وعلى كلٍ فإنه على الرغم من ظهور عدد من المنافسين للإمام المتوكل على الله إسماعيل ادعوا الإمامة، إلاَّ أنهم كانوا أقل خطراً على دولته وتوسعها وازدهارها، مقارنة بالمعارضين الذين ظهروا في عهد من جاء بعده من الأئمة، كما سنرى، ولعلَّ أهم الأسباب هو مساعدة أبناء إخوته له، وإخلاصهم لدولته، والتفافهم حوله. وكان لذلك أثر كبير في ازدهار هذه الدولة وقوتها وتوسعها.

الفصل الأول
سياسة الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم
منذ توليه الإمامة حتى وفاته
(1054-1087ه‍/ 1644-1676م)
أولاً: توسيع حدود الدولة القاسمية
كان الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم قد سبق أخاه الإمام المتوكل إسماعيل في محاولة توسيع حدود الدولة القاسمية بعد استقلال اليمن عن الحكم العثماني سنة (1045ه‍/1635م).
وقد استخدم الطرق السلمية، فراسل بعض مشائخ وحكام المناطق الجنوبية والشرقية، وأرسل الهدايا لاستمالتهم إليه، وإعلان اعترافهم أو ولائهم لهذه الدولة الجديدة الفتية.
ولعلَّ الإمام المؤيد كان يعتبر هذه المرحلة هي مرحلة بناء وتوطيد سيطرته على المناطق التي دخلت في إطار الدولة القاسمية، وأن التوسع باستخدام القوة لم يحن وقته في هذه الفترة. ومن أمثلة ذلك تعامله مع قبائل يافع، إذ أنه على الرغم من غزوهم لقعطبة التابعة لدولته، ومساندتهم لأحمد بن الحسن، ابن أخي الإمام الذي تمرد عليه، إلاَّ أنه بعد أن هزمهم المؤيد وأخرجهم من يافع راسلهم محاولاً كسبهم إلى جانب الدولة القاسمية. وبذل لهم الأموال والهدايا، ويشير المؤرخ يحيى بن الحسين إلى ذلك بقوله: "وجعل الطريق إلى ذلك المكاتبة ليافع والملاطفة لهم، وبذل لهم المال النافع، فوصل إليه كثير منهم". وكان نتيجة ذلك أنهم توقفوا عن الهجوم على حدود الدولة القاسمية.
غير أن سياسة الإمام المؤيد هذه لم تحقق ما كان يطمح إليه من توسيع لحدود الدولة، ودخول المناطق الجنوبية والشرقية تحت نفوذها. واقتصر الأمر على إقامة علاقات ودية بين الدولة القاسمية وبعض الكيانات في تلك المناطق، ومنها الدولة الكثيرية في حضرموت، فقد استمرت العلاقات الودية بين الدولتين، وتم تبادل الرسائل والهدايا بينهما طوال فترة الإمام المؤيد وأوائل فترة الإمام المتوكل على الله إسماعيل، أي حتى سنة (1058ه‍/1648م)، كما سنرى.

