وفي يوم الخميس سادس وعشرين شهر ربيع الأول جاءت كتب إلى محمد بن الإمام مزعجة من بعض أهل بيت والده، يذكرون له الوصول؛ لأجل حصول مرض مع أبيه اشتد به، فسار في الحال إلى ذلك المكان، فلما خرج من صنعاء في ذلك اليوم حصلت الأوهام مع أهل صنعاء وغيرهم، فشرت التجار الطعامات من الأسواق والحطب والملح والمصالح، حتى ارتفع ذلك اليوم السعر لكثرة المشترين. وأخبر بعض من وصل إليها كتاب أن الإمام اقتصر من بعد صلاة الجمعة، ثم تنفس يوم الإثنين، ودخل الزائرون إلى محله بالدار الخضراء في الحُصَيْن ، ورأوه قد أثر مرضه في بدنه، وظهر ضعفه وركته[66/أ]، وما زال مريضاً متألماً إلى آخر شهر ربيع الثاني ومنَّ الله عليه بالعافية. وظهر في مرضه هذا نيات كثيرة من السادات، وأهل الأمر القادات، مما يصدق أقوال أهل الفراسات، التي تحدثوا بها فيما مضى من الأوقات، كجمال الإسلام علي بن المؤيد بالله رحمه الله فإنه قال: في هذا الإمام بركة للأنام، من جمع الكلمة في هذه الأيام، فإن هذه العالة يظهر من حالها تفرق الكلمة، وادعاء المملكة والخلافة، ولعل حالتهم ستكون كحالة أولاد مطهر بن شرف الدين. فكان كما قال المذكور، وصدق قوله فيما ظهر منهم هذه العصور، فإنه لما بلغ أحمد بن المتوكل صاحب شهارة وزادوا في الرواية، وأخبروه بأن والده قد انتقل حاله، فأظهر النية للدعوة، فحفظ الخزانة، وتواصى أهل النقابة، وكتب إليه أحمد بن الحسن كتاباً فلم يجب عليه فيه، قيل: ومضمونه التوصية له بحفظ الخزانة، وعدم التفريط فيها على كل حاله. وكان قد طلب مفاتيح جميع المخازين من الفقيه حسين بن يحيى حنش الخازن للإمام والأمين فقال له: هي مبذولة إلا أنكم لا تعجلوا قبل أخذ الحقيقة.
ويحيى بن حسين بن المؤيد بالله خرج عن شهارة بأهله إلى الهَجَر ، ثم إلى هجرة عُذر ، ولم يستقر، وأظهر أنه يريد الدعوة، والقاسم بن المؤيد بالله طالبه[66ب] بعض أهل الأهنوم في البيعة، وأحمد بن الحسن كاتب إلى جماعات من الأعيان، وبعث إليهم بشيء من الدراهم في هذا الأوان، وكاتبوه أهل رتبة جبل ضوران، وبعض الملازمين للإمام والسكان، وصاحب صعدة علي بن أحمد ظهرت حركته في بلاده ونواحي مشائخ البلاد وأعيانه، وكذلك صاحب برط وولد السيد إبراهيم بن محمد المؤيدي في العِشَّة .
والإمام جعل ولده محمداً ولي عهده بعده، وقبَّضه مفاتيح خزائن بيت المال، وقال: العهدة عليك في الأعمال، وقرر ما فعله الإمام السيد زيد بن علي جحاف وغيره، وحصل في جميع الجهات بعض ارتجاف من التفرقات، وانتهب سوق الثلوث في بلاد الأهنوم ، وحصل مع الجاهل الفرح بهذه العلوم، وحصل مع العاقل الغموم، والله يخمد ثائرة الفرقة[67/أ] ويصلح أحوال السلمين، ويسكن الفتنة.
وفي هذه الأيام وصل خبر بوفاة الشريف حمود من أشراف مكة وكبارهم، وكان موته بالطائف، وأوصى أن يقبر بعيداً عن المقابر وحده لكثرة ذنوبه. هكذا روى بعض من يختص به من أهل حضرته، فقال أراد أن لا يؤذيهم، والله أعلم.
وفي ليلة رابع عشر شهر ربيع الثاني وقع خسوف قمري في برج الجدي بالرأس تغشاها بالسواد المظلم، ولم يبق من جانبها ورأسها الغربي إلا قدر النجم، وكان شروع خسوفها من أسفلها من جهة المشرق في الساعة الرابعة والطالع الحوت[67/ب].
