سبب وصولهم إليه هذه الأيام أنهم كانوا في سالف الزمان مستقلون في بلادهم، وأنهم مشائخ على أصحابهم، ثم إن صاحب[100/أ] عمان طالت يده إليهم، وقهرهم وتسلم منهم وعشَّرهم، وأنهم يريدون الإعانة على تقوية بلادهم ومنعها منهم، فما زال يواعدهم ويماطلهم؛ لأن هذه البلاد نائية ولا مصلحة فيها ولا عائدة، لا تصلح إلا للبدوان، ومن قرب إليهم كصاحب عمان.
فأما صاحب اليمن فبينه وبينهم مقاطع ومسافات، لا تقوم بالنفقات، لحقارتها، ولا فيها خير ولا بركة، تقوم بغير أهلها، وكان وصول هؤلاء المذكورين بأول شهر جمادى الآخرة.
وفي هذا الوقت بغرة هذا الشهر أو آخر الأول اتفق عند حسن ابن الإمام بجبل رازح فرقة، فقتل من القبائل خمسة ومن العسكر نفر واحد. وسببه أن بعض القبائل[100/ب] كان يبيع في العنب بالسوق، فاختصم هو وعسكري في القيمة، فقتل القبيلي العسكري، والعسكر قتلوا عند ذلك الخمسة بإشارة حسن بن الإمام، فلما حصل ذلك الإلمام، أغارت القبائل من القرى والآكام، وقصدوا محل حسن ابن الإمام، فهزموهم إلى القلعة، واحتازوا فيها هم وحسن بن الإمام، حتى صالحوا ذلك الشأن وسكنت الفورة والخصام. ثم تعقب ذلك نزول حسن ابن الإمام إلى أبي عريش في هذا الشهر بجمادى الثاني، فاستقر فيه وأراد الغزو إلى أطراف بلاد الحرامية من بني حبيب ونحوهم، وكتب إلى والده بإرسال عسكر وعينة، فأجاب عليه بترك ذلك هذه الساعة، ولعله حتى يتحقق أخبار ما يصل إلى مكة وهل هناك من جهات السلطان[101/ا] حركة، وكون التحريك في تلك الجهات الشامية يوهم ما يوهم على عساكر السلطان، فالأولى طي هذا الشأن وهو الذي أشار به أحمد بن الحسن وغيره على الإمام.