وقامت علاقات ودية بين الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم وبين الأمير عبد القادر محمد، صاحب عدن وأبين وخنفر. وكان الأخير من المناصرين للإمام المؤيد بالله في خلال حروبه مع العثمانيين في الجنوب.
وفي عهد ابنه الحسين بن عبد القادر بدأت العلاقات تتغير سلباً، لأسباب سنذكرها لاحقاً.
وعندما وصل إسماعيل بن القاسم إلى الإمامة كانت الدولة أكثر استقراراً من ذي قبل، حيث أن اللبنات الأولى والأساسية قد وضعت في عهد أخيه الإمام المؤيد، لذلك لم يحصر الإمام إسماعيل نفسه في النطاق الضيق المحدود، الذي نشأت فيه الدولة القاسمية عند أول تكوينها، بل انتهج سياسة التوسع في المناطق الشرقية والجنوبية، وتوغلت جيوشه حتى وصلت حضرموت. وخاضت حروباً عديدة حتى أخضعت جميع المناطق الشرقية والجنوبية، كما سنرى.
ومما لا شك فيه أن الإمام المتوكل على الله إسماعيل، يعتبر من أهم أئمة اليمن في التاريخ الحديث. وكان منذ توليه الإمامة شديد الطموح إلى توسيع حدود دولته.
وعلى الرغم من أن بعض المؤرخين يذكرون أن من أسباب التوسع وإدخال هذه المناطق تحت نفوذ الدولة القاسمية هو وجود منكرات وجهل وعدم تطبيق للشريعة الإسلامية الصحيحة في هذه المناطق، لذلك لم يجد الإمام المتوكل بداً من الدخول إلى مناطقهم، بعد أن أرسل لهم الإنذارات المتكررة، حتى لم يبق لأهل تلك الجهات حجة. إلاَّ أن هناك مؤرخين أكثر إدراكاً لدوافع التوسع هذا، منهم على سبيل المثال ابن عامر، الذي يرى بأن من أهم الأسباب أن السلطان بدر بن عمر الكثيري قد وصل إلى الإمام المتوكل إسماعيل مستنجداً به ضد ابن أخيه بدر بن عبد الله الكثيري، وأنه سيدخل في طاعته، ويخطب له، فأجابه الإمام إلى ذلك.
وكان هناك أيضاً الشيخ الرصاص في البيضاء، أي في المشرق الأوسط.
وكان له شوكة قوية، لذلك كان على إسماعيل أن يخضع جميع بلاد المشرق قبل الوصول إلى حضرموت. .

ثم يوضح ابن عامر السبب الآخر-والذي يُعد ذات أهمية كبيرة- خلال حديثه عن أهمية حضرموت وظفار، فيقول: "والشحر بندر عظيم، خراجه في كل عام مائة ألف أوقية". ولعلَّ هذا من الأسباب الرئيسية للتوسع في هذه المناطق، وهو الوصول إلى الموانئ الجنوبية مثل عدن والشحر، والتي ستشكل رافداً مالياً جديداً للدولة من خلال النشاط التجاري والبحري في هذه الموانئ.
ولأن الدولة القاسمية في هذه الفترة تعتبر القوة الوحيدة في المنطقة، ولا يوجد منافس قوي يقف أمامها بعد إخراج العثمانيين، فقد رأت أن تبسط سيطرتها على كل أجزاء اليمن، ولا بد أن تدخل كل الكيانات المستقلة تحت سلطة هذه الدولة.
ولم يكن ذلك سهلاً على الإمام المتوكل إسماعيل، فإعادة توحيد البلاد كان يتطلب عملاً شاقاً، استغرق الكثير من الجهود السياسية والمادية، وتطلب تفهماً وحنكة للظروف السياسية والاجتماعية والقبلية الشائكة. واستخدم وسائل مقنعة وممارسات مسؤولة، لم تكن القوة، إلاَّ آخر وسائلها.
لقد حاول الإمام المتوكل لعدة سنوات ربط شمال البلاد بجنوبها ومشرقها بتهائمها، متخذاً من المراسلات والإقناع أقصى ما يستطيع، وكان يخفق ويفلح، كما سنرى.

