وفي أول هذا الشهر نزل سيل عظيم هائل غير معهود من جبل مَسْور إلى بني مهدي وبني مهند ، فحمل من أموال البن وغيرها كثيراً جزيلاً، حتى فقر بعضهم لحمله لجميع ماله، وراح منه ثلاثة مساجد حملها، وحمل خمسة رجال كانوا فيها، وحمل تالوقة عظيمة لها مدة طويلة، وكان قد هرب إليها شيء من الرُّباح فقلعها بعروقها وقرودها، بحيث أخبر أهل الجهة أنهم لا يعلمون مثل هذا السيل مدة أعمارهم، ولا أخبرهم أحد من كبارهم، فالقوة لله، ونزل سيل فخرب بيت شيخ بني مهدي؛ لأنه كان في رأس الوادي، فهربوا عنه، ثم نزلت صخرة عظيمة من الجبل عمته بالخراب، فعمر الشيخ في موضع آخر في وسط الوادي، ونزل سيل أيضاً بوادي ضِلاَع كبس أموالاً كثيرة.

وفي هذه المدة بشهر ربيع وصل خبر من الحجاز (بأن الشريف أحمد بن زيد بن محسن) استقر عند[49/ب] الشيخ ابن معيان، من مشائخ بلاد الصفراء ورؤسائها وما بين مكة والمدينة وهي طريق المدينة من مكة، وأنه والشيخ تعرضوا المحمل المصري انتهبوا وقتلوا جماعة حال عودهم من مكة آخر شهر الحجة، فحصل في نفس الشريف بركات ما حصل وكذلك محمد شاوش، وكتب إلى الشيخ ابن معيان من أجل هذا الحادث، وأنه يخرج الشريف أحمد بن زيد عن بلاده، فأجاب في كتابه: بأن بقاء المذكور عنده ولا يحسن منه صده فتقدم الشريف بركات إلى تلك الجهات، وخرج عن مكة بمن معه من العينات واستقر ببدر مدة، ثم إنه تقدم إلى تلك الجهة، فوقع الحرب. وكان قد أجاش ابن معيان قبائل حرب، فقتل من أصحاب الشيخ ابن معيان جماعة ومن أصحاب الشريف أيضاً جماعة، واختلفت الأخبار في العدد فقيل: قدر أربعين من الطائفتين وقيل: أكثر، ثم بعد ذلك اختلفت الأخبار أيضاً فقيل: إن الشريف أحمد بن زيد هرب بلاد نجد العلياء والشيخ ابن معيان احتاز في جبل من بلاده بعد أن خرج مع الشريف بركات عينة من مصر، وأن الهزيمة أولاً كانت ببركات، وكان الشريف سعد [50/أ]قد أهم بالتقدم إلى جهات الحجاز لما بلغه أول هذه الحادثة، فلم يتم له ذلك ورجع إلى بيته، وكان وصول الخبر إلى اليمن في شهر شعبان، وقد كان غَلَبَ أحمد بن زيد وقبائل الشيخ ابن معيان على بركات، ومنعوه عن نفوذ الأوامر والتصرفات.
وفي سلخ جمادى الثاني عاد الحسن بن الإمام إلى أبي عريش، ثم طلع جبل رازح حيث كان بعد أن قد قبض اللحية وكمران كما سبق ذكره.
وفي هذا الشهر أنفذ محمد ابن الإمام الأمر في خَرْص الثمار من الحبوب في بلاد سنحان، ولم تكن عادة من قبل هذا الزمان، ثم تركه بعد ذلك.