وفي هذا الشهر حصلت فرقة فيما بين بيت لقط في بلاد جُنُب بحَضُور وبين الجبارنة من شَعْبان من أهل اللَكَمة، بسبب كثرة مواشيهم ومعرقها في أملاك أهل بيت لقط وأموالهم، فدفعوها عنهم فلم يندفعوا، وقاتلوهم، فوقع في الفريقين أصواب ومراجيم، وتراسل الجبارنة إلى حلفهم من هَمْدَان ، وأهل بيت لقط إلى حلفهم من بني الحارث ، وأرادوا فتنة بينهم، فأدبهم والي البلاد، فحصل بينهم وبين العسكر خصام على السَبَار، ورفع ذلك إلى أحمد بن الحسن، فأرسل من عنده جماعة عسكر فيهم الشيخ ابن مذيور الحيمي، بمن حضر وزاد لهم من الأدب القدر المعتبر، فغدر في الليل بحصان ابن مذيور، ولم يعرف قاتله من الحضور، فدخل أهل بيت لقط في قيمة الحصان، وحصل معهم معرة بسبب هذا الشأن، وقد يحتمل أن قَتْل هذا الحصان مكيدة من العسكر الأولين الذين وقع بينهم الاشتجار على السبار، إذ قد يجري هذا من بعض العسكر الذين لا خير فيهم، كما وقع من رجل كان عسكرياً مع شرف الإسلام، حكى لبعض أصحابه في سابق الأيام وأنا أسمعه بما تحدث به من الكلام فقال: إنه خرج هو وجماعة عسكر بأدب على بعض البلدان، قال: فأهملهم أهل البلد عن السبار والمكان، وبقوا تحت شجر خارج البلد ذلك الأوان، قال فقلت: لأصحابي نبيت نحن وأنتم هذه الليلة بين هذه الشجر والحطب، فمتى كان الليل أحرق كل منا ما عنده من الحطب والشجر، فإذا أصبح الصباح قلنا: أهل البلد أحرقونا، وكتبنا إلى الدولة، فيخرج عليهم أدب آخر أكثر من الأول، وعسكر مع العسكر.
وفي شهر ربيع وصل خبر عثمان بن زيد الذي أرسل إلى الشحر بأنه دخله، وخرج عنه أمير الدين العلفي[68/أ].
وفي شهر جمادى الأولى وصل الشريف محمد بن يحيى بن زيد بن محسن المكي إلى حضرة المتوكل بأولاده، فأنزله في بيت الفقيه بتهامة، وقرر له من السبار ما يكفيه ومن معه.
وفي أول جمادى الثاني وصل الفقيه أمير الدين العلفي الأموي الذي كان متولياً لبندر الشحر، بعد وصول عثمان بن زيد إلى ذلك المقر، فوصل المذكور إلى ضوران بهذا الأوان، ومعه قدر مائة وخمسين من الأصحاب وخاصة الأعوان، لم يشعر به الإمام إلا بالوصول عقب الفجر من محل مبيته بالمَنْشِيَّة ، تجنباً منه للقيا المتعبة.
وشكاة العدين من الجرموزي، وشكاة الشيخ راجح، طال بقاؤهم بحضرة الإمام من أول هذه السنة، ولم يقض غرضهم. وشكواهم الجور من المذكورين[68/ب] والمطالب الزائدة على ما كان من الماضين.
وروي أن الإمام قد أمر معهم من يناظر بينهم بعد أن قام من المرض، وإلا فكان معرضاً عنهم، والشكوى في الحقيقة عائدة من الإمام عليهم؛ لأنه المرخص للعمال في الذين يأخذونه من الأموال، وكان حالهم تحكيه ما قاله المتنبي، حيث يقول:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
عدواً له ما من صداقته بدُ
وفي هذه السنة روى أنه ولد مولود للفقيه يحيى بن حسين السحولي الناظر على الوقف بصنعاء له رأسان وفمان، فسبحان الخالق لما يشاء.
وفي آخر شهر جمادى الآخرة كان قران الزهرة والمشتري في آخر برج العقرب.
ووصل يومئذٍ كتاب من العماني إلى الإمام يذكر فيه العتاب فيما جرى في أصحابه في ساحل عدن وعند بابه، وكان يتوعد تغليقه البحر من جهاته، وغير تارك أمره، وربما أن في كتابه إرعاد وإبراق من نحو كتابه السابق الذي شاع ذكره في الأفاق.