الاستيلاء على عدن ولحج وأبين
انصب اهتمام الإمام المتوكل على الله إسماعيل على توسيع حدود الدولة القاسمية منذ السنة الأولى من توليه الإمامة. ومن البديهي أن ينصب اهتمام الإمام المتوكل وأبناء إخوته على المناطق الجنوبية والشرقية، التي تعد ذات أهمية كبيرة. وقد بدأ بإمارة عدن، مستغلاً الظروف وما قام به أميرها من أعمال كانت مبرراً ظاهرياً للاستيلاء على عدن، غير أن السبب الرئيسي هو الأهمية الاقتصادية التي تميزت بها عدن منذ القدم.
وقد أوردت المصادر المعاصرة أسباب الزحف تجاه عدن للاستيلاء عليها. من هذه الأسباب ما ذكره يحيى بن الحسين بقوله: "لأجل أمور وقعت منه-أي أمير عدن الحسين بن عبد القادر- لم يرض بها الإمام".
ويشرح المؤرخ الجرموزي هذه الأمور شرحاً مفصلاً،حيث يذكر بأن أمير عدن ولحج وخنفر، وهو الحسين بن عبد القادر كان في عهد الإمام المؤيد قد استولى على أموال أمير من (ممباسا) بعد وفاته في طريق عودته من الحج سنة (1050ه‍/1640م)، وكان الأمير الممباسي قد راسل الأمير عبد القادر، والد الحسين. وكانت أمواله مع ثقاة بنظر الأمير عبد القادر.
وعند وفاة الأخير، وخلفه ابنه الحسين أخذ أموال هذا الأمير وقتل من قتل من أتباعه، وحبس من بقي منهم في خنفر. هذا بالإضافة إلى أنه كما أورد الجرموزي: قد هدم قواعد الإسلام، وأظهر المنكرات، وجعل للبغاء جوانب، وللخمور كذلك، وأن الإمام المؤيد كان قد راسله يطلب منه إطلاق أموال الأمير الممباسي وأتباعه، غير أن الإمام انشغل عنه.
ولما وصل إسماعيل إلى الإمامة رأى أنه لا بد من إرسال كتاب إلى أمير عدن بشأن ذلك، إلاَّ أن هذا الأمير لم يعط جواباً وافياً، ولم ينفذ ما طلب منه الإمام المتوكل إسماعيل، لذلك لم يجد الأخير بداً من إرسال أحمد بن الحسن على رأس جيش للاستيلاء على عدن ولحج وأبين.

وعلى الرغم من أن ابن عامر يرى بأن أحمد بن الحسن هو الذي ترجح له الغزو إلى عدن، غير أن المؤرخ الجرموزي كان حريصاً على إبراز أن الإمام المتوكل إسماعيل هو الذي أمر بالتوجه إليها، حيث أرسل محطة أخرى نحو الألف، قائلاً: "قد صار مع الولد أحمد-حفظه الله-الكفاية، وإنما نريد قطع إياس هذا الأمير وأصحابه منَّا. ولتعلموا أن ذلك عن أمرنا". كما أن يحيى بن الحسين يذكر بأن الإمام المتوكل في سنة (1055ه‍/1645م)، اتجه من ضوران مقر إمامته إلى صنعاء، وجهز ابن أخيه أحمد بن الحسن إلى بلاد الأمير الحسين بن عبد القادر عدن ولحج وأبين.
ولعلَّ ما سبق دليل على أن الإمام المتوكل هو الذي أمر بالتوجه إلى عدن للاستيلاء عليها. وأن أحمد بن الحسن قد تحمس لذلك، وجمع الجنود من قبله، وكذلك محمد بن الحسن، وآخرين من أبناء الأسرة.
ومهما كان الأمر فإنه تم الاستعداد والتجهيز للجيش المتوجه إلى عدن بقيادة أحمد بن الحسن، والذي بلغ حوالي ثلاثة آلاف مقاتل. وشارك في تجهيزه وإعداده الإمام المتوكل وأبناء إخوته، خاصة أحمد بن الحسن الذي كان أكثرهم حماساً لدخول عدن والاستيلاء عليها، وكذلك محمد بن الحسن الذي جمع لأخيه أحمد الكثير من الجنود والأموال.
ومن مدينة إبّ كان المنطلق. وهي منطقة ولاية محمد بن الحسن الذي أُنيطت به مهمة تجهيز الجيش والأموال وأُلحق بهم الجنود الذين جهزهم الإمام المتوكل. وبعد أن اكتمل تجهيز الجيش، وأصبح مستعداً خرج من مدينة إبّ في شهر صفر (1055ه‍/ إبريل 1645م) متجهاً إلى عدن بقيادة أحمد بن الحسن.