وفي شهر ربيع الثاني من هذه السنة وصل الفقيه صالح المقبلي الثلائي اليمني من مكة المشرفة، بعد أن استقر فيها هذه المدة، فذكر تحقيق[50/ب] موسم حج هذا العام الماضي، وقال: الخارج مع حاج الشامي محمد باشا صاحب حلب، وهو مملوك للسلطان ولاَّه مدينة حلب هذا العام، ورجع مع المحمل الشامي عقب تمام الحج، ومحمد شاوش بمكة يتردد منها إلى مكة.
وذُكر أن مالطة تم استفتاحها، والاستيلاء على قلعتها، والحكم عليها ودخولها في مملكة السلطان محمد بن إبراهيم بن أحمد خان، ورفع عنها العساكر وبقي فيها من يحفظها، وفيها المعدن الذهبي، فكان ذلك زيادة قوة للسلطان.
قال: ووقع ذلك الصلح الذي بلغك في الأيام الماضية، وهو على البلاد الداخلية للنصارى من الفرنج، وليس على القلعة، إذ دخولها كان عنوة، قال: والجاري من الانتقاض الذي جاء به الخبر في أطراف بلاد السلطان من جهة أخرى اختلف فيه الخبر، قال: وكان شاع الخبر[51/أ] بمكة أن القاصد هو السلطان بنفسه، قال: فلم يمض إلا برهة أيام حتى وصلت البشارات إلى مكة بالاستيلاء عليها، وعود السلطان من تلك الجهة التي أمها.
قال: ويقال أنه ما قد كان خرج بنفسه قبلها، وزال الخلل فيها، وزينت الأسواق بمكة وجدة إظهاراً للبشارة.

وفي نصف شهر جمادى الآخرة خرج محمد بن الإمام من صنعاء، بعد العصر، طريق الجراف، ثم ذَهْبَان ، ثم سار إلى ضلع، صلى فيها المغرب والعشاء، وسار ليلاً حتى بلغ إلى ثُلاء آخر الليل، ولبث فيه نصف شهر، ولم يكن في المدينة من مآثر الدولة الأولة، لخراب أساس قصر عامر بن عبد الوهاب من المدة السابقة، فإنه كان هذا القصر عامراً في مدة المطهر إلى دولة السلطنة، وخُرب وعمر بحجاره أهل البلد، ولم يبق إلا عمارة الحصن على حالها الأول دون قصر المدينة، إلا ما فيها عمارة لأهلها، ثم استدعاه صاحب كوكبان للضيافة فسار إلى هنالك، واتفق من بعض الخدامين قتل بواب شبام حال الدخول بسبب خصام أدى إلى عدم الاحترام والاحتشام، فطلع الجبل، ولم يبق فيه إلا قدر ثمانية أيام.
[52/ب]وفي آخر نهار السبت، تاسع وعشرين شهر جمادى الآخرة مات شرف الدين الحسين بن الإمام المؤيد بالله بوطنه ومستقره حصن شهارة، كان المذكور له معرفة بمنازل الناس والرعايات، وبقية من الطبقة الأولة بالنظر إلى هذه الأوقات، ولكنه كان يجور في الآداب، قد تبلغ نفاعته إلى المائة الحرف فأكثر في الشكايات، حتى أنه قد يتلطف المُشكى به في ترك المشكى، وتسليم الحق من دونه على الوفاء، وكان إلى ولايته بلاد عفَّار وعاهم وضاعن ، بمساقط الشرف الأسفل . وكان أصحاب والده يحبونه، وكثيراً من الأعيان في جهات القبلة من المشائخ والرؤساء يودونه، بما يرون منه من الإنصاف لهم والإكرام مع أحوال الوقت وكانت وصيته مسندة إلى صنوه القاسم بن محمد ، قيل: وأوصى بالثلث من تركته للعلماء والمتعلمين. والله أعلم.