وفي العشر الوسطى من شهر جمادى الأخرى وقعت رجفة وزلزلة في ضوران، ولم تقع في غيره من البلدان، فحصل مع الإمام والناس خوف من ذلك الشأن، وفيه عبرة وموعظة كما قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآْيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً }خصوصاً حيث خص الله به ذلك المكان دون غيره من سائر البلدان، وتتابعت تلك الرجفات، كانت عشية الخميس وليلة الجمعة رابع عشر الشهر المذكور، حتى بلغت نحو ثلاثين رجفة متتابعة، ولم يحصل من ذلك انتباه بإنصاف الشكاة في تخفيف المطالب التي زادت في اليمن الأسفل[69/أ]، وهي مطلبة التبن لمن شَرَم أو لم يَشْرِم، ومطلبة الصلاة لمن صلى أو لم يصل، ومنها مطلبة الرياح، ومنها مطلبة البارود والرصاص، ومنها مطلبة سفرة الوالي، ومنها مطلبة دار الضرب، ومنها ضيفة العيدين والمعونة: {إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ } ولم يكن في اليمن الأعلى من هذه المطالب إلا مطلبة ضيفة العيدين والمعونة، وإن كان اليمن الأسفل كثير الخيرات والمحصولات بالنظر إلى اليمن الأعلى، لكن كان الواجب الرفق والعدل، ولا نزيد على الطين بله، كما ذكر السُّبْكي من الشافعية في (معيد النعم ومبيد النقم)، وفي الحديث: ((ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء )).
وقد ثبت في الأحاديث أن سبب الزلازل المعاصي والظلم والكبائر، كما ذكره السيوطي في كتابه (الصلصلة في الزلزلة)، ثم إن هذه الزلزلة عادت في ثالث شهر رجب أيضاً في ذلك المحل[69/ب].
ووصل إلى الإمام كثير من الجهات للزيارة والهدايا والضيافة ما يكثر، وترادف الواصلون، وامتلأت الأماكن.
وفي هذه المدة لما بلغ مرض الإمام إلى اليمن الأسفل، وما زادوه في الزيادة من الخبر رفعت الحجرية رؤوسها، وقتلوا عبداً من عبيد محمد بن أحمد بن الحسن، وربطوا بعض غلمان الخيل في الليل وهم نيام إلى أيديها، ولولا سكون محمد بن أحمد في رأس جبلهم لكان طردوا عُمَّالهم عنهم، وخافت الطريق فيما بين عدن ولَحْج من التعويق، فلم يمرها أحد إلا في الجمع الكبير الوثيق.
ووصف واصف أن الجور أيضاً من أصحاب علي بن الإمام في اليمن الأسفل كإب وِجْبلة حاصل بسبب إرخاء العنان لأصحابه، يفعل كل منهم ما أراد في جهاته، ويحبسون من شاءوا ويعملون ما أرادوا.
وفي هذا الشهر غضب أحمد بن الحسن على جارية مملوكة له، فضربها بالدبوس كان فيه هلاكها، وأخرى ضربها فزال عقلها وجُنَّت وصارت في الشوارع وإذا ذكروا لها العيال أحمد بن الحسن شتمته، فلا أحد يعتب عليها لجنونها.
واتفق مع حسين بن حسن لما خرج من رداع سائراً للإمام فبات بالعقبة أضافه أهلها من بعض بيوتهم بها، فلما كثروا في مجلسهم سقط السقف بينهم، فهلك منهم ثلاثة أنفار، والآخرون حثوا في الفرار، ووقع في بعضهم أصواب من حجارات الخراب.