أما الأمير الحسين بن عبد القادر صاحب عدن فقد استنجد بالمحيطين به، بعد أن علم بتجهيز وخروج جيش الدولة القاسمية إليه. واستعد لمواجهة أحمد بن الحسن وجيشه، فحشد مع جيشه "قوماً من المشرق ومن يافع". واتجه بهم إلى منطقة في لحج تسمى (الرعارع). ودارت هنالك معارك عنيفة، قُتل فيها كثير من أصحاب أحمد بن الحسن، كان أكثرهم من الأهنوم، وجُمعوا في مقبرة هناك تُعرف بمقبرة أصحاب أحمد بن الحسن. إلاَّ أنه في آخر الأمر كانت الهزيمة في الحسين ابن عبد القادر ومن معه من المناصرين، فاضطر إلى الانسحاب إلى خنفر، فلحقه أحمد بن الحسن، لكنه عندما حاذى خنفر تبين له أن الأمير حسين قد هرب منها ليلاً إلى يافع، وأن فيها أتباعه، فدارت معارك بينهما كانت نتيجتها دخول أحمد بن الحسن خنفراً، وهزيمة أصحاب الأمير حسين. واستولى أحمد بن الحسن على خزائنه وأثاثه وماله.
وبعد ذلك أرسل أحمد بن الحسن الشيخ حسن بن الحاج أحمد الأسدي إلى عدن للاستيلاء عليها، فلم يجد فيها مقاومة تذكر. وكان فيها حامية عسكرية من أهل يافع. وبعد حصارهم سلموها للأسدي. وبذلك أصبحت لحج وخنفر وعدن تحت سيطرة أحمد بن الحسن.
أما دور محمد بن الحسن في هذه الحرب، فإنه بعد أن جهز أخاه بالأموال والجيش في إب، اتجه بمن تبقى معه من الجند إلى تعز. وأرسل الإمدادات والحاميات لحفظ الطريق، وبذل الأموال لأهل المشرق ليقطعوا العلاقات أو الإتصال بالأمير الحسين بن عبد القادر، كما راسل الشيخ حسين الرصاص، شيخ بلاد بني أرض وبذل له الأموال، وأحسن إليه حتى لا يستجيب للأمير حسين، الذي استنجد به وبيافع. وبذلك يكون محمد بن الحسن قد قطع الطريق على الأمير حسين بن عبد القادر بحيث لم يجد له مناصراً بعد هزيمته وهروبه إلى يافع.

ولما رأى الأمير حسين بن عبد القادر أنه لا فائدة من موقفه العدائي ضد أحمد بن الحسن اضطر إلى الاستسلام لرأي محمد بن الحسن، الذي كان قد كتب إليه، ووعده بالإنصاف، فعاد الأمير الحسين إلى "خنفر، وجعل له عوائد آبائه من عدن ولحج، وجعل له بلاد أبين أيضاً إقطاعاً. وأقره الإمام على ذلك".
أما أحمد بن الحسن، فإنه أقام في خنفر حوالي عشرة أيام. وأمر أن تُنقل جميع أسرة الأمير الحسين بن عبد القادر مع خدمهم وثقاتهم إلى لحج. كما أخرج أصحاب الأمير الممباسي من السجن ونقلهم إلى تعز، حيث تكفل الإمام بالإنفاق عليهم.
وبسقوط عدن ولحج وخنفر خضعت هذه المنطقة لسيطرة الدولة القاسمية المباشرة.
وكان أحمد بن الحسن قبيل عودته من عدن قد عين عليها مولاه ياقوت إسماعيل، كما عين في لحج بعض أتباعه، وعاد محملاً بالغنائم، وفيها الكثير من العبيد والإماء ومما لا شك فيه أن النصر الذي أحرزته الدولة القاسمية في عدن ولحج سيزيد من هيبتها وقوتها لدى الكيانات المستقلة الأخرى، كما أنه سيزيد من حماس الإمام المتوكل وأبناء إخوته لمزيد من التوسع في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة القاسمية.