ودفن بحصن شهارة جنب الجامع [53/أ] بين القبتين رحمه الله. وكان المذكور له سياسة عجيبة، اتفق أن مسافراً أمسى في سمسرة الرباط فراحت عليه دراهم كثيرة في خُرْج أو مَسَب، فشكاه المَقْهوي؛ لأنه الذي يغلق السمسرة، فأنكر ذلك، فلم يقر بشيء، ثم إنه سار إلى عند الحسين بن المؤيد، فطلب المذكور وحبسه، ثم أمر الرَّسَمي يسوسه بأخذ خاتمه من يده، فأخذه، فكتب على لسان المحبوس إلى ولده والخاتم الأمارة يذكر منه أنه يرسل بالخُرْج بما فيه من الدراهم، فسار ولده بذلك إلى حضرته، وتقرر عليه أمره، ورجعت الدراهم لصاحبها.
وفي هذه الأيام بعد وصول مشائخ بلاد خولان صعدة شُكاة من علي بن أحمد أرسل معهم الإمام والياً السيد علي بن مهدي النوعة ، فحصل مع علي بن أحمد ما حصل، وتكدر خاطره واشتغل.
وفي غُرة رجب نزل علي بن الإمام من حضرة والده إلى اليمن الأسفل، بلد ولايته فسار واستقر بمدينة إبّ .
وفي هذه الأيام خرج محمد بن عامر الذي كان خالف على عساكر السلطنة بسواحل الحبشة، كما مضى ذكره، فدخل المخا هارباً في قدر خمسة عشر نفراً، وخرج عقبه غرابان إثنان لاحقان له في البحر حتى وصلوا إلى قريب المخا، ثم رجعوا على القفاء، وخرج زيادة عسكر إلى سواكن؛ لأجل محمد عامر مما حركه من الأمر الساكن، وانتهب على المذكور خزانته، وما قد جمعه مما استولى عليه وأخذه، وهو الذي أخرج مصطفى باشا من الحبشة وحاربه، ولعله كان قران المريخ والمشتري في برج العقرب.
ووصل في هذه الأيام بآخر شهر رجب وأول شعبان مركب كان متوها في البحر من الهند، وقد له في البحر حول أربعة أشهر من أول الموسم[53/ب]. وكان السيد الحسن الجرموزي صاحب المخا قد جهز المحصول من البندر إلى حضرة الإمام وبلغ صحبته، فوصل إلى حضرة الإمام بأول شعبان بحول مائة وخمسين حملاً.

وفي هذا الشهر أهم الإمام بضريبة جديدة، ويكون الصرف للقرش بحرفين، فتضرر التجار من ذلك الأمر خشية من الخسران في قضاء الديون هذا الأوان؛ لأن صرف القرش هذه الأيام الأولة بثلاثة أحرف وكسور فينقصون في المعاملات وقضاء الديون الثلث، فسار إلى الإمام جماعات للمشكى، فأجابهم الإمام وترك ذلك الذي كان أراده فيما مضى، وأطلق يومئذٍ لليهود أموالهم وبيوتهم من ذلك الترسيم الذي جرى، وقال ليس عليهم إلا الضريبة متى احتاج إليها من غير أجرة، وحط عنهم ما كان زاده على الجزية، وقال: ليس عليهم إلا الجزية المعتادة.
[54/أ] وفي هذه السنة ظهرت مصنفة في بعض كراسة سماها واضعها (الجلسات)، فيها تخليطات ذكر فيها: أن المُريد أول ما إليه يريد من الطريقة أن يربط رجليه بحبل ويعلقها في سارية، ثم جلسة أخرى بعد ذلك متربعاً ويربط قدميه ويبقى على ظهره ملقى، وخرافات وجهالات لا يقول بها أحد من البريات، ولعل صاحبها اعتراه شيء من الخيولا، نعوذ بالله منه من أعمال السوداء، فصنفها وافتعلها من غير معرفة، ولا يعرف منشيها.
وفي هذه السنة كثرت الخيانات في الأمانات بين الناس، ممن لم يظن أنه يفعل ذلك فلا قوة إلا بالله، وغفلوا عن قول الله تعالى: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ الله رَبَّهُ} {وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً }.
وفي هذه الأيام كان كمال الصِّراب والحصاد للثمار، فتهونت الأسعار، بلغ القَدَح الصنعاني مع زياداته بعشرين بقشة، والبر بحرف، والذرة من خمسة وعشرين، ودون ذلك.