[70/أ]وفي يوم الإثنين غرة شهر رجب من السنة المذكورة مات السيد الشريف العلامة العارف محمد بن إبراهيم بن مفضل بن علي بن الإمام شرف الدين بمستقره شبام كوكبان. كان المذكور من أوعية العلم، وفي كل فن له نصيب، مع الوقار، وحسن العبادة والتهذيب، أول قراءته على القاضي العارف أحمد بن صالح العنسي في النحو، وعلى الفقيه العلامة عبد الرحمن الحيمي بصنعاء؛ لأنه رحل من كوكبان لطلب العلم فيها، فاستفاد في علم النحو، والعربية، والمعاني، والبيان والأصول الفقهية، وأخذ على الفقيه محمد بن علي الجملولي بكوكبان في الفقه، وكان شرع في سماع صحيح البخاري عن الشيخ عبد الواحد النزيلي رحمه الله، واستجاز منه، ولم يزل على ذلك مدرساً في مدينة شبام، مدة هذه الأعوام، حتى ختم الله تعالى له بأجله المحتوم في شبام كوكبان رحمه الله تعالى. وله من التصانيف تهذيب سيرة جده الإمام شرف الدين في مجلد لطيف، اقتصر فيه على الحوادث بأخصر عبارة مهذبه بالتسجيع، محققة في التجميع، وله نظم ورقات الجويني في أصول الفقه،، وكان كاملاً بالمعرفة، حائزاً لخصال جده، واستفاد عليه كثير من الآخذين عنه رحمه الله. وكان في الفقه أيضاً[70/ب] مشاركاً مفيداً فيه ومفتياً. وكان قد ارتحل بأهله قبل العام الأول إلى وادي ضهر، وسكنه بأولاده وبنى به داراً، واشترى فيه عنباً وبستاناً، وسكنه مدة عامين اثنين، ثم عاد إلى محله شبام كوكبان. وكان عزمه إلى وادي ضهر متنكداً، لما تغير ما يعهده من الحال السابق في قبول الشفاعات والمطالب مدة الأمير ناصر بن عبد الرب ، وأول أيام ولده عبدالقادر، مع أن المذكور ما يترك له الحق، إلا أنه دون ما كان عليه في الزمان الأسبق، فلما مضت تلك الأيام بأخذ نزهته، وزال عنه ما اعتراه من كربته، وما في نفسه عاد أول هذا العام. وكان عوده إلى بيته بمحروس شبام، ثم طلع في الشهر الماضي إلى بيت والده
بكوكبان، وزيارة كريمته وأقاربه فآنسه عبد القادر، ثم عاد إلى بيته بشبام، ومات فيه بألم الإسهال، وقبر بشبام، والله أعلم.
وكان المذكور يميل إلى السنة[71/أ] كما رواه لي الفقيه محمد بن أحمد النزيلي الشافعي مدة حياته، وهو من جملة الآخذين عنه، ومن تلامذته في أصول الفقه والعربية، ومن جملة من استفاد عليه. قال المذكور: إلا أنه لا يحب أن يظهر ذلك لأهل زمانه، ولذلك لا يكثر في المماراة في مراجعته، وهو الذي يظهر من حاله، وله طريق في علم الحديث، أخذه عن بعض بني النزيلي، أظنه عبد الواحد النزيلي، وقرأ عليه أول فواتح البخاري، والله أعلم.
وفي ثالث شهر رجب عادت الزلزلة في ضوران أيضاً بعد الزلازل الأولة[71/ب] من آياته تعالى التي قد تضمنها قوله: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآْيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً}، ولكن أشكل اختصاص ذلك المحل بها دون غيره من سائر الأنحاء، فلعله لحكمة يعلمها تعالى، ولما حصل من الجور في اليمن الأسفل بالمطالب، أو لحكمة يعلمها الله تعالى، فإن الله على كل شيء قدير: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }.
وفي عاشر شهر رجب هذا وصل الخبر بدخول أصحاب العماني البحر، وخروجهم من مسكت عن البر، لما تحركت ريح الشرق وسَبَر لهم ظهر البحر، وحصل الوهم أن قصدهم سواحل اليمن إلى جهة المخا وعدن، وكان الإمام وأحمد بن الحسن مهتمين بهم في غاية الشجن، فلما طرقهم الخبر بالخروج زادوا من عندهم من العسكر رئيسهم حسين مبشر، غير من قد كان في تلك النهوج، فأرسل أحمد بن الحسن من صنعاء الشيخ ابن مذيور وأصحابه من عسكر الحيمة وغيره، وحثهم على الصدور، خشية لا يحصل في عدن ما يحصل عند الوصول والحضور، وقد صار حال أهل هذين البندرين وهما المخا وعدن في هاتين السنتين كما قال الشاعر:
لقد خفت حتى لو تمر حمامة
لقلت عدواً أو طليعة معشر[72/أ]
فإن قال خير قلت هذه خديعة
وإن قال شر قلت حق فشمر
فإنهم ما زالوا هذين العامين خائفين من الجهتين: جهة الشام من السلطان محمد بن عثمان؛ لأجل ما كان أهم به من قصد اليمن، كما سبق ذكره، ومن جهة صاحب عمان سلطان بن سيف اليعربي؛ لأجل ما حصل في العام الماضي، وما جرى في أصحابه من ذلك الجاري، وإن كان العماني في العادة ليس ضرره في غير البنادر في تلك الساحة، وإلا فإن جملة جنده كما حققه الحاضر من جهته قدر أربعة آلاف، وإن بعد من بلاده فيخشى من الفرنج الغارات، لكن ضرب السواحل حاصل منه، كما قال الشاعر :
لا تحقرن عدواً رماك
وإن كان في ساعديه قصر
ولذلك قال الأولون من الحزم أن لا يحتقر الرجل عدوه، وإن كان ذليلاً، ولا يغفل عنه وإن كان صغيراً، فكم برغوث أسهر فيلاً، ومنع الرقاد ملكاً جليلاً.