إخضاع منطقة الشعيب
منطقة الشعيب تقع إلى الشرق من قعطبة، وهي منطقة قبلية صغيرة، مقارنة بالكيانات القبلية المستقلة الأخرى المجاورة لها من الجهات الشرقية والجنوبية.
وكان أهالي منطقة الشعيب يدفعون ضريبة بسيطة للدولة القاسمية في عهد الإمام المؤيد. وكانت تُدفع للحسن بن القاسم. وفي المقابل كان مقرراً لزعمائها رواتب. أي أن منطقة الشعيب كان يحكمها مشائخها، وفي الوقت ذاته كانوا يدينون بالولاء والطاعة للدولة القاسمية. ولما توفي الحسن بن القاسم انقطعت الضريبة التي كانوا يدفعونها، ولم تطالبهم الدولة بشيء من ذلك.
ولعلَّ السبب في ذلك أن الإمام المؤيد كان قد انشغل بعد وفاة أخيه الحسن بالقضاء على تمرد ابن أخيه أحمد بن الحسن، وبالتالي لم يطالب منطقة الشعيب بما كان مقرراً عليها أيام الحسن بن القاسم. واستمر الأمر كذلك حتى عام (1061ه‍/1651م). حين رأى محمد بن الحسن أنه لا بد من إرسال تلك المقررات السابقة، وإعلان الولاء للدولة القاسمية، غير أنهم رفضوا ذلك، معلنين عدم انقيادهم لأوامره. وحاول محمد بن الحسن إقناعهم بتسليم ما عليهم سلماً عن طريق المراسلات المتكررة، تجنباً للدخول في حرب معهم، إلاَّ أنه لم يجد منهم استعداداً لتنفيذ ذلك الطلب، فلم يجد بُداً من إرسال حملة عسكرية يصل عددها إلى أكثر من ألفين مقاتل، لإخضاعهم بالقوة.
وطلبت قبائل الشعيب النجدة والمساعدة من يافع والمشرق. ومن البديهي أن يافع وباقي المناطق الشرقية ترفض مساعدة أو نصرة الشعيبيين، حتى لا يعطوا للدولة القاسمية مبرراً لمحاربتهم، والاستيلاء على بلادهم، خاصة بعد أن سمعوا عن الانتصارات التي حققتها الدولة القاسمية في عدن ولحج وأبين، لذلك نجدهم يجيبوا على قبائل الشعيب بقولهم: "لا تفتحوا علينا ما نحن منه خائفون".

وعندما وصلت الحملة العسكرية إلى منطقة الشعيب حاولت قبائل الشعيب مقاومتها والدخول معها في حرب، إلاَّ أنها في نهاية الأمر لم تجد بُداً من إعلان طاعتها وخضوعها للدولة القاسمية. وأنهم سيدفعون ما كان عليهم من المقررات أيام الحسن بن القاسم. غير أن محمد بن الحسن هذه المرة أصر على أنه "لن يقبل إلاَّ الواجبات على تمامها، والائتمام بالإمام، والتحكم للأحكام الشرعية على التمام".
وبما أن قبائل الشعيب في موقف الضعف، والدولة القاسمية في مركز قوة لم يكن أمامها إلاَّ الموافقة على تلك الشروط مجبرة.
ولم تكن قبائل الشعيب راضية أو مقتنعة بتلك الواجبات التي فُرضت عليها من قبل محمد بن الحسن، لذلك كانت موافقتها عليها آنية، ربما لأنها اعتقدت أنها ستتمكن من التخلص من ذلك بعد خروج الحملة العسكرية من منطقتها، وأن الدولة القاسمية ستنشغل بمهام أخرى، كما حدث سابقاً بعد وفاة الحسن بن القاسم، لذلك نجدها في عام (1063ه‍/1653م) تعلن من جديد استقلالها عن الدولة القاسمية، رافضة القيام بما عليها من واجبات إزاءها.
ولنا أن نتساءل ما هو السبب الذي دفع قبائل الشعيب إلى إعلان تمردها على الدولة في هذه الفترة التي كانت فيه الدولة القاسمية في أوج قوتها ومجدها؟ وأنه من البديهي أن الإمام المتوكل ومحمد بن الحسن لن يتركوا قبائل الشعيب ينعموا باستقلالهم، خاصة وأن منطقة الشعيب من المناطق القريبة جداً من حدود الدولة القاسمية، حيث تقع إلى الشرق من قعطبة التابعة للدولة القاسمية كما سبق أن رأينا. لعلَّ السبب في تمردهم ما ذكره المؤرخ الجرموزي، حيث يقول: ثم اختلفوا فيما بينهم، وربما أن الاختلاف بينهم كان بسبب أن البعض كان يرى خلع الطاعة، وعدم إرسال ما عليهم من واجبات، والبعض الآخر كان يرى البقاء على ما هم عليه من تبعية للدولة القاسمية، غير أنه على حسب تعبير المؤرخ الجرموزي: "وغلب عليهم رأي الجاهل".

4 / 94
ع
En
A+
A-