والإمام هذه الأيام توجع من أعمال أهل برط[54/ب] وبني نوف من دُهمة، وكان أكثره من أهل جبل برط في عدم نفوذ أمره وخطه، فإنه كان أمرهم بتسليم الزكاة إلى أحمد بن المؤيد إلى عيان، والنصف يصير إلى القضاة، علي بن محمد العنسي وأصناه. وعاتب بذلك صنوه حسن بن محمد بن علي العنسي وقال: لم يمتثل القاضي على أمرنا وخطنا في سوق النصف إلى عيان، وقبض الجميع بالأكف والبنان، حتى وادي المراشي، وهو في العادة الماضية إلى عيان إلى مدة الإمام المؤيد بالله، فإنه كان يقبضه أشراف الجوف، وكان عم علي بن محمد بن علي بن قاسم، وهو القاضي أحمد بن علي يرسل بالفضلة إلى الإمام المؤيد بالله، مع أن المراشي كان مخرجاً عنه، وهذا الوقت يقدر ذلك كله، ومن جملة قوله في العتاب: أنه قد أهم أن يسير بنفسه إلى بلاد ظَفَار وذِيِبْيِن ، وينظر من هنالك ما ينتهي به الحال والتبيين، وإن اقتضى المخالفة والشقاق[55/أ]، كان النظر من ذلك المكان وتلك الآفاق، مع ما أخذوا ونهبوا على الضعفاء من أهل الجوف، ثم أنه انبرم القول أن صنوه المذكور أرسل بعض أقاربه إلى هنالك، والنظر فيما يصلح في ذلك، وما يردوه من الذي أخذوه، فأرجعوا إلى المذكور ما بقي بعينه وسلموه إلى رسول أهل الجوف بأصله. وذكر لي بعض أقاربهم أن شبهة القاضي علي المذكور في قبضه للزكاة أنه قال: لا ولاية للإمام في تلك الديار؛ لأنها لا تنفذ فيها أوامره، والإمام صار متردداً في شأنهم، يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، لأجل أعمال مكة، وما يخشى من تلك الجهة، فإن أحوال الأشراف بها ما انتظمت، والتقوية من جهة السلطان ما زالت. ثم إنه وصل جماعات من أهل برط لقبول عيد رمضان، فشكى بعض ذلك الذي[55/ب] كان، وزلج الإمام القاضي حسن، وعرج عن ما كان قد أمر.

وفي أول شوال وصلت أخبار من الجهات الشامية والبلاد المصرية والحجازية فأخبروا أنه يتجهز الوزير للسلطان، ومن يعتمد عليه في الأمور العظام إلى مصر وعزل عنه الباشا الأول، وقيل: إنه مأمور أن ينفذ فيه الأمر. ولم تصل كتب من محمد شاوش إلى هذا التاريخ مثل العادة، وأنه خرج بعد وصوله إلى مصر بعض عيناته إلى ينبع، فكان بسببها التنفيس على بركات، ومحاصرة الشيخ ابن معيان، وهرب أحمد بن زيد، هذا ما اتفق من الخبر هذا الشهر. وهذه الحركات كلها أسباب الأشراف آل زيد بن محسن، أولها ما سبق ذكره وآخرها عمل أحمد بن زيد والشيخ ابن معيان من قطعه لطريق ينبع ومخالفته للشريف بركات[56/أ]، وأرسل الوزير جماعة من الذين يصلحون الطرق ويعمروا مناهلها ومنشقها من مصر إلى مكة، وأمر بعمارة سمسرة جدة.
وفي العشر الآخرة من شوال سقط الآغا فرحان من فوق الحصان بالغراس، من أعمال حصن ذمَرْمَرْ حضرة أحمد بن الحسن، بعد عوده من التمشية في ذلك الوطن، وذلك أنه جرى بالحصان، فكُدِف به، وانقلب عليه، فهلك في الحال، في ذلك المقام، وقبض أحمد بن الحسن تركته وما جمعه أيام ولايته لبندر عدن ورسم على بيته بصنعاء؛ لأنه مملوكه.
وفي يوم الإثنين آخر يوم من شهر شوال توفي الشريف العارف صالح بن أحمد السراجي بصنعاء، كان المذكور له معرفة بالفقه وبعض مشاركة في غيره. وكان من الراغبين إلى العلم وتحصيله وفوائده. وكان ناقلاً للقرآن الكريم غيباً، وأول قراءته على السيد العلامة محمد بن عز الدين المفتي رحمه الله وغيره من العلماء بصنعاء، وأصله من قرية الضَبَعات [56/ب] من بلاد سنحان. ودفن بمقبرة باب اليمن رحمه الله.
وفي ذي القعدة منها زلج الإمام السيد الحسن بن مطهر الجرموزي إلى محل ولايته بندر المخا، بعد أن كان طلع إلى حضرته، كما سبق ذكره.