وقد ضر في البنادر هذه السنين، ومحق البيع والشراء للبائعين والمشترين[73/ب]. ولما خرج أصحاب العماني عن بلاده، وركب البحر وسار أجناده جاء خبر آخر أنه قصد بعض جزائر البحر، وانتهب من أموالهم، وحمل أشياء من أثقالهم فإن صح هذا الخبر فقد انصرف أمره، واشتغل ما إليه قصده؛ لأنه إن عاد متوجهاً إلى ساحل عدن فلا بد أن تلحقه الفرنج وتخلفه إلى بلاده، ويقع منهم الصولة على سواحله فقد يرجع إلى دفعهم، ويشتجر الحرب بينه وبينهم، كما وقع ذلك عام ثمانين وألف، فإنهم بعد ما وقع منه ما وقع في بلاد الفرنج خرجوا عليه حتى هزموه إلى بلاده، وقف فيها وإن كان الخبر على قصد غيرهم من أهل الجزائر فلا يخشى منهم، فلا بأس عليه لقلتهم وعدم استقلالهم والقدرة على دفعهم.
وحسن بن الإمام سار من جبل رازح إلى صعدة هذه السنة، واستقر بها هذه المدة، ولما لقاه علي بن أحمد وقد جمع من القبائل وعساكره أمره حسن بن الإمام أن يكون دخول كل منهم من باب؛ لئلا يحصل افتراق وشقاق. واتفق مع القاضي يحيى جباري نكتة عجيبة، وهو أنه ركض رجلاً برجله، فشكاه إلى محمد بن الإمام، فأرسل إليه للمناصفة فيما وقع من الإلمام، فاتصل القاضي وقال له: هو قاضي الإمام، فبعث إليه نفرين للوصول قهراً من غير كلام[73/أ] يأتون به إلى حضرته بالقهر والإبرام، فأتوا به إلى حضرته وقال للشاكي: استقضي منه في ركضته، فحصل مع القاضي المقيم المقعد، واستحال ما أمله من أن الأمر إلى والده، فعجب بعض الحاضرين في شأنه، وأن القاضي إنما فعل ذلك لعله من قبيل التأديبات أو نحوها، مع أن الركضة لا قصاص فيها، لعدم العلم بقدرها إلا في قول شاذ لبعض العلماء، فحضر الحاضر، وحامل ذلك الأمر الصادر، وطلب الصلح، والصلح خير، وبذل لذلك الرجل بعض شيء من الدراهم، والله أعلم.
وفي أول شهر شعبان اتفق كسوف للزهرة بمقابلة القمر وحجابها لها بالمشاهدة، فسبحان الخالق لما يشاء، وكان ذلك في أول ليلة رابع الشهر المذكور، في برج القوس، ورؤي أيضاً بالمشاهدة المريخ رجع في برج الثور قد كان قارب سيرة الثريا، ثم تراجع واستمر رجوعه إلى نصف القعدة، ثم سار ودخل الجوزاء[73/ب].
وكان عند دخول أحمد بن الحسن من الروضة إلى صنعاء من باب السبحة ومعه نحو أربعين من الخيل ومثلهم من الرجل فصفت الخيل في بابه عند دخوله وكان قد ازدحم أهل صنعاء للتفرجة حوله، فاتفق أن ركض حصان السماوي رجلاً من أولئك المتفرجين إلى جنب جدار هنالك، حتى سقط في ذلك الحين وهلك، لم يبق إلا بقية ذلك اليوم.