وفي هذه المدة كثر من الناظر يحيى بن حسين السحولي على الوقف بصنعاء التضييق على المسلمين في الطرقات والمفاسح في الأسواق والشوارع والطرق، وعمر فيها للوقف، وصار يقطع من طلب عمارة فيها للوقف، طمعاً في الدراهم، والعامر طمعاً في الانتفاع، وصار خط الناظر ذريعة إلى عدم تعرض الناس؛ لأن العامة يعتقدون أن الطرق والحواثر التي لا يد عليها للوقف، وهو جهل ظاهر؛ لأن ذلك لا يكون للوقف، وإنما هو لمصالح المسلمين كافة، لا يجوز إحداث ما يضر عليهم، فأما الوقف فلم يقل أحد من علماء الإسلام، وصار يطلب زيادات على العريص في الأجر، فيما كانت العمارة مقررة على ذلك القدر، ولكن لهوى النفوس سريرة لا تُعلم. وقد استولى المذكور ووالده على ازدراع مقبرة في المحاريق تتصل بأعنابهم وينكرون العامة عليهم، ولا يستنكروا على أنفسهم. فكان هذا مظلمة من المذكور، ومن تقدمه قبله من النظار يفعلون ذلك، جهلاً منهم، لكنهم ما أفرطوا إلى إفرط هذا الناظر، ثم من مظالمه أنه صار يدعي على كثير من أهل الأملاك الوقف [57/أ] ويأذيهم في شيء ما قد جرت عليه يد من قبله، حتى صار حاله يقرب مما كان من البوني في مدة سنان باشا، وكثر شُكا الناس منه على جعفر باشا ، وعمل معه ما عمل من الأمر الذي لا يخفى، وصار المذكور يضلل بالعلل، ويغر الدولة بهذا العمل ويقول: مع فلان من الوقف، فحصل من جهته الضرر، فقد يصادق في قوله، فلا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصار يدعي الحواثر التي لا يد عليها للوقف في المدينة وخارجها وطرقها ومقاشمها، ومن ذلك ما جرى منه مع السيد محمد بن عبد الله العياني في أملاكه، كما سبق ذكره، وصار أيضاً يصادقه بعض حكام المدينة وهو القاضي علي بن جابر الهبل، غرراً منه من غير حضور بيّنة وشريعة، وإذا حقق للقاضي بعد ذلك ندم وقال غرّه المذكور.

وفي العشر الآخرة من شهر القعدة الحرام وصل كتاب إلى حضرة الإمام، وغيره من الأعيان، بأن العماني سلطان بن سيف اليعربي جهز من بلاده في البحر حول عشر برشة، وأن مراده القطع على البانيان في البحر، حال خروجهم إلى اليمن من الهند، إذ هم أول من يخرج من هنالك، وذكر للإمام: أن لا يكون قصده إلى التمحيق في سواحل اليمن بعد صحة تجهيزه في البحر، فأمر بالتحفظ في بندر المخا، ثم أنه بعد ذلك وصل كتاب من العماني كما روى أن قصده لا إلى سواحل اليمن، وكان وصول الكتاب في خلال ما حصل منهم من يقول إلى سواحل الهند، والله أعلم ما انتهى إليه قصده.
وفي هذه الأيام حصل في جهات آل عمار غزوهم من دهمة، فقتلوا منهم في قتل متقدم من آل عمار جرى في دهمة، وحصل في بلاد العولقي في المشرق ما حصل من قبل السَبَار في بلادهم، والاستقلال بأمرهم وخلافهم[57/ب].
وفي هذا الشهر أظهر الإمام الإجازة لولده أحمد للبلاد التي كانت لشرف الإسلام الحسين بن المؤيد بالله، وهي: بلاد عفَّار وبلاد عاهم وضاعن، فتصرف فيها، وأمر القباض إليها، ولم يبق للولاة الأولين ما كان من إطلاق اليد والنظر عليها، وكان ولد شرف الإسلام الحسين بن يحيى بن الحسين بن المؤيد وصنوه القاسم بن المؤيد طامعين وراجين إلى توليتها، وتبقيت أحدهم فيها، وحصل التغير على أهل المقررات من الفقهاء وسادة كحلان وغيرهم من الفقراء، ومن يعتاد العطاء منها كسائر الناس، فإن ذلك قد حصل وعم الخاص والعام من جميع الأجناس، فالمُلِّح ما ترك الإلحاح والمطالبة، ولم يحصل له إلا التافه اليسيرة مع المشقة، والصابر صبر وترك المشاحجة. ولقد استحد بعض السادة من بني عشيش فقال للإمام: هذا الجمع لا مصلحة فيه، فلعله كجمع المؤيد بالله، وصار أكثره لحسين ولده.

37 / 94
ع
En
A+
A-